الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[العمل بالسياسة]
وجرت في ذلك مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل (1) وبين بعض الفقهاء، فقال ابن عقيل: العمل بالسياسة هو الحزم، ولا يخلو منه إمام، وقال الآخر: لا سياسة إلا ما وافق الشرع فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال [بحيث](2) يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، كان لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل به وحى، فإن أردت بقولك:"لا سياسة إلا ما وافق الشرع" أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة، فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف (3) كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة، وكذلك تحريق عليّ [كرم اللَّه وجهه](2) الزنادقة في الأخاديد (4)، ونفي عمر نَصْرَ بن حجاج (5).
قلت: هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضَنْك ومعترك (6) صعب فَرَّطَ فيه طائفة فعطلُّوا (7) الحدود وضيعوا الحقوق وجرأوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد وسَدُّوا على أنفسهم طرقًا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل وعطلوها مع علمهم وعلم الناس [بها](8) أنها أدلة حق ظنًا منهم مُنَافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة [حقيقة](8) الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها فلما رأى
(1) في كتابه "الفنون" كما في "الطرق الحكمية"(ص 15 - ط. العسكري).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(3)
رواه البخاري (4987) في (فضائل القرآن)؛ باب جمع القرآن، من حديث أنس بن مالك.
(4)
رواه البخاري في "صحيحه"(3017) في (الجهاد): باب لا يُعذَّب بعذاب اللَّه، و (6922) في (استتابة المرتدين): باب حكم المرتد والمرتدة من طريق أيوب عن عكرمة قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس. . .
ورواه أيضًا الترمذي (1462) في (الحدود): باب ما جاء في المرتد، والنسائي، وانظر:"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 586)، و"سنن البيهقي"(8/ 195)، و"المجالسة"(3/ 454 - 455) وتعليقي عليه و"فتح الباري"(6/ 151).
(5)
خرجتُها في تعليقي على "الحنائيات"(رقم 266)، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
(6)
كذا في (ك)، وفي سائر النسخ:"في معترك".
(7)
في (ك): "فغلظوا".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
وُلَاةَ الأمر ذلك، وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقَمَ الأمر وتعذَّر استدراكه، وأفرط [فيه](1) طائفة أخرى فسبوغت منه ما يُناقض حكم اللَّه ورسوله، وكلا الطائفتين أُتيَتْ من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث اللَّه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن اللَّه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسْط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان [فذلك من](2) شرع اللَّه ودينه ورضاه وأمره، واللَّه تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته، وأماراته في نوع واحد [ويبطل](3) غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أشباهها (4) وأمثالها ولن تجد طريقًا من الطرق المثبتة للحق إلا وفي (5) شِرْعَة سبيل للدلالة عليها وهل يُظن بالشريعة الكاملة خلف ذلك؟
ولا نقول: إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها وتسميتها سياسة أمرٌ اصطلاحي وإلا فإذا كانت عَدلًا [فهي] من الشرع (6)، فقد حبس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تُهْمة وعاقب في تهمة لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم فمن أطلق كل متهم وخلّى سبيله أو حلَّفه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض ونقب الدور وتواتر السرقات، -ولا سيما مع وجود المسروق عنه (7) - وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل أو إقرار اختيار وطوع
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين من المطبوع: "فثم".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وأبطل".
(4)
في المطبوع: "أسبابها" والمثبت من (ك).
(5)
في المطبوع: "وهي" والمثبت من (ك).
(6)
من الأمثلة لعمل النبي صلى الله عليه وسلم بالسياسة الشرعية في "الطرق الحكمية"(ص 12، 308)، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(7)
كذا في (ك) وفي سائر النسخ: "معه".
فقوله مخالف للسياسة الشرعية، وكذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم الغالَّ من الغنيمة سَهْمَه (1)، وتحريق الخلفاء الراشدين متاعه (2)، ومنع المسيء على أميره (3) سلب قتيله (4)، وأخذه شطر مال مانع الزكاة (5)، وإضعافه الغُرم على سارق ما لا قطع فيه وعقوبته بالجلد (6)، وإضعافه الغرم على كاتم الضالة (7)، وتحريق عمر بن الخطاب حانوت الخمَّار (8)، وتحريقه قرية يُباع فيها الخمر (9)، وتحريقه قصر سعد بن أبي وقاص
(1) و (2) هما في حديث واحد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرَّقوا متاع الغال وضربوه، ومنعوه سهمه، وقد تقدم مخرجًا مفصلًا.
(3)
كذا في (ك)، وفي سائر الأصول:"أمين"!!
(4)
أظنه يريد حديث أبي قتادة الذي أخرجه البخاري (3142) في (فرض الخمس): باب من لم يخمس الأسلاب، و (4321) في (المغازي): باب قول اللَّه تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} ، وعلقه في (4322)، ووصله (7170) في (الأحكام): باب الشهادة تكون عند الحاكم، ومسلم (1751) في (الجهاد): باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
(5)
رواه أبو داود (1575) في (الزكاة): باب في زكاة السائمة، والنسائي (5/ 15) في (الزكاة): باب عقوبة مانع الزكاة، و (5/ 25) في سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلًا لأهلها، ولحمولتهم، والدارمي (1/ 369)، وأحمد (5/ 2، 4)، وعبد الرزاق (6824)، والطبراني في "الكبير"(19/ 984 - 988)، والبيهقي (4/ 105 و 116) من طرف عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده به.
