الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: نعم، إني لأرى ذلك، كما إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة.
وانظر إلى بيان القدر الذي يكون به مارًا بين يدي المصلي وسترته، وهل للمصلي أن يدرأه عند المرور؟ وحكم ما إذا درأه فمات، وقد قرب المصلي منها في الكبير.
والسنة السادسة عشرة: إنصات مقتد، أي: سكوته لأجل سماع ما يجهر فيه إمامه، وأطلق ليعم الفاتحة وغيرها، ومن يسمعه ومن لم يسمعه، إن لم يسكت إمامه، بل ولو سكت إمامه، أي: كان ممن يسكت بين التكبير والفاتحة كالشافعي، قاله في الذخيرة، وهو أحد قولي مالك، وهو المشهور.
وأشار بـ (لو) لقوله الآخر: إذا كان الإمام ممن يسكت بين التكبير والفاتحة قرأ من خلفه الفاتحة في سكتته.
* * *
[مندوبات الصلاة]
ولما فرغ من السنن ذكر المندوبات.
[قراءة المأموم في السرية: ]
فقال: وندبت قراءة مأموم إن أسر إمامه، وهو لمالك، وله أيضًا: لا يندب له ذلك.
[رفع اليدين: ]
كرفع المصلي يديه مع إحرامه في نقل الأكثر، وعده في الذخيرة من السنن كابن أبي زيد وابن رشد.
ومفهوم المعية: أنه لا يرفعهما عند الركوع، ولا عند الرفع منه على
المشهور، ولا عند القيام من اثنتين، خلافًا لابن وهب (1).
(1) ظاهر كلامه أن ابن وهب منفرد بذلك، وليس كذلك، بل نقل ذلك أيضًا أشهب، قال ابن رشد في البيان (1/ 376): "وأما رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، فمرة كرهه مالك، وهو مذهبه في المدونة ودليل هذه الرواية وما وقع في رسم الصلاة الأول من سماع أشهب من حكاية فعل مالك؛ ومرة استحسنه ورأى تركه واسعًا، وهو قول مالك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب. وروى مثله عنه محمد بن يحيى السبائي؛ ومرة قال: إنه يرفع ولم يذكر في ترك ذلك سعة، وهو قوله في رواية ابن وهب عنه؛ ومرة خيِّر بين الأمرين.
والأظهر ترك الرفع في ذلك، لأن علي بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عمر كانا لا يرفعان أيديهما في ذلك، وهما رويا الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فلم يكونا ليتركا بعد النبي، عليه السلام، ما رويا عنه إلا وقد قامت عندهما الحجة بتركه. وقد روي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم الرفع عند القيام من الجلسة الوسطى وعند السجود والرفع منه، وذهب إلى ذلك بعض العلماء، ولم يأخذ مالك بذلك ولا اختلف قوله فيه، وباللَّه التوفيق".
وقال (1/ 413، وما بعدها): "رفع مالك يديه في افتتاح الصلاة نحو صدره لا يبلغ بهما منكبيه هو نحو قوله في المدونة: إنه يرفعهما في ذلك شيئًا خفيفًا، وله في المختصر أنه يرفعهما حذو منكبيه مثل ما في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومثله في كتاب ابن شعبان.
قال ابن وهب: صليت مع مالك في بيته فرأيته يرفع يديه في أول ركعة، وكان إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه حذو منكبيه، وكان يقول:"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين".
وقال: أكره أن أحمل الجاهل على ذلك، فيقول: إنه من فرض الصلاة.
وقد مضى القول في رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه في رسم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم".
وقال (1/ 470): "وسئل عن الإمام إذا قال سمع اللَّه لمن حمده، أيرفع يديه؟ قال: نعم. يرفع يديه، ويرفع من وراءه أيديهم إذا قالوا سمع اللَّه لمن حمده.
قيل: أيرفع يديه إذا قال سمع اللَّه لمن حمده أم يرجئ ذلك حتى يقول ربنا ولك الحمد؟
فقال: إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وكذلك يفعل من وراءه، وليس رفع الأيدي بلازم، وفي ذلك سعة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبًا في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم، ومضى منه شيء في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته شيء من ذلك". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تحقيق القول في رفع اليدين:
ولما اشتد نكير الأصحاب من المتأخرين على من يرفع يديه فى خفضه ورفعه، ورام بعضهم اتهام من يفعله بما لا يليق، حتى ظن بعض الحمقى ممن يتبع الظاهر أن المذهب المالكي معارض للسنة، آخذ بآراء الرجال، وكان لابن عبد البر وغيره من المحققين من الأصحاب ومن الأحناف كلام نفيس في هذه المسألة رأيت سرده للبيان والتذكير، فأقول: قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 407، وما بعدها): "مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه واذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا وقال: "سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد" وكان لا يفعل ذلك في السجود.
هكذا رواية يحيى لم يذكر الرفع عند الركوع وتابعه من رواة الموطأ جماعة وروته أيضًا جماعة عن مالك فذكرت فيه رفع اليدين عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب وهو الصواب.
وقد ذكرنا في التمهيد من تابع يحيى على روايته كما وصفنا ومن رواه كما ذكرنا بحمد اللَّه.
140 -
وذكر عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة.
قال أبو عمر: معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره - خضوع واستكانة وابتهال وتعظيم للَّه تعالى واتباع لسنة رسوله عليه السلام وليس بواجب والتكبير في كل رفع وخفض أوكد منه، وقد قال بعض العلماء: إنه من زينة الصلاة.
ذكر ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد اللَّه الفهري أن عبد اللَّه بن عمر كان يقول: لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها وعن ابن لهيعة عن ابن عجلان عن النعمان بن أبي عياش كان يقال: لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي عند الافتتاح، وحين يريد أن يركع وحين يريد أن يرفع.
وقال عقبة بن عامر: له بكل إشارة عشر حسنات بكل إصبع حسنة وقد ذكرت الإسناد عن عقبة بن عامر بذلك في التمهيد.
واختلف العلماء في رفع الأيدي في الصلاة وعند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع وعند السجود والرفع منه بعد إجماعهم على جواز رفع الأيدي عند افتتاح الصلاة مع تكبيرة الإحرام.
فقال مالك فيما روى عنه ابن القاسم: يرفع للإحرام عند افتتاح الصلاة ولا يرفع في غيرها.
قال: وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال: إن كان ففي الإحرام.
وهو قول الكوفيين أبي حنيفة وسفيان الئوري والحسن بن حي وسائر فقهاء الكوفة قديمًا وحديثًا وهو قول ابن مسعود وأصحابه والتابعين بها.
وقال أبو عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي: لا أعلم مصرًا من الأمصار تركوا بأجمعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة فكلهم لا يرفع إلا في الإحرام.
وذكر ابن خواز بنداد قال اختلفت الرواية عن مالك في رفع اليدين في الصلاة فمرة قال: يرفع في كل خفض ورفع على حديث بن عمر ومرة قال: لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام، ومرة قال: لا يرفع أصلًا والذي عليه أصحابنا أن الرفع عند الإحرام لا غير.
قال أبو عمر: وحجة من ذهب مذهب ابن القاسم في روايته عن مالك في ذلك حديث ابن مسعود وحديث البراء بن عازب عن النبي عليه السلام أنه كان يرفع عند الإحرام مرة لا يزيد عليها.
وبعض رواتهما يقول: كان لا يرفع في الصلاة إلا مرة، وبعضهم يقول: كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.
وقد ذكرنا الحديثين من طرق في التمهيد وذكرنا العلة عن العلماء فيهما هنا.
وروى أبو مصعب وابن وهب عن مالك أنه كان يرفع يديه إذا أحرم وإذا ركع دياذا رفع من الركوع على حديث بن عمر وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك عن مالك في التمهيد.
ورواه أيضًا عن مالك الوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم وقال ابن عبد الحكم: لم يرو أحد عن مالك مثل رواية: ابن القاسم في رفع اليدين.
قال محمد: والذي آخذ به أن أرفع على حديث ابن عمر.
