الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قرنه فقتلته، فقال:"هل لك من شيء تؤديه عن نفسك؟ " قال: مالي إلا كسائي وفأسي، قال: فترى قومك يشترونك؟ قال: أنا أهون على قومي من ذلك، فقال:"دونك صاحبك"، فانطلق به، فلمّا ولّى قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إن قتله فهو مثله"، فرجع فقال: يا رسول اللَّه، بلغني أنك قلت:"إن قتله فهو مثله" وأخَذْتُه بأمرك، فقال:"أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ " قال: يا نبي اللَّه، بلى، فرمى بنسعته وخلَّى سبيله (1)، ذكره مسلم.
وقد أشكل هذا الحديثُ على مَنْ لم يُحِطْ بمعناه، ولا إشكال فيه، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"إن قتله فهو مثله" لم يرد به أنه مثله في الإثم، وإنما عنى به أنه إن قتله لم يبق عليه إثم القتل لأنه قد استوفى منه في الدنيا فيستوي هو والولي في عدم الإثم، أما الولي فإنه قتله بحق، وأما هو فلكونه قد اقتص منه، وأما قوله:"يبوء بإثمك وإثم صاحبك" فإثم الولي مظلمته بقتل أخيه وإثم المقتول إراقه دمه وليس المراد أنه يحمل خطاياك وخطايا أخيك، واللَّه أعلم.
وهذه غير قصة الذي دَفَع إليه، وقد قتل، فقال: واللَّه ما أردت قتله، فقال:"أما إنه إن كان صادقًا فقتله دخل النار"، فخلاه الرجل (2)، صححه الترمذي، وإن كانت هي القصة فتكون هذه علة كونه إن قَتَله فهو مثله في المأثم، واللَّه أعلم.
فصل [فتاوى في القسامة]
وأقر صلى الله عليه وسلم القَسَامة على ما كانت عليه قبل الإسلام وقضى بها بين ناس من
(1) رواه مسلم (1680) في (القسامة): باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولي القتيل من القصاص، من حديث وائل بن حجر.
(2)
رواه الترمذي (1411) في (الديات): باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو، وأبو داود (4498) في (الديات): باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، والنسائي (8/ 13) في (القسامة): باب القود، وابن ماجه (2690) في (الديات): باب العفو عن القاتل، وابن أبي شيبة (6/ 446)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(944) من طرق عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
أقول: وهو على شرط الشيخين.
وفي المطبوع و"سنن الترمذي": "فقتلته دخلت النار" والمثبت من (ك).
الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود (1)، ذكره مسلم.
وقضى صلى الله عليه وسلم في شأن محيِّصة بأن يُقْسِمَ خمسون من أولياء القتيل على رجل من المتهمين به فيُدفع برمته إليه، فأبوا فقال:"تبرئكم يهود بأيمان خمسين" فأبوا، فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[بمئة] من عنده" (2)، متفق عليه وعند مسلم: "بمئة من إبل الصدقة" (3).
وعند النسائي: "فَقَسَمَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دِيته عليهم وأعانهم بنصفها"(4).
وقضى صلى الله عليه وسلم أنه: "لا تَجْني نفس على أخرى، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده"(5)، والمراد أنه لا يؤخذ بجنايته، فلا تزر وازرة وزر أخرى.
(1) رواه مسلم (1670)(7 و 8) من حديث رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وفي القسامة ومشروعيتها انظر: "زاد المعاد"(3/ 201)، و"أحكام الجناية"(363 - 376).
(2)
رواه البخاري (3173) في (الجهاد): باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، و (6143) في (الأدب): باب إكرام الكبير، و (6898) في (الديات): باب القسامة، و (7192) في (الأحكام): باب كتاب الحاكم إلى عماله، ومسلم (1669) في (القسامة): أوله من حديث سهل بن أبي حَثْمه ورافع بن خديج، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(3)
رواه مسلم (1669) بعد (5).
(4)
رواه النسائي (8/ 12) في (القسامة): باب تبرئة أهل الدم في القسامة: أخبرنا محمد بن معمر: قال حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا عبيد اللَّه بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(12/ 234): "وهذا السند صحيح حسن"، كذا العبارة وأظنه "صحيح أو حسن".
