الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، وبقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وبقوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم:"ثبت عن النبي (1) صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا"، يقول: من قال بهذا (2)؟! ويجعل هذا دفعًا في صدر الحديث، يجعل (3) جهله بالقائل [به](4) حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد (5) أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم (6) إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأقبح من ذلك: عذرُه في دعوى هذا الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد (7) الأمر إلى تقديم جهله على السنة، واللَّه المستعان.
ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال: لا نعمل بحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به، [فإن جَهِل مَنْ بلغه الحديث مَنْ عَمِل به لم يحل له أن يعمل به](8)، كما يقول (9) هذا القائل.
[لا يجوز إخراج النصوص عن ظاهرها لتوافق مذهب المفتي]
الفائدة الخامسة والخمسون (10): إذا سئل عن تفسير آية من كتاب اللَّه تعالى أو سنة رسول اللَّه (11) صلى الله عليه وسلم فليس له أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه (12) التأويلات
(1) في (ق): "رسول اللَّه".
(2)
قال (د): "في نسخة: "ومن قال هذا".
(3)
في المطبوع: "أو يجعل"، وفي (ك):"وجعل" وفي (ق)"ويجعل".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك):"بهذا".
(5)
في (ق): "يعتقدون".
(6)
في (ق): "نسبهم".
(7)
في (ت): "ففساد".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(9)
قال (د): "في نسخة: "كما يقوله""، وهو المثبت في (ق) وقد أسهب الشيخ السندي رحمه الله في تقرير ما ذكره المصنف في كتاب بديع له، سماه:"دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب" واعترض عليه بعضهم بـ"ذبابات الدراسات" ورد هو بـ"ذب الذبابات" وكلها مطبوعة.
(10)
لم يذكر المصنف الفائدة الرابعة والخمسين، أو أنه [الناسخ] سها في الترقيم.
(11)
في (ق): "عن رسول اللَّه".
(12)
في (ق): "بوجه".
الفاسدة الموافقة (1) نحلته وهواه، ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه، وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرَّح به أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا.
قال أبو حاتم الرازي: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: "الأصل قرآن أو سنة، فإنْ لم يكن: فقياسٌ عليهما (2)، وإذا اتَّصل الحديثُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصحَّ الإسناد [به] (3) فهو المنتهى، والإجماع أكبر (4) من الخبر المنفرد (5)، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني (6): فما أشبَه منها ظاهره أولاها به، فإذا تكافأت الأحاديث فأصحَّها إسنادًا أولاها، وليس المنقطع بشيء، ما عدا منقطع [سعيد] (7) بن المسيِّب، ولا يقاس أصل على أصل، ولا يقال لأصل: لم؟ وكيف؟ وإنما يُقال للفرع: لم؟ (8) فإذا صَحَّ قياسُه على الأصل صح وقامت به الحجة". رواه الأصم عن أبي حاتم (9).
وقال أبو المعالي الجويني في "الرسالة النظامية، في الأركان الإسلامية"(10): ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب [تعالى](11)، والذي نرتضيه رأيًا وندين اللَّه به عقدًا (12) اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول (13) صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة
(1) في المطبوع: "لموافقة".
(2)
سأل أحمدُ الشافعيَّ عن القياس، فقال:"عند الضرورات"، كما في "صون المنطق"(44) و"إيقاظ الهمم"(9).
وانظر: "الرسالة"(40) و"آداب الشافعي ومناقبه"(160).
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "منه".
(4)
في (ت) و (ك): "أكثر".
(5)
كذا عند أبي حاتم، وفي جميع الأصول:"الفرد".
(6)
كذا في (ت) والمطبوع، وفي (ق):"لمعان".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(8)
في (ق): "وإنما يقال للفرع له".
(9)
رواه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه"(231 - 233) -ومن طريقه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(رقم 573)، ومن طريقه ابن الجوزي في "تعظيم الفتيا"(رقم 1) - ورواه الهروي في "ذم الكلام"(رقم 1110، 1111، 1112، 1113، 1114) وفي المطبوع و (ك): "عن ابن أبي حاتم"!!
(10)
(ص 32 - 33 ط السقا)، واسمها:"العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(12)
في "العقيدة النظامية": "عقلًا".
(13)
في (ق): "رسول اللَّه".
الإسلام والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدًا في ضبط قواعد الملَّة، والتَّواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، ولو كان تأويل هذه الظواهر مسوغًا أو محتومًا لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين [لهم](1) على الإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعًا بأنه الوجه المتبع، فحقّ على ذي الدين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب تعالى (2).