وذكر أحمد بن سعيد عن أحمد بن خالد قال: كان عندنا جماعة من علمائنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر ورواية من روى ذلك عن مالك وجماعة لا يرفعون إلا في الإحرام على رواية ابن القاسم فما عاب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء.
وسمعت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد اللَّه بن هاشم يقول: كان أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم شيخنا يرفع يديه كلما خفض ورفع على حديث ابن عمر في الموطأ وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علمًا فقلت لأبي عمر: لم لا ترفع فنقتدي بك؟ قال: لا أخالف رواية ابن القاسم لأن الجماعة عندنا اليوم عليها ومخالفة الجماعة فيما أبيح لنا ليست من شيم الأئمة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وأبو ثور وإسحاق ومحمد بن جرير الطبري وجماعة أهل الحديث بالرفع على حديث ابن عمر إلا أن من أهل الحديث من يرفع عند السجود والرفع منه على حديث وائل بن حجر وعن النبي عليه السلام في ذلك.
وقال داود بن علي: الرفع عند تكبيرة الإحرام واجب ركن من أركان الصلاة.
وأختلف أصحابه، فقال بعضهم: الرفع عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه واجب.
وقال بعضهم: لا يجب الرفع عند الإحرام ولا غيره فرضًا لأنه فعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به.
وقال بعضهم: لا يجب الرفع إلا عند الإحرام
وقال بعضهم: هو وأجب كله لقوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
وحجة من رأى الرفع عند الركوع وعند الرفع منه حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام وهو حديث لا مطعن لأحد فيه.
وروى مثل ما روى ابن عمر من ذلك عن النبي عليه السلام نحو ثلاثة عشر رجلًا من الصحابة ذكر ذلك جماعة من أهل العلم بالحديث والمصنفين فيه منهم أبو داود وأحمد بن شعيب والبخاري ومسلم، وأفرد لذلك بابًا أبو بكر أحمد ابن عمرو بن عبد الخالق البصري البزار وصنف فيه كتابًا أبو عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي من كتابه الكبير أكثر فيه من الآثار وطول.
وروي الرفع في الخفض والرفع عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وأبو موسى وأبو سعيد وأبو الدرداء وأنس وابن عباس وجابر.
وروي عن الحسن البصري قال كان أصحاب رسول اللَّه يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح.
ولم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع عند كل خفض ورفع ممن لم يختلف فيه إلا ابن مسعود وحده.
وروى الكوفيون عن علي مثل ذلك وروى عنه المدنيون الرفع من حديث عبد اللَّه بن رافع، وكذلك اختلف عن أبي هريرة فروى عنه أبو جعفر القارئ ونعيم المجمر أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ويكبر في كل خفض ورفع ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول اللَّه.
وروى عنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وهذه الرواية أولى لما فيها من الزيادة.
وأما قوله: أنا أشبهكم صلاة برسول اللَّه؛ فإنما ذكره أبو سلمة وغيره عنه في التكبير =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في كل خفض ورفع على ما يأتي بعد أن شاء اللَّه.
وروي الرفع عند الركوع والرفع منه عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام يطول الكتاب بذكرهم منهم: القاسم بن محمد وسالم والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس ومجاهد ونافع مولى ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وابن أبي نجيح وقتادة والحسن بن مسلم.
وقال بن سيرين: هو من تمام الصلاة.
وقال عمر بن عبد العزيز: إن كنا لنؤدب عليها بالمدينة إذا لم نرفع أيدينا.
وكان عمر بن عبد العزيز أيضًا يقول في ذلك: سالم، قد حفظ عن أبيه، وقد ذكرنا الأسانيد عن كل من ذكرنا بكل ما وصفنا في التمهيد.
وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رأيت معتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وإسماعيل ابن علية يرفعون أيديهم عند الركوع وإذا رفعوا رؤوسهم.
وقيل لأحمد بن حنبل: نرفع عند القيام من اثنتين وبين السجدتين قال: لا أنا أذهب إلى حديث سالم عن أبيه ولا أذهب إلى وائل بن حجر لأنه مختلف في ألفاظه.
قال أبو عمر: قد ذكرنا حديث وائل بن حجر في التمهيد وقد عارضه حديث ابن عمر بقوله: وكان يرفع بين السجدتين.
وقيل لأحمد بن حنبل: يرفع المصلي عند الركوع فقال: نعم ومن يشك في ذلك كان ابن عمر إذا رأى رجلًا لا يرفع يديه حصبه.
قال أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت زيد بن رافع قال سمعت نافعا قال: كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه.
قال أبو عمر: كل من رأى الرفع وعمل به من العلماء لا يبطل صلاة من لم يرفع إلا الحميدي وبعض أصحاب داود ورواية عن الأوزاعي.
وذكر الطبري قال: حدثنا العباس بن الوليد بن زيد عن أبيه عن الأوزاعي قال: بلغنا أن من السنة فيما أجمع عليه علماء أهل الحجاز والبصرة والشام أن رسول اللَّه عليه السلام كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة وحين يكبر للركوع وحين يرفع رأسه منه إلا أهل الكوفة فإنهم خالفوا في ذلك أمتهم.
قيل للأوزاعي: فإن نقص من ذلك شيئًا. قال: ذلك نقص من صلاته.
قال أبو عمر: قد صح عن النبي عليه السلام من حديث أبي هريرة وحديث رفاعة بن رافع في الذي أمره أن يعيد صلاته فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ثم علمه فرائض الصلاة دون سننها قال له: "إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضؤ واستقبل القبلة وكبر ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تطمئن رافعًا، ثم اسجد حتى تطمئن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا" الحديث، فلم يأمره برفع اليدين ولا من التكبير إلا بتكبيرة الإحرام وعلمه الفرائض في الصلاة وسنبين هذا فيما بعد أن شاء اللَّه.
فلا وجه لمن جعل صلاة من لم يرفع ناقصة ولا لمن أبطلها مع اختلاف الآثار في الرفع عن النبي عليه السلام، واختلاف الصحابة ومن بعدهم واختلاف أئمة الأمصار في ذلك، والفرائض لا تثبت إلا بما لا مدفع له ولا مطعن فيه.
وقول الحميدي ومن تابعه شذوذ عند الجمهور وخطأ لا يلتفت أهل العلم إليه، وقد أوضحنا معاني هذا الباب وبسطناها فى التمهيد والحمد للَّه.
واختلفت الآثار عن النبي عليه السلام في كيفية رفع اليدين في الصلاة فروي عنه أنه كان يرفع يديه مدًا فوق أذنيه مع رأسه روي عنه أنه كان يرفع يديه حذو أذنيه وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه.
وروي عنه أنه كان يرفعها إلى صدره، وكلها آثار معروفة مشهورة وأثبت ما في ذلك حديث ابن عمر هذا وفيه:"حذو منكبيه" وعليه جمهور التابعين وفقهاء الأمصار وأهل الحديث.
141 -
وقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الإحرام حذو منكبيه وفي غير الإحرام دون ذلك قليلًا.
وكل ذلك واسع حسن وابن عمر روى الحديث وهو أعلم بمخرجه وتأويله وكل ذلك معمول عند العلماء به".
وأدلة عدم الرفع من المدونة (1/ 166) هي:
" [1] قال وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم عن عبد الرحمن بن الأسود وعلقمة قالا: قال عبد اللَّه بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فصلى ولم يرفع يديه إلا مرة.
[2]
قال وكيع: عن ابن أبي ليلى عن عيسى أخيه والحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفعها حتى ينصرف.
[3]
قال وكيع: عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قطاف النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود.
قال: وكان قد شهد معه صفين.
[4]
وكان أصحاب ابن مسعود يرفعون في الأولى ثم لا يعودون وكان إبراهيم النخعي يفعله".
