المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الإفتاء في شروط الواقفين] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور - جـ ٦

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[إيجاب الاقتداء بهم]

- ‌[الرشد في طاعة أبي بكر وعمر]

- ‌فصل [من وجوه فضل الصحابة]

- ‌[أنواع الأسئلة]

- ‌[للمفتي العدول عن السؤال إلى ما هو أنفع]

- ‌[جواب المفتي بأكثر من السؤال]

- ‌[إذا منع المفتي من محظور دلَّ على مباح]

- ‌[ينبغي للمفتي أن ينبِّه السائل إلى الاحتراز عن الوهم]

- ‌[مما ينبغي للمفتي أن يذكر الحكم بدليله]

- ‌[من أدب المفتي أن يمهد للحكم المستغرب]

- ‌[يجوز للمفتي أن يحلف على ثبوت الحكم]

- ‌[من أدب المفتي أن يفتي بلفظ النصوص]

- ‌فصل [من أدب المفتي أن يتوجه للَّه لِيُلْهَمَ الصواب]

- ‌[لا يفتي ولا يحكم إلا بما يكون عالمًا بالحق فيه]

- ‌[الواجب على الراوي والمفتي والحاكم والشاهد]

- ‌[من أدب المفتي ألا ينسب الحكم إلى اللَّه إلا بالنص]

- ‌[حال المفتي مع المستفتي على ثلاثة أوجه]

- ‌[يفتي المفتي بما يعتقد أنه الصواب وإن كان خلاف مذهبه]

- ‌[لا يجوز للمفتي إلقاء المستفتي في الحيرة]

- ‌[الإفتاء في شروط الواقفين]

- ‌[لا يطلق المفتي الجواب إذا كان في المسألة تفصيل]

- ‌[على المفتي ألا يُفصِّل إلا حيث يجب التفصيل]

- ‌[هل يجوز للمقلد أن يفتي

- ‌[هل يجوز أن يقلَّد الفتوى المتفقه القاصر عن معرفة الكتاب والسنة

- ‌[هل للعامي إذا علم مسألة أن يفتي فيها]

- ‌[الخصال التي يجب أن يتصف بها المفتي]

- ‌[النية ومنزلتها]

- ‌[العلم والحلم والوقار والسكينة]

- ‌[حقيقة السكينة]

- ‌[السكينة الخاصة]

- ‌فصل [السكينة عند القيام بوظائف العبودية]

- ‌[أسباب السكينة]

- ‌[الاضطلاع بالعلم]

- ‌[الكفاية]

- ‌[معرفة الناس]

- ‌[فوائد تتعلق بالفتوى مروية عن الإِمام أحمد]

- ‌[دلالة العالم للمستفتي على غيره]

- ‌[كذلكة المفتي]

- ‌[للمفتي أن يفتي من لا يجوز شهادته له]

- ‌[لا يجوز الفتيا بالتشهي والتخيّر]

- ‌[أقسام المفتين أربعة]

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌[منزلة كل نوع من المفتين]

- ‌[هل للحي أن يقلد الميت من غير نظر للدليل]

- ‌[هل للمجتهد في نوع من العلم أن يفتي فيه

- ‌[من تصدر للفتوى من غير أهلها أثم]

- ‌[حكم العامي الذي لا يجد من يفتيه]

- ‌[من تجوز له الفتيا، ومن لا تجوز له]

- ‌[هل يجوز للقاضي أن يفتي

- ‌[فتيا الحاكم وحكمها]

- ‌[هل يجيب المفتي عما لم يقع]

- ‌[لا يجوز للمفتي تتبع الحيل]

- ‌[حكم رجوع المفتي عن فتواه]

- ‌[هل يضمن المفتي المال أو النفس

- ‌[أحوال ليس للمفتي أن يفتي فيها]

- ‌[على المفتي أن يرجع إلى العرف في مسائل]

- ‌[لا يعين المفتي على التحليل ولا على المكر]

- ‌[حكم أخذ المفتي أجرة أو هدية]

- ‌[ما يصنع المفتي إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى]

- ‌[كل الأئمة يذهبون إلى الحديث ومتى صح فهو مذهبهم]

- ‌[هل تجوز الفتيا لمن عنده كتب الحديث

- ‌[هل للمفتي أن يفتي بغير مذهب إمامه

- ‌[إذا ترجح عند المفتي مذهب غير مذهب إمامه، فهل يفتي به

- ‌[إذا تساوى عند المفتي قولان فماذا يصنع

- ‌[هل للمفتي أن يفتي بالقول الذي رجع عنه إمامه

- ‌[لا يجوز للمفتي أن يفتي بما يخالف النص]

- ‌[لا يجوز إخراج النصوص عن ظاهرها لتوافق مذهب المفتي]

- ‌[الأديان السابقة إنما فسدت بالتأويل]

- ‌[دواعي التأويل]

- ‌[بعض آثار التأويل]

- ‌[مثل المتأولين]

- ‌[لا يعمل بالفتوى حتى يطمئن لها قلب المستفتي]

- ‌[الترجمان عند المفتي]

- ‌[ما يصنع المفتي في جواب سؤال يحتمل عدة صور]

- ‌[ينبغي للمفتي أن يكون حذرًا]

- ‌[ينبغي له أن يشاور من يثق به]

- ‌[يجمل بالمفتي أن يكثر من الدعاء لنفسه بالتوفيق]

- ‌[لا يسع المفتي أن يجعل غرض السائل سائق حكمه]

- ‌[ذكر الفتوى مع دليلها أولى]

- ‌[هل يقلد المفتي الميت إذا علم عدالته]

- ‌[إذا تكررت الواقعة فهل يستفتي من جديد

- ‌[هل يلزم استفتاء الأعلم

- ‌[هل على العامي أن يتمذهب بمذهب واحد من الأربعة أو غيرهم

- ‌[ما الحكم إذا اختلف مفتيان

- ‌[هل يجب العمل بفتوى المفتي

- ‌[العمل بخط المفتي وما يشبه ذلك]

- ‌[ما العمل إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لأحد من العلماء

- ‌فصل

- ‌[فتاوى في مسائل من العقيدة]

