الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدار وإشغالهم الكنيف وإضعافهم السلم ونحوه، ومنها جواز الإقدام على الطعام إذا وضعه بين يديه، وإن لم يصرح له بالإذن لفظًا، ومنها جواز شربه من الإناء، وإن لم يقدمه إليه، ولا يستأذنه، ومنها جواز قضاء حاجته في كنيفه، وإن لم يستأذنه، ومنها [جواز](1) الاستناد إلى وسادته، ومنها أخذ ما ينبذه رغبة عنه من الطعام وغيره، وإن لم يصرح بتمليكه له، ومنها انتفاعه بفراش زوجته ولحافها، ووسادتها، وآنيتها، وإن لم يستأذنها نطقًا إلى أضعاف أضعاف ذلك.
وهل السياسة الشرعية إلا من هذا الباب، وهي الاعتماد على القرائن التي تفيد القطع تارة والظن الذي هو أقوى من ظن الشهود بكثير تارة؟ وهذا باب واسع، وقد تقدم التنبيه عليه مرارًا، ولا يستغني عنه المفتي والحاكم.
فصل
فلنرجع إلى فتاوى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وذكر طرف من فتاويه في الأطعمة.
[فتاوى في الأطعمة]
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الثوم أحرام هو؟ قال: "لا، ولكني أكرهه من أجل رائحته"(2)، ذكره مسلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو أيوب: هل يحل لنا البصل؟ فقال: "بلى، ولكني يغشاني ما لا يغشاكم"(3)، ذكره أحمد.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
رواه مسلم (2053) في (الأشربة): باب إباحة أكل الثوم، من حديث أبي أيوب الأنصاري.
(3)
رواه أحمد (5/ 414)، والنسائي في "الكبرى"(3/ 497) مختصرًا و (4/ 148) مطولًا، من طريق بقية بن الوليد عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي أيوب الأنصاري أطول مما هو هنا.
ورواته كلهم ثقات لكن فيه عنعنة بقية بن الوليد، وهو مدلس مشهور يدلس تدليس التسوية، والحديث له طريق آخر وسياق آخر من حديث أبي أيوب أيضًا وآخره:"أستحي من ملائكة اللَّه وليس بمُحرَّم"، رواه ابن خزيمة (1670)، وابن حبان (2092)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 239)، والطبراني في "الكبير"(3996 و 4077) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن سفيان بن وهب عنه، وإسناده صحيح.
وله طريق آخر أيضًا أخرجه أحمد (5/ 95 - 96، 103، 106)، والطيالسي (1/ 329 - =
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الضب أحرام هو؟ فقال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"(1)، متفق عليه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الجُبن والسمن والفِرَا، فقال. "الحلال ما أحلَّه اللَّه في كتابه والحرام ما حرمه اللَّه في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه"(2)، ذكره ابن ماجه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال:"أو يأكل الضبع أحد؟! "(3).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الذئب فقال: "أو يأكل الذئب أحدٌ فيه خير؟! "(4)، ذكره
= المنحة)، والطبراني في "الكبير"(1972)، وابن حبان (2094) من طريق حماد بن سلمة (وروايته عند الطيالسي مقرونة مع شعبة، وأخرجه الطحاوي (4/ 239) من طريق شعبة فقط) عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة عنه، وآخره:"فيها ريح ثوم ومعي ملك".
وإسناده على شرط مسلم.
وله طريق آخر عن أم أيوب أخرجه أحمد (6/ 362 و 433)، والحميدي (339)، وابن أبي شيبة (2/ 511 و 8/ 301)، والدارمي (2/ 102)، والترمذي (1815) في (الأطعمة): باب ما جاء في الرخصة في الثوم مطبوخًا، وابن ماجه (3364) في (الأطعمة): باب أكل الثوم والبصل، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 239)، وابن حبان (2093)، وابن خزيمة (1671)، والطبراني في "الكبير"(25/ 329)، والمزي في "تهذيب الكمال"(35/ 332) من طريق سفيان بن عيينة عن عبيد اللَّه بن أبي يزيد عن أبيه عنها.
قال الترمذي: حسن صحيح غريب.
لكن أبو يزيد لم يرو عنه إلا ابنه، وذكره ابن حبان في "الثقات" فهو في عداد المجاهيل.
وحديث أبي أيوب في "صحيح مسلم"(2053)(170 و 171)، وليس فيه ذِكْر الملك وإنما فيه:"ولكني أكرهه من أجل ريحه".
وشاهده حديث جابر الذي رواه البخاري (855)، ومسلم (564)(73)، وفيه:"فإني أناجي من لا تناجي".
وأحاديث الباب في النهي عن أكل الثوم والبصل، وتأذي الملائكة منها كثيرة، استوعبتُها في تعليقي على "تحقيق البرهان في شأن الدخان" للشيخ مرعي الكرمي (ص 116 - 121).