وهذا إسناد حسن.
(6)
و (7) هما في حديث واحد يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، تقدم تخريجه.
(8)
أخرجه ابن سعد (5/ 56)، وابن زنجويه في "الأموال"(410)، والدولابي في "الكنى والأسماء"(1/ 189 - ط. الهندية) من طرق عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر وذكره، وإسناده صحيح.
وقد روى عبد الرزاق (10051، 17035) أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن صفية ابنة أبي عبيد، وأخبرنا معمر عن نافع عن صفية قالت: وجد عمر في بيت رجل من ثقيف خمرًا، وقد كان جلده في الخمر فحرَّق بيته وقال: ما اسمك؟ قال: رُوَيشد، قال: بل أنت فويسق.
وإسناده صحيح، صفية هذه زوجة ابن عمر، ويقال: لها إدراك.
ورواه أبو عبيد في "الأموال"(ص 96)، وابن زنجويه في "الأموال" أيضًا (رقم 409) من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر، وانظر ترجمة رويشد في "الإصابة".
وانظر: "مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 188) و"مصنف عبد الرزاق"(17036، 17039).
(9)
أخرجه أبو عبيد (رقم 268) وعنه ابن زنجويه (411) كلاهما في "الأموال" وابن حزم =
لما احتجب فيه عن رعيته (1)، وحلقه رأس نصر بن حجَّاج ونفيه (2)، وضربه صبيغًا بالدرة لما تتبع المتشابه فسأل عنه (3)، إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة فسارت سنة إلى يوم القيامة، كان خالفها مَنْ خالفها.
ولقد حدَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم في الزنى بمجرد الحبل (4).
وفي الخمر بالرائحة والقيء (5)، وهذا هو الصواب، فإن دليل القيء
= في "المحلى"(9/ 9) من طريق ربيعة بن زكاء -أو زكار- قال: نظر علي بن أبى طالب إلى زرارة، فقال: ما هذه القرية؟ قالوا: قرية تدعى زرارة، تباع فيها الخمر. . . وفيه أن عليًا -لا عمر- حرقها.
وربيعة ترجمه ابن أبي حاتم (1/ 2/ 278) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وفي إسناده عمر المكتب وحذلم لم أجدهما.
(1)
مضى تخريجه، وانظر:"زهد ابن المبارك"(ص 179) وعزاه المصنف في "الطرق الحكمية"(18) إلى "مسائل صالح" ولم أجده في طبعتيه.
(2)
خرجته مفصلًا في تعليقي على "الحنائيات"(رقم 266)، وانظر -غير مأمور-:"جزء ابن ديزيل"(رقم 9، 10، 11، 12)، و"طبقات ابن سعد"(3/ 285)، و"أخبار أبي القاسم الزجاجي"(209)، و"الإشراف" لابن أبي الدنيا (رقم 256)، و"مصنف عبد الرزاق"(7/ 152)، و"الجليس الصالح"(3/ 344) للمعافى، و"تاريخ دمشق"(17/ ق 538 - 541)، و"مسند الفاروق"(1/ 422) لابن كثير، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 608)، و"فتح الباري"(12/ 159).
(3)
روى قصة صبيغ هذا الدارمي في "سننه"(1/ 54) من طريق يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن رجلًا يقال له: صبيغ قدم المدينة، وسليمان بن يسار من الفقهاء الكبار إلا أنه مات بعد المائة، فهو لم يدرك القصة قطعًا.
ورواها الدارمي كذلك (1/ 55) من طريق الليث بن سعد عن ابن عجلان عن نافع مولى ابن عمر أن صبيغ العراقي. . . فذكرها.
ونافع كذلك لم يدرك القصة.
لكن ذكر الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في ترجمة صبيغ في "القسم الثاني" لقصته طرفًا كثيرة وأسانيد، ولذلك جزم بصحتها فقال في بداية ترجمته: له إدراك وقصته مع عمر مشهورة، وخرجتها مفصلة في تعليقي على "الموافقات"(1/ 56)، و"الاعتصام"(1/ 130) كلاهما للشاطبي، وفي كتابي المفرد عن "درة عمر" يسر اللَّه إتمامه ونشره بخير وعافية.
(4)
تقدم تخريجه.
وانظر: "تهذيب السنن"(3/ 62 - 63)، و"زاد المعاد"(4/ 40)، و"الطرق الحكمية"(ص 4).
(5)
أما إقامتهم الحد على السكران بمجرد الرائحة فقد روى البخاري (5001) في (فضائل =
والرائحة والحبل على الشرب والزنى أولى من البينة قطعًا فكيف يُظن بالشريعة إلغاء أقوى الدليلين، ومن ذلك تحريق [الصديق اللوطيَّ (1)، وإلقاء أمير المؤمنين علي كرم اللَّه وجهه له من شاهق على رأسه (2)، ومن ذلك تحريق](3) عثمان المصاحف المخالفة للمصحف الذي جمع الناس عليه (4)، وهو الذي بلسان
= القرآن): باب القرَّاء من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومسلم (801) في (صلاة المسافرين): باب فضل استماع القرآن من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وفيه أنه كان يحدِّث فوجد من أحدهم ريح خمر فحدَّه.
