الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنحكي (1) المذهب [ثم نحكي المذهب](2) الراجح ونرجِّحه، ونقول: هذا هو الصواب، وهو أولى أن يُؤخذ به، وباللَّه التوفيق.
[لا يجوز للمفتي إلقاء المستفتي في الحيرة]
الفائدة السادسة عشرة (3): لا يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل (4)، وإلقاؤُه في الإشكال والحيرة، بل عليه أن يبيّن بيانًا مزيلًا للإشكال متضمنًا لفصل الخطاب كافيًا في حصول المقصود لا يحتاج معه إلى غيره (5)، ولا يكون كالمفتي الذي سئل عن مسألة في المواريث فقال: يقسم بين الورثة على فرائض اللَّه عز وجل وكتبه فلان، وسُئل آخر عن صلاة الكسوف فقال: تصلَّى على حديث عائشة (6)، وإن كان هذا أعلم من الأول، وسئل آخر عن مسألة من الزكاة فقال: أما أهل الإيثار فيخرجون المال [كله](7)، وأما غيرهم فيخرج القدر الواجب عليه (8) أو كما قال. وسئل آخر عن مسألة فقال: فيها قولان، ولم يزد.
قال أبو محمد بن حزم (9): وكان عندنا مُفْت إذا سئل عن مسألة لا يفتي فيها حتى يتقدمه من يكتب فيكتب [هو](10): جوابي فيها مثل جواب الشيخ، فقُدِّر
(1) في (ق): "ثم نحكي"، وفي الهامش:"لعله: بل نحكي".
(2)
ما بين المعقوفتين من (ت)، وسقط من (ق) كلمة:"المذهب" فقط.
(3)
في (ق) و (ك): "عشر".
(4)
في (ق): "وتخييره السائل".
(5)
عنون على هذه الفقرة في هامش (ق) بقوله: "جواب هؤلاء المفتين"، وفيها:"وتخيره السائل".
(6)
حديث عائشة في صلاة الكسوف: رواه البخاري (1049 و 1050) في "الكسوف": باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف، و (1055 و 1056) باب صلاة الكسوف في المسجد، ومسلم (901) في أول صلاة الكسوف.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
قيل لبعضهم: في كم تجب الزكاة، قال: على مذهبنا أم على مذهبكم؟ ثم قال: أما على مذهبنا، فالكل للَّه، وأما على مذهبكم، فكذا وكذا، أو كما قاله، قاله الشاطبي في "الاعتصام"(1/ 338 - بتحقيقي).
(9)
في "الإحكام"(6/ 77)، ونصه هناك:". . . مفتيًا كان عندنا بالأندلس، وكان جاهلًا، فكانت عادته أن يتقدمه رجلان كان مدار الفتيا عليهما في ذلك الوقت، فكان يكتب تحت فتياهما: أقول بما قاله الشيخان، فقضي أن ذينك الشيخين اختلفا، فلما كتب تحت فتياهما ما ذكرنا؛ قال له بعض من حضر: إن الشيخين اختلفا!! فقال: وأنا اختلف باختلافهما!! ".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).
أن مفتيين اختلفا [في جواب](1) فكتب تحت جوابهما: جوابي (2) مثل جواب الشيخين، فقيل له: إنهما قد تناقضا فقال: وأنا أتناقض كما تناقضا. وكان في زماننا رجل مشار (3) إليه بالفتوى، وهو مقدَّم في مذهبه، وكان نائب السلطان يرسل إليه في الفتاوى فيكتب يجوز كذا أو يصح كذا (4)، أو ينعقد بشرطه فأرسل إليه يقول [له] (1): تأتينا فتاوى [منك](1) فيها يجوز أو ينعقد أو يصح بشرطه، ونحن لا نعلم شرطه، فإما أن تبيّن شرطه، وأما أن لا تكتب ذلك.
وسمعت شيخنا يقول: كلُّ أحد يحسن أن يفتي بهذا الشرط، فإن (5) أي مسألة وردت عليه يكتب فيها يجوز بشرطه أو يصح بشرطه أو يقبل (6) بشرطه ونحو ذلك، وهذا ليس بعلم، ولا يفيد فائدة أصلًا سوى حيرة السائل وتنكده (7)، وكذلك قول بعضهم في فتاويه: يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم، فيا سبحان اللَّه! واللَّه لو كان الحاكم شُريحًا وأشباهه لما كان مردُّ أحكام اللَّه ورسوله إلى رأيه، فضلًا عن حُكَّام زماننا، فاللَّه المستعان. وسئل بعضهم (8) عن مسألة فقال: فيها خلاف، فقيل له: كيف يعمل المفتي؟ فقال: يختار له [القاضي](9) أحد المذهبين.
قال أبو عمرو بن الصلاح (10): كنت عند أبي السعادات ابن الأثير الجزري، فحكي له (11) عن بعض المفتين أنَّه سُئل عن مسألة فقال: فيها قولان، فأخذ يزري عليه، وقال (12): هذا حيدٌ عن الفتوى، ولم يخلِّص السائل من
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).