(1)
رواه البخاري (5391) في (الأطعمة): باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يُسمى له فيعلم ما هو، و (5400) باب الشواء، و (5537) في (الذبائح): باب الضب، ومسلم (1945) في (الصيد): باب إباحة الضب.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
و (4) هما حديث واحد رواه الترمذي (1797) في (الأطعمة): باب ما جاء في أكل الضبع،=
الترمذي، وعند ابن ماجه: قال: قلت: يا رسول اللَّه ما تقول في الضبع؟ قال: "ومن يأكل الضبع؟! "(1).
وإن صح حديث جابر في إباحة الضبع (2)، فإن في القلب منه شيئًا كان هذا الحديث يدل على ترك أكله تقذرًا أو تنزهًا، واللَّه أعلم.
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فقالت: إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم اللَّه
= وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"(رقم 1026)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1412)، والطبراني في "الكبير"(3797)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(2/ رقم 2379، 2380، 2381، 2382، 2384) من طريق إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حبان بن جزي عن أخيه خزيمة بن جزي، فذكره، وعند الطبراني مطولًا.
قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم أبي أمية، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل وعبد الكريم أبي أمية، وهو عبد الكريم بن قيس بن أبي المخارق.
وروى ابن أبي شيبة (8/ 249، 251)، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (رقم 1028) وابن ماجه (3235) في (الصيد): باب الذئب والثعلب وأبو نعيم (2383) من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الكريم به ذكر الذئب والثعلب، وانظر ما بعده.
(1)
هو من الحديث السابق رواه بعضهم بهذا اللفظ وهو جزء من حديث طويل روى ابن ماجه في (3237) هذا الجزء منه، وفي (3235) جزء آخر كما سبق- ورواه مطولًا ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1411) -ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال"(5/ 335) -، والطبراني في "الكبير"(3795 و 3796)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 206)، كلهم من طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن حبان بن جزي عن أخيه خزيمة بن جزي به.
ووقع جزي عند بعضهم "جزء".
قال البخاري بعد روايته: "ولا يتابع عليه" ذكره في ترجمة خزيمة، وضعفه ابن حزم في "المحلى"(8/ 147)، وابن الجوزي في "الواهيات"(2/ 173)، وابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 152)، وفي "الإصابة"(1/ 426)، وفي "الفتح"(9/ 662 و 663)، وترجم الحافظ خزيمة هذا في "التهذيب" فقال:"خزيمة بن جزي بفتح الجيم وكسر الزاي بعدها ياء السلمي له حديث في الضب والضبع وغير ذلك. وأخرجه الترمذي وابن ماجه والباوردي وابن السكن وقالا: لم يثبت حديثه، ورويناه في "الغيلانيات" مطولًا، ومداره على أبي أمية ابن أبي المخارق أحد الضعفاء.
وترجمه في"التقريب" خزيمة بن جَزْء بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة صحابي لم يصح الإسناد إليه، والحديث في "ضعيف سنن ابن ماجه"(695، 696).
(2)
يشير إلى حديث جابر في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع: "أصيد هي" وقد تقدم تخريجه.
عليه أم لا، فقال صلى الله عليه وسلم:"سموا أنتم وكلوا"(1)، ذكره البخاري.
وسأله صلى الله عليه وسلم[اليهود فقالوا](2): أنأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل اللَّه؟، فأنزل اللَّه:{وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] إلى آخر الآية (3) هكذا، ذكره أبو داود وأن الذي سأل هذا السؤال هم اليهود، والمشهور في هذه القصة أَنَّ المشركين هم الذين أوردوا هذا السؤال، وهو الصحيح ويدل عليه كون السورة مكية وكون اليهود يحرِّمون الميتة، كما يحرمها المسلمون، فكيف يوردون هذا السؤال وهم يوافقون على هذا الحكم؟ ويدل عليه أيضًا قوله تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121]، فهذا سؤال مجادل في ذلك
(1) رواه البخاري (2057) في (البيوع): باب من لم ير الوساوس ونحوها، و (5507) في (الذبائح): باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، و (7398) في (التوحيد): باب السؤال بأسماء اللَّه تعالى والاستعاذة، من حديث عائشة.
(2)
كذا في (ك) وفي سائر النسخ: "رجل فقال".
(3)
رواه أبو داود (2819) في (الأضاحي): باب في ذبائح أهل الكتاب، من طريق عثمان بن أبي شيبة والطبري (5/ 328 رقم 13829) من طريق محمد بن عبد الأعلى، وسفيان بن وكيع، والبزار -كما في "تفسير ابن كثير"(2/ 177) - من طريق محمد بن موسى الحرشي، والطبراني (12295) من طريق عبد اللَّه بن عمر بن أبان، والبيهقي (9/ 240) من طريق محمد بن أبي بكر ستتهم عن عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
ورواه ابن أبي حاتم (4/ 1378 رقم 7832) من طريق أبي سعيد الأشج عن عمران بن عيينة به مرسلًا دون ذكر ابن عباس.
