الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في فتواه صلى الله عليه وسلم في نفقة المعتدة وكسوتها
ثبت أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها البتة فخاصمته في السكنى والنفقة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت: فلم يجعل لي سكنى، ولا نفقة، وفي "السنن" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا بنت آل قيس إنما السكنى والنفقة على مَنْ كانت له رَجْعةٌ"(1)، ذكره أحمد، وعنده أيضًا:"إنما السكنى والنفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة، فلا نفقة، ولا سكنى"(2).
وفي "صحيح مسلم" عنها: طلقني زوجي ثلاثًا فلم يجعل لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سكنى، ولا نفقة (3).
وفي رواية لمسلم أيضًا أن أبا عمرو بن حفص خرج مع علي [كرم اللَّه وجهه](4) إلى اليمن فأرسل إلى امرأته بتطليقة بقيت من طلاقها وأمر عيَّاش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن يُنفقا عليها فقالا: واللَّه ما لها نفقة إلا أن تكون حاملًا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهما فقال:"لا نفقة لك" فاستأذنته في الانتقال فأذن لها، فقالت له: أين يا رسول اللَّه؟ فقال: "عند ابن أم مكتوم" وكان أعمى تضع ثيابها
(1) بهذا اللفظ رواه أحمد (6/ 415)، ونحوه عند الطبراني في "الكبير"(24/ 936 و 937) من طريق مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس به، وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مجالد، وهو متابع، انظر ما بعده، وهو والذي بعده أصلهما في "صحيح مسلم"، كما ذكره ابن القيم في الذي بعدهما.
(2)
رواه أحمد (6/ 416) من طريق مجالد عن الشعبي عن فاطمة به، وإسناده ضعيف أيضًا، ولكن مجالد توبع؛ فقد أخرجه الطبراني في "الكبير"(24/ 935) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي به، وزكريا هذا من الثقات، إلا أنه كان يدلس كثيرًا عن الشعبي كما قال غير واحد.
وتابعه أيضا سعيد بن يزيد البجلي؛ أخرجه الطبراني (24/ 948) من طريق إسحاق بن إبراهيم الصواف عن بكر بن بكار عنه.
ورواته ثقات غير سعيد بن يزيد فإنه صدوق، وبكر هذا إن كان هو المترجم في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"ميزان الذهبي"، فقد ضعفه النسائي، وابن معين، وأبو حاتم، وقال ابن حبان: ثقة يخطئ وقال أبو عاصم النبيل: ثقة" وأظنه هو، فإنه في هذه الطبقة، وإن كان غيره فإني لم أعرفه.
(3)
رواه مسلم (1480) بعد (51) في (الطلاق): باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
عنده ولا يراها، فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فأرسل إليها مروانُ قبيصةَ بن ذؤيب يسألها عن الحديث، فحدثته فقال: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة حينْ بلغها قول مروان: بيني وبينكم القرآن قال اللَّه تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] الآية قالت: هذا لمن كانت له مُرَاجعة فأي أمر يحدُثُ بعد الثلاث؟ (1)
وأفتى النبي صلى الله عليه وسلم بأن للنساء على الرجال رزقهن وكسوتهن بالمعروف (2)، ذكره مسلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم ما تقول في نسائنا؟ فقال: "أَطْعِمُوهُنَّ مما تأكلون واكسوهنَّ مما تلبسون، ولا تضربوهنَّ، ولا تقبحوهنَّ"(3)، ذكره مسلم.
وسألته صلى الله عليه وسلم هند امرأة أبي سفيان فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه، وهو لا يعلم، قال:"خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف"(4)، متفق عليه.
(1) رواه مسلم (1480) بعد (41).
(2)
هو جزء من حديث جابر الطويل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم (1218) في (الحج)! باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
رحم اللَّه ابن القيم، فالحديث لم يروه مسلم، وإنما رواه بهذا اللفظ أبو داود (2144) في (النكاح): باب في حق المرأة على زوجها من طريق سعيد، عن بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه عن جده به، ورواه نحوه أبو داود (2143)، وأحمد (5/ 5)، والطبراني في "الكبير"(19/ 999 - 1002) من طرق عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، ورواه أحمد (4/ 447)، وأبو داود (2142)، وابن ماجه (1850) في (النكاح): باب حق المرأة على الزوج، والنسائي في "عشرة النساء"(289) وفي "التفسير"(رقم 124)، و (447)، وابن حبان (4175)، والطبراني في "الكبير"(19/ 1034) و (1037) و (1039)، والحاكم (2/ 187 - 188). والبيهقي (7/ 295 و 305) من طرق عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، وإسناده حسن من أجل حكيم بن معاوية.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد (3/ 446 - 447) من طريق أبي قزعة، عن عمرو بن دينار، عن حكيم بن معاوية به.
ورواه النسائي في "عشرة النساء"(298) من طريق سويد بن حجير، عن حكيم بن معاوية به، ورواه أحمد (5/ 3) عن عبد الرزاق عن ابن جريج، عن أبي قزعة، وعطاء عن رجل من بني قشير عن أبيه.
ورواه البيهقي (7/ 295) من طريق سعيد بن حكيم -أخو بهز- عن أبيه عن جده.
(4)
رواه البخاري (2211) في (البيوع): باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم =
فتضمنت هذه الفتوى أمور:
أحدها: أن نفقة الزوجة غير مُقَدَّرة بل المعروف ينفي تقديرها، ولم يكن تقديرها معروفًا في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، ولا التابعين، ولا تابعيهم.