وعند (3) إمام القرَّاء وسيدهم الوقوف (4) على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] من العزائم، ثم الابتداء بقوله:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7].
ومما استحسن من كلام مالك أنه (5) سئل عن قوله تعالى (6): {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة (7)، فلْتُجْر آية الاستواء والمجيء وقوله:
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق) و (ك).
(2)
هذا هو التفويض الشائع عند المتأخرين! وهو خطأ، إذ التفويض للكيف لا للمعنى، وانظر كلام الإمام مالك الآتي بعد قليل وتأمله.
وانظر كتابنا: "الردود والتعقبات"(ص 67)، ووقع في (ق):"ويكل معانيها إلى الرب تعالى".
(3)
في "العقيدة النظامية": "وعدَّ".
(4)
في (ق): "الوقف".
(5)
في (ك): "إذا".
(6)
في (ق): "عن قول اللَّه سبحانه".
(7)
أخرج مقولة مالك عنه: عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهميَّة"(رقم 104)، وأبو عثمان الصابوني في "عقيدة السلف"(رقم 24، 25، 26)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(664)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 325 - 326)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 304 - 305، 305 - 306/ رقم 866، 867 - ط المحققة)، وابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 151) من طرق عنه.
وجوّد إسناده ابن حجر في "الفتح"(13/ 406، 407)، وقال الذهبي في "العلو" (ص 141 - مختصره):"هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة".
وهي مشهورة عن مالك جدًا، انظر:"البيان والتحصيل"(16/ 367 - 368) و"المحرر"(11/ 63) و"درء تعارض العقل والنقل"(1/ 78 و 6/ 264) و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(17/ 373) و"اجتماع الجيوش"(141) و"الرسالة الوافية"(ص 53) للداني و"ترتيب المدارك"(2/ 39)، و"الموافقات"(5/ 351 - بتحقيقي).
{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [طه: 75]، وقوله:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ]} (1)[الرحمن: 27] وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول (2)، وغيره على ما ذكرنا انتهى كلامه.
وقال أبو حامد الغزالي: الصواب للخلف [سلوك مسلك السلف في](3) الإيمان المرسل، والتصديق المجْمل، وما قاله اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، بلا بحثٍ و [لا](4) تفتيش.
وقال في كتاب "التفرقة"(5): "الحق الاتِّباع والكف عن تغيير الظواهر رأسًا، والحذر من (6) أتباع تأويلات لم يصرح بها الصحابة، وحسم باب السؤال رأسًا، والزجر عن الخوض في الكلام والبحث" إلى أن قال: "ومن الناس من يبادر إلى التأويل ظنًا لا قطعًا، فإن كان فَتْحُ هذا الباب والتصريح به يؤدي إلى تشويش قلوب العوام بُدِّعَ صاحبه، وكل ما لم يؤثر عن السلف ذكره، وما يتعلق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمة، فيجب تكفير من يغيّر الظواهر (7) بغير برهان قاطع".
وقال أيضًا: "كل ما لم يحتمل التأويل في نفسه وتواتر نقله ولم يتصور أن يقوم على خلافه برهان فمخالفته تكذيب [محض] (8)، وما تطرق إليه احتمال تأويل ولو بمجاز بعيد، فإن كان برهانه قاطعًا وجب القول به، وإن كان البرهان يفيد ظنًا غالبًا، ولا يعظم ضرره (9) في الدين فهو بدعة، وإن عظم ضرره [في الدين] فهو كفر"(10).
قال: "ولم تجر عادة السلف [بالدعوة](8) بهذه المجادلات (11)، بل شدَّدوا
(1) ما بين المعقوفتين من (ق).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1145) في (التهجد): باب الدعاء والصلاة في آخر الليل و (6321) في (الدعوات): باب الدعاء نصف الليل، و (7494) في (التوحيد): باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} ، ومسلم (758) في (صلاة المسافرين): باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، من حديث أبي هريرة، وفي الباب عن جمع من الصحابة، وانظر شرحه لشيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "شرح حديث النزول".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "في السلوك".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
انظره ضمن "رسائل الإمام الغزّالي"(3/ 129 - 132 - دار الكتب العلمية)، ونقل مصنّفنا رحمه الله منه باختصار وتصرف.
(6)
في المطبوع و (ت): "تغيير الظاهر رأسًا والحذر عن"، وبعدها في (ك):"ابتداع".
(7)
في (ك): "الظاهر".
(8)
في (ت): "ولا يعلم ضرورة".
(9)
العبارة في (ت): "وإن علم فهو كفر"، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(10)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(11)
قال (د): "في نسخة: "المحاولات"".