- ‌فصل [فتاوى تتعلق بالطهارة]

- ‌[فتاوى تتعلق بالصلاة وأركانها]

- ‌فصل [فتاوى تتعلق بالموت والموتى]

- ‌فصل [فتاوى تتعلق الزكاة]

- ‌فصل [فتاوى تتعلق بالصوم]

- ‌فصل [فتاوى تتعلق بالحج]

- ‌فصل [فتاوى في بيان فضل بعض سور القرآن]

- ‌[فتاوى في بيان فضل الأعمال]

- ‌فصل [فتاوى في الكسب والأموال]

- ‌[إرشادات لبعض الأعمال]

- ‌فصل [فتاوى في أنواع البيوع]

- ‌فصل [فتاوى في فضل بعض الأعمال]

- ‌فصل

- ‌فصل [فتاوى في الرهن والدين]

- ‌فصل [المرأة تتصدق]

- ‌[مال اليتيم]

- ‌[اللقطة]

- ‌فصل [الهدية وما في حكمها]

- ‌فصل [فتاوى في المواريث]

- ‌[فتاوى تتعلق بالعتق]

- ‌فصل [فتاوى في الزواج]

- ‌فصل

- ‌فصل [فتاوى في أحكام الرضاع]

- ‌فصل من فتاويه صلى الله عليه وسلم في الطلاق

- ‌[الخلع]

- ‌فصل [الظهار واللعان]

- ‌فصل في فتاويه صلى الله عليه وسلم في العدد

- ‌فصل [ثبوت النسب]

- ‌[الإحداد على الميت]

- ‌فصل في فتواه صلى الله عليه وسلم في نفقة المعتدة وكسوتها

- ‌[فصل] [فتاوى في الحضانة وفي مستحقها]

- ‌فصل [فتاوى في جرم القاتل وجزائه]

- ‌[فتاوى في الديات]

- ‌فصل [فتاوى في القسامة]

- ‌فصل [فتاوى في حد الزنى]

- ‌[أثر اللوث في التشريع]

- ‌[العمل بالسياسة]

- ‌[بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم جميع أحكام الحياة والموت]

- ‌فصل [كلام أحمد في السياسة الشرعية]

- ‌فصل

- ‌[فتاوى في الأطعمة]

- ‌فصل [فتاوى في العقيقة]

- ‌فصل [فتاوى في الأشربة]

- ‌فصل [فتاوى في الأيمان وفي النذور]

- ‌[النيابة في فعل الطاعة]

- ‌فصل [فتاوى في الجهاد]

- ‌فصل [فتاوى في الطب]

- ‌فصل [فتاوى في الطيرة والفأل وفي الاستصلاح]

- ‌فصول من فتاويه صلى الله عليه وسلم في أبواب متفرقة

- ‌[التوبة]

- ‌[حق الطريق]

- ‌[الكذب]

- ‌[الشرك وما يلحق به]

- ‌[طاعة الأمراء]

- ‌[من سد الذرائع]

- ‌[الجوار]

- ‌[الغيبة]

- ‌[الكبائر]

- ‌فصل [تعداد الكبائر]

- ‌فصل

- ‌فصل مستطرد من فتاويه صلى الله عليه وسلم فارجع إليها

- ‌[عود إلى فتاوى الرسول صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌[الإفتاء في شروط الواقفين]

امرأة فقالت: ما تقول في رجلٍ له زوجة لا [هو](1) مُمسكها ولا [هو](1) مطلِّقها؟ فقال [لها](1): اختلف في ذلك أهل العلم فقال قائلون: تُؤمر بالصَّبر والاحتساب ويُبعثُ (2) على التطلّب والاكتساب، وقال قائلون: يُؤمر بالإنفاق: ولا (3) يُحمل على الطلاق، فلم تفهم المرأة قوله فأعادت المسألة فقال: يا هذه! [قد](4) أجبتُك عن (5) مسألتك، وأرْشدتُك إلى طلبتك، ولست بسلطان (6) فأمضي، ولا قاض (7) فاقضي، ولا زوج فأُرْضِي، انصرفي (8).

[الإفتاء في شروط الواقفين]

الفائدة السابعة عشرة (9): إذا سئل عن مسألة فيها شرط واقف لم يحل له أن يلزم بالعمل به، بل ولا يسوغه على الإطلاق حتى ينظر في ذلك الشرط، فإن كان يخالف حكم اللَّه ورسوله فلا حُرمةَ له، ولا يحل له تنفيذه، ولا يسوغ تنفيذه، وإن لم يخالف حكم اللَّه ورسوله فلينظر هل فيه قربة أو رجحان عند الشارع أم لا؟ فإن لم يكن فيه قربة ولا رجحان لم يجب التزامه، ولم يحرم، فلا تضر مخالفته، وإن كان فيه قربة وهو راجح على خلافه، فلينظر هل يفوت بالتزامه والتقييد به ما هو أحب إلى اللَّه ورسوله وأرضى له، وأنفع للمكلف وأعظم تحصيلًا لمقصود الواقف من الأجر (10)؟، فإن فات ذلك بالتزامه لم يجب التزامُه ولا التّقييدُ به قطعًا وجاز العدول، بل يُستحب (11) إلى ما هو أحب إلى اللَّه ورسوله، وأنفع للمكلف وأكثر تحصيلًا لمقصود الواقف (12) وفي جواز التزام شرط (13) الواقف في هذه الصورة (14) تفصيل سنذكره إن شاء اللَّه [تعالى](15)،

(1) ما بين المعقوفتين من (ت).

(2)

في (ق): "وتبعث"!! قال ابن الصلاح: "في أوله الياء التي هي للمذكر".

(3)

في (ق): "وإلا".

(4)

ما بين المعقوفتين من (ق).

(5)

في (ق): "إلى".

(6)

في (ق): "ولست سلطان"!

(7)

في (ت): "ولست بقاض"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة ما أثبتناه.

(8)

في المطبوع: "فانصرفي".

(9)

في (ق) و (ك): "عشر".

(10)

في (ق): "من الآخر".

(11)

في (ك): "استحب".

(12)

انظر: "فتاوى ابن تيمية"(3/ 389 - 390) و"أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية"(1/ 278 وما بعد).

