الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادس: أن يكون فَهِم ما لم يُرِده الرسول (1) صلى الله عليه وسلم، وأخطأ في فهمه، والمراد غير ما فهمه، وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة، ومعلوم قطعًا أن وقوع احتمال (2) من خمسة أغلب [على الظن](3) من وقوع احتمال واحد معيَّن، هذا ما لا يشك فيه عاقل [من بعده](4)، يفيد ظنًا غالبًا قويًا على أن الصواب في قوله دون ما خالفه (5) من أقوال من بعده، وليس المطلوب إلا الظن الغالب، والعمل به متعين، ويكفي العارف هذا الوجه.
فصل [من وجوه فضل الصحابة]
هذا فيما انفردوا به عنا، أما المدارك التي شاركناهم فيها (6) من دلالات الألفاظ والأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أَبرَّ قلوبًا، وأعمق علمًا وأقل تكلّفًا وأقرب إلى أن يوفَّقوا فيها لما لم نوفق له نحن، لما خصَّهم اللَّه [تعالى](7) به من توقّد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك وسرعته، وقلّة المعارض (8) أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الرب تعالى (9)، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم (10)، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح
(1) في (ق): "ما لا يرده النبي".
(2)
"في أولى المصريتين: "وقوع احتمال الظن من خمسة. . . إلخ"، وكلمة: "الظن" مقحمة كما هو واضح"(د). قلت: وهو المثبت في (ق).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "وذلك".
(5)
في (ق): "دون من خالفه".
(6)
في (ق) و (ك): "هذا فيما انفرد به عنا، وأما المدارك التي شركناهم فيها".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
فكيف لو رأى ابن القيم من جعل طلب العلم آخر همه، وأرخص مطلوب له، وهام في كل واد، يخطب الدنيا، ويجمع لمهرها ثم يطلب العلم بفضلات الوقت والجهد؟ بل كيف لو رأى من استفرغ قوى فكره في رضا نفسه، واستقصاء لذاته؟؟ وأين موقع هذا وأمثاله من العلم وأهله؟ (س).
(9)
هذه بصيرة الإيمان التي لم تفسدها أوهام التقليد، ولم تزعزعها وساوس تقديس الرجال، ولم تغيرها القلوب المرعوبة من تعظيم الرجال بغير حق (س).
(10)
وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء (س).
والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا (1) عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران:
أحدهما: قال اللَّه [تعالى](2) كذا، وقال رسوله كذا.
والثاني: معناه كذا وكذا، وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما (3) فقواهم متوفرة (4) مجتمعة عليهما، وأما المتأخرون فقواهم (5) متفرقة، وهممهم متشعبة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول [وقواعدها قد أخذت منها شعبة](6)، وعلم الإسناد و [أحوال](6) الرواة [قد أخذ منها](6) شعبة، وفكرهم في كلام مصنّفيهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية إنْ كان لهم هممٌ تسافر إليها وصلوا إليها بقلوبٍ وأذهانٍ قد كلَّتْ من السير في غيرها، وأوهن قواها (7) مواصلةُ السرى في سواها، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب [تلك](8) القوة، وهذا أمر يحس به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها، ثم صار إليها وَافَاها بذهن كالٍ وقوة ضعيفة (9).
وهذا شأن من استعمل قواه (10) في الأعمال غير المشروعة تَضعُف قوته عند
(1) في (ق): "اغتنوا"، وفي (ك):"أغنوا".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
وما أبعد الفرق بين من تلقى السنة والفقه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتلامذته من الصحابة، وبين من تلقاها عبر مئات السنين، فلا وجه للمقارنة بين الطرفين والواسطتين، فهذا من قياس الحدادين على الملائكة كما يقول شيخنا (س).
(4)
في (ق): "متوافرة".
(5)
في (ق): "فقلوبهم"!
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في المطبوع: "وأوهن قواهم".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ط) و (ق) و (ك).
(9)
فكيف من قضى عمره في تحصيل وسائل العلم ومداخله؟ بل في تحصيل أصول علم واحد من هذه العلوم؟ ورغم ذلك يردد بعض الشباب أن الأعرابي كان يجلس ساعة في مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم ينطلق إلى الجهاد، وكأنه يتصور أن شأن المتعلم في زماننا كشأن الأعرابي عند النبي صلى الله عليه وسلم! ونشأ بسبب هذا الفهم السطحي العابر تبرم وتأفف جماعات وأفراد ينتسبون إلى دعوة السنة من صرف الوقت والجهد في التعلم والتعليم، وتحقيق المسائل الحديثية والفقهية، أدى إلى زهد وتزهيد في طلب العلم، وإلى عيب أهله ولمزهم، وإلى دفع الشباب إلى حركات هوجاء، لا تقيم وزنًا للرأي العلمي، وتستريب بالتؤدة، وتعدها من مظاهر العطالة والعبث وأحيانًا من العمالة والقعود والتثبيط، وللَّه الأمر من قبل ومن بعد (س).
(10)
في المطبوع: "استفرغ قواه".
العمل المشروع، كمن استفرغ قوَّته في السماع الشيطاني فإذا جاء قيام الليل قام إلى ورده بقوة كالّة، وعزيمة باردة، وكذلك من صرف قوى حبِّه وإرادته إلى الصور أو المال (1) أو الجاه، فإذا طالب قلبه بمحبة اللَّه فإن انجذب معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره، فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس، فإذا جاء إلى كلام اللَّه و [كلام] رسوله جاء بفكرة كالَّةٍ (2) فأعطى بحسب ذلك (3).
والمقصود أن الصحابة أغناهم اللَّه تعالى عن ذلك كله (4)، فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط، هذا إلى ما خصوا به من قوى الأذهان وصفائها، وصحتها وسرعة إدراكها (5)، وكماله، وكثرة المعاون، وقلة المعاوق (6)، وقرب العهد بنور النبوة، والتلقي من تلك المشكاة النبوية، فإذا كان هذا حالنا وحالهم فيما تميزوا به علينا وما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أو شيوخنا (7) أو شيوخهم أو من قلَّدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟ ومن حدّث نفسه بهذا فليعرِّها (8) من الدين والعلم، واللَّه المستعان (9).
الوجه الرابع والأربعون (10): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"(11) وقال علي رضي الله عنه (12): "لن تخلو الأرض من قائم للَّه بحُجَّة لكيلا تبطل حُجَجُ اللَّه وبيّناته"(13)، فلو جاز أن يخطئ الصحابة في حكم ولا
(1) في (ق): "والمال".
(2)
وقد أعفى اللَّه الصحابة من حجب العجمة والتقليد، وبدع الكلام والتصوف، وما بين المعقوفتين من (ق) فقط.