وروى ابن أبي شيبة (6/ 532)، والبيهقي (8/ 315) من طريق الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر ضرب في الريح.
وأما إقامة الحد بالقيء فقد ثبت في "صحيح مسلم"(1707) في (الحدود): باب حد الخمر من طريق حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان، وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما: حُمْران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه راه يتقيأ فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها فقال: يا علي قم فاجلده.
وقد ورد ذلك عن عمر أيضًا فانظر: "سنن البيهقي"(8/ 315 - 316)، و"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 533).
(1)
ذكر المؤلف ذلك مطولًا في قصة ستأتي قريبًا لذلك خرجتها هناك، وكذلك في تعليقي على "الطرق الحكمية".
(2)
الذي وجدته عن علي بن أبي طالب، ما رواه ابن أبي شيبة (6/ 494)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(143)، وعبد الرزاق (7/ 363 - 364)، وابن حزم (11/ 381)، وابن الجوزي في "ذم الهوى"(163) من طريق ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد، عن يزيد بن قيس أن عليًا رجم لوطيًا.
وابن أبي ليلى ضعيف، وقد أبهم يزيد في رواية هشيم عنه، كما عند ابن المندر في "الأوسط"(4/ ق 217/ أ)، والبيهقي (8/ 232)، فقال:"عن رجل" ولم يسمه.
ورواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(رقم 129) والبيهقي (8/ 232) من طريق شريك عن القاسم بن الوليد عن بعض قومه أن عليًا رجم لوطيًا.
والطريقة التي ذكرها المؤلف عن علي وجدتها عن ابن عباس فقد روى ابن أبي شيبة (6/ 494)، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(رقم 130)، والبيهقي (8/ 232) من طريق غسان بن مضر عن سعيد بن يريد عن أبي نضرة قال: سئل ابن عباس: ما حد اللوطي؟ قال: ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى بها منكَّسًا ثم يتبع بالحجارة. وإسناده صحيح.
وقال المؤلف في "زاد المعاد"(5/ 40): قال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله، فقال أبو بكر: يرمى من شاهق، وقال علي رضي الله عنه: يُهدم عليه حائط، وقال ابن عباس: يقتلان بالحجارة.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
مضى تخريجه، وانظر:"علل الدارقطني"(3/ 229).
قريش، ومن ذلك تحريق الصديق للفجاءة السُّلَمي (1)، ومن ذلك اختيار عمر رضي الله عنه للناس إفراد الحج، وأن يعتمروا في غير أشهر الحج (2)، فلا يزال البيت الحرام معمورًا بالحجاج والمعتمرين، ومن ذلك منع عمر رضي الله عنه من بيع أمهات الأولاد (3)، وقد باعوهن في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه (4)، ومن ذلك إلزامه بالطلاق الثلاث لمن أوقعه بفم واحد عقوبة له، كما صرَّح هو بذلك (5)، وإلا فقد كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من إمارته هو يجعل واحدة (6) إلى أضعاف [أضعاف](7) ذلك من السياسات العادلة التي ساسوا بها الأمة وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها.
وتقسيمُ بعضهم طرقَ الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة وكتقسيم آخرين الدينَ إلى عقل ونقل، وكل ذلك [تقسيم باطل، بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك](8) ينقسم إلى قسمين: صحيح وفاسد؛ فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها والباطل ضدها ومنافيها، وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها، وهو مبني على حرف واحد، وهو عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العبادُ في معارفهم وعلومهم [وأعمالهم](8)، وأنه لم يحوج أمته إلى أحدٍ بعده، وإنما حاجتهم إلى مَنْ يبلّغهم عنه ما جاء به (9)، فلرسالته عمومات محفوظات (10) لا يتطرق إليهما تخصيص [عموم بالنسبة إلى المرسل إليه](11) وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه مَنْ بُعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به.
(1) انظر تفصيل ذلك في "تاريخ الطبري"(3/ 264 - ط. المعارف)، وفي سائر النسخ:"الفجاءة" والمثبت من (ك).
(2)
و (3) و (4) و (5) و (6) مضى تخريج ذلك، والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
(7)
ما بين المعقوفتين من (ك).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(9)
انظر كلام المصنف رحمه الله حول قاعدة "شمول الشريعة لأحكام المكلفين وكمالها، وأنها محيطة باحكام الحوادث" في "مفتاح دار السعادة"(ص 324 - 334)، و"مدارج السالكين"(2/ 458 - 459)، و"الصواعق المرسلة"(1/ 5، 88، 90)، و"اجتماع الجيوش الإسلامية"(ص 3).
(10)
في المطبوع: "عمومان محفوظان" والمثبت من (ك).
(11)
ما بين المعقوفتين مكرر في (ك) وفي المطبوع: "إليهم" بدل "إليه".