أقول: عطاء بن السائب هذا كان اختلط ولم يرو عنه هنا أحد مما سمع منه قبل الاختلاط، وقال أحمد بن حنبل: كان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها، وقد كان اختلاطه شديدًا.
ومما يدل على وهم عطاء واختلاطه أنه ذكر هنا أن السائل عن هذا اليهود، والسورة هذه مكية.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره"(2/ 177) بعد أن ذكر هذا الخبر: وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثة:
أحدها: أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا.
الثاني: أن الآية من الأنعام وهي مكية.
الثالث: ذكر فيه رواية الترمذي الآتية، ولفظه: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم. . . " وهي من رواية عطاء بن السائب نفسه!!
والحديث له روايات عن ابن عباس، وليس فيها أن السائل هو اليهود، وانظر "تفسير الطبري" و"تفسير ابن كثير".
واليهود لم تكن تجادل في هذا، وقد رواه الترمذي، بلفظ ظاهره أن بعض المسلمين سأل هذا السؤال ولفظه: أتى ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه أنأكل مما نقتل، ولا نأكل مما قتل اللَّه؟ فأنزل اللَّه تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلى قوله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121](1)، وهذا لا يناقض كون المشركين هم الذين أوردوا هذا السؤال فسأل عنه المسلمون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا أحسب قوله إن اليهود سألوا عن ذلك إلا وهمًا من أحد الرواة، واللَّه أعلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول اللَّه إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمتُ عَلَيَّ اللحم، فأنزل اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} [المائدة: 87، 88](2)، ذكره الترمذي.
(1) رواه الترمذي (3069) في (التفسير): باب ومن سورة الأنعام عن محمد بن موسى الحرشي، عن زياد بن عبد اللَّه البكائي: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، وقال: حسن غريب.
أقول: عطاء بن السائب تكلمنا عليه في الحديث السابق، وشيخ الترمذي قال ابن حجر عنه في "التقريب": بين الحديث، وقد رواه -كما ذكرت من قبل- عن عمران بن عيينة عن عطاء مثل الرواية السابقة، وانظر ما قبله، وما ذكرته هناك.
وقد روى أبو داود (2818)، وابن ماجه (3173)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1380 رقم 7845)، والبيهقي (9/ 241) من طرف عن إسرائيل عن سماك بن حرب، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} يقولون: ما ذبح اللَّه فكلوا، وما ذبحتم أنتم فكلوا، فأنزل اللَّه عز وجل:{وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، وصحح إسناده ابن كثير مع أن رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب.
(2)
رواه الترمذي (3064) في (التفسير): باب ومن سورة المائدة، وابن جرير الطبري (10/ 520 رقم 12350)، وابن عدي (5/ 1817)، والطبراني في "الكبير"(11981)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ رقم 6687)، والواحدي في "أسباب النزول"(ص 198) من طرق عن الضحاك بن مخلد، عن عثمان بن سعد: حدثنا عكرمة عن ابن عباس فذكره.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه بعضهم عن عثمان بن سعد مرسلًا ليس فيه عن ابن عباس ورواه خالد الحذاء عن عكرمة مرسلًا. (أما في "تحفة الإشراف" (5/ 15) فذكر عن الترمذي أنه قال: ورواه خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس).
وأنا أُصَوّب العبارة الموجودة في "السنن" المطبوعة: خالد عن عكرمة مرسلًا، إذ أن عثمان بن سعد هذا ضعفه ابن معين، وكان يحيى بن سعيد يُضعّف حديثه في "التفسير"، وضعفه النسائي، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه فلو رواه خالد موصولًا لكانت متابعة قوية، ولكن رواه مرسلًا، وهو الصواب في هذا الحديث، فتحسين الترمذي رحمه الله فيه نظر.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ثعلبة الخُشَني رضي الله عنه فقال: إن أرضنا أرض أهل كتاب، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"إن لم تجدوا غيرها فارحضوها واطبخوا فيها واشربوا" قال: قلت: يا رسول اللَّه ما يحل لنا، وما يحرم علينا؟ قال:"لا تأكلوا لحم الحمر الإنسية، ولا يحلُّ كل ذي ناب من السباع"(1)، ذكره أحمد، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:"أكل كل ذي ناب من السباع حرام"(2)، وهذان اللفظان يبطلان قول من تأول نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع بأنه نهي كراهة فإنه تأويل فاسد قطعًا، وباللَّه التوفيق.