وللحافظ جمال الدين الزيلعي تحقيق نفيس للمسألة، فأتى على ذكرها فقهًا وحديثًا، وأجاب جوابًا شافيًا عما هو حاصل الآن بين الفريقين، فقال -رحمه اللَّه تعالى- في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= نصب الراية (1/ 309، وما بعدها): "الحديث الرابع: روى أبو حميد الساعدي، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه، قلت: رواه الجماعة إلا مسلمًا من حديث محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: منهم أبو قتادة، قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولم؟ ! فواللَّه ما كنت بأكثرنا له تبعة، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل، فلا يصب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول: "سمع اللَّه لمن حمده"، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلًا، ثم يقول: اللَّه أكبر، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه، ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يقول: "اللَّه أكبر"، ويرفع، ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى، وقعد متوركا على شقه الأيسر، قالوا: صدقت، هكذا كان يصلي. انتهى. أخرجوه مختصرًا ومطولًا، وضعفه الطحاوي بما سيأتي في حديث رفع اليدين، وفي الجلوس.
ومن أحاديث الباب: ما أخرجه الأئمة الستة عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع من السجدتين. انتهى.
قال في الكتاب: وهذا محمول على حالة العذر.
قال الطحاوي في شرح الآثار: إنما كان رفعهم الأيدي إلى المناكب لعلة البرد، بدليل أن وائل بن حجر لما روى الرفع إلى الأذنين، قال في حديثه: ثم أتيته من العام المقبل، وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم إلى المناكب، قال: فتحمل أحاديث المناكب على حالة العذر، وتتفق الآثار بذلك، واللَّه أعلم. .
الحديث التاسع والثلاثون: يوجد في بعض نسخ الهداية -للشافعي- ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، قلت: أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد اللَّه بن عمر، قال: كان رسول اللَّه إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم كبر، فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، فإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يفعله حين يرفع رأسه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من السجود. انتهى.
قال البخاري في كتابه المفرد في رفع اليدين: وروي عن أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا في التكبيرة الأولى.
قال ابن معين: إنما هو توهم لا أصل له، أو هو محمول على السهو، كبعض ما يسهو الرجل في صلاته، ولم يكن ابن عمر يدع ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما رواه عن ابن عمر مثل طاوس. وسالم. ونافع. ومحارب بن دثار. وأبي الزبير أنه كان يرفع يديه، فلو صحت رواية مجاهد لكانت رواية هؤلاء أولى، ثم أخرج روايات هؤلاء المذكورين: أن ابن عمر كان يرفع يديه في الصلاة، واللَّه أعلم.
أحاديث أصحابنا: منها حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما لي أراكم رافعي أيديكم، كانها أذناب خيل شمس؟ ! اسكنوا في الصلاة"، أخرجه مسلم واعترضه البخاري في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين، فقال: وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، قال: دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونحن نرفع أيدينا في الصلاة، فقال:"ما لي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شمس؟ ! اسكنوا في الصلاة"، وهذا إنما كان في التشهد لا في القيام، ففسره رواية عبد اللَّه ابن القبطية، قال: سمعت جابر بن سمرة، يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام عليكم. السلام عليكم، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال:"ما بال هؤلاء يومنون بأيديهم، كأنه أذناب خيل شمس؟ ! ، إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم ليسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله". انتهى.
وهذا قول معروف لا اختلاف فيه، ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضًا منهيًا عنه، لأنه لم يستثن رفعًا دون رفع، بل أطلق. انتهى. كلامه. ورواية عبد اللَّه ابن القبطية هذه أخرجه مسلم أيضًا، وفي لفظ النسائي، قال:"ما بال هولاء يسلمون بأيديهم، كأنها أذناب خيل شمس؟ ! "، الحديث.
ولقائل أن يقول: إنهما حديثان لا يفسر أحدهما بالآخر، كما جاء في لفظ الحديث الأول: دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإذا الناس رافعي أيديهم في الصلاة، فقال:"ما لي أراكم رافعي أيديكم، كأنه أذناب خيل شمس؟ ! اسكنوا في الصلاة"، والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة، إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه أثناء الصلاة، وهو حالة الركوع والسجود، ونحو ذلك، هذا هو الظاهر، والراوي روى هذا في وقت، كما شاهده، وروى الآخر في وقت آخر، كما شاهده، وليس في ذلك بعد، واللَّه أعلم.
حديث آخر: أخرجه أبو داود، والترمذي عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة. انتهى.
وفي لفظ: فكان يرفع يديه أول مرة، ثم لا يعود، قال الترمذي: حديث حسن. انتهى. وأخرجه النسائي عن ابن المبارك عن سفيان به.
قال الشيخ تقي الدين في الإمام: وعاصم بن كليب أخرج له مسلم، وعبد الرحمن بن الأسود أيضًا أخرج له مسلم، وهو تابعي، وثقه ابن معين، وعلقمة، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به. انتهى.
واعترض على هذا الحديث بأمور: -منها ما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك، قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من الركعتين، ورواه الدارقطني، ثم البيهقي في سننهما وذكره المنذري في مختصر السنن. ثم قال: وقال غير ابن المبارك: لم يسمع عبد الرحمن من علقمة. انتهى.
ومنها تضعيف عاصم بن كليب، نقل البيهقي في سننه عن أبي عبد اللَّه الحاكم أنه قال: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه الصحيح، وكان يختصر الأخبار فيؤديها بالمعنى، وهذه اللفظة، ثم لا يعود غير محفوظة في الخبر. انتهى.
والجواب؛ أما الأول: فقال الشيخ في الإمام: وعدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه، وهو يدور على عاصم بن كليب، وقد وثقه ابن معين، كما قدمناه.
قال: وقول شيخنا أبي محمد المنذري: وقال غيره: لم يسمع عبد الرحمن من علقمة، فغير قادح أيضًا، فإنه عن رجل مجهول، وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في مراسيله، وإنما ذكره في كتاب الجرح والتعديل، فقال: وعبد الرحمن بن الأسود، دخل على عائشة، وهو صغير، ولم يسمع منها، وروى عن أبيه. وعلقمة، ولم يقل: إنه مرسل، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال: إنه مات سنة تسع وتسعين، وكان سنه سن إبراهيم النخعي، فإذا كان سنه سن النخعي، فما المانع من سماعه عن علقمة، مع الاتفاق على سماع النخعي منه؟ ! ومع هذا كله، فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب المتفق والمفترق -في ترجمة عبد الرحمن هذا-، أنه سمع أباه. وعلقمة. انتهى.
وقال ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام: ذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: حديث وكيع لا يصح، والذي عندي أنه صحيح، وإنما المنكر فيه على وكيع زيادة: ثم لا يعود، وقالوا: إنه كان يقولها من قبل نفسه، وتارةً لم يقلها، وتارةً أتبعها الحديث، كأنها من كلام ابن مسعود، وكذلك قال الدارقطني: إنه حديث صحيح، إلا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هذه اللفظة، وكذلك قال أحمد بن حنبل. وغيره، وقد اعتنى الإمام محمد بن نصر المروزي بتضعيف هذه اللفظة في كتاب رفع اليدين. انتهى. كلامه. قلت: قد تابِع وكيعًا على هذه اللفظة عبد اللَّه بن المبارك، كما رواه النسائي، وقد قدمناه، وأيضًا، فغير ابن القطان ينسب الوهم فيها لسفيان الثوري لا لوكيع، قال البخاري في كتابه -في رفع اليدين-: ويروى عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب، فذكره بسنده ومتنه، قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم: نظرت في كتاب عبد اللَّه بن إدريس عن عاصم بن كليب، فلم أجد فيه: ثم لم يعد.
قال البخاري: وهذا أصح، لأن الكتاب أثبت عند أهل العلم. انتهى.
فجعل الوهم فيه من سفيان، لأن ابن إدريس خالفه، وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد اللَّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر، فرفع يديه، ثم لم يعد، فقال أبي: هذا خطأ، يقال: وهم فيه الثوري، فقد رواه جماعة عن عاصم، وقالوا كلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه، ثم ركع، فطبق، وجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحمد ما روى الثوري. انتهى. فالبخاري. وأبو حاتم جعلا الوهم فيه من سفيان. وابن القطان، وغيره يجعلون الوهم فيه من وكيع، وهذا اختلاف يؤدي إلى طرح القولين، والرجوع إلى صحة الحديث لوروده عن الثقات، وأما الثاني: وهو تضعيف عاصم، فقد قدمنا أنه من رجال الصحيح، وأن ابن معين، قال فيه: ثقة، كما ذكره الشيخ في الإمام.