(3)
وكم أهلك ضعف التقوى من المسلمين، بل وصرفهم عن الدين بالكلية، فضلًا عن العلم (س).
(4)
وعلماء العربية في عصرنا -على قلتهم- كمن ينحت في جلمود أصم، وقل كذلك في علم الحديث، وأصول الفقه (س).
(5)
في المطبوع: "وقوة إدراكها"، وأشار (د) إلى نسختنا هذه.
(6)
في المطبوع: "وقلة الصارف".
(7)
في (ق): "وشيوخهم".
(8)
في المطبوع: "فليعزلها"، وفي (ق):"المسألة من المسائل".
(9)
هذا واللَّه القول الفصل، وصدق القائل:"قطعت جهيزة قول كل خطيب"، (س).
(10)
استكمل فيه الإمام ابن القيم سياق الأدلة على حجية أقوال الصحابة رضي الله عنهم (س).
(11)
رواه مسلم (1920) في (الإمارة): باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي. . . " من حديث ثوبان.
(12)
في المطبوع: "كرم اللَّه وجهه ورضي عنه".
(13)
قطعة من وصية علي رضي الله عنه لكميل بن زياد، وتخريجها مطولة في موضع آخر، واللَّه الموفق، وفي (ق):"كيلا" بدل "لكيلا".
يكون في [ذلك](1) العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في الأمة قائم بالحق في [ذلك](1) الحكم؛ لأنهم بين ساكت ومخطئ، ولم يكن في الأرض قائم للَّه بحجة في ذلك الأمر، ولا من يأمر فيه بمعروف أو ينهى فيه عن منكر، حتى نبغت نابغة فقامت بالحجة وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع.
الوجه الخامس والأربعون: أنهم إذا قالوا قولًا أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديًا لذلك القول ومبتدعًا له (2)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضَّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، [فإن كل بدعة ضلالة"] (3)، وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور فلا يجوز اتّباعهم.
وقال عبد اللَّه بن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (4)، وقال أيضًا: إنَّا نقتدي (5) ولا نبتدي، ونتَّبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر (6)، وقال أيضًا: إياكم والتبدُّع، وإياكم
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ق): "أو مبتدعًا له".
(3)
سبق تخريجه، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
أخرجه وكيع في "الزهد"(2/ 590/ رقم 315)، ومن طريقه أحمد في "الزهد"(162)، وابن وضاح في "البدع والنهي عنها"(10، 12، 14)، والدارمي في "السنن"(1/ 69)، وأبو خيثمة في "العلم"(رقم 54)، ومحمد بن نصر في "السنة"(ص 81)، والطبراني في "المعجم الكبير"(9/ 168 رقم 8770)، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(ق 51/ 2/ ورقم 460 من المطبوع)، وبحشل في "تاريخ واسط"(ص 198 - 199) وابن بطة في "الإبانة"(رقم 175)، واللالكائي في "شرح أصول اعئقاد أهل السنة والجماعة"(1/ 86/ رقم 104)، والبيهقي في "المدخل"(رقم 204) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 16 - 17) كلهم من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود به.
وعند بعضهم مختصرًا، وإسناده صحيح، وانظر لآخره ما سيأتي قريبًا، وروي عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا.
قال الهيثمي في "المجمع": (1/ 181): ورجاله رجال الصحيح. وصحح إسناده شيخنا الألباني في تعليقه على "العلم".
(5)
في (ق): "إنا لنقتدي".
(6)
رواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 147) واللالكائي في "السنة"(105، 106) من طريقين عن ابن مسعود، وجعله الهروي في "ذم الكلام"(رقم 337 - ط الغرباء ورقم 330 - ط الشبل) عن المسيب بن رافع قوله.
والتنطُّع، وإياكم والتعمق، وعليكم [بالدين] العتيق (1)، وقال أيضًا: أنا لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال، أمور تكون من كُبرائكم، فأيما مُرَيّة أو رُجيل (2) أدرك ذلك الزمان فالسّمتَ الأول، فالسمتَ (3) الأول، فإنا اليوم على السنة (4).
وقال أيضًا: [و](5) إياكم والمحدثات؛ فإن شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة
(1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(11/ 252/ رقم 20465)، والدارمي في "السنن"(1/ 54)، والطبراني في "الكبير"(9/ 189/ رقم 8845)، والبيهقي في "المدخل"(رقم 387)، وابن حبان في "روضة العقلاء"(ص 37)، وابن وضاح في "البدع"(رقم 60)، وابن بطة في "الإبانة"(رقم 168، 169، 192)، وابن نصر في "السنة"(88)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 43 أو 1/ 167/ رقم 156 - ط دار ابن الجوزي)، والبيهقي في "المدخل"(387)، واللالكائي في "السنة"(1/ 87/ رقم 108)، وابن عبد البر في "الجامع"(1/ 592/ رقم 1017 - مختصرًا معلقًا) من طرق عن أبي قلابة عبد اللَّه بن زيد عن ابن مسعود.
ورجاله ثقات، إلا أن أبا قلابة لم يسمع من ابن مسعود، قاله الهيثمي في "المجمع"(1/ 126).
وقال البيهقي: "هذا مرسل، وروي موصولًا من طريق الشاميين".
قلت: رواه عن ابن مسعود أبو إدريس الخولاني عند البيهفي "المدخل"(رقم 388)، وإسناده صحيح.
وورد عن معاذ قوله: أخرجه الهروي في "ذم الكلام"(3/ 201 رقم 537 - ط - الشبل)، وابن وضاح في "البدع"(ص 32 - 33).
(2)
"تصغير رجل وامرأة"(و)، ووقع في (ق):"فأيما امرأة أو رجل".
(3)
"السَّمت هنا: الطريق"(و).
(4)
رواه الدارمي (1/ 71): أخبرنا عبد اللَّه بن محمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن واصل عن عائذة قالت: رأيت ابن مسعود يوصي الرجال والنساء ويقول: "من أدرك منكن من امرأة أو رجل فالسمت الأول، السمت الأول، فإنا على الفطرة".
وهذه المرأة لم أعرفها، وجعلها ابن حجر في "إتحاف المهرة"(10/ 553) عائدة، بالدال المهملة، وترجمها ابن سعد في "طبقاته" وذكر أنها من بني أسد، ووقع عند اللالكائي (رقم 107) عاتكة بنت جزء! وأوردا لها هذا الأثر مسندًا من طريق واصل عنها، وذكر الذهبي في "الميزان" عن النساء بعامة:"لا أعلم من اتهمت ولا تركت "وقد توبعت على معناه، فقد ثبت من طرق عن ابن مسعود:"إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
ضلالة (1)، وقال أيضًا: اتبع ولا تبتدع، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر (2).
