الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [فتاوى في الجهاد]
[في طرف من فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجهاد](1).
سئل عن قتال الأمراء الظلمة فقال: "لا ما أقاموا الصلاة"، وقال:"خيار أئمتكم الذين تحبّونهم ويحبونكم، ويصلُّون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" قالوا: أفلا ننابذهم؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية اللَّه فليكره ما يأتي من معصية اللَّه، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعته"(2)، ذكره مسلم.
وقال: "يُستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره، فقد بريء، ومن أنكر، فقد سَلِم، ولكن مَن رضي وتابع" قالوا: أفلا نقاتلهم، قال:"لا، ما صلوا"(3)، ذكره مسلم، وزاد أحمد:"ما صلوا الخمس"(4).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا حقَّنا ويسألوننا حقَّهم؟ قال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم"(5)، ذكره الترمذي.
وقال: "إنها ستكون بعدي أَثَرة وأمور تنكرونها". قالوا: فما تأمر من أدرك منا ذلك (6)؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون اللَّه الذي لكم"(7)، متفق عليه.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(2)
رواه مسلم (1855) في (الإمارة): باب خيار الأئمة وشرارهم، من حديث عوف بن مالك الأشجعي.
(3)
رواه مسلم (1854).
(4)
رواه أحمد (6/ 295) بإسناد صحيح.
(5)
رحم اللَّه ابن القيم، فالحديث رواه مسلم (1846) في (الإمارة): باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق.
وهو في "سنن الترمذي"(2204) في (الفتن): باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم، من حديث وائل بن حجر.
(6)
كذا في (ك) وفي سائر الأصول: "تأمرنا من أدرك ذلك".
(7)
رواه البخاري (3603) في (المناقب): باب علامات النبوة في الإسلام، و (7052) في (الفتن): باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورًا تنكرونها"، ومسلم (1843) في (الإمارة): باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول من حديث ابن مسعود.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: دلّني على عمل يعدل الجهاد، قال:"لا أجده"، ثم قال:"هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ " قال: ومن يستطيع ذلك، فقال:"مثل المجاهد في سبيل اللَّه كمثل الصائم القائم القانت بآيات اللَّه لا يفتر من صيام، ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل اللَّه"(1)، ذكره مسلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ فقال: "مؤمن يجاهد بنفسه، وماله في سبيل اللَّه" قال: ثم من؟ قال: "رجل في شعب من الشعاب يتقي اللَّه ويدع الناس من شره"(2)، متفق عليه.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن قُتلتُ في سبيل اللَّه، وأنا صابر محتسب مُقبل غير مدبر يُكفر اللَّه عنّي خطاياي؟ قال:"نعم"، [ثم قال]:"كيف قلت؟ " فردَّ عليه كما قال، فقال:"نعم، فكيف قلت؟ " فرد عليه القول أيضًا، فقال: أرأيت يا رسول اللَّه إن قُتلت في سبيل اللَّه صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر يُكفِّر اللَّه عني خطاياي؟ قال: "نعم إلا الدَّيْن، فإن جبريل سارَّني بذلك"(3)، ذكره أحمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كَفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة"(4)، ذكره النسائي.
(1) هذا الحديث مركب من حديثين أحدهما عند البخاري (2785) في أول كتاب (الجهاد)، ومسلم (1878) في (الإمارة): باب فضل الشهادة في سبيل اللَّه، وكلاهما من حديث أبي هريرة.
(2)
رواه البخاري (2786) في (الجهاد): باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل اللَّه، و (6494) في (الرقاق): باب العزلة راحة من خلاط السوء، ومسلم (1888) في (الإمارة): باب فضل الجهاد والرباط، من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
رواه أحمد (2/ 308 و 330) من طريقين عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن عياض بن عبد اللَّه بن أبي سرج عن أبي هريرة به.
قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 128): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وكذا قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "تعليقه على المسند"(15/ 214)، والحديث بنحو هذا اللفظ ثابت في "صحيح مسلم"(1885)، من حديث أبي قتادة الأنصاري، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
رواه النسائي (4/ 99) في (الجنائز): باب الشهيد، -وعنه السَّرَقُسْطي في "غريب الحديث" (2/ ق 165) - وابن أبي عاصم في "الجهاد":(230) من طريقين عن صفوان بن =
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الشهداء (1) أفضل عند اللَّه تعالى؟ قال: "الذين يلقون في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا (2) أولئك ينطلقون في الغُرف العُلى من الجنة ويضحك إليهم ربك تعالى، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا، فلا حساب عليه"(3)، ذكره أحمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُقاتل شجاعة، ويقاتل حَميّة، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل اللَّه؟ قال:"مَنْ قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه"(4)، متفق عليه.
وعند أبي داود أن أعرابيًا أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل اللَّه؟ قال:"من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه"(5).
= عمرو عن راشد بن سعد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به.
أقول: راشد بن سعد هذا ثقة، إلا أنه كثير الإرسال، وقد مات بعد المئة، فهل سمع هذا من أحد من الصحابة؟
الأمر يحتمل ففي سنده نظر مع ثقة رجاله، وصححه شيخنا في "أحكام الجنائز"(ص 50)، وهو في "صحيح سنن النسائي"(رقم 1940).
(1)
في (ك): "الشهيد".
(2)
في (ك): "الذين".
(3)
رواه أحمد في "مسنده"(5/ 287)، وسعيد بن منصور في "سننه"(2566)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(8/ 95)، وابن أبي عاصم في "الجهاد"(228)، وفي "الآحاد والمثاني"(1277)، وأبو يعلى في "مسنده"(6855)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(14/ رقم 2033، 2034)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(986) كلهم من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار (ويقال: هيّار) به.
قال الهيثمي في "المجمع"(5/ 292): ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات.
أقول: إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذه منها، فالحديث حسن.
وقد وقع في إسناده اختلاف ذكره البخاري في "تاريخه الكبير"، وقد أجاب عن هذا الاختلاف محقق كتاب "الجهاد"، فأفاد وأجاد، وأغنى عن الإعادة فجزاه اللَّه خيرًا.
(4)
رواه البخاري (7458) في (التوحيد): باب قول اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ، ومسلم (1904) (150) في (الإمارة): باب من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه، من حديث أبي مرسى الأشعري.
(5)
رواه أبو داود (2517) في (الجهاد): باب من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا، بإسناد صحيح. =
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول اللَّه الرجلُ يريد الجهاد في سبيل اللَّه، وهو يبتغي (1) عَرَضًا من أعراض الدنيا؟ فقال:"لا أَجَرَ له" فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عُدْ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنك لم تفهمه، فقال: يا رسول اللَّه رجل يريد الجهاد في سبيل اللَّه، وهو يبتغي عرضًا من عرض الدنيا، فقال:"لا أجر له" فقالوا للرجل: عُدْ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال له الثالثة، فقال:"لا أجر له"(2)، ذكره أبو داود.
وعند النسائي أنه سئل صلى الله عليه وسلم[فقيل](3) أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذِّكر [مَا لَه]؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا شَيءَ له" فأعادها ثلاث مرات يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له"، ثم قال:"إن اللَّه تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا [له] وابتُغي به وجهه"(4).
وسألته صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها فقالت: يا رسول اللَّه يغزو الرجال، ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل اللَّه تعالى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] الآية (5)، ذكره أحمد.
= وهو في "صحيح البخاري"(2810) في (الجهاد): باب من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا و (3126) في (فرض الخمس): باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟ ومسلم (1904)(149) من حديث أبي موسى أيضًا ولفظهما: "الرجل يقاتل للمغنم، ويقاتل ليذكر ويقاتل ليُرى مكانه".
(1)
في (ك): "يبغي".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع وأثبتناه من (ك).
