الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففرَّق بين الزوجين، ولم يفرق بينهما بكونه تبين له أن ذلك خلاف قول زيد أو عمرو واللَّه تعالى أعلم.
[هل يضمن المفتي المال أو النفس
؟]
الفائدة الحادية والأربعون: إذا عمل المُستفتي بفتيا مفت في إتلاف نفس أو مال ثم بأن خطؤه، قال أبو إسحاق الإسفرائيني من الشافعية (1): يضمن المفتي إن كان أهلًا للفتوى وخالف القاطع، وإن لم يكن أَهلًا فلا ضمان عليه لأن المستفتي قصَّر في استفتائه وتقليده، ووافقه على ذلك أبو عبد اللَّه بن حمدان (2) في كتاب:"آداب المفتي والمستفتي"(3) له، ولم أعرف هذا لأحد من الأصحاب قبله (4)، ثم حكى وجهًا آخر في تضمين من ليس بأهل [قال] (3): لأنه تصدَّى لما ليس له بأهل، وغرَّ من استفتاه بتصدِّيه لذلك.
قلت: خطأُ المفتي كخطأ الحاكم والشاهد، وقد اختلفت الرواية في خطأ الحاكم في النفس أو الطرف (5)، فعن (6) الإمام أحمد في ذلك روايتان:
إحداهما (7): أنه في بيت المال؛ لأنه يكثر منه ذلك [الحكم](8)، فلو حَمَلته العاقلة لكان [ذلك](9) إضرارًا عظيمًا بهم.
والثانية: أنه على عاقلته، كما لو كان الخطأ بسبب غير [الحاكم](10)، وأما خطؤه في المال فإذا حكم بحق ثم بأن كفر الشهود أو فسقهم نقض حكمه، ثم رجع المحكوم عليه ببدل المال على المحكوم له، وكذلك إذا كان الحكم بقود
(1) نقله ابن الصلاح في "أدب المفتي"(111) وعنه النووي في "المجموع"(1/ 81) وقال: "كذا حكاه الشيخ أبو عمرو، وسكت عليه، وهو مشكل، وينبغي أن يخرج الضمان على قَوْلي الغرور المعروفَيْن في بابي (الغصب) و (النكاح) وغيرهما، أو يقطع بعدم الضمان، إذ ليس في الفتوى إلزام ولا إلجاء". وانظر "التحبير شرح التحرير"(8/ 3985).
وفي (ق): "فقال".
(2)
في (ك): "ابن أحمد".
(3)
(ص 31 - المكتب الإسلامي).
(4)
في المطبوع و (ت): "لأحد قبله من الأصحاب".
(5)
في (ق): "في النفس والطرف".
(6)
في (ق): "وعن".
(7)
في (ق): "إحديهما".
(8)
في (ت): "لأنه منه الحكم"، وفي (ك):"لأنه يكثر منه الحكم"، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(10)
في (ق): "الحكم".
رجع أولياء المقتول ببدله على المحكوم له، و [كذلك] إن كان الحكم بحق اللَّه (1) بإتلاف مباشر (2) أو بالسراية ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الضمان على المزكِّين لأن الحُكمَ إنما وجب بتزكيتهم (3).
والثاني: يضمنه الحاكم لأنه لم يثبت، بل فرَّط في المبادرة إلى الحكم وترك [البحث](4) والسؤال.
والثالث: أن للمستحق تضمين أيهما شاء والقرار على المزكين لأنهم ألجأوا الحاكم إلى الحكم، فعلى هذا إن لم يكن ثَمَّ تزكية فعلى الحاكم، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينقض بفسقهم فعلى هذا لا ضمان.
وعلى هذا إذا استفتى الإمام أو الوالي مفتيًا فأفتاه، ثم بأن [له](5) خطؤه فحكم المفتي مع الإمام حكم المزكّين مع الحاكم، وإن عمل [المُستفتي](6) بفتواه من غير [حكم](4) حاكم، ولا إمام فأتلف نفسًا أو مالًا، فإن كان [المفتي](4) أهلًا، فلا ضمان عليه والضمان على المُستفتي، وإن لم يكن أهلًا فعليه الضمان (7)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من تطبب، ولم يعرف منه طبٌّ فهو ضامن"(8)،
(1) في (ق): "بحق للَّه"، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
في (ك): "مباشرة".