(1) أخرجه ابن ماجه في "السنن"(رقم 46) -واللفظ له-، وابن أبي عاصم في "السنة"(رقم 25)، والطبراني في "الكبير"(9/ 99 رقم 8519)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(3/ 385)، واللالكائي في "السنة"(رقم 84) من طريق موسى بن عقبة، والدارمي في "السنن"(رقم 2718)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 263 - 264/ رقم 1325)، والبزار في "البحر الزخار"(5/ 438/ رقم 2076)، والطبراني في "الكبير"(9/ 99/ رقم 8520) من طريق إدريس بن يزيد الأودي كلاهما عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رفعه مطولًا.
وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد اللَّه السبيعي، اختلط، ورواية موسى بن عقبة عنه قبل الاختلاط، فالإسناد حسن.
قال ابن تيمية في "بيان الدليل"(ص 173): "رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم بأسانيد جيّدة" ثم ذكره موقوفًا، وجوده، وقال:(ص 174): "المشهور أنه موقوف على ابن مسعود".
قلت: أخرج الموقوف من طرق عن ابن مسعود: البخاري في "الصحيح"(كتاب الأدب، باب في الهدي الصالح، رقم 6098) و (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسُنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رقم 7277)(مختصرًا)، وفي "خلق أفعال العباد"(رقم 97 - مختصرًا جدًا)، والدارمي في "السنن"(1/ 69)، والبزار في "البحر الزخار"(5/ 418، 423/ رقم 2051، 2055، 2056) مطولًا، والطبراني في "الكبير"(9/ 98/ رقم 8518، 8521 - 8524، 8531)، وابن وضاح في "البدع"(رقم 57، 58)، والبيهقي في "المدخل"(رقم 785)، و"الأسماء والصفات"(ص 189) أو (رقم 241 - ط الحاشدي)، وابن عبد البر في "الجامع"(2/ 181 أو 2/ 1162/ رقم 2301 - ط ابن الجوزي)، وعثمان الدارمي في "الرد على الجهمية"(رقم 305)، واللالكائي في "السنة"(رقم 85). ورجاله موثوقون كما في "المجمع"(1/ 128).
والحديث المرفوع عند ابن ماجه طويل، ومنه قطعة -ليس فيها الشاهد- عند مسلم في "الصحيح"(كتاب البر والصلة، باب تحريم النميمة/ رقم 2606)، من طريق شعبة عن أبي إسحاق به.
ومن الطريق نفسه عند أحمد في "المسند"(1/ 410، 430، 437) بأطول منه.
وأخرجه (1/ 423) من طريق معمر عن أبي إسحاق به، دون موطن الشاهد. ورفع شعبة ومن تابعه المرفوع، وجعل غيره كلام ابن مسعود في خطبته ضمن المرفوع، ولم يفصلوا بينهما!! "وقول شعبة ومن تابعه أولى بالصواب"، قاله الدارقطني في "العلل" (5/ 323 - 324/ رقم 916). وانظر:"الاعتصام"(1/ 100 - 102) وتعليقي عليه.
ووقع في (ق): "وإن كل بدعة ضلالة".
(2)
أخرجه الدارمي في "السنن"(160)، وابن وضاح في "البدع"(رقم 94)، والبيهقي في "المدخل"(190)، والهروي في "ذم الكلام"(رقم 280 - مكتبة الغرباء)، وابن حزم في "الإحكام"(6/ 782)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 183 أو 1/ 458/ رقم 488 - =
وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان يقال: عليكم بالاستقامة والأثر، وإياكم والتبدع (1).
وقال شُرَيح: إنما أقتفي الأثر، فما وجدتُ قد سبقنا إليه غيركم حدثتكم به (2).
وقال [إبراهيم](3) النخعي: [لو](4) بلغني عنهم -يعني: الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرًا (5) ما جاوزته به، وكفى على قوم إزراءً (6) أن تخالف أعمالُهم أعمالَ أصحاب نبيهم [صلى الله عليه وسلم](7).
وقال عمر بن عبد العزيز: "إنه لم يبتدع الناس بدعة إلا وقد مضى فيها ما هو دليل وعبرة فيها (8)، والسنة إنما سنَّها (9) مَنْ علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحُمق والتَّعمُّق، فارْضَ لنفسك ما رضي القوم [لأنفسهم] "(10) وقال
= ط دار ابن الجوزي) من طريق الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عباس (فذكره).
قلت: وسنده ضعيف؛ فإنه منقطع بين عبدة وابن عباس.
(1)
أخرجه الدارمي في "السنن"(رقم 141)، وابن وضاح في "البدع"(رقم 61) وابن بطة في "الإبانة"(157) والهروي في "ذم الكلام"(رقم 334) وابن أبي زمنين في "السنة"(رقم 12) والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 173) من طريق زمعة بن صالح عن عثمان بن حاضر عن ابن عباس به.
قلت: وسنده ضعيف؛ زمعة بن صالح ضعيف، وانظر:"التهذيب" لابن حجر (3/ 338 - 339). لكن رواه ابن نصر في "السنة"(رقم 83)، ثنا محمد بن يحيى، أنبأ أبو حذيفة، ثنا سفيان عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس به.
قلت: وسنده ضعيف؛ لضعف أبي حذيفة -وهو موسى بن مسعود النهدي- قال الحافظ في "التقريب"(7010): "صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف" فالأثر حسن بمجموع طريقيه، واللَّه أعلم.
(تنبيه): ورد في بعض المصادر "إياكم والبدع"! وذكرهُ البغوي في "شرح السنة"(1/ 214)، وأبو شامة في "الباعث"(ص 70 - بتحقيقي)، والسيوطي في "الأمر بالاتباع"(ص 61 - بتحقيقي).
(2)
رواه ابن عبد البر في "الجامع"(رقم 1455) وإسناده صحيح، وفي (ك):"أفتي" بدل "أقتضي".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(5)
في (ق): "الظفر".
(6)
في المطبوع و (ك): "وزرا".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
في (ق): "دليل وخيره منها". وفي سائر النسخ: "وعبرة منها".
(9)
في (ق): "ما سنها إلا" وفي (ك): "ما أسنها"، وفي سائر النسخ:"ما استنها إلا" والمثبت من مصادر التخريج.