وسئل صلى الله عليه وسلم أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللّبة؟ فقال: "لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك"(3)، ذكره أبو داود، وقال: هذا ذكاة المُتردِّي، وقال يزيد بن
= وأما المرسل، فقد أخرجه ابن جرير (10/ 514، 515، 520 - 521 رقم 12337، 12338، 12340، 12351) -بأسانيد- من طريق يزيد بن زريع وإسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) وعبد الوهاب الثقفي ثلاثتهم عن خالد الحذاء عن عكرمة مرسلًا، وهذا إسناد صحيح إلى عكرمة.
والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" إلى ابن مردويه.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه أبو داود (2825) في (الأضاحي): باب في ذبيحة المتردية، والترمذي (1485) في (الصيد): باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللّبة، والنسائي (7/ 228) في (الضحايا): باب ذكر المتردية في البئر التي لا يوصل إلى حلقها، وابن ماجه (3184) في (الذبائح): باب ذكاة الناد من البهائم، وعبد اللَّه بن أحمد (4/ 434)، والدارمي (2/ 82)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 22)، وأبو يعلى (1503، 1504)، وابن عدي (1/ 209)، والطبراني في "الكبير"(6719 - 6721)، وابن الجارود (901)، وأبو نعيم (6/ 257 و 341)، والبيهقي (9/ 246)، والمزي في "تهذيب الكمال"(34/ 86) من طرق عن حماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه.
قال أبو داود: "هذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش".
قال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث".
وقال البخاري في "التاريخ" في ترجمة أبي العشراء: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر.
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(4/ 134) عن أبي العشراء: "ولا يعرف حاله".
وقال في "التقريب": "أعرابي مجهول".=
هارون رحمه الله: هذا للضرورة، وقيل: هو في غير المقدور عليه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة أنلقيه أم نأكله؟ فقال: "كلوه إن شئتم، فإن ذكاتَه ذكاةُ أمه"(1)، ذكره أحمد، وهذا يبطل تأويل من تأول الحديث أنه يُذَكَّى، كما تذكى أمه ثم يؤكل، فإنه أمرهم بأكله وأخبر أن ذكاة أمه ذكاة له، وهذا لأنه جزء من أجزائها فلم يحتج إلى أن يفرد بذبح كسائر أجزائها.
وسأله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: إنا لاقو العدو غدًا، وليست معنا مدى أفنذكي باللِّيطة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أنهر الدم وذُكِر اسم اللَّه عليه فكل إلا ما كان من سنّ أو ظفر، فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة"(2)، متفق عليه واللَّيطة: الفلقة من القَصَب.
وسأله صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال: إن أحدنا ليصيب الصيد وليس معه سكين أيذبح بالمروة (3) وشقة العصى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أمِرِ (4) الدمَ واذكر
= وقال الذهبي في "الميزان": "قلت: ولا يُدرى من هو، ولا من أبوه، انفرد عنه حماد بن سلمة".
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 641): وكأن المصنف لمح بضعف الحديث الذي أخرجه. . . فذكره لكن مَنْ قوّاه حمله على الوحش والمتوحش، وفي الباب عن أنس بن مالك، رواه الطبراني في "الأوسط" قال الهيثمي في "المجمع" (4/ 34): وفيه بكر بن الشرود، وهو ضعيف.
(1)
الحديث ورد من طريق جمع من الصحابة، وقد صححه غير واحد فانظر:"نصب الراية"(4/ 189)، و"التلخيص"(4/ 156 - 158)، و"إرواء الغليل"(8/ 172)، وقد تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري في مواطن منها (2488) في (الشركة): باب قسمة الغنم، و (5503) في (الذبائح والصيد): باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد، و (5506) باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر.
ومسلم (1968) في (الأضاحي): باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، من حديث رافع بن خديج.
(3)
المروة: هو حجر أبيض له برقان، والمراد به هنا: ما كان حادًا يصلح للذبح.
قال (ط) معرفًا له: "نوع من الحجارة" فقط.
(4)
من مار يمور إذا جرى، قال الخطابي: أصحاب الحديث يرونه مشدد الراء، وهو غلط، وفي رواية:"إمر" -بكسر الهمزة وسكون الميم- أي: استخرجه وآجره، وفي "سنن أبي داود" و"النسائي":"أمرر": اجعل الدم يمر، أي: يذهب، وعلى هذا يكون من شدد الراء أدغم الراءين، فلا يكون التشديد خطأ" (و).
اسم اللَّه" (1)، ذكره أحمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن شاة حلَّ بها الموت فأخذت جارية حجرًا فذبحتها به فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها (2)، ذكره البخاري.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن شاة نيب فيها الذئب فذبحوها بمروة فرخص لهم في أكلها (3)، ذكره النسائي.