قال الشيخ: وقول الحاكم: إن حديثه لم يخرج في الصحيح، فغير صحيح، فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة عن علي في الهدي، وحديثه عنه عن علي: نهاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أن أجعل خاتمي في هذه. والتي يليها، وغير ذلك، وأيضًا فليس من شرط الصحيح التخريج عن كل عدل، وقد أخرج هو في المستدرك عن جماعة لم يخرج لهم في الصحيح، وقال: هو على شرط الشيخين، وإن أراد بقوله: لم يخرج حديثه في الصحيح، أي: هذا الحديث، فليس ذلك بعلة، وإلا لفسد عليه مقصوده كله من كتابه المستدرك. انتهى.
طريق آخر للحديث أخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في سننهما. وابن عدي في الكامل عن محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه، قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وأبي بكر. وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة، قال الدارقطني: تفرد به محمد بن جابر، وكان ضعيفًا عن حماد عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد اللَّه من فعله غير مرفوع، وهو الصواب.
وقال البيهقي في سننه: وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي سليمان عن إبراهيم عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن مسعود مرسلًا، وهذه الرواية أخرجها البيهقي في الخلافيات بسنده عن إبراهيم أن ابن مسعود كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع بعد ذلك.
قال الحاكم: وهذا هو الصحيح، وإبراهيم لم ير ابن مسعود، والحديث منقطع، ومحمد بن جابر تكلم فيه أئمة الحديث، وأحسن ما قيل فيه: إنه يسرق الحديث من كلم من يذاكره، حتى كثرت المناكير والموضوعات في حديثه.
قال الشيخ: أما قوله: إنه كان يسرق الحديث من كل من يذاكره، فالعلم بهذه الكلية متعذر، وأما إن ذلك أحسن ما قيل فيه، فأحسن منه قول ابن عدي: كان إسحاق بن أبي إسرائيل يفضل محمد بن جابر على جماعة شيوخ هم أفضل منه، وأوثق، وقد روى عنه من الكبار: أيوب. وابن عون. وهشام بن حسان. والثوري. وشعبة. ابن عيينة. وغيرهم، ولولا أنه في ذلك المحل لم يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خولف في أحاديث، ومع ما تكلم فيه فهو ممن يكتب حديثه، وممن تكلم فيه البخاري، قال فيه: ليس بالقوي، وقال ابن معين: ضعيف. انتهى.
ومن الناس القائلين بالرفع من سلك في حديث ابن مسعود هذا مسلك البحث والمناظرة، فقال: يجوز أن يكون ابن مسعود نسي الرفع في غير التكبيرة الأولى، كما نسي في التطبيق. وغيره، واستبعد أصحابنا هذا مثل ابن مسعود، واحتجوا بحديث أخرجه الدارقطني في سننه والطحاوي في شرح الآثار عن حصين بن عبد الرحمن، قال: دخلنا على إبراهيم النخعي فحدثه عمرو بن مرة، قال: صلينا في مسجد الحضرميين، فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، يرفع يديه حين يفتتح، وإذا ركع، وإذا سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إلا ذلك اليوم الواحد، فحفظ عنه ذلك، وعبد اللَّه بن مسعود لم يحفظه، إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة. انتهى.
ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، ولفظه: أحفظ وائل، ونسي ابن مسعود؟ ! ورواه الطحاوي في شرح الآثار، وزاد فيه: فإن كان رآه مرة يرفع، فقد رآه خمسين مرة لا يرفع. انتهى. ذكر هذا الكلام كله ابن الجوزي في التحقيق.
قال صاحب التنقيح: قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق، هذه علة لا يساوى سماعها، لأن رفع اليدين قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن الخلفاء الراشدين، ثم الصحابة والتابعين، وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد، وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه، كالتطبيق، ونسي كيف قيام الاثنين خلف الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم:" {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} "، وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين.
وقال البخاري في كتابه -في رفع اليدين-: كلام إبراهيم هذا ظن منه، لا يرفع به رواية وائل، بل أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكذلك رأى أصحابه غير مرة يرفعون أيديهم، كما بينه زائدة، فقال: حدثنا عاصم ثنا أبي عن وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فرفع يديه في الركوع، وفي الرفع منه، قال: ثم أتيتهم بعد ذلك، فرأيت الناس في زمان برد، عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم من تحت الثياب. انتهى.
وقال البيهقي في المعرفة: قال الشافعي: الأولى أن يؤخذ بقول وائل، لأنه صحابي جليل، فكيف يرد حديثه بقول رجل ممن هو دونه، وخصوصًا، وقد رواه معه عدد كثير. انتهى.
حديث آخر أخرجه أبو داود عن شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود. انتهى.
قال أبو داود: رواه هشيم. وخالد. وابن إدريس عن يزيد، لم يذكروا فيه: ثم لا يعود. انتهى. قال الشيخ في الإمام: واعترض عليه بأمور؛ أحدها: إنكار هذه الزيادة على شريك، وزعموا أن جماعة رووه عن يزيد، فلم يذكروها، قال الشيخ: وقد توبع شريك عليها، كما أخرجه الدارقطني عن إسماعيل بن زكريا ثنا يزيد بن أبي زياد به، نحوه وأنه كان تغير بآخره، وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة، كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد.
قال: لا أحفظ هذا، ثم عاودته، فقال: لا أحفظه.
وقال البيهقي: سمعت الحاكم أبا عبد اللَّه يقول: يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ، فلما كبر ساء حفظه، فكان يقلب الأسانيد، ويزيد في المتون، ولا يميز، وقال الحاكم، ثم البيهقي عنه، بسنده عن أحمد بن حنبل، قال: هذا حديث واه قد كان يزيد بن أبي زياد يحدث به برهة من دهره، فلا يذكر فيه: ثم لا يعود، فلما لقن أخذه، فكان يذكره فيه.
قال الشيخ: ويزيد بن أبي زياد معدود في أهل الصدق، كوفي، يكنى أبا عبد اللَّه، ذكر أبو الحارث القروي، قال أبو الحسن: يزيد بن أبي زياد، جيد الحديث، وذكر مسلم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في مقدمة كتابه صنفًا، فقال فيهم: إن الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب. ويزيد بن أبي زياد. وليث بن أبي سليم. الأمر الثاني: المعارضة برواية إبراهيم بن يسار عن سفيان ثنا يزيد بن أبي زياد -بمكة- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
قال سفيان: فلما قدمت الكوفة سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود، فظننتهم لقنوه، رواه الحاكم، ثم البيهقي عنه.
قال الحاكم: لا أعلم أحدًا ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن عيينة غير إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو ثقة، من الطبقة الأولى، من أصحاب ابن عيينة، جالس ابن عيينة نيفًا وأربعين سنة.
ورواه البخاري في كتابه في رفع اليدين: حدثنا الحميدي ئنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد بمثل لفظ الحاكم.
قال البخاري: وكذلك رواه الحفاظ ممن سمع يزيد قديمًا: منهم شعبة. والثوري. وزهير، وليس فيه: ثم لم يعد. انتهى.
وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: يزيد بن أبي زياد كان صدوقًا، إلا أنه لما كبر تغير، فكان يلقن، فيتلقن، فسماع من سمع منه قبل دخوله الكوفة في أول عمره سماع صحيح، وسماع من سمع منه في آخر قدومه الكوفة ليس بشيء. انتهى.
طريق آخر لحديث البراء، أخرجه أبو داود عن وكيع عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف. انتهى.
قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيح، وكأنه ضعفه بمحمد بن أبي ليلى، وذكره البخاري في كتابه - في رفع اليدين معلقًا، لم يصل سنده به.
ثم قال: وإنما روى ابن أبي ليلى، هذا من حفظه، فأما من روى عن ابن أبي ليلى من كتابه، فإنما حدث عنه عن يزيد بن أبي زياد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد، والمحفوظ ما روى عنه الثوري. وشعبة. وابن عيينة، قديمًا، ليس فيه: ثم لم يرفع. انتهى.