(13)

في (ك): "الشرط".

(14)

في (ق): "الصور".

(15)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك) و (ت).

ص: 78

وإن كان [فيه](1) قربة وطاعة، ولم يفت بالتزامه (2) ما هو أحب إلى اللَّه ورسوله منه وتساوى هو وغيره في تلك القربة، ويحصل (3) غرض الواقف بحيث يكون هو وغيره طريقين موصلين (4) إلى مقصوده ومقصود الشارع من كل وجه لم يتعيَّن عليه التزام الشرط، بل له العدول عنه إلى ما هو أسهل عليه وأرفق [به](5)، وإن ترجَّح موجب الشرط، وكان قصد القربة والطاعة فيه أظهر وجب التزامه.

فهذا هو القول الكلي في شروط الواقفين، وما يجب التزامه منها (6)، وما يسوغ، وما لا يجب.

ومن سلك غير هذا المسلك تناقض أظهر تناقض، ولم يثبت له قدم يعتمد عليه.

فإذا شَرَط الواقف أن يصلِّي الموقوف عليه في هذا المكان المعيَّن الصلوات الخمس، ولو (7) كان وحده إلى جانبه المسجد الأعظم وجماعة المسلمين لم يجب عليه الوفاء بهذا الشرط، بل، ولا يحل [له](11) التزامه إذا فاتته الجماعة، فإن الجماعة إما شرطٌ لا تصح الصلاة بدونها، وإما واجبة يستحق تاركها العقوبة، وإن صحَّت صلاته، وإما سنة مؤكدة يقاتل تاركها (8) وعلى (9) كل تقدير، فلا يحل (10) التزام شرط يُخلُّ بها.

وكذلك إذا شرط الواقف العزوبية وترك التأهل لم يجب الوفاء بهذا [الشرط بل](11)، ولا التزامه، بل من التزمه رغبةً عن السنة فليس من اللَّه ورسوله في شيء، فإن النِّكاح عند الحاجة إليه إما فرضٌ يُعاقب (12) تاركه، وإما سنة الاشتغال به (13)

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ك) و (ق).

(2)

في (ك): "لم يفت بالتزام".

(3)

في (ق): "وتحصيل"، وفي (ك):"وتحصل".

(4)

في (ق): "موصله".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(6)

في (ق): "فيها".

(7)

في (ق): "وإن".

(8)

كذا في جميع الأصول!! ولعل سقطًا وقع بين "مؤكدة" و"يقاتل"، فتأمل.

(9)

في (ق): "على".

(10)

في المطبوع: "فلا يصح".

(11)

ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق)، وفي (ك):"الشرط" فقط.

(12)

في المطبوع و (ت) و (ك): "يعصي".

(13)

في المطبوع و (ت) و (ك): "الاشتغال بها".

ص: 79

أفضل من صيام النهار وقيام الليل وسائر أوراد التطوعات، وإما سنة يثاب [فاعلها، كما يثاب](1) فاعل السنن والمندوبات، وعلى كل تقدير، فلا يجوز اشتراط تعطيله أو تركه إذ يصير مضمون هذا الشرط [أنه](2) لا يستحق تناول الوقف إلا من عطَّل ما فرض اللَّه عليه وخالف سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ما فرضه [اللَّه عليه](1) وقام بالسنة لم يحل له أن يتناول من هذا الوقف شيئًا، ولا يخفى ما في التزام هذا الشرط والإلزام به من مضادة اللَّه ورسوله، وهو أقبح (3) من اشتراطه (4) ترك الوتر والسنن الراتبة وصيام الاثنين والخميس (5) والتطوع بالليل، بل أقبح من اشتراطه (6) ترك ذكر اللَّه بكرة وعشيًا ونحو ذلك.

ومن ذلك (7) اشتراطه أن يصلي الصلوات في التربة المدفون بها ويدع المسجد، وهذا أيضًا مضاد لدين الإسلام أعظم مضادة، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين قبور أنبيائهم مساجد (8)، فالصلاة في المقبرة معصية للَّه ورسوله باطلة عند كثير من أهل العلم لا يقبلها اللَّه، ولا تبرأ الذمة بفعلها (9)، فكيف يجوز التزام شرط الواقف لها وتعطيل شرط اللَّه ورسوله، فهذا يغير (10) الدين لولا أن اللَّه سبحانه يقيم له من يبيِّن أعلامه ويدعو إليه.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق) وبعدها فيها: "إلا".

(3)

في (ت): "وهو من أقبح"، و"من" زائدة.

(4)

في (ق): "اشتراط".

(5)

في المطبوع و (ت): "وصيام الخميس والاثنين".

(6)

في (ق): "اشتراط".

(7)

في المطبوع و (ت) و (ك): "ومن هذا".

(8)

أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب الصلاة): باب منه (1/ 532/ رقم 435، 436)، و (كتاب الجنائز): باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (3/ 200/ رقم 1330)، وباب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 255/ رقم 1390)، و (كتاب أحاديث الأنبياء): باب ما ذُكر عن بني إسرائيل (6/ 494 - 495/ رقم 3453، 3454)، و (كتاب المغازي): باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (8/ 140/ رقم 4441، 4443، 4444)، و (كتاب اللباس): باب الأكسية والخمائص (10/ 2770 / رقم 5815، 5816)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساجد ومواضع الصلاة): باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/ 377 / رقم 529، 531) عن عائشة وابن عباس رفعاه: "لعنة اللَّه على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذر مما صنعوا".

(9)

انظر: "الاختيارات العلمية"(ص 25) و"اقتضاء الصراط المستقيم"(ص 329 - 330) و"تحذير الساجد"(ص 187 - 189)، وكتابي "القول المبين" (ص 73 - 77) وفي (ت):"ولا تبرئ الذمة"، وفي (ق):"ولا تبرأ الذمة".

(10)

في المطبوع و (ت): "فهذا تغيير"، وفي (ك):"فهكذا يغير".

