الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتكلم بها، والتبديل تبديل لفظ بلفظ آخر، والكتمان جحده، وهذه الأدواء الثلاثة منها غيرت الأديان والملل، وإذا تأملت دين المسيح وجدت النصارى إنما تطرقوا إلى إفساده بالتأويل بما لا يكاد يوجد [قط](1) مثله في شيء من الأديان، ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل، وكذلك زنادقة الأمم جميعهم إنما تطرقوا إلى إفساد ديانات الرسل [صلوات اللَّه وسلامه عليهم](1) بالتأويل، ومن بابه دخلوا، وعلى أساسه بنوا، وعلى نقطه خطوا (2).
[دواعي التأويل]
والمتأوّلون أصناف عديدة، بحسب الباعث لهم على التأويل، وبحسب قصور أفهامهم ووفورها (3)، وأعظمهم توغلًا في التأويل الباطل من فَسَد قصدُه وفهمُه؛ فكلما ساء قصده وقَصُر فهمُه كان تأويلُه أشدَّ انحرافًا، فمنهم من يكون تأويله لنوع [هوًى من غير شُبهة، بل يكون على بصيرة من الحق، ومنهم من يكون تأويله لنوع](4) شبهة عرضت له أخْفَتْ عليه الحق، [ومنهم من يكون تأويله لنوع هدًى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق](5)، ومنهم من يجتمع له الأمران الهوى في القصد والشُّبهة في العلم.
[بعض آثار التأويل]
وبالجملة فافتراق أهل الكتابين وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل، وإنما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين والحرَّة وفتنة ابن الزبيز وهلم جرا بالتأويل، [وإنما دخل أعداء](6) الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعيلية والنُّصيرية من باب التأويل، [فما امتُحن](6) الإسلام بمحنة قط إلا وسببها التأويل، فإن محنته إمَّا من المتأولين، وإما ممن (7) يسلط عليهم الكفار [بسبب](6) ما ارتكبوا من التأويل وخالفوا ظاهر التنزيل وتعلَّلوا بالأباطيل، فما الذي أراق دماء بني جذيمة وقد أسلموا غير التأويل؟ حتى
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ق): "وعلى لفظه حطوا".
(3)
في (ت): "وقعودها".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق)، وقال (ط):"اختلفت الطبعات السابقة فيما بين المعقوفتين؛ فمنها من يثبته ومنها من يحذفه".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في المطبوع و (ك) و (ق): "وإما أن".
رفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه وتبرأ إلى اللَّه من فعل المتأول بقتلهم وأخذ أموالهم (1)، وما الذي أوجب تأخر الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية عن موافقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غير التأويل؟ حتى اشتد غضبه لتأخرهم عن طاعته حتى رجعوا عن ذلك التأويل (2)، وما الذي سفك دم أمير المؤمنين عثمان ظلمًا وعدوانًا وأوقع الأمة فيما أوقعها [فيه](3) حتى الآن غير التأويل؟ وما الذي سفك دم علي [رضي الله عنه](3)، وابنه الحسين، وأهل بيته رضي اللَّه تعالى عنهم غير التأويل؟ وما الذي أراق دم عمار بن ياسر وأصحابه غير التأويل؟ وما الذي أراق دم ابن الزبير (4) وحُجْر بن عدي وسعيد بن جبير وغيرهم من سادات الأمة غير التأويل؟ وما الذي أريقت [عليه](3) دماء العرب في فتنة أبي مسلم غير التأويل؟
وما الذي جرَّد الإمام أحمد بين العقابين وضرب السياط [حتى](3) عجَّت الخليقة إلى ربها تعالى غير التأويل؟ وما الذي قتل الإمام أحمد بن نصر الخزاعي (5) وخَلّد خلقًا من العلماء في [السجون](6) حتى ماتوا غير التأويل؟ وما الذي سلَّط سيوف التتار على دار الإسلام حتى ردوا أهلها غير التأويل؟ [وهل دخلت طائفة الإلحاد من أهل الحلول والاتحاد إلا من باب التأويل؟](3) وهل فَتْح باب التأويل إلا مضادة ومناقضة لحكم اللَّه في تعليمه عباده البيان الذي امتنَّ [اللَّه](7) في كتابه على الإنسان بتعليمه إياه؟ فالتأويل بالألغاز والأحاجيِّ والأغلوطات أولى منه بالبيان والتبيين، وهل فَرْقٌ بين دفع حقائق ما أخبرت به الرسل عن اللَّه وأمرت به بالتأويلات الباطلة المخالفة له وبين رده وعدم قبوله؟ ولكن هذا رد جحود ومعاندة وذاك رد خِدَاع ومصانعة.
قال أبو الوليد بن رشد المالكي في كتابه المسمى بـ"الكشف عن مناهج
(1) سبق تخريجه.
(2)
هو جزء من حديث طويل في غزوة الحديبية: رواه البخاري (2731 و 2732) في (الشروط): باب الشروط في الجهاد، من حديث مروان والمِسور بن مَخْرَمَة.
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بن أبي طالب".
(4)
في (ك): "الزبير".
(5)
انظر تفصيل ما جرى له في: "تاريخ الطبري"(9/ 135 - 139، 190) و"تاريخ بغداد"(5/ 173 - 176) و"طبقات الحنابلة"(1/ 80 - 82) و"السير"(11/ 166) و"طبقات الشافعية"(2/ 51) و"البداية والنهاية"(10/ 303 - 307).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).