الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم جميع أحكام الحياة والموت]
وقد توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلِّب جناحيه في السماء إلا ذَكَر للأمة منه علمًا، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والركوب والنزول والسفر والإقامة، والصَّمْت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسي والملائكة والجن والنار والجنة ويوم القيامة، وما فيه حتى كأنه رأي عين وعرَّفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله وعرَّفهم الأنبياء وأممهم، وما جَرَى لهم، [وما جرى عليهم](1) معهم حتى كأنهم كانوا بينهم وعرَّفهم من طرق الخير والشر دقيقَها وجليلها ما لم يعرِّفه نبي لأمته قبله، وعرفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت، وما يكون بعده في البرزخ، وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرّف به نبي غيره، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم[من](2) أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة مِنْ بعده اللهم إلا إلى مَنْ يبلّغه إياه ويبينه ويوضح منه ما خفي عليه، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما لو علموه وعَقَلوه (3) ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبدًا، وكذلك عرَّفهم عهو من مكايد إبليس وطرقه التي تأتيهم منها، وما يتحرَّزون به من كيده ومكره، وما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أمور معاشهم (4) ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة.
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برُمَّته، ولم يحوجهم اللَّه إلى أحد سواه فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعةٌ أكمل منها ناقصةٌ تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(3)
في (ك): "وعملوه".
(4)
كذا في (ك)، وفي سائر النسخ:"معايشهم".
هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وَفَّق اللَّه له أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين اكتفوا بما جاء به واستغنوا به عما (1) سواه وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم، وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن (2)، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟ فاللَّه المستعان.
وقد قال اللَّه تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]، وقال تعالى:{وَنَزَّلْنَا (3) عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] وكيف يُشفي ما في الصدور كتاب لا يفي هو وما تبينه السنة بعشر معشار الشريعة؟ أم كيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يستفاد منه اليقين في مسألة واحدة من مسائل معرفة اللَّه وأسمائه وصفاته وأفعاله؟ أو عامتها ظواهر لفظية دلالتها موقوفة على انتفاء عشرة أمور لا يُعلم انتفاؤها، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وياللَّه العجب كيف كان الصحابة رضي الله عنهم والتابعون قبل وضع هذه القوانين التي أتى اللَّه بنيانها من القواعد وقبل استخراج هذه الآراء والمقاييس [والأوضاع؟ أهل كانوا مهتدين مكتفين بالنصوص أم كانوا](4) على خلف ذلك؟ حتى جاء المتأخرون فكانوا أعلم منهم وأهدى وأضبط للشريعة منهم وأعلم باللَّه وأسمائه وصفاته، وما يجب له، و [ما](5) يمتنع عليه منهم؟ فو اللَّه لأن يَلقى اللَّه عبده بكل ذنب ما خلا الإشراك خير من أن يلقاه بهذا الظن الفاسد والاعتقاد الباطل.
(1) في (ط) و (ح): "عما ما سواه" والمثبت من (ك) وسائر النسخ.
(2)
خرجته بتفصيل في تعليقي على "الحنائيات"(رقم 89)، فانظره هناك، وانظر:"ذم الكلام" للهروي (3/ 248 - 249 و 4/ 8 - 9) مع تعليق محققه الشيخ عبد الرحمن الشبل حفظه اللَّه.
(3)
قال (و): "في النسخ المطبوعة: "وأنزلنا" والصواب ما أثبته".
قلت: وهو على الخطأ في (د).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).