الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه، واستنزال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته فقلَّما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مَدًا (1)، وتزدلف الفتوحات الإلهية [إليه](2) بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفِّق لهذا الافتقار علمًا وحالًا وسار قلبه في ميادينه حقيقة وقصدًا (3)، فقد أُعطي حظه من التوفيق، ومن حرمه، فقد مُنع الطَّريقَ والرَّفيقَ فمتى أُعين مع هذا (4) الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذو الفضل العظيم.
[لا يفتي ولا يحكم إلا بما يكون عالمًا بالحق فيه]
الفائدة الحادية عشرة (5): إذا نزلت بالمفتي أو الحاكم نازلة (6)، فإما أن يكون عالمًا بالحق فيها أو غالبًا على ظنه بحيث قد استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته أو لا، فإن لم يكن عالمًا بالحق فيها، ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي، ولا يقضي بما لا يعلم ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة اللَّه (7)، ودخل تحت قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا] (8) وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] فجعل القول عليه بلا علم أعظم المحرمات الأربع التي لا تُباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر ودخل تحت قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
= قلت: وهو المثبت في (ق) و (ك).
(1)
نقل عنه تلميذه الإمام الشاب محمد بن عبد الهادي في "العقود"(ص 6) ما نصه: "إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة فأستغفر اللَّه تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل، حنى ينشرح الصدر، وينحل إِشكال ما أَشكل. قال: وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي". وقال (د): "في نسخة: "يتتابع ملأ"".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ت): "في ميادينه حقيقة وقصد افتقار"، وفي المطبوع:"بحقيقة وقصد".
(4)
في (ق): "أعين بهذا"، وفي (ك):"عين مع هذا".
(5)
في (ق) و (ك): "الحادية عشر"!
(6)
في المطبوع: "بالحاكم أو المفتي النازلة"، وفي (ك):". . . النازلة".
(7)
انظر بحث ابن القيم رحمه الله في تحريم الفتيا على اللَّه تعالى بغير علم في: "الداء والدواء"(ص 209 - 210)، و"إغاثة اللهفان"(1/ 158)، و"الفوائد"(98 - 99)، و"مدارج السالكين"(1/ 372 - 374)، و"بدائع الفوائد"(3/ 275).
(8)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الى قوله".
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168 - 169] ودخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بغير علم، فإنما إثمه على من أفتاه"(1)، وكان أحد القضاة الثلاثة [الذين ثُلثَاهم في النار (2)، وإن كان قد عرف الحق في المسألة علمًا أو ظنًا غالبًا لم يحل له أن يفتي، ولا يقضي بغيره بالإجماع المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وهو أحد القضاة الثلاثة](3)، والمفتين الثلاثة والشهود الثلاثة، وإذا (4) كان من أفتى أو حكم أو شهد بغير علم مرتكبًا لأعظم الكبائر فكيف من (5) أفتى أو حكم أو شهد بما يعلم خلافه؟ فالحاكم والمفتي والشاهد كل منهم يخبر (6) عن حكم اللَّه، فالحاكم مخبر منفذ،
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الترمذي (1322)، والطبراني في "الكبير"(1154)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(54)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 865 و 4/ 1332)، والروياني في "مسنده"(66) ومحمد بن خلف وكيع في "أخبار القضاة"(1/ 13، 14) والحاكم (4/ 90)، والبيهقي (10/ 116)، وابن عبد البر في "الجامع" (1656) من طريق شريك القاضي عن الأعمش عن سعد بن عُبيدة (وفي سنن الترمذي: سهل وهو تحريف) عن ابن بُريدة عن أبيه به.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
لكن شريك لم يخرج له مسلم إلا متابعة.
ورواه أبو داود (3573) والنسائي في "الكبرى" -كما في "تحفة الأشراف"(2/ 94) - وابن ماجه (2315)، والطحاوي (55)، ووكيع في "أخبار القضاة"(1/ 14)، والبيهقي (10/ 116)، وابن عبد البر (1657)، من طريق خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن ابن بريدة به ورجاله ثقات، لكن خلف بن خليفة اختلط بأخرة.
ورواه الطبراني (1156)، من طريق قيس بن الربيع عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة به، وقيس هذا ضعيف.
ورواه الحاكم (4/ 90)، ووكيع (1/ 15)، وابن عبد البر (1658) من طريق عبد اللَّه بن بكير الغنوي عن حكيم بن جبير عن ابن بريدة به.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، فتعقبه الذهبي: ابن بكير الغنوي منكر الحديث.
ورواه ابن عدي (6/ 2161) من طريق محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن ابن بريدة به، ومحمد بن جابر هذا ضعيف، وهذه طرق تقوي الحديث بلا شك.
وقد ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 319)، وفي "التلخيص"(4/ 185)، وقال:"وله طرق جمعتها في جزء مفرد"، وقال الذهبي في "الكبائر" (ص 103 - بتحقيقي):"إسناده قويا وصححه شيخنا الألباني في "الإرواء" (8/ 235).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في (ق): "وإن".
(5)
في (ق): "بمن".
(6)
في المطبوع و (ت) و (ك): "مخبر".