القول على من يخوض في الكلام ويشتغل بالبحث والسؤال".
و [قد](1) قال أيضًا: "الإيمان المستفاد من الكلام ضعيف، والإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم [في الصبا] (2)، بتواتر السماع وبعد البلوغ بقرائن يتعذَّر التعبير عنها".
قال: "وقال شيخنا أبو المعالي: يحرص الإمام ما أمكنه على جمع عامة الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك"(3)، انتهى.
وقد اتَّفقتْ الأئمة الأربعة على ذم الكلام وأهله، وكلام الإمام الشافعي ومذهبه فيهم معروف (4) عند جميع أصحابه، وهو:"أنهم يُضربون ويطاف بهم في قبائلهم وعشائرهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام"(5).
وقال: "لقد اطّلعت من أهل الكلام على شيء ما كنت أظنه"(6) وقال: "لأن يبتلى العبد بكل شيء نهى عنه غير الكفر أيسر من أن يُبتلى بالكلام"(7)، وقال
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
"لم يكن الغزالي في كل ما كتب على هذا الدين الذي ذكره، فقد قام في "مشكاة الأنوار" وفي غيره من كتبه المسماة "المضنون على غير أهلها" بتأويلات هي عين تأويلات الباطنية، وجاء فيها بعظائم لا يجوز لمسلم أن يقترفها، فلنحذر من ذوي الوجوه المتعددة"(و).
(4)
في (ق): "والشافعي مذهبه فيهم معروف".
(5)
رواه أبو عبد الرحمن السلمي في "الرد على أهل الكلام"(ص 98 - 99/ منتخب أبي الفضل المقرئ) وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 116) والبيهقي في "مناقب الشافعي"(1/ 462) والخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(ص 78) والهروي في "ذم الكلام"(رقم 1142)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 941) و"الانتقاء"(ص 80) والبغوي في "شرح السنة"(1/ 218) وابن حجر في "توالي التأنيس"(ص 111).
وذكره ابن قدامة في "تحريم النظر في كتب الكلام"(ص 41)، وابن تيمية في "الاستقامة"(1/ 280) والذهبي في "السير"(10/ 29) وابن أبي العز في "شرح الطحاوية"(239) وابن مفلح في "الآداب الشرعية"(1/ 225)، والشاطبي في "الاعتصام"(1/ 296 - بتحقيقي) والسيوطي في "صون المنطق"(ص 65) و"الأمر بالاتباع"(ص 72 - بتحقيقي)، وعلي القاري في "شرح الفقه الأكبر"(ص 2 - 3) وغيرهم.
(6)
هو قطعة من الأثر الآتي.
(7)
رواه السلمي في "الرد على أهل الكلام"(ص 78، 81) وابن أبي حاتم في "مناقب الشافعي"(182) والبيهقي في "الاعتقاد"(ص 320 - ط أبو العينين) و"مناقب الشافعي"(1/ 452، 453)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 111) والهروي في "ذم الكلام"، (رقم 1137، 1138) وابن بطة في "الإبانة"(2/ 534 رقم 661، 662) وابن عساكر في =
لحفص الفرد (1): أنا أخالفك في كل شيء حتى في قول: لا إله إلا اللَّه، أنا أقول: لا إله إلا اللَّه الذي يُرى في الآخرة، والذي كلم موسى تكليمًا، وأنت تقول: لا إله إلا اللَّه الذي لا يُرى في الآخرة، ولا يتكلم.
وقال البيهقي في "مناقبه"(2): ذكر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل ابن عليَّة فقال: "أنا مخالف له في كل شيء، وفي قوله: لا إله إلا اللَّه، لست أقول كما يقول، أنا أقول: لا إله إلا اللَّه الذي كلَّم موسى من وراء حجاب، وذاك يقول: لا إله إلا اللَّه الذي خلق كلامًا أسمعه موسى من وراء حجاب".
وقال في أول خطبة "رسالته"(3): "الحمد للَّه الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به الواصفون من خلقه". وهذا تصريح بأنه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه [تعالى](4)، وأنه يتعالى ويتنزه عما يصفه به المتكلمون وغيرهم مما لم يصف به نفسه.
وقال (5) أبو نصر أحمد بن محمد بن خالد (6) السجزي: سمعت أبي يقول: قلت لأبي العباس بن سُريج: ما التوحيد؟ فقال: "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، وتوحيد أهل الباطل: الخوض في الأعراض والأجسام، إنما بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك"(7).