الثاني: أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الولد كلاهما بالمعروف.
الثالث: انفراد الأب بنفقة أولاده.
الرابع: أن الزوج أو الأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف.
الخامس: أن المرأة إذا قَدَرَتْ على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل.
السادس: أن ما لم يقدره اللَّه ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف.
السابع: أن ذم الشاكي لخصمه بما هو فيه حال الشكاية لا يكون غيبة، فلا يأثم به هو، ولا سامعه بإقراره عليه.
الثامن: أن من منع الواجب عليه، وكان سبب ثبوته ظاهرًا فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه، كما أفتى به النبي صلى الله عليه وسلم هندًا (1)، وأفتى صلى الله عليه وسلم الضيف (2) إذا لم يَقْره مَنْ نزل عليه، كما في "سنن أبي داود" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليلة الضيف حق على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه محرومًا كان دينًا عليه إن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه" وفي لفظ: "من نزل بقوم فعليهم أَن يَقْرُوه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"(3)، وإن كان سبب الحق خفيًا لم يجز له ذلك، كما أفتى النبي صلى الله عليه وسلم في
= في البيوع، و (5370) في (النفقات): باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، و (7180) في (الأحكام): باب القضاء على الغائب، ومسلم (1714) في (الأقضية): باب قضية هند، من حديث عائشة أم المؤمنين.
(1)
في حديث تقدم تخريجه.
(2)
رواه أبو داود (3750) في (الأطعمة): باب ما جاء في الضيافة، وابن ماجه (3677) في (الأدب): باب حق الضيف، وأحمد (4/ 130 و 132 - 133)، والبخاري في "الأدب المفرد"(رقم 765)، والطيالسي (2038 - منحة)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1839) و (2812) و (2813)، وفي "شرح معاني الآثار"(4/ 242)، والبيهقي (9/ 197)، والطبراني في "الكبير"(20/ 621 و 623 و 624) من طرق عن منصور عن الشعبي عن المقدام بن معدي كرب.
قال الحافظ في "التلخيص"(4/ 159) بعد أن عزاه لأبي داود: وإسناده على شرط الصحيح.
(3)
رواه أحمد (4/ 131)، وأبو داود (4604) في "السنة" باب في لزوم السنة -ومن طريقه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 89) - وابن عدي (2/ 858) والطبراني في "الكبير" (20/ =
قوله: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"(1).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: "من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: ["أمك" قال: ثم من؟ قال:] "أبوك" متفق عليه، زاد مسلم: "ثم أدْنَاكَ فأدْنَاكَ" (2).
قال الإمام أحمد: للأم ثلاثة أرباع البر، وفال أيضًا: الطاعة للأب وللأم ثلاثة أرباع البر، وعند الإمام أحمد قال:"ثم الأقرب فالأقرب"(3).
وعند أبي داود أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر؟ قال: "أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة"(4).
= 668 و 670) من طرق عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب، فذكره وهو جزء من حديث طويل أَوله:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه" -وهو مخرج بتفصيل في تعليقي على "الإعتصام" للشاطبي (2/ 27) - وهذا إسناد صحيح. ورواه الطبراني في "الكبير"(20/ 667 و 669) من طريق مروان بن رؤبة عن عبد الرحمن بن أبي عوف به.
* تنبيه وقع في "مسند أحمد" جرير بن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي وهو خطأ صوابه (حريز عن عبد الرحمن).
وتوبع عبد الرحمن بن أبي عوف، تابعه الشعبي، عند: أحمد (4/ 130، 132، 133) وهناد (1055)، والطيالسي (1151)، والبخاري في "الأدب المفرد"(744)، وأبي داود (3750)، وابن ماجه (3677)، والطحاوي في "المشكل"(1839، 2812، 2813)، و"شرح معاني الآثار"(2/ 242) وتمام في "فوائده"(رقم 1274 - ترتيبه)، والطبراني (20/ 263، 264)، والبيهقي (9/ 197)، "والشعب"(7/ 92) وتابعهما أيضًا سعيد بن المهاجر عند أحمد (4/ 131، 133)، والدارمي (2043)، وأبي داود (3751) وللحديث شواهد عديدة انظر "السلسلة الصحيحة"(2204)، و"الإرواء"(2591).
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (5971) في (الأدب): باب من أحق الناس بحسن الصحبة، ومسلم (2548) في (البر والصلة): باب بر الوالدين وأنهما أحق به، من حديث أبى هريرة.
وزيادة مسلم: (ثم أدناك فأدناك) عنده رقم (2548) بعد (2).
وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(3)
رواه أحمد (5/ 305) وعبد الرزاق (20121) وأبو داود (5139) في (الأدب): باب في بر الوالدين، والبخاري في "الأدب المفرد"(3)، والترمذي (1902) في (البر): باب ما جاء في بر الوالدين، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1667) و (1668)، والحاكم (3/ 642 و 4/ 150)، والبيهقي (4/ 179 و 8/ 2)، والطبراني في "الكبير"(19/ 957 - 964) من طرق عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهو حسن فقط على ما استقر قول أهل الفن في هذا الإسناد.
(4)
رواه أبو داود (5140) في (الأدب): باب في بر الوالدين، والبخاري في "التاريخ الكبير" =