سئل صلى الله عليه وسلم عن أكل الحوت الذي جَزَر البحر عنه، فقال: "كلوا، رزقًا
(1) رواه أحمد (4/ 256 و 258 و 377)، والطيالسي (1742 - منحة)، وعبد الرزاق (8621)، وأبو داود (2824) في (الأضاحي): باب في الذبيحة بالمروة، والنسائي (7/ 225) في (الضحايا): باب إباحة الذبح بالعود، وابن ماجه (3177) في (الذبائح): باب ما يذكى به، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 183)، وابن حبان (332)، والطبراني في "الكبير"(17/ 245 - 248)، والحاكم (4/ 240)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 279 و 9/ 281)، والمزي في "تهذيب الكمال"(27/ 415) من طرق عن سماك بن حرب، عن مريّ بن قطري، عن عدي بن حاتم به مطولًا ومختصرًا.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي.
قال الحافظ في "التلخيص"(4/ 135): ومداره على سماك بن حرب، عن مري بن قطري.
وقال الذهبي عن مري هذا: لا يعرف تفرد عنه سماك.
وهو لم يوثقه إلا ابن حبان فقط، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": مقبول، أي: عند المتابعة.
(2)
رواه البخاري (2304) في (الوكالة): باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة نموت. . . و (5501 و 5502) في (الذبائح والصيد): باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد، و (5504) باب ذبيحة المرأة والأمة من حديث ابن عمر.
(3)
رواه النسائي (7/ 225) في (الضحايا): باب إباحة الذبح بالمروة، و (7/ 227 - 228) باب ذكاة التي قد نيب فيها السبع، وابن ماجه (3176) في (الذبائح): باب ما يذكى به، وأحمد (5/ 183 - 184)، وابن حبان (5885)، والطبراني في "الكبير"(4832)، والحاكم (4/ 113 - 114)، والبيهقي (9/ 250)، والمزي في "تهذيب الكمال"(5/ 322) من طريق شعبة عن حاضر بن المهاجر أبي عيسى الباهلي، عن سليمان بن يسار، عن زيد بن ثابت به.
ورجاله ثقات مشهورون غير حاضر بن المهاجر هذا، فلم يرو عنه إلا شعبة.
وقال أبو حاتم: مجهول.
وذكره ابن حبان في "الثقات"!
أما الحاكم فصححه ووافقه الذهبي!
ويشهد له حديث ابن عمر قبله، وحديث رافع بن خديج المتقدم.
أخرجه اللَّه لكم وأطعمونا إن كان معكم" (1)، متفق عليه.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ثعلبة الخُشَني فقال: إنا بأرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي المعلّم وبكلبي الذي ليسس بمعلّم فما يصلح لى؟ فقال:"ما صدت بقوسك فذكرت اسم اللَّه عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلَّم فذكرت اسم اللَّه عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلَّم فأدركت ذكاته فكل"(2)، متفق عليه، وهو صريح في اشتراطه التسمية لحل الصيد ودلالته على ذلك أصرح من دلالته على تحريم صيد غير المعلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم فقال: إني أرسل كلابي المعلَّمة فيمسكن عليَّ وأذكر اسم اللَّه؟ فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم اللَّه فكل ما أمسك عليك" قلت: وإن قَتلنَ قال: "وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها" قلت: فإني أرمي بالمِعْراض (3) الصيد فأصيب؟ فقال: "إذا رميت بالمعراض، فخزق (4) فكله، وإن أصابه بعرضه، فلا تأكله"(5)، متفق عليه.
وفي بعض ألفاظه هذا الحديث: "إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل، فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها، فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسمِّ على غيره".
وفي بعض ألفاظه: "إذا أرسلت كلبك المكلَّب فاذكر اسم اللَّه، فإن أمسك عليك فأدركته حيًا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، فإن أَخذَ الكلب ذكاتُه"، وفي بعض ألفاظه:"إذا رميت بسهمك فاذكر اسم اللَّه" وفيه: "فإن غاب عنك اليومين أو الثلاثة، ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، كان
(1) رواه البخاري (4362) في (المغازي): باب غزوة سيف البحر، ومسلم (1935) في (الصيد والذبائح): باب إباحة ميتات البحر، من حديث جابر.
(2)
رواه البخاري (5478) في (الذبائح والصيد): باب ما أصاب المعراض بعرضه، و (5488) باب ما جاء في التصيد، و (5496) باب آنية المجوس والميتة، ومسلم (1930) في (الصيد): باب الصيد بالكلاب المعلمة.
(3)
"المعراض: سهم بلا ريش، دقيق الطرفين، غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حده".
(4)
"خزق: أصاب الرمية ونفذ فيها"(و)، ونحوه باختصار في (ط).