ص: 80

ومن ذلك اشتراط إيقاد سراج أو قنديل على قبر، فلا يحل للواقف اشتراط ذلك (1)، ولا للحاكم تنفيذه، ولا للمفتي تسويغه، ولا للموقوف عليه فعله والتزامه، فقد لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المتخذين السُّرُج على القبور (2)، فكيف يحل للمسلم أن يُلْزم أو يُسَوِّغ فعل ما لعن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فاعلَه؟ وحضرتُ بعض قضاة الإسلام يومًا، وقد جاءه كتابُ وقف على تربة ليثبته (3)، وفيه:"وأنه (4) يُوقد على القبر كلَّ ليلة قنديلٌ" فقلتُ له: كيف يَحلُّ لك أن تثبت هذا الكتاب وتحكم بصحته مع علمك بلعنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المتخذين (5) السُّرُجَ على القبور؟ فأمسك عن إثباته، وقال: الأمر كما قلت أو كما قال.

ومن ذلك أن يشترط القراءة عند قبره دون البيوت التي {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ

(1) في (ق): "شرط ذلك".

(2)

رواه أبو داود الطيالسي (2733)، وأحمد في "مسنده"(1/ 229 و 287 و 324 و 337)، وابن أبي شيبة (2/ 376 و 3/ 344)، وأبو داود (3236) في "الجنائز": باب ما جاء في النهي عن زيارة القبور، والترمذي (320) في الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدًا، وابن ماجه (1575) في الجنائز: باب ما جاء في النهي عن زيارة القبور، والنسائي (4/ 94) في "الجنائز": باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، وابن حبان (3179، و 3180)، والحاكم (1/ 374)، والطبراني (12725)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 70 - 71)، والبيهقي (4/ 78)، والبغوي (510) من طريق محمد بن جُحادة عن أبي صالح عن ابن عباس:"لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرج"، وأبو صالح هذا هو باذام، ويقال: باذان مولى أم هانئ، وهو ضعيف في الرواية، وقد جاء اسمه مُصَرَّحًا به في رواية علي بن مسلم الطوسي عن أبي داود الطيالسي، كما ذكر المزي في "تحفة الإشراف"(4/ 368)، وقد جزم أنه هو المقصود: عبد الحق وابن القطان وابن عساكر والمنذري وابن دحية وغيرهم ذكره الحافظ في "تهذبب التهذيب" في ترجمة أبي صالح "ميزان"، ومع ضعف باذام إلا أن الترمذي قال:"حديث حسن"!!

أما ابن حبان فقد رجحه أنه هو "ميزان" الراوي الثقة ولذلك أخرجه في "صحيحه".

وذكر المزي وابن حجر رواية لشعبة، والحسن بن أبي جعفر والحسين بن دينار، وأبي الربيع السمان، ومحمد بن طلحة بن مصرف عن محمد بن جحادة عن أبي صالح السَمَّان عن ابن عباس!

لكن نرجح ما رجح أهل العلم في هذا واللَّه أعلم.

وقد ذكره شيخنا الألباني -رحمه اللَّه تعالى- في "السلسلة الضعيفة"(225)، ولم يذكر شيئًا مما قلنا، فلعله لم يقف على هذا الاختلاف.

(3)

في (ق): "ليثبت".

(4)

في (ق): "وأن".

(5)

في المطبوع و (ت): "للمتخذين".

ص: 81

وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ]} (1)[النور: 36] والناس لهم [فيها](2) قولان:

أحدهما: أن القراءة لا تصل إلى الميت، فلا فَرْقَ [بين](3) أن يقرأ عند القبر أو بعيدًا منه عند هؤلاء.

[و](4) الثاني: أنها تصل، ووصولها فرع حصول الثواب (5) للقارئ، ثم ينتقل منه إلى الميت فإذا كانت قراءة القارئ ومجيئه إلى القبر إنما هو لأجل الجعل، [و](3) لم يقصد به التقرب إلى اللَّه لم يحصل له ثواب فكيف ينقل عنه إلى الميت وهو فرعه؟ فما زاد بمجيئه إلى التربة إلا العناء والتعب (6) بخلاف ما إذا قرأ [اللَّه](4) في المسجد أو غيره في مكان [يكون](7) أسهل عليه وأعظم لإخلاصه، ثم جعل ثواب ذلك للميت وصل إليه.

وذاكرت مرةً (8) بهذا المعنى بعض الفضلاء فاعترف به، وقال: لكن (9) بقي شيء آخر، وهو أن الواقف قد يكون قصد انتفاعه بسماع القرآن على قبره ووصول بركة ذلك إليه، فقلت له: انتفاعه بسماع القرآن مشروطٌ بحياته فلما مات انقطع عمله [كله](4)، واستماع القرآن من أفضل الأعمال الصالحة، وقد انقطع بموته، ولو كان ذلك ممكنًا لكان السلف الطئب من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم أولى بهذا الحظ العظيم لمسارعتهم إلى الخير وحرصهم عليه ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، فالذي لا شك فيه أنه لا يجب حضور التربة (10)، ولا تتعيَّن القراءة عند القبر.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية"(ص 54): "ولم يكن من عادة السلف إذا. . . قرؤوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريقة السلف، فإنه أفضل وأكمل" وفصّلتُ المسألة في تعليقي على "التذكرة" للقرطبي، يسر اللَّه إتمامه ونشره، وانظر:"أحكام الجنائز"(ص 221 وما بعد)، وما بين المعقوفتين من (ت) و (ك) و (ق).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق) و (ك).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(5)

المطبوع: "الصواب".

(6)

في (ق): "إلا العناد والتعب".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ت).

(8)

في (ق): " وذاكرت يومًا".

(9)

في (ق): "ولكن".

(10)

في (ت): "التربة" فقط! وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة أخرى بدلها: "التزامه" وهو الأصح.

ص: 82

ونظير هذا ما لو وقف وقفًا يتصدَّق به عند القبر، كما يفعل (1) كثير من الجهال، فإن في ذلك من تعنية الفقير وإتعابه وإزعاجه من موضعه إلى الجبَّانة في حال الحر والبرد والضعف حتى يأخذ تلك الصدقة عند القبر مما لعله (2) أن يحبط أجرها ويمنع (3) انعقاده بالكلية.

