الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[هل يلزم استفتاء الأعلم
؟]
الفائدة السادسة والستون: هل يلزم المستفتي أن يجتهد في أعيان المفتين ويسأل الأعلم والأدين أم لا يلزمه ذلك؟ فيه مذهبان كما سبق وبيَّنا مأخذهما والصحيح أنه يلزمه؛ لأنه المستطاع من تقوى اللَّه [تعالى](1) المأمور بها كل أحد، وتقدم أنه إذا اختلف عليه مفتيان [أحدهما](2) أورع و [الآخر](2) أعلم فأيهما يجب تقليده؟ فيه ثلاثة مذاهب سبق توجيهها.
[هل على العامي أن يتمذهب بمذهب واحد من الأربعة أو غيرهم
؟]
وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان (3):
أحدهما: لا يلزمه، وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه اللَّه ورسوله، ولم يوجب اللَّه ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة [مبرأة مبرأ](4) أهلها من هذه النسبة، بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لأن المذهب [إنما يكون](1) لمن له نوع نظر واستدلال، [ويكون بصيرًا بالمذاهب](5) على حسبه أو لمن قرأ كتابًا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي أو حنبلي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله.
يوضحه أن القائل [أنه](1) شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك الإِمام سالك طريقه، وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(3)
انظر: "المسودة"(465) و"مختصر البعلي"(168) و"صفة الفتوى"(71) و"شرح تنقيح الفصول"(ص 432) و"المجموع"(1/ 90 - 91) و"روضة الطالبين"(11/ 117) و"شرح الكوكب المنير"(4/ 574 - 575)، و"تيسير التحرير"(4/ 253)، و"غاية الوصول"(152) و"إرشاد الفحول"(252).
وفي (ق): "فيه وجهان".
(4)
في (ق): "ببراءة".
(5)
في (ق): "ونص المذاهب"، وفي (ك):"ويكون بصيرًا بالمذهب".
والاستدلال فأما مع جهله وبعده جدًا عن سيرة الإِمام وعلمه وطريقه (1) فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من [كل](2) معنى؟ والعامي (3) لا يتصور أن يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره، ولا يلزم أحدًا قط أَن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة [بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره.
وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة] (4) لم يقل بها أحد من أئمة الإِسلام وهم أعلى رُتبةً، وأجلُّ قدرًا، وأعلمُ باللَّه ورسوله من أن يُلزموا الناس بذلك، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة.
فياللَّه العجب، ماتت مذاهب أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومذاهب التابعين، وتابعيهم وسائر أئمة الإِسلام، وبطلت جملةً إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأمة والفقهاء؟! وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟ والذي أوجبه اللَّه [تعالى](2) ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة لا يختلف الواجب، ولا يتبدل، وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضًا تابع لما أوجبه اللَّه ورسوله.
ومَن صحَّح للعامي مذهبًا قال: هو قد اعتقد أن هذا المذهب الذي إنتسب إليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده، وهذا الذي قاله هؤلاء لو صحَّ للزم منه تحريم استفتاء أهل غير المذهب الذي انتسب إليه، وتحريم تمذهبه بمذهب نظير إمامه، أو أرجح منه أو غير ذلك من اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها، بل يلزم منه أنه إذا رأى نصَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو قول خلفائه الأربعة مع غير إمامه أن يترك النص وأقوال الصحابة ويقدِّم عليها قول من انتسب إليه.
وعلى هذا فله أن يستفتي من شاء من أتباع الأئمة [الأربعة](2) وغيرهم، ولا يجب عليه ولا على المفتي أن يتقيد بـ[أحد من الأئمة](2) الأربعة بإجماع الأمة، كما لا يجب (5) على العالم أن يتقيد بحديث أهل بلده أو غيره من البلاد، بل إذا
(1) في (ك): "بطريقه".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ق): "فالعامي".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
في (ق) و (ك): "كما لم يجب".