(5)
رواه البخاري في مواطن منها (175) في (الوضوء): باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، و (5475) في (الذبائح والصيد): باب التسمية على الصيد، و (5476) باب صيد المعراض، و (5484) باب الصيد، إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، و (5487) باب ما جاء في التصيد، ومسلم (1929) في أول الصيد والذبائح، وهذا لفظ مسلم.
وجدته غريقًا في الماء، فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك".
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ثعلبة الخشني فقال: يا رسول اللَّه إن في كلابًا مكلَّبة فأفتني في صَيْدها؟ فقال: "إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك" فقال: يا رسول اللَّه ذكيٌّ (1)، وغير ذكي؟ قال: ذكيّ وغير ذكيّ"، قال: وإن أكل منه؟ قال: "وإن أكل منه" قال: يا رسول اللَّه أفتني في قوسي، قال: "كُل ما أمسكت عليك قوسك" قال: ذكيّ وغير ذكيّ؟ قال: "ذكي وغير ذكي" قال: كان تغيب عنّي؟ قال: "وإن تغيب عنك ما لم يصلّ (2) -يعني: يتغير- أو تجد فيه أثرًا غير أثر سهمك" (3)، ذكره أبو داود.
(1)"الذكي: ما أمسك عليه، فأدركه قبل زهوق روحه فذكاه في الحلق أو اللبة، وغير الذكي: ما زهقت نفسه قبل أن يذكيه قبل أن يدركه مما جرحه الكلب بسنة أو ظفره"(و).
(2)
"ينتن"(و).
(3)
رواه أحمد (2/ 184)، وأبو داود (2857) في (الصيد): باب في الصيد، والدارقطني (4/ 294)، والبيهقي (9/ 237 و 243)، و"المعرفة"(13/ 445 رقم 18786)، من طريق حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به.
قال ابن عبد الهادي في "التنقيح": إسناده صحيح، وقال ابن حجر في "الفتح" (9/ 602):"سنده لا بأس به" وحكمه في "التلخيص الحبير"(2/ 136) أدق، وذلك عند قوله:"أعله البيهقي" كما سيأتي، وتعنت ابن حزم بتضعيفه إياه في "المحلى"(7/ 471) بأنه صحيفة!
ورواه النسائي (7/ 191) من طريق عبيد اللَّه بن الأخنس عن عمرو به.
وليس فيه: "وإن أكل منه"، وليس فيه السؤال عن آنية المجوس.
وقد رواه أيضًا عن عمرو المثنى بن الصباح، وابن لهيعة، كما ذكر الدارقطني في "علله"(1/ 87/2 مخطوط).
أقول: وهذا الحديث معلول بعلتين:
الأولى: الاختلاف على عمرو.
فقد ذكر الدارقطني في "علله" أن حماد بن سلمة رواه عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبي ثعلبة أي مرسلًا.
أقول: وقد وصله عن حبيب جماعة من الثقات.
فقد علقه البيهقي (9/ 238) من طريق شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن رجل من هذيل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلب يصطاد قال: "كل أكل أو لم يأكل"، ثم قال البيهقي: فصار حديث عمرو بهذا معلولًا.
وعبد ربه هذا من الثقات، وحبيب المعلم وابن الأخنس من الثقات أيضًا فقد يكون عمرو رواه على الوجهين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه عمرو بن الحسن، عن عمرو بن شعيب عن مولى لشرحبيل بن حسنة عن عقبة بن عامر وحذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره الدارقطني في "علله"(2/ 87/ 1) وعمرو هذا لم أهتد إليه.
وقال الدارقطني أيضًا: وقيل: عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبي ثعلبة.
أقول: وهذا لا يضر أيضًا؛ لأنه صدره بصيغة التمريض، ولا نعرف حال الإسناد للأوزاعي.
الثانية: وهي المهمة، وهي قوله في الحديث:"وإن كل منه" فقد روى البخاري في مواطن منها (5476)، ومسلم (1929) بعد (3) من حديث عدي بن حاتم وفيه:"فإن أكل فلا تأكل".
وقد ذكرت لك أن رواية عبيد الأخنس عن عمرو بن شعيب ليس فيها هذه اللفظة.
وقد وجدت شواهد تؤيدها منها: ما رواه أبو داود (2852)، والبيهقي (9/ 237)، وابن عبد البر في "الإستذكار" (15/ 285 رقم 21939) من طريق داود بن عمرو عن بسر بن عبيد اللَّه عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم اللَّه عليه فكل وإن أكل منه".
قال ابن عبد الهادي في "التنقيح"(3/ 450): "إسناده جيد" وانظر: "نصب الراية"(4/ 312)!
وجود إسناده أيضًا ابن كثير في "تفسيره"(2/ 19) وأخطا في اسم الراوي عن أبي إدريس.