وقال الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ: الوجه التاسع عشر: أن يكون أحد الروايتين لم يضطرب لفظه، فترجح خبره على خبر من اضطرب لفظه، لأنه يدل على ضبطه نحو حديث ابن عمر أنه عليه السلام كان يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، واذا رفع، فإنه يروى عن ابن عمر من غير وجه، ولم يختلف عليه فيه، فهو أولى بالمصير من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حديث البراء بن عازب: أنه عليه السلام كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود، لأنه يعرف بيزيد بن أبي زياد، وهو قد اضطرب فيه.
قال سفيان بن عيينة: كان يزيد بن أبي زياد يروي هذا الحديث، ولا يقول فيه: ثم لا يعود، ثم دخلت الكوفة فرأيته يرويه وقد زاد فيه: ثم لا يعود، لقنوه، فتلقن، . انتهى.
قال البيهقي في المعرفة: ويدل على أنه تلقنها، أن أصحابه القدماء لم يؤثروها عنه، مثل سفيان الثوري. وشعبة. وهشيم. وزهير. وغيرهم، وإنما أتى بها عنه من سمع منه بآخره، وكان قد تغير واختلط، وابن أبي زياد ضعفه ابن معين، وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن عن البراء. ومحمد بن أبي ليلى أضعف عند أهل الحديث من ابن أبي زياد، واختلف عليه في إسناده، فقيل هكذا، وقيل: عنه عن الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى، وقيل: عنه عن يزيد بن أبي زياد عن ابن ليلى، فعاد الحديث إلى يزيد.
قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: كان أبي ينكر حديث الحكم، وعيسى، ويقول: إنما هو حديث يزيد بن أبي زياد، وابن أبي ليلى سيِّئ الحفظ. وابن أبي زياد ليس بالحافظ. انتهى.
حديث آخر، أخرجه البيهقي في الخلافيات عن عبد اللَّه بن عون الخراز ثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه، إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود. انتهى.
قال البيهقي: قال الحاكم: هذا باطل موضوع، ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح، فقد روينا بالأسانيد الصحيحة عن مالك بخلاف هذا، ولم يذكر الدارقطني هذا في غرائب حديث مالك قال الشيخ: والخراز هذا بخاء معجمة، بعدها راء مهملة، آخره زاي معجمة.
حديث آخر، أخرجه البيهقي في الخلافيات أيضًا، أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن محمد بن إسحاق عن الحسن بن الربيع عن حفص بن غياث عن محمد بن أبي يحيى عن عباد بن الزبير: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة، ثم لم يرفعها في شيء حتى يفرغ. انتهى.
قال الشيخ في الإمام: وعباد هذا تابعي، فهو مرسل. انتهى.
حديث آخر، حديث:"لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن"، وقد تقدم الكلام عليه.
حديث آخر، ذكر الحاكم أبو عبد اللَّه في كتاب المدخل إلى معرفة الإكليل في ذكر المجروحين تحت ترجمة جماعة وضعوا الحديث في الوقت لحاجتهم إليه.
قال: وقيل لمحمد بن عكاشة الكرماني: إن قومًا يرفعون أيديهم في الركوع، وبعد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رفع الرأس من الركوع، فقال: حدثنا المسيب بن واضح ثنا عبد اللَّه بن المبارك عن يونس بن زيد عن الزهري عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من رفع يديه في الركوع، فلا صلاة له". انتهى. قال الحاكم: فكل من رزقه اللَّه فهما في نوع من العلم، وتأمل هذه الأحاديث علم أنها موضوعة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. انتهى. وهذا الحديث رواه ابن الجوزي بإسناده في الموضوعات عن محمد بن عكاشة به، ثم نقل عن الدارقطني أنه قال: محمد بن عكاشة هذا كان يضع الحديث، ثم رواه ابن الجوزي من حديث المأمون بن أحمد السلمي ثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له". انتهى.
وكذلك رواه في كتاب التحقيق، ونقل في الكتابين عن ابن حبان أنه قال: مأمون هذا كان دجالًا من الدجاجلة، قال ابن الجوزي: وما أبله من وضع هذه الأحاديث الباطلة لتقاوم بها الأحاديث الصحيحة، فقد روى الرفع من الصحابة جماعة كثيرون، وسمى ستة وعشرين رجلًا، قال: ومن لم يكن الحديث صناعته لم ينكر عليه الاحتجاج بالأباطيل. انتهى.
الآثار في ذلك: روى الطحاوي، ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش عن عبد الملك بن أبجر عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود، قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود.
قال: ورأيت إبراهيم. والشعبي يفعلان ذلك.
قال الطحاوي: فهذا عمر لم يكن يرفع يديه أيضًا إلا في التكبيرة الأولى، والحديث صحيح، فإن مداره على الحسن بن عياش، وهو ثقة حجة، ذكر ذلك يحيى بن معين عنه. انتهى.
واعترضه الحاكم: بأن هذه رواية شاذة لا يقوم بها حجة، ولا تعارض بها الأخبار الصحيحة عن طاوس بن كيسان عن ابن عمر أن عمر كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه، وروى هذا الحديث سفيان الثوري عن الزبير بن عدي به، ولم يذكر فيه: لم يعد، ثم رواه الحاكم، وعنه البيهقي بسنده عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود أن عمر كان يرفع يديه في التكبير. انتهى. قال الشيخ: وما ذكره الحاكم فهو من باب ترجيح رواية لا من باب التضعيف، وأما قوله: إن سفيان لم يذكر عن الزبير بن عدي فيه: لم يعد، فضعيف جدًا، لأن الذي رواه سفيان في مقدار الرفع، والذي رواه الحسن بن عياش في محل الرفع، ولا تعارض بينهما، ولو كانا في محل واحد لم تعارض رواية من زاد برواية من ترك، والحسن بن عياش أبو محمد هو أخو أبي بكر بن عياش. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال فيه ابن معين: ثقة، هكذا رواه ابن أبي خيثمة عنه.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: الحسن. وأخوه أبو بكر بن عياش كلاهما من أهل الصدق والأمانة، وقال ابن معين: كلاهما عندي ثقة.
أثر آخر أخرجه الطحاوي عن أبي بكر النهشلي ثنا عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا رضي الله عنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يعود يرفع. انتهى. وهو أثر صحيح.
قال البخاري في كتابه في رفع اليدين: وروى أبو بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا رفع يديه في أول التكبيرة، ثم لم يعد، وحديث عبيد اللَّه بن أبي رافع أصح. انتهى. فجعله دون حديث عبيد اللَّه بن أبي رافع في الصحة، وحديث ابن أبي رافع صححه الترمذي. وغيره، وسيأتي في أحاديث الخصوم.
وقال الدارقطني في علله: واختلف على أبي بكر النهشلي فيه، فرواه عبد الرحيم بن سليمان عنه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم في رفعه، وخالفه جماعة من الثقات: منهم عبد الرحمن بن مهدي. وموسى بن داود. وأحمد بن يونس. وغيرهم، فرووه عن أبي بكر النهشلي موقوفًا على علي، وهو الصواب، وكذلك رواه محمد بن أبان عن عاصم موقوفًا. انتهى. فجعله الدارقطي موقوفًا صوابًا، واللَّه أعلم.
أثر آخر أخرجه البيهقي عن سوار بن مصعب عن عطية العوفي أن أبا سعيد الخدري. وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبران، ثم لا يعودان. انتهى. قال البيهقي: قال الحاكم: وعطية سيِّئ الحال، وسوار أسوأ حالًا منه، وأسند البيهقي عن البخاري أنه قال: سوار بن مصعب منكر الحديث، وعن ابن معين أنه غير محتج به.
أثر آخر أخرجه الطحاوي في شرح الآثار عن إبراهيم النخعي، قال: كان عبد اللَّه بن مسعود لا يرفع يديه في شيء من الصلوات، إلا في الافتتاح. انتهى.
