الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا شأن خَلف الرسل (1) وورثتهم من بعدهم، ورأيت شيخنا قدَّس اللَّه روحه يتحرَّى ذلك في فتاويه مهما أمكنه، ومن تأمل فتاويه وجد ذلك ظاهرًا فيها، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم، بلالًا أن يشتري صاعًا من التمر الجيد بصاعين من الرديء، ثم دلَّه على الطريق المباح فقال:"بعْ الجمع (2) بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا"(3)، فمنعه من الطريق المحرَّم، وأرشده إلى الطريق المباح، ولما سأله عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس أن يستعملهما في [جباية](4) الزكاة ليصيبا ما يتزوجان به منعهما من ذلك، وأمر مَحْمِية بن جزء (5)، وكان على الخمس أن يعطيهما [منه](6) ما ينكحان به (7)، فمنعهما من الطريق المحرم، وفتح لهما [باب](6) الطريق المباح، وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى، فإنه يسأله عبده الحاجة فيمنعه إياها (8) ويعطيه ما هو أصلح [له](6)، وأنفع منها (9)، وهذا غاية الكرم والحكمة.
[ينبغي للمفتي أن ينبِّه السائل إلى الاحتراز عن الوهم]
الفائدة الخامسة: إذا أفتى المفتي للسائل بشيء ينبغي له أن ينبهه على وجه الاحتراز مما قد يذهب إليه الوهم [منه](10) من خلاف الصواب، وهذا باب لطيف من أبواب العلم والنصح والإرشاد، [و] (10) مثال هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (11):"لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده"(12)، فتامل كيف أتبع الجملة الأولى بالثانية رفعًا لتوهم إهدار دماء الكفار مطلقًا، وإن كانوا في عهدهم، فإنه لما قال:"لا يقتل مؤمن بكافر"، فربما ذهب [الوهم](10) إلى أن دماءهم هدر،
(1) في (ت) و (ك): "خلفاء الرسل".
(2)
كذا في (ت): وفي سائر النسخ: "الجميع".
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت)، وفي (ك):"ولما سألهُ الفضل بن عباس وابن عمه" وفي هامشها: "هو عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد اللَّه".
(5)
في (ت): "محمية بن حرو"، وفي (ق):"محمد بن صرد" وفي النسخ المطبوعة: "جزو"!! والصواب أثبتناه.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق) و (ك).
(7)
أخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب الزكاة): باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة (2/ 752 - 753/ 1072) من حديث عبد المطلب بن ربيعة نفسه.
(8)
كذا في (ق) وفي باقي الأصول: "إياه".
(9)
في (ق): "أصلح أو أنفع منها".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(11)
في المطبوع، و (ت):"قوله صلى الله عليه وسلم".
(12)
سبق تخريجه، وفي (ك):"يقبل"!! بدل "يقتل".
ولهذا لو قتل أحدهم مسلم لم يقتل به، فرفع هذا التوهم بقوله:"ولا ذو عهد في عهده"، ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال: يقتل المسلم بالكافر المعاهد، وقدَّر (1) في الحديث، ولا ذو عهد في عهده بكافر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تجلسوا على القبور، ولا تصلَّوا إليها"(2) فلما كان نهيه عن الجلوس [عليها](3) نوع تعظيم لها عقبه بالنهي عن المبالغة في تعظحمها حتى تُجعَل قِبْلَة، وهذا يعينه مشتق من القرآن كقوله تعالى لنساء نبيه:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] (4) وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] فنهاهن عن الخضوع بالقول، فربما ذهب الوهم إلى الإذن في الإغلاظ في القول والتجاوز، فرفع هذا التوهم (5) بقوله:{وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]، ومن ذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (6) وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] لما أخبر اللَّه سبحانه بإلحاق الذرية ولا عمل لهم بآبائهم في الدرجة، فربما توهم متوهم [أن يحطّ](7) الآباء إلى درجة الذرية، فرفع هذا التوهم بقوله:{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] أي: ما نقصنا [من](8) الآباء [شيئًا](9) من أجور أعمالهم، بل رفعنا ذريتهم إلى درجتهم، ولم نحطهم من (10) درجتهم بنقص أجورهم، ولما كان الوهم قد يذهب إلى أنه يفعل ذلك بأهل النار، كما يفعله بأهل الجنة، قطع هذا الوهم (11) بقوله تعالى:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، ومن هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: 91]، فلما كان ذكر ربوبيته البلدة
(1) في (ق): "وقد ورد".
(2)
رواه مسلم (972) بعد (97) و (98) في (الجنائز): باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، من حديث أبي مرثد الغَنَويّ.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(5)
في (ق): "الوهم".
(6)
في (ت): "ذرياتهم" وهي قراءة، وانظر:"كتاب القراءات السبعة" لابن مجاهد (ص 612)، و"إتحاف فضلاء البشر"(2/ 495 - 496)، و"التذكرة في القراءات الثمان" لابن غلبون (2/ 566)، و"الحجة في القراءات السبع" لابن خالويه (ص 333).
(7)
في (ت) و (ك): "أنه يحط"، وفي (ق):"انحطاط".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(10)
في المطبوع: "ولم نحطهم إلى".
(11)
قال (د): "في نسخة فمنع هذا الوهم".