(10)
أخرجه أبو داود (4612) وابن وضاح في "البدع"(رقم 74) وأبو نعيم في "الحلية" =
أيضًا: "قف حيث وقف القوم، وقل كما قالوا، واسكت عما (1) سكتوا، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر ناقد كَفُّوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، [أي] (2) فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: حَدَثَ بَعْدهم فما أحدثه إلا من سلك غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، وإنهم لهُم السابقون، ولقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصِّر، ولا فوقهم محسِّر (3)، ولقد قصر عنهم قوم فجفوا، وطمح آخرون [عنهم] (2) فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم"(4).
وقال أيضًا كلامًا كان مالك بن أنس وغيره من الأئمة يستحسنونه ويحدثون به دائمًا، قال:"سنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وولاة (5) الأمر بعده سننًا الأخذُ بها تصديق لكتاب اللَّه واستكمال لطاعته وقوة على دينه، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنّوا فقد اهتدى (6)، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولّاه اللَّه ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا"(7).
= (5/ 338) وابن بطة في "الإبانة"(رقم 163)، واللالكائي في "السنة"(رقم 106) وأورده ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(1/ 70) والشاطبي في "الاعتصام"(1/ 63 - بتحقيقي).
(1)
في المطبوع: "كما" والمثبت من (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك)، والعبارة في (ق):"وبالفضل عما كان فيه أحرى. . . ".
(3)
كذا في (ق): "محسر" بالحاء المهملة، وفي سائر النسخ بالجيم، وعند ابن وضاح:"محصر".
(4)
قطعة من الأثر السابق.
(5)
كذا في (ق) و (ك) وفي سائر الأصول: "لولاة"!
(6)
في (ق): "فمن اقتدى بها اهتدى".
(7)
أخرجه الآجري في "الشريعة"(ص 48، 65، 306)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(3/ 386) ومن طريقه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(1/ 94 رقم 134)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 73)، وابن بطة في "الإبانة"(1/ 352 - 353/ رقم 230، 231)، وابن عبد البر في "الجامع"(2/ 1176/ رقم 2326)، والهروي في "ذم الكلام"(ص 107، 199)، والمروزي في "السنة"(31)، وابن الجوزي في "سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز"(84)، وهو صحيح.
هذا الكلام المذكور كان مالك يعجبه ويتحدث به كثيرًا هو وغيره من الأئمة كما ذكره الشاطبي في "الاعتصام"(1/ 144 - بتحقيقي) وشرحه شرحًا وافيًا وعلَّق عليه بكلامٍ متين، وفيه:"ومن كلامه -أي: عمر بن عبد العزيز- الذي عُني به ويحفظه العلماء، وكان يُعجب مالكًا جدًّا. . . " وساقه، وانظر "الموافقات"(3/ 30) و (4/ 461 - بتحقيقي).
ومِنْ هنا أخذ الشافعي الاحتجاج بهذه الآية على أن الإجماع حجة (1).
وقال الشعبي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإِياك وآراء الرجال وإن زَخْرَفوا لك القول (2)، وقال أيضًا: ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه، وما حدثوك [به](3) عن رأيهم فانبذه في الحشِّ (4).
قال الأوزاعي: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، وقل بما قالوا، وكفَّ عما كفوا، ولو كان هذا خيرًا ما خُصصتم به دون أسلافكم؛ فإنهم لم يدخر عنهم خير [خبِّئ لكم دونهم لفضل عندكم](5)، وهم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين اختارهم [اللَّه] (6) له وبعثه فيهم ووصفهم فقال:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ] (7)} الآية (8).
الوجه السادس والأربعون: أنه لم يزل أهل العلم في كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله من فتاوى الصحابة وأقوالهم، ولا ينكره منكر منهم،
(1) انظر: "أحكام القرآن" للبيهقي (1/ 39 - 40، دار الكتب العلمية) فقد نقل استدلال الشافعي بالآية على حجية الإجماع وقوله فيها.
(2)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(رقم 2077) والآجري في "الشريعة"(رقم 127) والهروي في "ذم الكلام"(رقم 120 و 324) عن الأوزاعي وليس الشعبي، وإسناده حسن، انظر:"مختصر العلوم"(ص 138).
في (ك): "وان زخرفوها لك بالقول".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
رواه عبد الرزاق (11/ 256) والهروي في "ذم الكلام"(رقم 1419) وابن عبد البر في "الجامع"(رقم 1438)، وإسناده صحيح، والحش: هو النخل المجتمع أو البستان، ويكنى به عن مواضع الغائط؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، انظر:"اللسان"(6/ 286 - مادة حش/ دار الفكر)، وفي (ط) نحوه مختصرًا.
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "حتى يكون لكم الفضل دونهم".
(6)
ما بين المعقوفتين من (ك).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
أخرجه الأصبهاني في "الحجة"(ق 7/ ب - 8/ أ) واللالكائي في "السنة"(1/ 154 - 155) والآجري في "الشريعة"(ص 58) والخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(ص 7) والبيهقي في "المدخل"(رقم 233) والهروي في "ذم الكلام"(رقم 924) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 144)، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس"(ص 8 - 9) وإسناده صحيح وذكره الذهبي في "السير"(7/ 120) والسيوطي في "الأمر بالاتباع"(ص 49). وهذه الآثار التي ساقها عن أئمة السلف تدل معانيها على أنها مقتبسة من مشكاة النبوة، ومن أنوار الوحي، (س).
وتصانيف العلماء شاهدة بذلك، ومناظراتهم ناطقة به.
قال بعض علماء المالكية: أهل الأعصار مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله، وذلك مشهور في رواياتهم وكتبهم ومناظراتهم واستدلالاتهم، ويمتنع والحالة هذه إطباق هؤلاء (1)[كلهم](2) على الاحتجاج بما لم يشرع اللَّه ورسوله الاحتجاج به ولا نصبه دليلًا للأمة، فأي كتاب شئت من كتب السلف والخلف المتضمنة للحكم والدليل وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة، ووجدت ذلك طرازها وزينتها، ولم تجد فيها قط ليس قول أبي بكر وعمر حجة، ولا يُحتج بأقوال أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم و [لا](3) فتاويهم، ولا ما يدل على ذلك، وكيف يطيب قلب عالم [أن](4) يقدّم على أقوال من وافق ربه تبارك وتعالى في غير حكم فقال وأفتى بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بموافقة ما قال لفظًا ومعنى قولَ متأخر بعده ليس [له هذه](5) الرتبة ولا [ما](6) يدانيها؟ وكيف يظن أحد أن الظن [المستفاد من آراء المتأخرين أرجح من الظن](7) المستفاد من فتاوى السابقين الأولين الذين شاهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التأويل وكان الوحي [ينزل](8) خلال بيوتهم وينزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم؟.