قال الطحاوي: فإن قالوا: إن إبراهيم عن عبد اللَّه غير متصل، قيل لهم: كان إبراهيم لا يرسل عن عبد اللَّه إلا ما صح عنده وتواترت به الرواية عنه، كما أخبرنا، وأسند عن الأعمش أنه قال لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد اللَّه، فأسند، قال: إذا قلت لك: قال عبد اللَّه: فاعلم أني لم أقله حتى حدثنيه جماعة عنه، وإذا قلت لك: حدثني فلان عن عبد اللَّه، فهو الذي حدثني وحده عنه، قال: ومذهبنا أيضًا قوي من جهة النظر، فإنهم أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع، وأن التكبيرة بين السجدتين لا رفع بينهما، وأختلفوا في تكبيرة الركوع. وتكبيرة الرفع منه، فألحقهما قوم بالتكبيرة الأولى، وألحقهما قوم بتكبيرة السجدتين، ثم إنا رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة لا تصح بدونها الصلاة، والتكبيرة بين السجدتين ليست بذلك، ورأينا تكبيرة الركوع =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والنهوض ليستا من صلب الصلاة، فألحقناهما بتكبيرة السجدتين، واللَّه أعلم. انتهى. كلامه.
أحاديث الخصوم: منها حديث ابن عمر أخرجه البخاري. ومسلم عن سالم عن أبيه، ولفظ البخاري: قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، وحين يرفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود. انتهى.
ولفظ مسلم: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، وحين يرفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود. انتهى.
ولفظ مسلم: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم كبر، وإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود. انتهى.
وقوله فيه: ثم كبر، ليست عند البخاري، قال ابن عبد البر في التمهيد: هذا الحديث أحد الأحاديث الأربعة التي رفعها سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ووقفها نافع عن ابن عمر: فمنها ما جعله من قول ابن عمر. ومنها ما جعله عن ابن عمر عن عمر، والقول فيها قول سالم، ولم يلتفت الناس فيها إلى نافع، فهذا أحدها.
والثاني: حديث "من باع عبدا وله مال".
والثالث: حديث: "الناس كإبل مائة".
والرابع: حديث "فيما سقت السماء والعيون العشر".
قال الشيخ في الإمام: وقد جاء هذا الحديث مرفوعًا من جهة حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ومن جهة إبراهيم بن طهمان عن أيوب السختياني عن نافع به مرفوعًا أيضًا، رواهما البيهقي في سننه. انتهى.
وأخرجه البخاري عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثنا عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر، فذكره، وزاد فيه: وإذا قام من الركعتين رفع يديه.
قال الشيخ في الإمام: قال الإسماعيلي في كتابه: هكذا يقوله عبد الأعلى، وأومأ إلى أنه أخطأ، قالوا: خالفه ابن إدريس. وعبد الوهاب. والمعتمر عن عبيد اللَّه عن نافع، فذكره من فعل ابن عمر. انتهى.
وقال أبو داود بعد تخريج رواية عبد الأعلى هذه: والصحيح أنه من قول ابن عمر، وليس بمرفوع، ورواه البيهقي عن عبيد اللَّه أيضًا، فوقفه على ابن عمر، وهو الصحيح.
قال الشيخ في الإمام: وعن هذا جوابان:
أحدهما: الرجوع إلى الطريقة الفقهية والأصولية في قبول زيادة العدل الثقة إذا تفرد بها، وعبد الأعلى من الثقات المتفق على الاحتجاج بهم في الصحيح.
الثاني: أن عبد الأعلى لم ينفرد بها، فإن البيهقي لما ذكره في الخلافيات، قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الأعلى هكذا، وتابعه معتمر عن عبيد اللَّه بن عمر نحوه، ثم أخرج رواية معتمر، وأخرج النسائي رواية معتمر في سننه نحو البيهقي.
ثم قال: وقوله: إذا قام من الركعتين لم يذكره عامة الرواة عن الزهري، وعبيد اللَّه ثقة، ولعل الخطأ من غيره. انتهى.
واعلم أن حديث ابن عمر هذا رواه مالك في موطئه عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان لا يفعل ذلك في السجود. انتهى. لم يذكر فيه الرفع في الركوع، هكذا وقع في رواية يحيى بن يحيى، وتابعه على ذلك جماعة من رواة الموطأ: منهم يحيى بن بكير. والقعنبي. وأبو مصعب. وابن أبي مريم. وسعيد بن عفير، ورواه ابن وهب. وابن القاسم. ومعن بن عيسى. وابن أبي أويس عن مالك، فذكروا فيه الرفع في الركوع، وكذلك رواه جماعة من أصحاب الزهري عن الزهري، وهو الصواب، ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر في كتاب التقصي.
وقال في التمهيد: وذكر جماعة من أهل العلم أن الوهم في إسقاط الرفع من الركوع إنما وقع من جهة مالك، فإن جماعة حفاظًا رووا عنه الوجهين جميعًا. انتهى.
وكذلك قال الدارقطني في غرائب مالك: إن مالكًا لم يذكر في الموطأ الرفع عند الركوع، وذكره في غير الموطأ، حدث به عشرون نفرًا من الثقات الحفاظ: منهم محمد بن الحسن الشيباني. ويحيى بن سعيد القطان. وعبد اللَّه بن المبارك. وعبد الرحمن بن مهدي. وابن وهب. وغيرهم، ثم أخرج أحاديثهم عن عشرين رجلًا.
قال: وخالفهم جماعة من رواة الموطأ، فرووه عن مالك، وليس فيه الرفع في الركوع: منهم الإمام الشافعي. والقعنبي. ويحيى بن يحيى. ويحيى بن بكير. ومعن بن عيسى. وسعيد بن أبي مريم. وإسحاق الحنيني، وغيرهم، واللَّه أعلم، واعترض الطحاوي في شرح الآثار حديث ابن عمر هذا، فقال: وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، ثم أسند عن أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد، قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة، قال: فلا يكون هذا من ابن عمر إلا وقد ثبت عنده نسخ ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، قال: فإن قيل: فقد روى طاوس عن ابن عمر خلاف ما رواه مجاهد، قلنا: كان هذا قبل ظهور الناسخ. انتهى.
وأجاب البيهقي في كتاب المعرفة، فقال: وحديث أبي بكر بن عياش هذا أخبرناه أبو عبد اللَّه الحافظ، فذكره بسنده، ثم أسند عن البخاري أنه قال: أبو بكر بن عياش اختلط بآخره، وقد رواه الربيع. وليث. وطاوس. وسالم. ونافع. وأبو الزبير. ومحارب بن دثار. وغيرهم، قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر. وإذا رفع، وكان =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يرويه أبو بكر بن عياش قديمًا عن حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلًا موقوفًا: أن ابن مسعود كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يرفعهما بعد، وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر ابن عياش، والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب ابن عمر، قال الحاكم: كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ المتقنين، ثم اختلط حين نسي حفظه، فروى ما خولف فيه، فكيف يجوز دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف؟ !
أو نقول: إنه ترك مرة للجواز، إذ لا يقول بوجوبه، ففعله يدل على أنه سنة، وتركه يدل على أنه غير واجب. انتهى.
قال الشيخ في الإمام: ويزيل هذا التوهم يعني دعوى النسخ ما رواه البيهقي في سننه من جهة ابن عبد اللَّه بن حمدان الرقي ثنا عصمة بن محمد الأنصاري ثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان لا يفعل ذلك في السجود، فما زالت تلك صلاته حتى لقي اللَّه تعالى. انتهى. رواه عن أبي عبد اللَّه الحافظ عن جعفر بن محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن قريش بن خزيمة الهروي عن عبد اللَّه بن أحمد الدمجي عن الحسن به.
حديث آخر، أخرجه البخاري. ومسلم عن مالك بن الحويرث، واللفظ لمسلم: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع. انتهى.
حديث آخر، أخرجه البخاري عن أبي عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: منهم أبو قتادة، قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا ركع كبر ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه، فإذا رفع كبر ورفع يديه يحاذي بهما منكبيه، وفيه: ثم إذا قام من الركعتين كبر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، الحديث، وفي آخره: فقالوا جميعًا: صدقت، وقد تقدم بتمامه في أول الباب.