ومن هذا لو شرط واقف الخانقاه وغيرها على أهلها أن لا يشتغلوا بكتابة العلم وسماع الحديث والاشتغال بالفقه، فإن هذا شرط باطل مضاد لدين الإسلام لا يحل تنفيذه، ولا التزامه، ولا يستحق من قام به شيئًا من [هذا](4) الوقف، فإن مضمون هذا الشرط أن الوقف المعيَّن إنما يستحقه من ترك ما يجب عليه من العلم النافع وجهل أمر اللَّه ورسوله ودينه (5)، و [جهل](6) أسماءه وصفاته وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأحكام الثواب والعقاب، ولا ريب أن هذا الصنف [من] شرار خلق اللَّه وأمقتهم (7) عند اللَّه ورسوله وهم خاصة الشيطان وأولياؤه وحزبه {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19].

ومن ذلك أن يشترط الواقف أن لا يقرأ في ذلك المكان شيء من آيات الصفات وأحاديث الصفات، كما أمر به بعض [أعداء اللَّه](8) من الجهمية لبعض الملوك، وقد وقف مسجدًا للَّه تعالى، ومضمون هذا الشرط المضاد لما بعث اللَّه به رسوله أن تُعطَّل أكثرُ آيات القرآن عن التلاوة والتَّدبُّر والتَّفهُّم (9)، وكثير من السنة أو أكثرها [عن](4) أن تُذكر أو تُروى أو تُسمع أو يُهتدى بها ويُقام سوق التجهم والكلام المبتدع [المذموم](10) الذي هو كفيل بالبدع والضلالة والشك والحيرة (11).

ومن ذلك أيضًا أن يقف مكانًا أو مسجدًا أو مدرسة أو رباطًا على طائفة معينة [من الناس](12) دون غيرهم كالعجم مثلًا أو الروم أو الترك أو غيرهم،

(1) في (ق): "يفعله".

(2)

في (ق): "ما لعله".

(3)

في (ق): "أو يمنع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

(5)

في (ت): "أمر اللَّه ودينه ورسوله"، وفي (ك):"أمر اللَّه ورسوله".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).

(7)

في (ق): "وأبغضهم"، وما بين المعقوفتين سقط منها.

(8)

بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "أعداءه".

(9)

في (ق): "والتفهم والتدبر"، بتقديم وتأخير.

(10)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(11)

في (ق): "والضلال والحيرة".

(12)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

ص: 83

وهذا من أبطل الشروط؛ [فإن مضمونه](1) أن أقارب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وذرية المهاجرين والأنصار لا يحل لهم أن يصلّوا في هذا المسجد، ولا ينزلوا في هذا الرباط أو المدرسة أو الخانقاه (2)، بل لو أمكن أن يكون أبو بكر وعمر وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم بين أظهرنا حرم عليهم النزول بهذا المكان الموقوف.

وهذه الشروط والاشتغال بها والاعتداد بها من أسمج الهذيان، ولا تصدر من قلب طاهر ولا ينفذها من شم روائح العلم الذي بعث اللَّه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك لو شرط أن يكون المقيمون بهذه الأمكنة طائفة من أهل البدع، كالشيعة والخوارج والمعتزلة والجهمية (3) والمبتدعين في أعمالهم، كأصحاب الإشارات، واللاذن، والشير (4)، والتغبير (5) وأكل الحيَّات وأصحاب النار وأشباه الذئاب المشتغلين بالأكل والشرب والرقص لم يصح هذا الشرط، وكان غيرهم أحق بالمكان منهم وشروط اللَّه أحق.

فهذه الشروط [وأضعافها](6) وأضعاف أضعافها من باب التعاون على الإثم والعدوان واللَّه تعالى إنما أمر بالتعاون على البر والتقوى، وهو ما شرعه على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دون ما لم يشرعه فكيف بما شُرع (7) خلافه؟! والوقف إنما يصح على القُرَب والطاعات، [ولا فرق](6) في ذلك بين مصرفه وجهته وشرطه (8)، فإن الشرط صفة وحال في الجهة [والمصرف](6) فإذا اشترط (8) أن يكون [المصرف](9) قربة وطاعة فالشرط كذلك، ولا يقتضي الفقه إلا هذا، ولا

(1) في (ق): "فمضمونه".

(2)

في (ق): "والمدرسة والخانقات".

(3)

في (ق): "والجهمية والمعتزلة".

(4)

"الشير" مستحضر الحشيشة، و"شيرى"(قنباص) الصوف، انظر:"تكملة المعاجم العربية"(6/ 396) وفي (ق): "واللاذن والنبر".

(5)

التغبير: تطريب الشعر الذي فيه ذكر اللَّه، وعقد الخلال في كتابه "الأمر بالمعروف"(ص 97 - 99 بضخقيقي) فصلًا في ذكر التغبير، وذكر كراهة أحمد لذلك في تسعة آثار، وممن نص على بدعيته: ابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 230) والسيوطي في "الأمر بالاتباع"(ص 111 - بتجقيقي)، والذي أثبتناه من (ق) و (ك)، وفي سائر النسخ:"والعنبر"!!

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(7)

في (ت): "بما شرعه".

(8)

قال في هامش (ق): "قال في الفروع"[4/ 600]: "لا. . . [يتعين] طائفة وقف عليها مسجدًا، أو مقبرة، كالصلاة فيه"، وفيها:"شرط" بدل "اشترط".

(9)

في (ت) و (ك): "المصروف"، وقد سقط من (ق).

ص: 84

يمكن أحدًا أن ينقل عن أَئمة الإسلام الذين لهم في الأمة لسان صدق ما يخالف ذلك [البتة](1)، بل نَشهد باللَّه وللَّه (2) أن الأئمة لا تخالف ما ذكرناه (3)، [وأن هذا نفس قولهم، وقد أعاذهم اللَّه من غيره](1)، وإنما يقع الغلط لكثير (4) من المنتسبين إليهم في فهم أقوالهم، كما وقع لبعض من نصب نفسه للفتوى من أهل عصرنا: ما تقول السادة الفقهاء في رجل وقف على أهل الذمة هل يصح ويتقيد الاستحقاق بكونه منهم؛ فأجاب بصحة الوقف وتقييد الاستحقاق بذلك الوصف، وقال: هكذا قال أصحابنا، ويصح الوقف على أهل الذمة (5)، فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(2)

في المطبوع: "باللَّه واللَّه"، وفي (ق):"للَّه وباللَّه".