= "تبيين كذب المفتري"(335، 336، 337، 341) والتيمي في "الحجة"(1/ 104) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 939) و"الانتقاء"(78) واللالكائي في "السنة"(1013) وهو في "شرح السنة"(17/ 21) و"تلبيس إبليس"(82، 89) و"البداية والنهاية"(10/ 281)، و"الآداب الشرعية"(1/ 225) و"طبقات الشافعية"(1/ 281) و"شرح العقيدة الطحاولة"(ص 229) و"الاعتصام"(3/ 422 - بتحقيقي) و"توالي التأنيس"(ص 110)، و"شرح الفقه الأكبر"(ص 3) و"الأمر بالاتباع"(ص 71)، و"الفتاوى الحديثية"(175 - 177).
(1)
قال (د)، و (ح):"هكذا في النسختين بالدال، وفي "التقريب" بالخاء المعجمة، أي الفرخ" وانظر: "درء تعارض العقل والنقل"(7/ 250) و"تبيين كذب المفتري"(340 - 341).
(2)
(1/ 409 - ط دار التراث)، ونقله عن البيهقي: الفخرُ الرازي في "مناقب الإمام الشافعي"(ص 110، 111 - ط دار الجيل).
(3)
(ص 7 - 8).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
في (ق): "قال".
(6)
في (ك): "حامد".
(7)
رواه أبو عبد الرحمن السلمي في "الرد على أهل الكلام"(ص 86 - 87) والتيمي في "الحجة"(1/ 96، 97) والهروي في "ذم الكلام"(رقم 1260) وذكره ابن تيمية في "درء =
وقال بعض أهل العلم: كيف لا يَخشى الكذب على اللَّه ورسوله مَنْ يحمل كلامه على التأويلات المستنكرة والمجازات المستكرهة التي هي بالألغاز (1) والأحاجي أولى منها بالبيان والهداية؟ وهل يأمن على نفسه أن يكون ممن قال اللَّه فيهم (2): {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]، قال الحسن:"هي واللَّه لكل واصف كذبًا إلى يوم القيامة"(3)، وهل يأمن أن يتناوله قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] قال ابن عيينة: هي لكل مُفترٍ من هذه الأمة إلى يوم القيامة (4)، وقد نزَّه سبحانه [وتعالى](5) نفسه عن كل ما يصفه به خلقه إلا المرسلين، فإنهم [إنما] (6) يصفونه بما أذن لهم أن يصفوه به فقال تعالى:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 180 - 181]، وقال تعالى:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 160 - 161]، ويكفي المتأولين كلام اللَّه تعالى وكلام رسوله (7) صلى الله عليه وسلم بالتأويلات التي لم يردها، ولم يدل عليها كلام اللَّه [تعالى](8) أنهم قالوا برأيهم على اللَّه [تعالى](9)، وقدّموا آراءهم على نصوص الوحي وجعلوها (10) عيارًا على كلام اللَّه [تعالى](9) ورسوله، ولو علموا أي باب شر فتحوا على الأمة بالتأويلات الفاسدة وأي بناء للإسلام هدموا بها وأي معاقل وحصون استباحوها؛ لكان (11) أحدهم أن يخرَّ من السماء [إلى الأرض](6) أحب إليه من أن يتعاطى شيئًا من ذلك، فكل صاحب باطل قد
= تعارض" (7/ 185) والكلام في الأعراض والأجسام حدث بعد القرون المفضلة، فكيف يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بإنكار ذلك؟ لعله من مواريث الفلاسفة اليونانيين، فتأمل.
(1)
في (ق): "للألغاز".
(2)
في (ق): "ممن قال اللَّه تعالى فيه".
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 190 أو 13/ 506 ط الهندية) والبيهقي في "البعث والنشور"(رقم 165 - استدراكات) و"الشعب"(4/ 234، 263 رقم 4907، 5022)، وابن أبي حاتم (8/ 2448)، والهروي في "ذم الكلام"(رقم 750 - ط الشبل) وعبد بن حميد وابن المنذر، كما في "الدر المنثور"(5/ 620).
(4)
وهذا لفظ أبي الشيخ، كما في "الدر المنثور"(3/ 565 - 566)، وفي (ق):"هي" وبدلها في سائر النسح: "هل".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ت) و (ك).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(7)
في المطبوع و (ت) و (ك): "كلام اللَّه ورسوله".
(8)
ما بين المعقوفتين من (ق)، والعبارة في (ك):"ولم يدل عليها كلامهم".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(10)
في (ك): "وجعلوا آراءهم".
(11)
قال (د): "في نسخة: "وكان. . . إلخ"، وهو المثبت في (ق) و (ك).