لكن فيه داود بن عمرو قال الذهبي في "الميزان": انفرد بحديث: "إذا أرسلت. . . "، وهذا حديث منكر، أي قوله فيه:"كان أكل منه"، وفصلت ذلك في تعليقي على "الموافقات"(4/ 363)، وانظر:"المحلى"(7/ 471) و"الميزان"(2/ 17 - 18).
وحديث أبي ثعلبة هذا في "الصحيحين"، وليس فيه هذه اللفظة.
ومنها: ما رواه ابن جرير الطبري (4/ 436) من طريق سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي مرفوعًا: "إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه، وقد أكل منه فليأكل ما بقي".
وقال: هذا خبر في إسناده نظر، فإن سعيدًا غير معلوم له سماع من سلمان، وانظر "تنقيح التحقيق"(3/ 450).
وروي عن سلمان موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 611) قوله:"إذا أرسلت كلبك وبازك فكل، كان أكل ثلثه" وإسناده ضعيف، فيه محمد بن زيد العبدي مقبول، ولم يتابع.
ومنها ما ذكره ابن كثير في "تفسيره"(2/ 19) قال: وقد روى عن سماك بن حرب عن عدي قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما كان من كلب ضار أمسك عليك فكل"، قلت: وإن أكل؟ قال: "نعم".=
ولا يناقض هذا قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "وإن أكل [منه] (1)، فلا تأكل"، فإن حديث عدي فيما أكل منه حال صيده إذ يكون ممسكًا على نفسه وحديث أبي ثعلبة فيما أكل منه بعد ذلك، فإنه يكون قد أمسك على صاحبه، ثم أكل منه بعد ذلك، وهذا لا يحرم، كما لو أكل مما ذكاه صاحبه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الذي يدرك صيده بعد ثلاث، فقال:"كُلْه ما لم ينتن"(2)، ذكره مسلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم أهل بيت كانوا في الحرَّة (3) محتاجين ماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم فرخص لهم في أكلها فعصمتهم بقية شتائهم (4)، ذكره أحمد.
= ثم قال: وروى عبد الملك بن حبيب: حدثنا أسد بن موسى عن أبي زائدة عن الشعبي عن عدي بمثله.
أقول: لم أقف على كلا الطريقين، وقد روى أبو نعيم، وعبد اللَّه بن نمير، عن ابن أبي زائدة لم يذكرا فيه:"وإن أكل منه"، كما هو عند البخاري (5475)، ومسلم (1929) (4) بل لفظ مسلم:"ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله".
وحديث عدي بن حاتم في "الصحيحين" من طرق عن الشعبي -كما ذكرت من قبل- تنص على أنه: "إن أكل منه فلا تأكل".
إذن فقوله في حديث عمرو بن شعيب: "وإن أكل منه" لفظة معلولة، بعد أن رأيت ما حققته لك، لكن حاول بعض العلماء الجمع بين اللفظين فقال ابن كثير في "تفسيره" (2/ 19): وقد توسط آخرون فقالوا: "إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه"، وأما إن أمكسه ثم انتظر صاحبه، فطال عليه وجاع، فأكل منه لجوعه فإنه لا يؤثر في التحريم وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني، وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح".
وانظر تعليق المؤلف على "سنن أبي داود"(8/ 59) مع "عون المعبود"، و"فتح الباري"(9/ 602)، و"شرح النووي على صحيح مسلم"(13/ 77)، و"الموافقات"(4/ 362).
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
رواه مسلم (1931) بعد (10) في (الصيد): باب إذا غاب عنه الصيد ثم وجده.
(3)
في (ك): "بالحرة"، والمثبت من سائر النسخ.
(4)
رواه أحمد (5/ 87 و 88)، والطيالسي (1653)، وأبو يعلى الموصلي (7448) من طريق شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة به.
ولفظه "مات عندهم ناقة أو بعير لهم. . . "، ولفظ الطيالسي مغاير لكنه رواه من طريق شريك فذكرته هنا.
وهذا إسناد ضعيف لضعف شريك، لكنه توبع، فقد رواه -قريبًا من هذا- أحمد (5/ 89، 97)، وأبو يعلى (7445)، والحاكم (4/ 125) من طريق أبي عوانة عن سماك عن =
وعند أبي داود: "أن رجلًا نزل بالحرَّة ومعه أهله، وولده فقال له رجل: إن لي ناقة قد ضلت، فإن وجدتها فأمسكها فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت فقالت امرأته: انحرها فأبى فنفقت، فقالت: اسلخها حتى نقدِّد شحمها ولحمها نأكله فقال: حتى أسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله فقال له: "هل عندك غناء يغنيك (1)؟ قال: لا، قال:"فكلوه" قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك (2)، وفيه دليل على جواز إمساك الميتة للمضطر.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: مِنَ "الطعام طعامٌ نتحرَّجُ منه، فقال: "لا يختلجنَّ في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية" (3)، ذكره أحمد، ومعناه -واللَّه أعلم- النهي
= جابر قال: مات بغل، وقال حماد بن سلمة: ناقة -قال ابن حجر في "إتحاف المهرة"(3/ 85): "وهو الصواب"- عند رجل فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستفتيه فزعم جابر بن سمرة أن رسولا اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لصاحبها: أما لك ما يغنيك عنها؟ قال: لا قال: اذهب فكلها، هذا لفظ أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
ورواه حماد بن سلمة عن سماك أيضًا انظر ما بعده.