(3)

في (ق): "لا يخالفون ما ذكرنا".

(4)

في (ت) و (ك): "الغلط الكثير"، وفي المطبوع:"الغلط من كثير".

(5)

هذا هو المنصوص عليه في كتب الحنفية، قال ابن عابدين في "منحة الخالق" (5/ 254):"ولو عين مساكين أهل دينه: تعينوا، ولا يجوز صرفها لغيرهم، فإن فرقها القيم في غيرهم: يكون ضامنًا لما فرق لمخالفته الشرط، وإن كان أهل الذمة ملة واحدة، لتعين الوقف بمن يعينه الواقف" وقالوا: شرط الواقف غير المسلم معتبر كشرط الواقف المسلم، حتى لو أنه شرط أن من أسلم من ولده أخرج: اعتبر شرطه، كشرط المعتزلي أن من صار سنيًا أخرج، وليس هذا من قبل اشتراط المعصية: لأن التصدق على الكافر -غير الحربي- قربة وقالوا: وليس في المذهب خلاف -يعتد به- في ذلك انظر: "الإسعاف"(102).

ومع ذلك، فإن الطرسوسي -من متاخري الحنفية- أنكر هذا وشنع عليه: بأنه من قبيل جعل الكفر سببًا للاستحقاق، والإسلام سببًا للحرمان.

وقد أجاب الكمال بن الهمام، فقال في "فتح القدير" (5/ 38) ما نصه:"وهذا للبعد عن الفقه، فإن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع، والواقف مالك: له أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية، وله أن يخص صنفًا من الفقراء دون صنف، وإن كان الوضع في كلهم قربة، ولا شك أن التصدق على أهل الذمة قربة حتى جاز أن تدفع إليهم صدقة الفطر والكفارات عندنا، فكيف لا يعتبر شرطه في صنف دون صنف من الفقراء؟!. . . والإسلام ليس سببًا للحرمان، بل الحرمان: لعدم تحقق سبب نملكه هذا المال والسبب هو: إعطاء الواقف المالك".

وانظر: "أحكام أهل الذمة" للمصنف (1/ 601 - 606 - ط الرمادي) و"القواعد"(2/ 594 - بتحقيقي) لابن رجب، و"أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام"(ص 72) و"أحكام الوقف"(1/ 411 - 412).

وفي هامش (ق): "يجوز الوقف على الذميين، وشرط الاستحقاق ما دام ذميًا لاغٍ، وصحّحه في "الفنون""، وفيها:"وصح" بدل "ويصح".

ص: 85

الإنكار، وقال: مقصود الفقهاء بذلك أن كونه من أهل الذمة ليس مانعًا من صحة الوقف عليه بالقرابة (1) أو بالتعيين وليس مقصودهم أن الكفر باللَّه ورسوله وعبادة الصليب (2) وقولهم: إن المسيح ابن اللَّه شرط لاستحقاق الوقف حتى أن مَنْ آمن باللَّه ورسوله واتّبع دين الإسلام لم يحل له أن يتناول بعد ذلك من الوقف فيكون حل تناوله مشروطًا بتكذيب اللَّه ورسوله والكفر بدين الإسلام، ففرق (3) بين كون وصف الذمة مانعًا من صحة الوقف وبين كونه مقتضيًا، فغلظ طبع هذا المفتي وكثف فهمه وغلظ حجابه [عن](4) ذلك [ولم يميز](4).

ونظير هذا أن يقف على الأغنياء، فهذا يصح إذا كان الموقوف عليه غنيًا أو ذا قرابة (5)، فلا يكون الغنى مانعًا، ولا يصح أن يكون جهة الاستحقاق هو الغنى فيستحق ما دام غنيًا فإذا افتقر واضطر إلى ما يقيم أوَدَه حرم عليه تناول الوقف، فهذا لا يقوله إلا مَنْ حُرم التّوفيق وصَحِبه الخُذْلان، ولو رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[أحدًا](4) من الأمة (6) يفعل [لك](4) لاشتدَّ إنكاره وغضبه [عليه، ولما أقره ألبتة](4)، وكذلك لو رأى رجلًا من أمته قد وقف على من يكون من [الرجال](4) عزبًا غير متأهل، فإذا تأهّل حرم عليه تناول الوقف لاشتد غضبه ونكيره (7) عليه، بل دينه يخالف هذا، فإنه [كان](4) إذا جاءه مال أعطى العزب حظًا وأعطى الآهل حظين (8)، وأخبر أن ثلاثة حق على اللَّه عونهم [فذكر منهم] (4): الناكح يريد العفاف (9).

(1) في (ت): " بالقران".

(2)

في المطبوع و (ت) و (ك): "وعبادة الصليب".

(3)

في (ت) و (ق) و (ك): "فالفرق".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(5)

في (ت) و (ق) و (ك): "الموقوف عليه معينًا أو قرابة".

(6)

في المطبوع و (ت): "الأئمة"، وأشار في هامش (ت) إلى أنه في نسخة:"الأمة"، ولعله الصواب، وما بعدها في (ق):"يفعله".

(7)

في (ق): "وأنكره".

(8)

أخرج ابن أبي شيبة (12/ 348)، وأحمد (6/ 25 - 26، 29)، وأبو داود (2953)، وابن الجارود في "المنتقى"(1112)، والطبراني في "الكبير"(18/ رقم 80، 81، 82)، وابن حبان في "الصحيح"(4816 - "الإحسان")، والحاكم (2/ 140 - 141)، والبيهقي (6/ 346)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 152) عن عوف بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى الآهل حَظَّيْن، وأعطى العزب حظًا. وإسناده صحيح، وعزاه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(28/ 584) إلى أحمد في رواية أبي طالب، وقال:"حديث حسن" وخرجته بتفصيل في تعليقي على "الحنائيات" يسر اللَّه نشره بمنّه وكرمه.

(9)

سبق تخريجه.