(3)
هذا قول الشافعي وإحدى الروايتين عن المالكية انظر: "الأم"(7/ 168)، "مختصر المزني"(312)، "المهذب"(2/ 342 - 343)، "حلية العلماء"(8/ 314)، "روضة الطالبين"(11/ 296)"المدونة"(4/ 83)، "التفريع"(2/ 240)، "الكافي"(467)، "المعونة"(3/ 1561)، "الإشراف"(5/ 86 مسألة 1839) وتعليقي عليه.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
ما بين المعقوفتين من المطبوع.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
قال في هامش (ق): "مطلب: يضمن قوله أم هذا خلاف".
(8)
رواه أبو داود (4586) في (الديات): باب فيمن تطبب بغير علم، والنسائي (8/ 52 - 53) في (القسامة): باب صفة شبه العمد، وابن ماجه (3466) في (الطب): باب من تطبب ولم يُعلم منه طب، وابن عدي (5/ 1767)، والدارقطني (3/ 195 - 196، و 4/ 215 - 216)، والحاكم (4/ 212)، والبيهقي (8/ 141) وأبو نعيم في "الطب النبوي" (ق 14/ أ) وابن السني -كما في "المنهج السوي" (رقم 663) - من طريق الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.
قال أبو داود: "هذا لم يروه إلا الوليد، لا ندري هو صحيح أم لا".
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي! =
وهذا يدل على أنه إذا عرف منه طب وأخطأ لم يضمن والمفتي أولى بعدم الضمان من الحاكم والإمام؛ لأنَّ المستفتي مخيَّر بين قبول فتواه وردها، فإن قوله: لا يلزم بخلاف حكم الحاكم والإمام، وأما خطأ الشاهد فإما أَن يكونوا شهودًا بمال أو طلاق أو عتق أو حد أو قود، فإن بأن خطؤهم قبل الحكم لم يحكم بذلك (1)، وإن بأن بعد الحكم باستيفاء القود وقبل استيفائه لم يستوف قطعًا، وإن بأن بعد استيفائه فعليهم دية ما تلف ويتقسط الغرم على عددهم، وإن بأن خطؤهم قبل الحكم بالمال لغت شهادتهم، ولم يضمنوا، وإن بأن بعد الحكم به نقض حكمه، كما لو شهدوا بموت رجل باستفاضة فحكم الحاكم بقسم ميراثه، ثم بانت حياته،
= أقول: الوليد بن مسلم وابن جريج مدلسان، لكن الوليد صَرَّحَ بالسماع عند غير واحد، بقي ابن جريج فلم يصرح بالسماع.
والحديث رواه محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن عبد اللَّه بن عمرو: "لم يذكر والد شعيب".
أخرجه النسائي (8/ 53)، وقال ابن عدي: وجعله من جودة إسناده.
وهذه العلة ذكرها ابن عدي والبيهقي والمزي في "تحفة الإشراف"(6/ 325).
لكن وقع في المطبوع من النسائي بإثبات "عن أبيه" فقال شيخنا الألباني رحمه الله ردًا على البيهقي في قوله: إن محمودًا أسقط والد عمرو من الإسناد: "كذا قال، ولعلها رواية وقعت له، وإلا فقد رواه النسائي عنه مثل رواية الجماعة، فقال عقبها: "أخبرني محمود بن خالد:. . . "!!
أقول: ما كان ينبغي الحكم على هذه المسألة بالرجوع إلى النسخة المطبوعة، لأنها لا تخلو من الخطأ.
وقد أعله الدارقطني (3/ 196) بعلة أخرى فقال: "لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم وغيره يرويه عن ابن جريج عن عمرو مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم".
أقول: وهذا لا يضر إن شاء اللَّه؛ فإن الوليد بن مسلم من الثقات.
وللحديث شاهد مرسل؛ رواه أبو داود (4587): حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا حفص: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر مثله.
أقول: وهذا فيه علتان:
الأولى: جهالة بعض الوفد.
الثانية: الإرسال فإن عبد العزيز هذا يروي عن كبار التابعين.
فهو شاهد قاصر، أما شيخنا الألباني -رحمه للَّه- فقد جعله شاهدًا لحديث عمرو بن شعيب، فقوّاه به، وأودعه في "السلسلة الصحيحة"(2/ 229)!!
(1)
في (ت): "لم يحكم به".