(4)
رواه النسائي (6/ 25) في (الجهاد): باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، والطبراني في "الكبير"(7628) من طريق معاوية بن سلام، عن عكرمة بن عمار (في "معجم الطبراني": عن معاوية عن هود بن عطاء، وكأنه كان يرويه على الوجهين)، عن شداد بن عبد اللَّه أبي عمار عن أبي أمامة به.
وحسّن إسناده الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(4/ 372)، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (6/ 28): وإسناده جيد.
وصححه شيخنا الألباني في "السلسلة الصحيحة"(52).
أقول: الحديث عزاه الحافظ في "الفتح" لأبي داود أيضًا، وليس هو فيه!
وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
رواه أحمد (6/ 322)، وسعيد بن منصور في "السنن"(رقم 624)، وعبد الرزاق في "التفسير"(1/ 154 رقم 563)، والترمذي (3030) في (التفسير)؛ باب ومن سورة النساء، وأبو يعلى (6959)، والطبري (8/ 262 رقم 9241)، والطبراني (23/ رقم 609)،=
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الشُّهداء، فقال: "من قُتل في سبيل اللَّه فهو شهيد، ومن مات
= والواحدي في "أسباب النزول"(ص 143) والحاكم (2/ 305 - 306) من طرق عن سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة فذكره.
قال الترمذي: هذا حديث مرسل، ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مرسلًا أن أم سلمة قالت: كذا وكذا.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إذا كان سمع مجاهد من أم سلمة، ووافقه الذهبي.
أقول: لم أر من تعرض لذكر سماع مجاهد من أم سلمة، وهو قد مات سنة (102) أو (103)، وكان مولده سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، وأم سلمة توفيت سنة (61) فهو قد أدركها إدراكًا بينًا، لكن إدراكه إياها ليس بالضرورة أنه سمع منها، فهو قد أدرك جماعة من الصحابة، ولم يسمع منهم كما في "جامع التحصيل"، وحكم الترمذي على الحديث بالإرسال، وتشكيك الحاكم في سماعه من أم سلمة يجعل في النفس ريبة، ولكنها تزول إذا علمنا أن مجاهدًا ليس بمدلس قال ابن حجر في "التهذيب" (10/ 44):"ولم أر من نسبه إلى التدليس" وقال في "الفتح"(6/ 194) عنه: "وليس بمدلس".
ثم وجدت عبارة الترمذي في "تحفة الأشراف"(13/ 31) تختلف تمامًا عما هي في السنن حيث قال: غريب، وقد روى بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن أم سلمة قالت:. . .، فاللَّه أعلم.
ثم وجدت عبارة الترمذي في "تفسير ابن كثير"(1/ 499) كما هي في "تحفة الأشراف"، ونقلها ابن حجر في "العجاب" (2/ 862) عنه هكذا:". . . وقد رواه بعضهم عن الثوري. . . " مثله.
ويؤكد ذلك أن جماهير الرواة عن سفيان (وهو ابن عيينة) -مثل أحمد وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد (عند الواحدي) وداود بن عمرو الضبي (عند أبي يعلى) قالوا عن مجاهد قال: قالت أم سلمة، عدا محمد بن أبي عمر فقال عن سفيان (عن مجاهد عن أم سلمة أنها قالت، وكذا جماهير الرواة عن سفيان الثوري، كما عند ابن جرير (7/ 486 رقم 8367 و 8/ 261 رقم 9236، 9237) وابن أبي حاتم (3/ رقم 5224، 5225) كلاهما في "التفسير"، والحاكم (2/ 305 - 306، 416)، وانظر تعليق العلامة أحمد شاكر على "تفسير ابن جرير"(8/ 262 - 263)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 507) إلى عبد بن حميد وابن المنذر أيضًا.
وقد وجدت شاهدًا لبعضه وهو: "وإنما لنا نصف الميراث"، ونزول الآية من حديث ابن عباس، أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (3/ رقم 5223) من طريق أحمد بن عبد الرحمن: حدثني أبي: حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عنه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل. . . فأنزل اللَّه:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} ، وإسناده جيد.