قال جابر: "والقرآن ينزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يعرف تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به"(9) في حديث حجة الوداع؛ فمستندهم في معرفة مراد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسوله وهديه الذي [هو](10) يفصِّل القرآن ويفسره، فكيف يكون أحد من الأمة بعدهم أولى بالصواب منهم في شيء من الأشياء؟ هذا عين المحال.
فإن قيل: فإذا كان هذا حكم أقوالهم في أحكام الحوادث، فما تقولون في
(1) انظر كلام الشافعي فيما يأتي، وما حكاه عمن أدركه من العلماء (س)، وفي (ق):"والحال" بدل "والحالة".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(4)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بهذه".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك)، وفي (ق) قبلها:"ليس بهذه الرتبة".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(8)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بين".
(9)
أخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب الحج): باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 1218).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
أقوالهم في تفسير القرآن؟ هل هي حجة يجب المصير إليها؟ (1).
قيل: لا ريب أن أقوالهم (2) في التفسير أصوب من أقوال من بعدهم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تفسيرهم في حكم المرفوع، قال أبو عبد اللَّه الحاكم في "مستدركه" (3): وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع. ومراده أنه
(1) قال الشيخ القاسمي رحمه الله: "فصل في أن بيان الصحابة حجة إذا أجمعوا، قال الشاطبي في "الموافقات": "بيان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيان صحيح لا إشكال في صحته؛ لأنه لذلك بعث، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ولا خلاف فيه، وأما بيان الصحابة، فإن أجمعوا على ما بينوه، فلا إشكال في صحته أيضًا كما أجمعوا على الغسل في التقاء الختانين المبين لقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، وإن لم يجمعوا عليه، هل يكون بيانهم حجة أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين"، وخلاصة هذين الوجهين: تقدمهم في اللسان وتفردهم بتمام معرفة اللغة عن غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده، ومباشرتهم للوقائع وأسباب النزول، وكونهم أقعد في فهم قرائن الحال، فيدركون من ذلك ما لا يدرك غيرهم، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب: "فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات، فالعمل عليه صواب".
هذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة، فإن خالف بعضهم فالمسألة اجتهادية "محاسن التأويل"(1/ 102) وانظر "الموافقات"(4/ 127 - 129 - بتحقيقي).
ومن هذا النقل نستفيد فوائد:
1 -
تقدير الإمام الشاطبي الاحتجاج بتفسير الصحابة.
2 -
موافقة الشيخ القاسمي له بنقل كلامه والاستدلال به.
3 -
إن أجمعوا علبه كان حجة ملزمة، وما اختلفوا فيه جاز الاجتهاد فيه ضمن أقوالهم.
4 -
أن أعمال وأقوال الصحابة رضي الله عنهم تبين النصوص وتخصص عمومها، وتقيد مطلقها. (س).
(2)
في (ق): "قولهم".
(3)
ذكر ذلك السيوطي رحمه الله في كتابه "الإتقان"(4/ 181 - ت محمد أبو الفضل)، لكن الذي رأيته في "المستدرك" للحاكم (2/ 258 - ط دار الفكر) في كتاب "التفسير": بعد تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} قال ابن عباس: "الجن والإنس".
قال الحاكم: "ليعلم طالب هذا العلم [أي التفسير] أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند" وانظره: (1/ 27، 123، 542).
قلت: والحق أن تفسير الصحابي الذي لم يأخذ عن أهل الكتاب مسند فيما يتعلق بسبب النزول، وفيما يفسره إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولًا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا، وأما إذا فسر آية تتعلق بحكم شرعي، فيحتمل أن يكون =
في [حكمه في](1) الاستدلال به والاحتجاج، لا أنه (2) إذا قال الصحابي في الآية قولًا فلنا أن نقول: هذا القول قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (3)، وله وجه آخر، وهو أن يكون في حكم المرفوع بمعنى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين لهم معاني القرآن وفسّره لهم (4) كما وصفه اللَّه سبحانه (5) بقوله:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [لنحل: 44] فبين لهم القرآن بيانًا شافيًا كافيًا، وكان إذا أشكل على أحد منهم معنًى سأله عنه فأوضحه [له] (6) كما سأله الصِّدِّيق عن قوله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] فبيَّن له المراد (7)، وكما سأله الصحابة عن قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] فبيَّن لهم معناها (8)، وكما سألته أم سلمة عن قوله تعالى:{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فبين لها أنه العرض (9)، وكما سأله عمر عن الكلالة [فأحاله على] آية الصَّيف التي في آخر السورة (10)، وهذا كثير جدًا، فإذا نقلوا لنا تفسير القرآن
= ذلك مستفادًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن القواعد، فلا يجزم برفعه، وكذا إذا فسر مفردًا، فهذا نقل عن اللسان خاصة، فلا يجزم برفعه، وهذا التحرير هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة، كصاحبي "الصحيح" والإمام الشافعي، والطبري، والطحاوي، وابن مردويه، والبيهقي وابن عبد البر في آخرين، ونقل مذهب الحاكم: العراقي في "شرح ألفيته"(1/ 132) وابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 531) وتعقبه بما ذكرناه، واللَّه الموفق.
(1)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "حكم".
(2)
قال (د): "في نسخة: "لأنه إذا. . . إلخ ""، وفي (ق):"والاحتجاج به لا أنه".
(3)
ذكر الشيخ القاسمي رحمه الله في "محاسن التأويل" أن الحاكم قيد في "علوم الحديث" ما أطلقه في "المستدرك" فقال: "ومن الموقوفات: تفسير الصحابة، وأما من يقول إن تفسير الصحابة مسند، فإنما يقوله فيما فيه سبب النزول"، انظر:"محاسن التأويل"(1/ 7)، وهذا هو الأقرب فإن إطلاق القول الأول بالفرق بين تفسير الصحابي، والتفسير المأثور عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (س).
(4)
في (ق): "وميزه لهم".
(5)
في المطبوع: "كما وصفه تعالى".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
سبق تخريجه.
(8)
سبق تخريجه.
(9)
روى ذلك البخاري (103) في (العلم): باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرفه، و (4939) في تفسير سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ، و (6536 و 6537) في (الرقاق): باب من نوقش الحساب عذب، ومسلم (2876) في (الجنة وصفة نعيمها): باب إثبات الحساب، من حديث عائشة، وليس من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وقد ذكر ذلك في الهامش (ق) فقال:"الذي في "الصحيح" أن السائلة عائشة رضي الله عنها".
(10)
رواه مسلم (1617) في (الفرائض): باب ميراث الكلالة، من حديث عمر بن الخطاب، وبدل ما بين المعقوفتين في (ك):"فأجابه عن".