واعترضه الطحاوي في شرح الآثار، فقال: هذا الحديث لم يسمعه محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد ولا من أحد ذكر مع أبي حميد، وبينهما رجل مجهول، ومحمد بن عمرو ذكر في الحديث أنه حضر أبا قتادة، وسنه لا يحتمل ذلك، فإن أبا قتادة قتل قبل ذلك بدهر طويل، لأنه قتل مع علي، وصلى عليه علي، وقد رواه عطاف بن خالد عن محمد بن عمرو، فجعل بينهما رجلًا، ثم أخرجه عن يحيى. وسعيد بن أبي مريم ثنا عطاف بن خالد حدثني محمد بن عمرو بن عطاء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حدثني رجل: أنه وجد عشرة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جلسوا، فذكر نحو حديث أبي عاصم، سواء.
قال: فإن ذكروا ضعف عطاف، قيل لهم: وأنتم أيضًا تضعفون عبد الحميد بن جعفر أكثر من تضعيفكم لعطاف، مع أنكم لا تطرحون حديث عطاف كله، وإنما تصححون قديمه وتتركون حديثه، هكذا ذكره ابن معين في كتابه. وابن أبي مريم سماعه من عطاف قديم جدًا. وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعًا لمحمد بن عمرو من أبي حميد، إلا عبد الحميد، وهو عندكم أضعف، ثم أخرج عن عيسى بن عبد الرحمن بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء، أحد بني مالك عن عباس بن سهيل الساعدي، وكان في مجلس فيه أبو سهيل بن سعيد الساعدي. وأبو حميد. وأبو هريرة. وأبو أسيد، فتذكروا الصلاة، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الحديث، وليس فيه: فقالوا: صدقت.
قال: وقوله فيه: فقالوا جميعًا: صدقت، ليس أحد يقولها إلا أبو عاصم. انتهى.
وأجاب البيهقي في كتاب المعرفة، فقال: أما تضعيفه لعبد الحميد بن جعفر فمردود، بأن يحيى بن معين وثقه في جميع الروايات عنه، وكذلك أحمد بن حنبل، واحتج به مسلم في صحيحه. وأما ما ذكر من انقطاعه، فليس كذلك، فقد حكم البخاري في تاريخه بأنه سمع أبا حميد. وأبا قتادة. وابن عباس، وقوله: إن أبا قتادة قتل مع علي، رواية شاذة، رواها الشعبي، والصحيح الذي أجمع عليه أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي. والواقدي. والليث. وابن منده في الصحابة، أطال فيه.
ثم قال: وإنما اعتمد الشافعي في حديث أبي حميد برواية إسحاق بن عبد اللَّه عن عباس بن سهيل عن أبي حميد، ومن سماه من الصحابة، وأكده برواية فليح بن سليمان عن عباس بن سهيل عنهم، فالإعراض عن هذا والاشتغال بغيره ليس من شأن من يريد متابعة السنة. انتهى. كلامه.
حديث آخر، أخرجه مسلم عن وائل بن حجر أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة، وحين ركع، وحين رفع رأسه من الركوع، أخرجه مختصرًا ومطولًا، قال الطحاوي في شرح الآثار: وحديث وائل هذا معارض بحديث ابن مسعود: أنه عليه السلام كان يرفع يديه في تكبيرة الافتتاح، ثم لا يعود. وابن مسعود أقدم صحبة، وأفهم بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم من وائل.
ثم أسند عن أنس، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه، وابن مسعود كان من أولئك الذين كانوا يقربون من النبي صلى الله عليه وسلم، ليعلموا أفعاله كيف هي؟ ، فهو أولى مما جاءه من هو أبعد منه. انتهى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حديث آخر، أخرجه أصحاب السنن الأربعة، والبخاري في كتابه- في رفع اليدين عن الأعرج عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته، وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته، وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك. انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قال الشيخ في الإمام: ورأيت عن علل الخلال عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي، قال: سئل أحمد عن حديث علي هذا، فقال: صحيح، قال الشيخ: وقوله فيه: وإذا قام من السجدتين يعني الركعتين. انتهى.
وقال النووي في الخلاصة: وقع في لفظ أبي داود: السجدتين، وفي لفظ الترمذي: الركعتين، والمراد بالسجدتين الركعتان، يدل عليه الرواية الأخرى، وغلط الخطابي في قوله: المراد السجدتان، لكونه لم يقف على طرق الحديث. انتهى.
قال الطحاوي في شرح الآثار: وقد روي عن علي خلاف هذا، ثم أخرج عن أبي بكر النهشلي ثنا عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يرفع بعده.
قال الطحاوي: فلم يكن علي ليرى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع، ثم يتركه، إلا وقد ثبت عنده نسخه.
قال: وتضعف هذه الرواية أيضًا أنه روي من وجه آخر، وليس فيه الرفع، ثم أخرجه عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد اللَّه بن الفضل عن الأعرج به، ولم يذكر فيه: الرفع. انتهى.
وقال الشيخ في الإمام: قال عثمان بن سعيد الدارمي: وقد روي من طريق واهية عن علي أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يعود.
قال: وهذا ضعيف، إذ لا يظن بعلي أنه يختار فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع عند الركوع، وعند الرفع منه، قال الشيخ: وما قاله الدارقطني ضعيف، فإنه جعل رواية الرفع -مع حسن الظن بعلي- في ترك المخالفة، دليلًا على ضعف هذه الرواية، وخصمه يعكس الأمر، ويجعل فعل علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم دليلًا على نسخ ما تقدم، واللَّه أعلم. انتهى.
حديث آخر: أخرجه أبو داود عن ابن لهيعة عن أبي هبيرة عن ميمون المكي: أنه رأى عبد اللَّه بن الزبير -وصلى بهم- يشير بكفيه حين يقوم، وحين يرفع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام، فيقوم، فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن عباس، فقلت: إني رأيت ابن الزبير يصلي صلاة لم أر أحداع يصليها، ووصفت له هذه الإشارة، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة ابن الزبير. انتهى. وابن لهيعة معروف.
حديث آخر. أخرجه ابن ماجه حدثنا محمد بن يسار ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثنا حميد عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع.
قال الشيخ في الإمام: ورجاله رجال الصحيحين.
قال: وقد رواه البيهقي في الخلافيات من جهة ابن خزيمة عن محمد بن يحيى بن فياض عن عبد الوهاب الثقفي به، وزاد فيه: وإذا رفع رأسه من الركوع، ورواه البخاري في كتابه المفرد -في رفع اليدين- حدثنا محمد بن عبيد اللَّه بن حوشب ثنا عبد الوهاب به: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند الركوع. انتهى.
قال الطحاوي: وهم يضعفون هذا، ويقولون: تفرد برفعه عبد الوهاب، والحفاظ يوقفونه على أنس. انتهى.
حديث آخر، رواه أبو داود وابن ماجه أيضًا عن إسماعيل بن عياش عن صالح بن كيسان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد. انتهى.
قال الطحاوي: وهذا لا يحتج به، لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين. انتهى. وأخرجه أبو داود عن يحيى بن أيوب عن عبد الملك بن جريج عن الزهري عن أبي بكر بن الحارث عن أبي هريرة مرفوعًا، نحوه، وزاد فيه: وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك.
قال الشيخ في الإمام: وهؤلاء كلهم رجال الصحيح، وقد تابع يحيى بن أيوب على هذا المتن عثمان بن الحكم الجذامي عن ابن جريج، ذكره الدارقطني في علله، وكذلك تابعه صالح بن أبي الأخضر عن ابن جريج، رواه ابن أبي حاتم علله أيضًا، لكن ضعف الدارقطني الأول، وأبو حاتم. قال الدارقطني: وقد خالفه عبد الرزاق، فرواه عن ابن جريج بلفظ التكبير دون الرفع، وهو الصحيح، فقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه صالح بن أبي الأخضر عن أبي بكر بن الحارث، قال: صلى بنا أبو هريرة، فكان يرفع يديه إذا سجد، واذا نهض من الركعتين، وقال: إني أشبهكم صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال أبي: هذا خطأ، إنما هو كان يكبر فقط، ليس فيه رفع اليدين. انتهى.
