الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال وجهان (1)، والصواب جواز استفتائه وإفتائه.
قلت: وكذلك الفاسق (2) إلا أَن يكون معلنًا بفسقه داعيًا إلى بدعته فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة (3)، والقدرة والعجز فالواجب شيء والواقع شيء، والفقيه من يطبِّق بين الواقع والواجب (4)، [وينفذ الواجب بحسب استطاعته لا من يلقى العداوة بين الواجب والواقع](5) فلكل زمان حكم والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض وامتنعت (6) إمامة الفسَّاق (7) وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم، وولاياتهم لعطلت الأحكام (8)، وفسد نظام الخلق وبطلت أكثر الحقوق ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأَصلح (9)، وهذا عند القدرة والاختيار، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار والقيام بأضعف مراتب الإنكار (10).
[هل يجوز للقاضي أن يفتي
؟]
الفائدة السادسة والثلاثون: لا فرق بين القاضي وغيره في جواز الإفتاء بما يجوز الإفتاء به (11)، ووجوبها إذا تعيَّنت، ولم يزل أمر السلف والخلف على هذا، فإن منصب الفتيا داخل في ضمن منصب القضاء عند الجمهور، والذين (12)
(1) انظر: "أصول الفقه"(4/ 1543) لابن مفلح، و"أدب المفتي والمستفتي"(ص 107) و"شرح الكوكب المنير"(4/ 544) و"المسودة"(555) و"الفروع"(6/ 428) و"صفة الفتوى"(29) و"مختصر الطوفي"(185) و"مختصر البعلي"(167)، و"المجموع" للنووي (1/ 70) و"أصول مذهب أحمد"(704) و"المدخل إلى مذهب أحمد"(194).
(2)
في (ك) و (ق): "وكذا لفاسق".
(3)
في (ق): "الأزمنة والأمكنة".
(4)
في (ق): "الواجب والواقع".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).
(6)
في المطبوع: "فلو منعت"، وفي (ق):"اتبعت".
(7)
انظر مبحث الصلاة خلف الفاسق، وكلام الإِمام أحمد في ذلك في "بدائع الفوائد"(4/ 68).
(8)
في (ت) و (ق): "أبطلت الأحكام".
(9)
انظر: "مجموع الفتاوى"(28/ 258، 259)، "الجامع للاختيارات الفقهية" لشيخ الإِسلام ابن تيمية (3/ 1265، 1267، 1268).
(10)
انظر أحكام الفساق في "الطرق الحكمية"(ص 173)، و"إغاثة اللهفان"(2/ 81)، و"مدارج السالكين"(2/ 16).
ووقع في (ق): "والقيام بأقل مراتب الإنكار".
(11)
في المطبوع و (ك): "بما تجوز الفتيا به".
(12)
في (ق) و (ك): "الذين".
لا يجوزِّون قضاء الجاهل فالقاضي مفتٍ ومثبتٍ، ومنفذ لما أفتى به.
وذهب بعض الفقهاء من أصحاب [الإمام](1) أحمد (2) والشافعي (3) إلى أنه يكره للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به دون الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها واحتج أرباب هذا القول بأن فتياه تفسير كالحكم منه على الخصم، ولا (4) يمكن نقضه وقت المحاكمة قالوا: ولأنه قد يتغير اجتهاده وقت الحكومة أو تظهر له قرائن لم تظهر له عند الإفتاء، فإن أصر على فتياه والحكم بموجبها حكم بخلاف ما يعتقد صحته، وإن حكم بخلافها طرق الخصم (5) إلى تهمته والتشنيع عليه بأنه يحكم [بخلاف](6) ما يعتقده ويفتي به، ولهذا قال شُريح:"أنا أقضي لكم ولا أفتي"(7) حكاه ابن المنذر (8) واختار كراهية الفتوى (9) في مسائل الأحكام، وقال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني: لأصحابنا في فتواه في مسائل الأحكام جوابان، أحدهما: ليس له أن يفتي فيها؛ لأن لكلام (10) الناس عليه مجالًا، ولأحد الخصمين عليه مقالًا، والثاني: له ذلك لأنه أهل له (11).
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
انظر: "المسودة"(555) و"أصول الفقه"(4/ 1546) لابن مفلح و"صفة الفتوى"(29).
(3)
انظر: "المجموع"(1/ 76)"روضة الطالبين"(11/ 109) و"جمع الجوامع"(2/ 397)، "أدب المفتي والمستفتي"(107، 108) و"الإحكام"(29 - 42) و"الفروق"(2/ 104 - 106 و 4/ 53 - 54) كلاهما للقرافي.
(4)
في (ك): "فلا".
(5)
في (ق): "الجهم"، وفي الهامش:"لعله الوهم".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(7)
أخرجه ابن سعد (6/ 138)، وعبد الرزاق (9/ 169 رقم 16921)، وذكره عنه: ابن الصلاح في "أدب المفتي"(108)، والنووي في "المجموع"(1/ 76)، وابن حمدان في "صفة الفتوى"(29) وابن النجار في "شرح الكوكب المنير"(4/ 545 - 546).
(8)
في "الإقناع"(2/ 514).
(9)
قال في "الإقناع"(2/ 514): "وأكره للقاضي أن يفتي في الأحكام"، وفي (ق):"كراهية الإفتاء له"، وفي (ك):"كراهيه الفتوى له".
(10)
في (ق): "كلام" وما أثبتناه من سائر النسخ و"أدب المفتي".
(11)
نقله ابن الصلاح -وعنه النووي في "المجموع"(1/ 76) - عن "تعاليق الشيخ أبي حامد الإسفرائيني". وقال ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى"(4/ 68): "وقفت على أكثر "تعليقة" الشيخ أبي حامد، بخط سُلَيم الرازي وهي الموقوفة بخزانة المدرسة الناصرية بدمشق، والتي علقها البنْدَنيجي عنه، ونسخ أخر منها".