فتارة ينقلونه عنه بلفظه، وتارة بمعناه، فيكون ما فسَّروه (1) بألفاظهم من باب الرواية بالمعنى، كما يروون عنه السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها، وهذا أحسن الوجهين، واللَّه أعلم.
فإن قيل: فنحن نجد لبعضهم أقوالًا في التفسير تخالف الأحاديث المرفوعة الصحاح، وهذا كثير، كما فسَّر ابن مسعود الدخان بأنه الأثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط (2)، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخان يأتي قبل يوم القيامة يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدَّجال وطلوع الشمس من مغربها (3)، وفسر عمر بن الخطاب قوله [تعالى] (4):{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] بأنها للبائنة والرجعية، حتى قال: لا ندع كتابَ ربنا (5) لقول امرأة (6). مع أن السنة الصحيحة في البائن تخالف هذا التفسير (7)، وفسَّر علي بن أبي طالب (8)، قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أنها عامة في الحامل والحائل، فقال: تعتد أبعد الأجلين (9)، والسنة
(1) في المطبوع: "ما فسروا".
(2)
أخرجه البخاري في عدة مواضع من "الصحيح" منها: "كتاب التفسير": في تفسير سورة الروم (8/ 511/ رقم 4774)، وباب {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (8/ 571/ رقم 4821)، وباب {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} (8/ 573 /رقم 4822)، وباب {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} (8/ 573 /رقم 4823)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم): باب الدخان (4/ 2155 - 2157/ رقم 2798) عن ابن مسعود.
(3)
روى مسلم في "صحيحه"(2947) في (الفتن وأشراط الساعة): باب في بقية من أحاديث الدجال عن أبي هريرة مرفوعًا: "بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها أو الدخان".
روى أيضًا (2901) في (الآيات التي تكون قبل الساعة) من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعًا: "إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خَسْفٌ بالمشرق. . . والدخان".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق): "كتاب ربنا وسنة نبينا".
(6)
رواه مسلم في "الصحيح"(كتاب الطلاق): باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها (2/ 1117/ 1480 [46])، وتفسير عمر إنما هو لآية:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} كما هو مبين في الحديث نفسه.
(7)
هو في نفس الحديث السابق في "صحيح مسلم"(1480) بعد (36) - (51).
(8)
في المطبوع زيادة: "كرم اللَّه وجهه".
(9)
روى عبد الرزاق (11714)، ومن طريقه الطبراني في "الكبير"(9641) عن معمر والثوري عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق قال ابن مسعود. . . =
الصحيحة بخلافه (1)، وفسر ابن مسعود قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] بأن الصفة لنسائكم الأولى والثانية، فلا تحرم أم المرأة حتى يدخل بها (2)، والصحيح خلاف قوله، وأن أم المرأة تحرم بمجرد العقد على ابنتها، والصفة راجعة إلى قوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وهو قول جمهور الصحابة (3)، وفسَّر ابن عباس السجل بأنه كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم يُسمَّى السجل (4)،
= قال: وبلغه أن عليًا قال: هي آخر الأجلين، ورواه البيهقي (7/ 430) من طريق أبي معاوية عن الأعمش به ثم قال: وعن أبي مسلم عن علي كان يقول: آخر الأجلين.
ورواه سعيد بن منصور (1516) من طريق الأعمش عن مسلم بن صبيح عن علي رضي الله عنه. ومسلم بن صبيح لم يسمع من علي.
ورواه سعيد بن منصور (1517)، والطبري (28/ 143) من طريقين عن مغيرة عن الشعبي عن علي به.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، المغيرة هو ابن المقسم، وعزا السيوطي في "الدر المنثور" قول علي لابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(1)
رواه البخاري (5319) في "الطلاق": باب {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، ومسلم (1484) في "الطلاق": باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل، من حديث سبيعة الأسلمية.
ورواه البخاري (5318) ومسلم (1485) من حديث أم سلمة.
ورواه البخاري (5320) من حديث المِسور بن مخرمة.
وفي (ك): "تخالفه".
(2)
تقدم تخريجه، وفيه رجوع ابن مسعود عن هذا.
وفي (ك): "إلا أن يدخل بها".
(3)
وقال الحافظ ابن كثير: "وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم، بخلاف الأم، فإنها تحرم بمجرد العقد (1/ 470) (س). وانظر "مسائل أحمد" رواية صالح (2/ 97 رقم 651، 652).
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل"(7/ 2662)، والطبراني في "الكبير"(12790)، والبيهقي (10/ 126) من طريقين عن يحيى بن عمرو بن مالك النكري سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء عن ابن عباس فذكره.
وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن يحيى بن عمرو وأحاديث أخر بهذا الإسناد عن يحيى بن عمرو بن مالك مما لا أذكرها وليس ذلك بمحفوظ أيضًا.
فجعل العهدة على يحيى، وهو في حديثه هنا متابع.
فقد رواه أبو داود (2935) في (الخراج): باب في اتخاذ الكاتب -ومن طريقه البيهقي (10/ 126) - والنسائي في "تفسيره"(رقم 355) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (3/ 1454 رقم 3686)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير"(3/ 209) من طريق قتيبة بن سعيد عن نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك به.
ورواه ابن جرير الطبري (17/ 100) من طريق نصر بن علي الجهضمي والنسائي في "التفسير"(رقم 356) وأبو نعيم في "المعرفة"(رقم 3685) من طريق قتيبة بن سعيد كلاهما عن نوح بن قيس عن عمرو بن مالك به، دون ذكر يزيد بن كعب.
أقول: أظن أن الصواب إثبات يزيد بن كعب حيث صرح نوح بالسماع منه فقال: أخبرني يزيد بن كعب، وقد ذكروا في ترجمة نوح أنه يروي عن عمرو بن مالك، لكن نوح توفي سنة (183) أو (184) وعمرو بن مالك مات سنة (129) فينظر في سماعهما من بعض.
ونوح بن قيس لا بأس به، قد أخرج له مسلم.
ويزيد بن كعب مجهول. . . انظر "تهذيب الكمال"(32/ 230).
وأما عمرو بن مالك النُّكْريّ، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال:"يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه، يخطئ ويُعْرب".
وقد ذكر هذه العبارة ابن حجر في "تهذيب التهذيب" أما في "التقريب" فقال: صدوق له أوهام، وعبارة ابن حبان رحمه الله أدق فيا ليت الحافظ نقلها في "التقريب"، وأما الحافظ الذهبي في "الميزان" و"المغني في الضعفاء" فقال عنه: ثقة!! ولا أدري من أين جاء بهذا التوثيق؟! وفي "الكاشف" له (2/ 87): "وثق" وهذا قوله فيما انفرد ابن حبان بتوثيقه بينما اقتصر في "ديوان الضعفاء"(رقم 3207) على قوله: "قال ابن عدي: كان يسرق الحديث".