وله طريق آخر عند الدارقطني في العلل أخرجه عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الدارقطني: لم يتابع عمرو بن علي على ذلك، وغيره يرويه بلفظ التكبير، وليس فيه رفع اليدين، وهو الصحيح. انتهى.
حديث آخر، رواه ابن ماجه أيضًا حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو حذيفة ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير: أن جابر بن عبد اللَّه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، فعل مثل ذلك، ويقول: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك. انتهى.
قال الشيخ في الإمام، وذكر ابن عبد البر في التمهيد أن الأثرم رواه عن أبي حذيفة به، فلم يذكر فيه: الرفع من الركوع. انتهى. وأخرجه البيهقي في الخلافيات عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللَّه، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر يرفع يديه إذا كبر، وإذا رفع رأسه من الركوع، ثم أخرجه عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير به، وفيه: إذا ركع.
قال: هكذا، رواه ابن طهمان، وتابعه زياد بن سوقة، وهو حديث صحيح، رواته عن آخرهم ثقات. انتهى.
حديث آخر أخرجه الدارقطني في سننه عن إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس عن حطان بن عبد اللَّه عن أبي موسى الأشعري، قال: هل أريكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فكبر، ورفع يديه، ثم كبر، ورفع يديه للركوع، ثم قال: سمع اللَّه لمن حمده، ورفع يديه، ثم قال: هكذا فاصنعوا، ولا ترفع بين السجدتين. انتهى.
وأخرجه البيهقي عن محمد بن حميد الرازي عن زيد بن الحباب عن حماد به.
قال الشيخ في الإمام: فهاتان الروايتان مرفوعتان، ورواه ابن المبارك عن حماد بن سلمة، فوقفه عن أبي موسى: أنه توضأ، ثم قال: هلموا أريكم، فكبر، ورفع يديه، ثم كبر، ورفع يديه.
ثم قال: هكذا فاصنعوا، ولم يرفع في السجود، أخرجه البيهقي. انتهى.
حديث آخر، رواه البيهقي في سننه عن الحاكم بسنده عن آدم بن أبي إياس ثنا شعبة ثنا الحكم بن عتيبة، قال: رأيت طاوسا كبر، فرفع يديه حذو منكبيه عند التكبير، وعند ركوعه، وعند رفع رأسه من الركوع، فسألت رجلًا من أصحابه، فقال: إنه يحدث به عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قال البيهقي: قال الحاكم: الحديثان محفوظان أعني حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع. وحديث ابن عمر عن أبيه عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال الشيخ في الإمام: وفي هذا نظر، ففي علل الخلال عن أحمد بن أثرم، قال: سألت أبا عبد اللَّه يعني أحمد بن حنبل عن حديث شعبة عن الحكم أن طاوسًا، يقول: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يقول هذا عن شعبة؟ قلت: آدم بن أبي إياس، فقال: ليس هذا بشيء، إنما هو عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الدارقطني: هكذا رواه آدم بن أبي إياس. وعمار بن عبد الجبار المروزي عن شعبة، وَهُمَا وَهِمَا فيه، والمحفوظ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ: وأيضًا فهذه الرواية ترجع إلى مجهول، وهو الذي حدث الحكم من أصحاب طاوس، فإن كان روي من وجه آخر متصلا عن عمر، وإلا فالمجهول لا يقوم به الحجة، وهو ما أخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح الحضرمي عن أبي عيسى سليمان بن كيسان المدني عن عبد اللَّه بن القاسم، قال: بينما الناس يصلون في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إذ خرج عليهم عمر بن الخطاب، فقال: أقبلوا علي بوجهكم، أصلي بكم صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي ويأمر بها، فقام مستقبل القبلة، ورفع يديه، حتى حاذى بهما منكبيه، ثم كبر، ثم ركع، وكذلك حين رفع، فقال للقوم: هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. انتهى.
قال الشيخ: ورجال إسناده معروفون، فسليمان بن كيسان أبو عيسى التميمي، ذكره ابن أبي حاتم، وسمى جماعة روى عنهم، وجماعة رووا عنه، ولم يعرف من حاله بشيء، وعبد اللَّه بن القاسم مولى أبي بكر الصديق، ذكره أيضًا، وذكر أنه روى عن ابن عمر. وابن عباس. وابن الزبير، وروى عنه جماعة، ولم يعرف من حاله أيضًا بشيء.
قال البخاري في كتابه في رفع اليدين: وكذلك يروى حديث الرفع عن جماعة من الصحابة: منهم أبو قتادة. وأبو أسيد الساعدي. ومحمد بن مسلمة البدري. وسهيل بن سعد الساعدي. وعبد اللَّه بن عمر. وابن عباس. وأنس بن مالك. وأبو هريرة. وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص. وعبد اللَّه بن الزبير. ووائل بن حجر. ومالك بن الحويرث. وأبو موسى الأشعري. وأبو حميد الساعدي. انتهى. يعني أنهم رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الدارقطني في غرائب مالك من حديث خلف بن أيوب البلخي عن مالك بن أنس عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. انتهى.
قال الدارقطني: هكذا قال: عن عمر، ولم يتابع عليه، قال الشيخ: وكان مراده لم يتابع عليه عن مالك، واللَّه أعلم. انتهى.
الآثار في ذلك: روى البخاري في كتابه المفرد -في رفع اليدين-: حدثني مسدد ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن، قال: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم في الصلاة. انتهى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الشيخ في الإمام: ورواه أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى الأثرم: حدثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن معاذ. وابن أبي عدي. وغندر عن سعيد عن قتادة عن الحسن، قال: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا، وإذا رفعوا، كأنها المراوح. انتهى.
قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحدًا، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه لم يرفع يديه. انتهى.
أثر آخر، رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع من الركوع، ورواه يحيى بن بكير عن مالك، وفيه: وإذا ركع. انتهى.
أثر آخر أخرجه البيهقي عن عبد الرزاق، قال: ما رأيت أحسن صلاة من ابن جريج، رأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وأخذ ابن جريج، صلاته عن عطاء بن أبي رباح، وأخذ عطاء صلاته من عبد اللَّه بن الزبير، وأخذ ابن الزبير صلاته من أبي بكر الصديق. انتهى. وأخرجه عن أيوب السختياني عن عطاء بن أبي رباح نحوه، وقد تقدم، وقال: رواته ثقات.
أثر آخر أخرجه البيهقي أيضًا عن ابن جريج عن الحسين بن مسلم بن يناق، قال: سألت طاوسًا عن رفع اليدين في الصلاة، فقال: رأيت عبد اللَّه بن عباس. وعبد اللَّه بن الزبير. وعبد اللَّه بن عمر يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا من الركوع.
أثر آخر أخرجه البيهقي أيضًا عن راشد بن سعد عن محمد بن سهم عن سعيد بن المسيب، قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وفيه من يستضعف.
أثر آخر أخرجه البيهقي أيضًا عن ليث عن عطاء، قال: رأيت جابر بن عبد اللَّه. وابن عمر. وأبا سعيد. وابن عباس. وابن الزبير. وأبا هريرة يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا من الركوع، وليث مستضعف، وأخرجه البخاري في كتابه -في رفع اليدين- عن ابن عمر. وابن عباس. وابن الزبير. وأبي سعيد. وجابر. وأبي هريرة. وأنس بن مالك أنهم كانوا يرفعون أيديهم، قال: ورويناه عن عدة من التابعين، وفقهاء مكة. والمدينة. وأهل العراق. والشام. والبصرة. واليمن، وعدة من أهل خراسان: منهم سعيد بن جبير. وعطاء بن أبي رباح. ومجاهد. والقاسم بن محمد. وسالم بن عبد اللَّه بن عمر. وعمر بن عبد العزيز. والنعمان بن أبي عياش. والحسن. وابن سيرين. وطاوس. ومكحول. وعبد اللَّه بن دينار. ونافع. وعبيد اللَّه بن عمر. والحسن بن مسلم. وقيس بن سعد، وكذلك يروى عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها. =