ص: 86

وملتزمُ (1) هذا الشرط حقٌّ عليه عدم إعانة الناكح.

ومن هذا أن يشترط أنه لا يستحق الوقف إلا من ترك الواجب عليه من طلب النصوص ومعرفتها والتفقه في متونها والتمسك بها إلى الأخذ بقول فقيه معيَّن يَتْرك لقوله قول من سواه، بل يترك النصوص لقوله، فهذا شرطٌ من أبطل الشروط، وقد صرح الشافعي (2) وأحمد [رحمهما اللَّه تعالى](3) بأن الإمام إذا شرط [على القاضي](4) أن لا يقضي إلا بمذهب معيَّن بطل الشرط، ولم يجز له التزامه (5)، وفي بطلان التولية قولان مَبنيَّان على بطلان العقود بالشروط الفاسدة، وطرد هذا أن المفتي متى (6) شرط عليه ألا يفتي إلا بمذهب معين بطل [الشرط](7) وطرده أيضًا أن الواقف متى (6) شرط على الفقيه أن لا ينظر ولا يشتغل إلا بمذهب معيَّن بحيث يهجر [له](7) كتاب اللَّه وسنة رسوله [صلى الله عليه وسلم](7) وفتاوى الصحابة [ومذاهب العلماء](7) لم يصح هذا الشرط قطعًا، [ولا يجب التزامه، بل، ولا يسوغ.

وعقد هذا الباب وضابطه] (8) أن المقصود [إنما هو](3) التعاون على البر والتقوى، وأن يطاع اللَّه ورسوله بحسب الإمكان، [وأن يُقدَّم مَنْ قدَّمه اللَّه ورسوله ويُؤخَّر مَنْ أخَّره اللَّه ورسوله](9)، ويُعتبر ما اعتبره اللَّه ورسوله، ويُلغى ما ألغاه اللَّه ورسوله، وشروط الواقفين لا تزيد على نذر الناذرين؛ فكما أنه لا يُوفَّى من النذور (10) إلا بما كان طاعةً للَّه ورسوله، [فلا يلزم (11) من شروط الواقفين إلا ما كان طاعة للَّه ورسوله.

فإن قيل: الواقف إنما نَقَل مالَه لمن قام بهذه الصفة فهو الذي رَضي بنقل ماله إليه، ولم يَرضَ بنقله إلى غيره وإن كان أفضل منه، فالوقفُ يجري مجرى الجعالة، فإذا بذل الجاعل ماله لمن يعمل عملًا لم يستحقه من عمل غيره، وإن

(1) في (ق) و (ك): "ويلزم".

(2)

في المطبوع و (ق) و (ك): "وقد صرح أصحاب الشافعي".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ت).

(5)

في (ق) و (ك): "ولم يجب التزامه".

(6)

في (ق): "إذا".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(8)

بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "وضابط هذا الباب".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

(10)

في (ق): "النذور".

(11)

في (ك): "يلتزم".

ص: 87

كان بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض.

قيل: [هذا](1) منشأ الوهم والإيهام في هذه المسألة، وهو الذي قام بقلوب ضعفة المتفقِّهين فالتزموا وألزموا من الشروط بما غيره أحبُّ إلى اللَّه وأرضى له منه بإجماع الأمة بالضرورة المعلومة من الدين.

وجواب هذا الوهم أن الجاعل يبذل ماله في غرضه الذي يريده إما محرمًا أو مكروهًا أو مباحًا أو مستحبًا أو واجبًا (2) لينال غرضه الذي بذل فيه ماله، وأما الواقف فإنما يبذل ماله فيما يقربه إلى اللَّه [وثوابه، فهو لما علم أنه لم يبق له تمكَّن من بذل ماله في أغراضه أحبَّ أن يبذله فيما يقربه إلى اللَّه](3) وما هو أنفع له في الدنيا والآخرة (4)، ولا يشك عاقل أن هذا غرض الواقفين، بل، ولا يشك واقف أنَّ هذا غرضه واللَّه سبحانه وتعالى ملَّكه المال لينتفعَ به في حياته وأذن له أن يحبسه لينتفع به بعد وفاته فلم يملِّكه أن يفعل به بعد موته ما كان يفعل به في حياته، بل حجر عليه فيه وملكه ثلثه يُوصي به بما يجوز ويسوغ أن يوصي به حتى إن خاف (5) أو جار أو أثم في وصيته جَازَ (6)، بل وجَبَ على الموصي (7)، والورثة رد ذلك الجور والحيف (8) والإثم؛ ورفع سبحانه الإثم عمن يرد ذلك الحيف (8) والإثم من الورثة والأوصياء، فهو سبحانه لم يملكه أن يتصرف في تحبيس ماله بعده (9) إلا على وجه يقرّبه إليه ويدنيه من رضاه لا على أي وجه [أراد، ولم يأذن اللَّه ولا رسوله للمكلف أن يتصرف في تحبيس ماله بعده على أي وجه أراده](10) أبدًا، فأين في كلام اللَّه ورسوله أو أحد من الصحابة ما يدل على أن لصاحب المال أن يقف ما أراد على من أراد، ويشرط ما أراد، ويجب على الحكام والمفتين أن ينفذوا وقفه ويلزموا بشروطه] (11)، وأما ما قد لهج به بعضهم من قوله:"شروط الواقف (12) كنصوص الشارع"، [فهذا يرادُ به معنى صحيح ومعنى باطل](13)، فإن أريد أنها كنصوص الشارع في الفهم والدلالة وتقييد

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).

(2)

في (ت) و (ك): "أو راجحًا"!

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ت).

(4)

في المطبوع و (ك): "في الدار الآخرة".

(5)

في (ت): "إن أجنف".

(6)

في (ت) و (ك): "ساغ".

(7)

في "المطبوع: "الوصي".

(8)

في (ك): "الجنف".

(9)

في (ك): "أن يتصرف بتحبيس أصله".

(10)

ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

(11)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وقال في الهامش:"سقط هنا بعض كلامه".

(12)

في (ت) و (ق): "نصوص الواقف".