وله شاهد من حديث ابن عمر: رواه الخطيب البغدادي (8/ 175)، وابن مردويه، وابن منده -كما في "الإصابة"(2/ 15) - في ترجمة سجل، من طريق حمدان بن سعيد عن ابن نمير عن عبيد اللَّه عن نافع عنه به.
ورواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(3/ 1453 رقم 3684) لكن قال: حمدان بن علي، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة": إن كان هو ابن علي فهو ثقة معروف واسمه محمد بن علي بن مهران، وكان من أصحاب أحمد، لكن قد رواه الخطيب في ترجمة حمدان بن سعيد من "تاريخه".
أقول: وقد قال الخطيب بعد روايته: "قال البرقاني: قال أبو الفتح الأزدي: تفرد به ابن نمير إن صح".
قال الحافظ ابن حجر متعقبًا: "قلت: ابن نمير من كبار الثقات، فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق وغفل من زعم أنه موضوع".
أقول: طريق ابن عباس الأول قد علمت ما فيه، وأما طريق ابن عمر هذا ففيه حمدان بن سعيد هذا، وقد ذكره الخطيب ولم يذكر فيه شيئًا، ومثل هؤلاء المجاهيل يأتي منهم الطامات في العادة، لذلك قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 209): "منكر =
وذلك وهم، وإنما السجل الصحيفة المكتوبة، واللام مثلها في قوله تعالى:{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] وفي قول الشاعر (1):
فخرَّ صريعًا لليدين وللفم
أي نطوي (2) السماء كما يُطوى السجل على ما فيه من الكتاب (3)، وهذا كثير جدًا، فكيف يكون تفسير الصحابي حجة في حكم المرفوع؟
قيل: الكلام في تفسيره كالكلام في فتواه سواء [بسواء](4)، وصورة المسألة هنا كصورتها هناك سواء بسواء، وصورتها أن لا يكون في المسألة نص يخالفه (5)،
= جدًا من حديث نافع عن ابن عمر لا يصح أصلًا، وكذلك ما تقدم عن ابن عباس، من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضًا، قد صرّح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في "سنن أبي داود" منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي، وقد أفردت لهذا الحديث جُزءًا على حدته وللَّه الحمد".
وقال الإمام ابن جرير الطبري: "لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وكتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون وليس فيهم أحد اسمه السجل".
ومما يدلل على نكرته ما قاله المصنف في "تهذيب السنن"(4/ 196 - 197): "سمعت شيخنا أبا العباس بن تيمية يقول: هذا الحديث موضوع ولا يعرف لرسول اللَّه كاتب اسمه السجل قط، وليس في الصحابة من اسمه (السجل)، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون، لم يكن فيهم من يقال له السجل" قال: "والآية مكية، ولم يكن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كاتب بمكة" قال: "والسجل هو الكتاب المكتوب". وانظر: "تفسير الرازي"(22/ 228) و"اللباب" لابن عادل (13/ 614) و"عون المعبود"(8/ 154) و"المصباح المضيء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم"(ص 80 - 81).
أقول: قد لا يتهيأ الحكم على الحديث بالوضع، لكن فيه نكارة كما قال ابن كثير، أما أنه يصحح كما فعل الحافظ ابن حجر ففيه نَظَر؛ واللَّه أعلم.
(1)
عزي البيت لأكثر من شاعر فهو في "شرح اختيارات المفصل"(955) و"شواهد المغني"(2/ 562) لجابر بن حني، وفي "الأزهية"(288) للأشعث الكندي، وفي "الأغاني"(16/ 32) لربيعة بن مكدم، وفي "معجم الشعراء"(270) لعصام بن المقشعر، وفي "أدب الكاتب"(511)، و"الجنى الداني"(101)، و"رصف المباني"(221)، و"شرح الأشموني"(2/ 291)، و"مغني اللبيب"(1/ 212) بغير عزو.
وانظر: "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية"(7/ 392).
(2)
في المطبوع و (ك): "يطوي".
(3)
بعدها في (ك): "والسنة"!!
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(5)
يبقى ثمة إشكال في ضابط التفريق بين التفسير أو الفتيا المخالفة للنصوص، وغير المخالف للنصوص، والذي يلوح لي ولست قادرًا على الجزم به أن وجود الاختلاف بين الصحابة في الفتيا أو التفسير هو علامة مخالفة النصوص، إذ يغلب على الظن أن من =
ويقول في الآية قولًا لا يخالفه (1) فيه أحد من الصحابة، سواء علم اشتهاره (2) أو لم يعلم، وما ذكر من هذه الأمثلة فقد فُقد فيه الأمران (3)، وهو نظير ما رُوي عن بعضهم من الفتاوى التي تخالف النص وهم مختلفون فيها سواء.
فإن قيل: لو كان قوله حجة بنفسه لما أخطأ، ولكان معصومًا، لتقوم الحجة بقوله، فإذا كان يفتي بالصواب تارة وبغيره أخرى، وكذلك تفسيره فمن أين لكم أن هذه الفتوى المعينة والتفسير المعين من قسم الصواب؟ إذ صورة المسألة أنه لم يقم على المسألة دليل غير قوله، وقوله ينقسم فما الدليل على أن هذا القول المعين من أحد القسمين ولا بد؟
قيل: الأدلة المتقدمة تدل على انحصار الصواب في قوله في الصورة المفروضة الواقعة، وهو أنه (4) من الممتنع أن يقولوا في كتاب اللَّه الخطأ المحض، ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها قد تكلَّم فيها غيرهم بالصواب، والمحظور إنما هو خُلُوُّ عصرهم عن ناطق بالصواب واشتماله على ناطق بغيره فقط، فهذا هو المحال، وبهذا خَرَجَ الجوابُ عن قولكم: لو كان قولُ الواحد منهم حجة لما جاز عليه الخطأ، فإن قوله لم يكن بمجرده حجة، بل بما انضاف إليه مما تقدم ذكره من القرائن (5).
= المستبعد أن تتحقق مخالفة النص فيما لم يختلفوا فيه، والأمر بحاجة إلى مزيد استقراء وتتبع، واللَّه الموفق (س). قلت: للأستاذ عبد الكريم النملة دراسة قيمة مطبوعة بعنوان "مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف، دراسة نظرية تطبيقية" فانظرها فإنها مفيدة.
(1)
في (ق): "يخالف".
(2)
في المطبوع: "لشتهاره".
