الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابه) (1)، وأَوْلى ما ألقى عليهم المسألة التي سئل عنها، هذا ما لم يعارض ذلك مفسدة من إفشاء سر السائل أو تعريضه للأذى أو مفسدة لبعض الحاضرين، فلا ينبغي له أن يرتكب ذلك، وكذلك الحكم في عابر الرؤيا؛ فالمفتي، والمعبِّر، والطَّبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يُحسن إظهارُه.
[يجمل بالمفتي أن يكثر من الدعاء لنفسه بالتوفيق]
الفائدة الحادية والستون: حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"(2).
وكان شيخُنا كثيرَ الدعاء بذلك، وكان [إذا أشكلت عليه المسائل] (3) يقول:"يا معلِّمَ إبراهيم [علمني] (4) "، ويكثر الاستغاثة بذلك (5) اقتداءً بمعاذ بن جبل [رضي الله عنه](6) حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته، وقد رآه يبكي فقال: واللَّه ما أبكي على دنيا كنت (7) أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أتعلمهما منك، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه:"إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند عبد اللَّه بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وذكر الرابع، فإن عجز عنه هؤلاء فسائرُ أهلِ الأرض عنه أعجز فعليك بمعلم إبراهيم [صلوات اللَّه عليه] "(8).
وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ
(1) ونصُّه في "صحيحه": "باب طرح الإِمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم".
(2)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب صلاة المسافرين): باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (770) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
نقله عن ابن تيمية جمع، انظر:"العقود الدرية"(5، 26) و"ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 394) و"الهدية في مواعظ ابن تيمية"(ص 13) وفي المطبوع: "الاستعانة بذلك"، وما أثبتناه من (ق) و (ت)، وقال (د):"في نسخة: "الاستغاثة" وهي (ك).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في (ت): "على دنياك".
(8)
سبق تخريجه، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
أنت الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (1)[البقرة: 32].
وكان مكحول يقول: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [العلي العظيم](2)، وكان مالك يقول: ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه [العلي العظيم](3)، وكان بعضهم يقول:{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} (4)[طه: 25 - 28] وكان بعضهم يقول: اللهم وَفّقني واهدني وسدّدني واجمع لي بين الصواب والثواب وأعذني من الخطأ والحرمان (5)، وكان بعضهم يقرأ الفاتحة، وجزَبنا ذلك نحن (6)، فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة.
والمعوَّل في ذلك كله على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجه في الاستمداد من المعلِّم الأول معلِّم الرسل والأنبياء [صلوات اللَّه وسلامه عليهم](7)؛ فإنه لا يرد من صَدَق في التوجه إليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلّص من القول عليه بلا علم، فإذا صدقت نيّتُه ورغبته في ذلك لم يعدم أجرًا، إنْ فاته أجران، واللَّه المستعان.
وسئل الإِمام أحمد، فقيل له: ربما اشتد علينا الأمر من جهتك فلمن نسأل بعدك؟ فقال: "سلوا عبد الوهاب الوراق، فإنه أهل أن يوفق للصواب"(8)، واقتدى الإِمام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اقتربوا (9) من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم تجلَّى لهم أمورٌ صادقة، [وذلك](10) لقُرْب قلوبهم من اللَّه، وكلَّما قَرُب القلبُ من اللَّه زالت عنه معارضاتُ الهوء، وكان نورُ كشفه (11) للحق أتمَّ
(1) انظر: "أدب المفتي والمستفتي"(140).
(2)
نقله عنه: الشيرازي في "طبقات الفقهاء"(84) وابن الصلاح في "أدب المفتي"(140) والنووي في "المجموع"(1/ 76) والذهبي في "السير"(5/ 161) وابن حمدان في "صفة الفتوى"(60)، وما بين المعقوفتين من (ق).
(3)
نقله ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 1075) والقاضي عياض في "ترتيب المدارك"(1/ 148) والشاطبي في "الاعتصام"(1/ 140) و"الموافقات"(5/ 329 - بتحقيقي) وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(4)
انظر: "أدب المفتي والمستفتي"(140).
(5)
انظر: "أدب المفتي والمستفتي"(141).
(6)
في المطبوع و (ت): "وجربنا نحن ذلك".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
انظر: "المنهج الأحمد"(1/ 125) و"طبقات الحنابلة"(1/ 211) و"شرح الكوكب المنير"(4/ 574) و"العدة"(5/ 1572).
(9)
في (ق): "اقربوا".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(11)
في (ت): "نور كسبه".