(1)
كذا في (ك) وفي سائر النسخ: "ما يغنيك".
(2)
رواه أبو داود (3816) في (الأطعمة): باب المضطر إلى الميتة: حدثنا موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة عن سماك عن جابر بن سمرة، وهذا إسناد جيد، وانظر ما قبله.
(3)
رواه أحمد (5/ 226 و 227) وابنه عبد اللَّه في "زياداته في المسند"(5/ 226، 227)، وأبو داود (3784) في (الأطعمة): باب في كراهية التقذر للطعام، والترمذي (1561) في (السير): باب ما جاء في طعام المشركين، وابن ماجه (2830) في (الجهاد): باب الأكل في قدور المشركين، والطبراني في "الكبير"(22/ 226)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2493 - 2495)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(15/ رقم 2145)، 2146، 2147)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(5/ رقم 6565)، والبيهقي (7/ 279)، والمزي في "تهذيب الكمال"(23/ 496) من طرق عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
أقول: قبيصة هذا لم يرو عنه إلا سماك بن حرب، وقال ابن المديني: مجهول، وكذا قال النسائي، ووثقه العجلي، وابن حبان، وهما من نفس البابة في التوثيق!!
وقد اضطرب فيه سماك، فهو كان روى له مسلم إلا أن له أوهامًا، فقد رواه أحمد (4/ 258 و 377)، والطيالسي (1742 - منحة)، والطبراني في "الكبير"(17/ 251)، وابن حبان (332)، والبيهقي (7/ 379) من طرق عن شعبة عنه، عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم، ومري هذا قال الذهبي: لا يعرف تفرد عنه سماك. =
عما شابه طعام النصارى يقول: لا تشكنَّ فيه، بل دعه؟ فأجابه بجواب عام وخص النصارى دون اليهود لأن النصارى لا يحرمون شيئًا من الأطعمة، بل يبيحون ما دبَّ ودرج من الفيل إلى البعوض.
وسأله صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يَقرُوننا فما ترى؟ فقال: "إن نزلتم بقوم فأَمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوه، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم"(1)، ذكره البخاري.
وعند الترمذي: إِنا نمر بقوم، فلا يضيفوننا، ولا يؤدّون ما لنا عليهم من الحق، ولا نحن نأخذ منهم، فقال:"إن أبوا إلا أن تأخذوا قِرًى فخذوه"(2).
وعند أبي داود: "ليلةُ الضيف حقٌّ على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه محرومًا كان دينًا عليه إن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه"(3)، وعنده أيضًا:"مَنْ نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"(4).
وهو دليل على وجوب الضيافة وعلى أخذ الإنسان نظير حقه ممن هو عليه إذا أبى دفعه، وقد استدل به في مسألة الظفر، ولا دليل فيه لظهور سبب الحق هاهنا، فلا يتهم الآخذ، كما تقدم في قصة هند مع أبي سفيان رضي الله عنهما (5).
وسأله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك رضي الله عنه فقال: الرجل أمرُّ به، فلا يقريني،
= فهذه من تخاليط سماك بن حرب كما رأيت، والحديث يدور على مجهولين!
وقد ذكر الترمذي رحمه الله هذا الخلاف من سماك.
وهذا جزء من حديث، سبق تخريج جزء آخر منه ورقمه الرابع عشر من (الفتاوى في الأطعمة).
(1)
رواه البخاري (2461) في (المظالم): باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه و (6137) في (الأدب): باب حق الضيف، ومسلم (1727) في (اللقطة): باب الضيافة ونحوها، من حديث عقبة بن عامر.
(2)
رواه الترمذي (1593) في (السير): باب ما يحل من أموال أهل الذمة، من طريق قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير عن عقبة بن عامر به، ولفظ آخره عند الترمذي:"إلا أن تأخذوها كرهًا فخذوا".
وقال: هذا حديث حسن، وقد رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب أيضًا.
أقول: هو الحديث السابق.
(3)
و (4) تقدم تخريجهما.
(5)
"حين استأذنت أن تأخذ دون علم أبي سفيان ما يكفيها وأولادها من نفقة، لأن أبا سفيان -كما قالت-: رجل شحيح"(و).