(3)
فالأمثلة السابقة خلافية بين الصحابة، كما أن الأقوال الواردة فيها مخالفة للنصوص (س).
وفي (ك): "قد فقد".
(4)
في المطبوع: "أن".
(5)
فالدليل على انحصار الصواب في قوله مترتب على عدة مقدمات:
1 -
أن القول ليس على خلاف نص ظاهر الدلالة.
2 -
أن الصواب لا يعدو جماعة الصحابة لأنهم أولى به، ولو اجتمعوا على تركه لكانوا على ضلالة وهذا محال باطل.
3 -
أن غيره من الصحابة لم يخالفه فيه، ولم ينكره عليه، وهذا وجه أول، وجاء في الأثر عن ابن عباس، انظر:"تفسير القرآن العظيم"(1/ 6).
أن التفسير أربعة أنواع: =
فإن قيل: فبعض ما ذكرتم من الأدلة يقتضي أن التابعي إذا قال قولًا ولم يخالفه صحابي ولا تابعي أن يكون قوله حجة (1).
فالجواب: أن التابعين انتشروا انتشارًا لا ينضبط لكثرتهم، وانتشرت المسائل في عصرهم، فلا يكاد يغلب على الظن عدمُ المخالف لما أفتى به الواحد منهم، فإن فرض ذلك فقد اختلف السلف في ذلك، فمنهم من يقول: يجب اتباع التابعي فيما أفتى به ولم يخالفه [فيه](2) صحابي ولا تابعي، وهذا قول بعض الحنابلة والشافعية (3)، وقد صرح الشافعي في موضع بأنه قاله تقليدًا لعطاء، وهذا من كمال علمه وفقهه رضي الله عنه (4)، فإنه لم يجد في المسألة غير قول عطاء (5)، فكان قوله عنده أقوى ما وجد في المسألة، وقال في موضع آخر: وهذا يخرَّج على معنى قول عطاء، والأكثرون يفرقون بين الصحابي والتابعي، ولا يخفى ما بينهما (6) من الفروق، على أن في الاحتجاج بتفسير التابعي عن الإمام أحمد روايتين، ومن تأمَّل
= - وجه تعرفه العرب من لغاتها.
- وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
- وتفسير يعلمه العلماء.
- وتفسير لا يعلمه إلا اللَّه.
فالحجة في الأول معرفة كلام العرب والصحابة أعلم الناس بلغتهم وإليهم المرجع عند الاختلاف.
والثاني: يستوي الناس في العلم به، ولا يتصور فيه خلاف.
والثالث: يرجع فيه إلى الراسخين الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا قرائن الحال، ومقاصد الشريعة والسنة التي تفصله وتفسره والصحابة في الذروة من هذه الطبقة، والناس تبع لهم فيها.
والرابع: لا حاجة لأحد فيه في الدنيا.
فتحرر يقينًا أن قول الصحابة في التفسير مقدم على كل قول في كل أنواع التفسير، وهذا وجه ثان (س).
(1)
إذا لم يخالف قوله صحابي ووافق دلالة اللغة أو مصلحة مرسلة، أو استصحابًا، أو وصفًا حكم به صحابي فالظاهر وجوب الأخذ به، ووجوبه في غير ذلك يتعلق بالاطمئنان إليه (س).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
انظر: "المسودة في أصول الفقه"(176) و"البرهان في علوم القرآن"(2/ 158) و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(13/ 370) و"الإرشاد"(1/ 396) للخليلي و"الإتقان"(2/ 229) ومقدمة "تفسير ابن كثير"(1/ 15) و"الحجة البالغة"(1/ 118).
(4)
في (ق): "رحمه الله".
(5)
في (ق): "إلا قول عطاء".
(6)
في (ق): "فيهما".
كتب الأئمة ومن بعدهم وجدَهَا مشحونة بالاحتجاج بتفسير التابعي (1).
فإن قيل: فما تقولون في قوله (2) إذا خالف القياس؟
قيل: من يقول بأن قوله ليس بحجة (3) فلهم قولان فيما إذا خالف القياس:
أحدهما: أنه أولى أن لا يكون حجة؛ لأنه قد خالف حجَّة شرعية، وهو ليس بحجة في نفسه.
والثاني: أنه حجة في هذه الحال، ويحمل [على](4) أنه قاله توقيفًا، ويكون بمنزلة المُرْسَل الذي عمل به مُرْسِلُه.
وأما من يقول: إنه حجة (5) فلهم أيضًا قولان:
أحدهما: أنه حجة، وإن خالف القياس، بل هو مقدَّم (6) على القياس،
(1) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(13/ 368)، و"مقدمة في أصول التفسير"(91) لابن تيمية، و"البرهان"(2/ 58) للزركشي، و"الإتقان"(2/ 229)، و"تفسير القرطبي"(1/ 25)، و"تفسير القاسمي"(1/ 8)، و"تفسير التابعين"(1/ 49 وما بعد).
(2)
قول الصحابي، كما هو ظاهر السياق (س).
(3)
وقد علمت أن هذا قول محدث لم يؤثر عن أحد من السلف والأئمة الذين يعتد بقولهم، وأن الأدلة على خلافه (س).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
ويتفرع على الاحتجاج بقول الصحابي فيما لا يخالف له أن الصحابة مجتهدون إذ لا حجة في قول غير العالم، وكلمة أئمة السلف مطبقة على الاحتجاج بقول الصحابي وهذا الاحتجاج يدل على أنهم علماء مجتهدون لديهم.
- وأظهر من ذلك في الدلالة تقديم قول الصحابة على القياس، كما هو عند الشافعي نصًا، فالقياس حجة شرعية ولا يعقل تقديم قول غير الحجة.
- ويدل على ذلك عموم النصوص القاضية باتباع الصحابة، دون تفريق بين الصحابة، أو تخصيص للاتباع بفريق منهم دون البقية، وذكر بعضهم في بعض النصوص لا يدل على التخصيص.
- لم يؤثر عن أحد من الأئمة التصريح بتخصيص الاتباع بطائفة من الصحابة بدعوى أن غيرهم غير مجتهد، فالتخصيص محدث.
- إن أدوات الاجتهاد من اللغة ومعرفة الأدلة، ومعرفة مقاصد التشريع وأسباب النزول متوفرة عند الصحابة والتفاوت بينهم في ذلك كالتفاوت بين طبقات العلماء في معرفة النصوص والذكاء، بل إن هذه الأدوات لم تتوفر لجيل إلا عن طريقهم والناس في هذا كله عالة عليهم، ولا يضرهم تتلمذ بعضهم على صحابي، وإلا لزم إبطال علم كل التابعين فمن بعدهم (س).
(6)
في (ق): "يقدم".