(13)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

ص: 88

مطلقها بمقيدها وتقديم خاصها على عامها والأخذ فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذا حق من حيث الجملة، وإن أريد أنها كنصوص الشارع في وجوب مراعاتها والتزامها وتنفيذها، فهذا من أبطل الباطل (1)، بل يبطل منها ما لم يكن طاعة للَّه ورسوله، وما غيره أحب إلى اللَّه [وأرضى له ولرسوله منه](2)، وينفذ منها ما كان قربة وطاعة، [كما تقدم](2).

ولما نذر (3) أبو إسرائيل أن يصوم ويقوم في الشمس، [ولا يجلس](2)، ولا يتكلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس في الظل ويتكلم ويتم صومه (4)، فألزمه (5) بالوفاء بالطاعة ونهاه عن الوفاء بما ليس بطاعة.

وكذا (6) أخت عقبة بن عامر لما نذرت الحج ماشية مكشوفة الرأس أمرها أن تختمر [وتركب] وتحج وتهدي بَدَنة (7).

(1) في (ق): "فهذا باطل".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

(3)

في (ك): "ولما كان نذر".

(4)

رواه البخاري (6704) في (الأيمان والنذور): باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، من حديث ابن عباس.

(5)

في (ق): "فأمره".

(6)

في المطبوع و (ت) و (ك): "وهكذا".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ك)، وهذا خليط من حديثين، فإن في أحدهما ما ليس في الآخر، وهما حديثا عقبة بن عامر، وابن عباس.

أما حديث عقبة بن عامر؛ فرواه أحمد (4/ 143 و 145 و 151)، وأبو داود (3293 و 3294) في (الأيمان والنذور): باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، والترمذي (1544) في (النذور والأيمان) واين ماجه (2134) في "الكفارات": باب من نذر أن يحج ماشيًا. والنسائي في (الأيمان والنذور)(7/ 20) باب إذا حَلَفَت المرأة لتمشي حافية غير مختمرة، والدارمي (2/ 183)، وعبد الرزاق (15871) والبيهقي (10/ 80)، وأبو يعلى (1753)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2149)، والطبراني (17)(893 و 894) من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد اللَّه بن زحر عن أبي سعيد الرعيني (جعثل بن هامان) عن عبد اللَّه بن مالك عنه، ولفظه:"فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام"، وهذا إسناد فيه مقال، عبيد اللَّه بن زحر ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والدارقطني وغيرهم، وقال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، ووثقه أحمد بن صالح، والبخاري فيما نقله عنه الترمذي في "العلل" لكنه قال في "التاريخ": مقارب الحديث. ولكني وجدتُ له مُتابعًا من لفظه، فقد رواه أحمد في "مسنده"(4/ 147) من طريق بكر بن سوادة عن أبي سعيد به، وبكر هذا من الثقات لكن الراوي عنه ابن لهيعة.

وبهذا اللفظ بعينه وجدته عند الطحاوي في "المشكل"(2148) من طريق حُييّ بن عبد اللَّه المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبلي عن عقبة بن عامر به. =

ص: 89

فهكذا الواجب على أتباع الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه [وعلى آله](1) أن يعتمدوا في شروط الواقفين، وباللَّه التوفيق.

= وهذا إسناد حَسَنٌ، حيي هذا لا بأس به.

وحديث عقبة هذا رواه أحمد (4/ 201) من طريق عبد العزيز بن مسلم عن مطرف عن عكرمة عنه، لكن قال: لتركب ولتهد بَدَنة، وليس في طرق حديث عقبة ذكر البدنة إلا هنا.

لكن رواه الطحاوي في "مشكل الآثار"(2152) من طريق عبد العزيز عن مطر الوراق، وليس مطرف، وهو الصحيح؛ لأن عبد العزيز هذا لم يدرك مطرفًا، إذ هو متقدم الوفاة عنه.

ومطر وإن روى له مسلم إلا أن له أوهامًا.

وحديث عقبة هذا رواه عبد الرزاق (15873)، ومن طريقه البخاري (1866) في (جزاء الصيد): باب من نذر المشي إلى الكعبة، ومسلم (1644) في (النذر): باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة، وأبو داود (3299)، والنسائي (7/ 190)، والبيهقي (10/ 78 و 79)، وأحمد (4/ 152) عن ابن جريج أخبرني سعيد بن أبي أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر. . . فقال النبي عليه السلام:"لتمشِ ولتركب".

والعجب أن هذا الطريق بعينه: رواه الطحاوي في "المشكل"(2150) من طريق أحمد بن صالح عن عبد الرزاق به فقال: "لتركب ولتصم ثلاثة أيام".

وأما حديث ابن عباس؛ فرواه أحمد في: "مسنده"(1/ 239 و 240 و 253 و 131)، والدارمي (2/ 183 و 184)، وأبو داود (3296 و 3297)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 131)، وفي "المشكل"(2151 و 2152)، والطبراني في "الكبير، (11828 و 11829)، والبيهقي (10/ 79)، وأبو يعلى (2737) من طريق همام وهشام الدستوائي عن قتادة عن عكرمة عنه، وفي حديث همام قال: لتركب وتهد بدنة.

وفي رواية الطحاوي في "مشكل الآثار" من طريق يزيد بن هارون عن همام: "لتركب ولتختمر، ولتهد هَدْيًا" مع أنها في "المسند"(1/ 239) من طريق يزيد، وليس فيها ذكر "الاختمار".

أما رواية هشام الدستوائي، فليس فيها إلا "لتركب"، ورواه أبو داود (3298)، والبيهقي (10/ 79) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة مرسلًا، وهذه لا تعل رواية الوصل لأنه وصلها ثقتان.

ورواه إبراهيم بن طهمان في "مشيخته"(29)، ومن طريقه أبو داود (3303)، والبيهقي (10/ 79) من طريق مطر الوراق عن عكرمة به، وذكر فبه الركوب والبدنة.

ورواه عبد بن حميد (580)، والحاكم (4/ 302) من طريق أبي سعد البقال، والطبراني (11949) من طريق خالد الحذاء كلاهما عن عكرمة به، وليس فيه ذكر الهَدْي، وفيه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم. وله طرق أخرى أيضًا دون ذكر عقبة.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

ص: 90