أقول: لكن في قوله: "فقسم ديته وأعانهم بنصفها" مخالف للأحاديث الصحيحة المذكورة.
فقد روى القصة ابن ماجه (2678)، والدارقطني (3/ 109 - 110) من طريق حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب به، إلا أنه قال:"فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من عنده".
وحجاج كان كان فيه مقال إلا أن روايته موافقه للروايات الصحيحة.
وانظر: الرواية المتقدمة.
(5)
رواه أحمد (3/ 498 - 499)، والترمذي (3096) في (تفسير سورة التوبة)، وابن ماجه (2669) في (الديات): باب لا يجني أحد على أحد، و (3055) في (المناسك): باب الخطبة يوم افحر، والبيهقي (8/ 27) من طريق شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة تكلم على أحاديثهم بالتفصيل شيخنا الألباني في "الإرواء"(7/ 332 - 336)، وانظر:"التلخيص الحبير"(4/ 31).
وقضى صلى الله عليه وسلم أن "من قُتل في عِمِّيًا (1) أو رمِّيًا (2)؛ يكون (3) بينهم بحجر أو سوط فعقله عقل خطأ، ومن قتل عمدًا فقَوَد يَدَيه فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين"(4)، ذكره أبو داود.
(1) قال (د)، و (ح)، و (ط):"العمياء -بكسر العين وتشديد الميم مكسورة مقصور-: أي من قتل في حال يعمى [فيها] أمره فلا يتبين قاتله، وقوله: "فقود يديه" بإضافة القود إلى يديه [وقد] عبر عن النفس باليدين مجازًا"، وما بين المعقوفتين من (ط)، ونحوه في (و).
(2)
في (ك): "زمنًا" كذا، والمثبت من المطبوع ومصادر التخريج.
(3)
في المطبوع: "لكونه" والمثبت من (ك) ومصادر التخريج.
(4)
رواه أبو داود (4540) في (الديات): باب من قتل في عمياء بين قوم، والنسائي (8/ 39 - 40 و 40) في (الديات): باب من قتل بحجر أو سوط، وابن ماجه (2635) في (الديات): باب من قتل بين ولي المقتول وبين القود أو الدية، والطبراني في "الكبير"(11/ 10848)، والطحاوي في "المشكل"(12/ رقم 4900)، والدارقطني (3/ 94 و 95)، والبيهقي (8/ 25 و 45 و 53) من طريق سليمان بن كثير، عن عمرو بن دينار، عن طاوس عن ابن عباس به.
وسليمان بن كثير هذا لا بأس به، وباقي الرواة الثقات.
وتابعه على وصله عن عمرو جماعة.
منهم: الحسن بن عمارة، أخرجه من طريقه عبد الرزاق (17203)، ومن طريقه الطبراني في "الكبير"(10849)، والدارقطني (3/ 93)، والحسن هذا متروك.
ومنهم: إسماعيل بن مسلم، أخرجه من طريقه الطبراني (10850)، والدارقطني (3/ 93)، والبيهقي، وإسماعيل هذا هو المكي ضعيف.
ورواه الطبراني (11017) من طريق عبد الكريم أبي أمية عن طاوس عن ابن عباس به.
وعبد الكريم هذا متروك.
وقد رواه جماعة عن عمرو بن دينار عن طاوس مرسلًا.
منهم: سفيان بن عيينة أخرجه من طريقه الشافعي في "مسنده"(2/ 100)، وأبو داود (4539)، والبيهقي (8/ 45).
ومنهم: حماد بن زيد، أخرجه من طريقه أبو داود (4539)، والدارقطني (3/ 93) من طريقين عنه مرسلًا.
لكن أخرجه الدارقطني (3/ 93) من طريق عمرو بن دينار عنه موصولًا، وعمرو هذا ثقة ثبت.
ومنهم: ابن جريج، أخرجه عنه عبد الرزاق (17200)، ومن طريقه الدارقطني (3/ 95)، قال: أخبرني عمرو بن دينار فذكره.
لكن أخرجه البيهقي (8/ 45) من طريق الوليد بن مسلم عنه موصولًا، والوليد مدلس وقد عنعن. =