(2)
أشار في هامش (ق): إلى أنه في نسخة: "جواب".
(3)
في (ق): "يشار".
(4)
في (ق): "ويصح كذا".
(5)
في (ق) و (ك): "فإنه".
(6)
في (ق) و (ك): "أو ينعقد".
(7)
في المطبوع و (ك): "وتبلده"، وأشار (د) في الحاشية إلى ما أثبتاه من (ق).
(8)
هو أبو حامد محمد بن يونس الإربلي، أفاده ابن الصلاح في "آدب المفتي والمستفتي"(ص 133).
(9)
ما بين المعقوفتين من (ت).
(10)
في كتابه "أدب المفتي والمستفتي"(ص 130).
(11)
في المطبوع: "فحكى لي"، وفي (ق):"يحكي" فقط.
(12)
في "أدب المفتي والمستفتي"(ص 130) بعد النقل السابق عن ابن الأثير ما نصه: "فقال الشيخ ابن الأثير: كان الشيخ أبو القاسم بن البَزْري -وهو علامة زمانه في المذهب- إذا كان في المسألة خلاف، واستفتي عنها، يذكر الخلاف في الفُتيا، ويقال له في ذلك، فيقول: لا أتقلَّد العهدة مختارًا لأحد الرأيين، مقتصرًا عليه، وهذا حيد عن غرض الفتوى، وإذا لم يذكر شيئًا أصلًا فلم يتقلّد العهدة أيضًا، ولكنه لم يأت بالمطلوب حيث لم يخلّص السائل عن عمايته".
عمايته (1)، ولم يأت بالمطلوب.
قلت: وهذا فيه تفصيل، فإن المفتي المتمكن من العلم المضطلع به قد يتوقف في الصواب في المسألة المتنازع فيها، فلا يقدم على الجزم بغير علم وغاية ما يمكنه أن يذكر الخلاف فيها للسائل، وكثيرًا ما يسأل الإمام أحمد [رضي الله عنه] (2) وغيره من الأئمة عن مسألة فيقول: فيها قولان أو قد اختلفوا فيها، وهذا كثير في أجوبة (3) الإمام أحمد لسعة علمه، وورعه، وهو كثير في كلام [الإمام] (2) الشافعي [رضي الله عنه] (2) يذكر المسألة ثم يقول: فيها قولان، وقد اختلف أصحابه (4) هل يضاف القولان اللَّذان يحكيهما إلى مذهبه ويُنسبان إليه أم لا؟ على طريقين، وإذا اختلف عليُّ وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد وأبيّ وغيرهم من الصحابة [رضي الله عنهم]، ولم يتبين للمفتي القول الراجح من أقوالهم فقال: هذه مسألة اختلف فيها فلان وفلان من الصحابة، فقد انتهى (5) إلى ما يَقْدر عليه من العلم. قال أبو إسحاق الشيرازي (6): سمعت شيخنا أبا الطيب [الطبري] يقول: سمعت أبا العباس الخُضَري (7) يقول: كنت جالسًا عند أبي بكر بن داود الظاهري فجاءته
(1) في (ت): "غايته"!
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).
(3)
في (ق): "جواب".
(4)
في (ق): "وقد اختلف فيها وقد اختلف".
(5)
في (ق): "أنهى".
(6)
في كتابه "طبقات الفقهاء"(ص 175 - 176) وعنه الخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 256 - 257) ومحمد بن عبد الملك الهَمَذاني في "تكملة تاريخ الطبري"(198 - 199) وابن الصلاح في "أدب المفتي والمستفتي"(131 - 133) وقال: "ولقد وقع ابن داود بعيدًا عن مناهج المفتين في تعقيده هذا وتسجيعه، وتحييره من استرشده وتضييعه".
(7)
في جميع الأصول: "الحضرمي"!! وهو خطأ، والمثبت من (ك) والمصادر السابقة، و (الخضري) نسبة إلى بيع البقل، كما في "المشتبه"(1/ 238)، وفي "الإكمال"(3/ 255، 256): "الخضري: بخاء معجمة مضمومة، وضاء معجمه مفتوحة، وأبو العباس الخضري: قال حضرت مجلس أبي بكر بن أبي داود، سمع منه القاضي أبو الطيب، لا أعرف اسمه" وقال ابن الصلاح في "أدب المفتي"، قلت: التصحيف شين، فاعلم أن أبا العباس الخضري هذا، هو بخاء معجمة مضمومة، وبضاد معجمة مفتوحة".
وذكر القصة بطولها ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه"(3/ 248 - 249) واستدرك على ابن ماكولا قوله: "ابن أبي" وبيّن أنها وقعت كذلك في القصة نفسها عن ابن الجوزي في "المحتسب"، والصواب حذف (أبي).
وقال الخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 257): "قال لي القاضي أبو الطيب: كان الخضري شافعي المذهب، إلا أنه كان يعجب بابن داود، يقرظه ويصف فضله".