الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواء كان القارئ المأموم أو غيره.
ومفهوم الشرط: الصحة إن لم يوجد قارئ، وهو كذلك، وظاهر كلامه: أن ذلك ابتداء، فلا يقطع لإتيان قارئ، قاله ابن عرفة.
قال في الطراز: يقطع إن أتاه قارئ على قول ابن القاسم، إن لم يركع، أو بعد ثلاث من شفع إن ركع. انتهى، واللَّه أعلم.
فائدة:
سمي أميًا لبقائه على حال ولدته أمه عليه، لا يحسن قراءة ولا كتابة.
[إمام يقرأ بالشاذ: ]
[10]
أو باقتداء بقارئ كقراءة عبد اللَّه بن مسعود (1)؛ لشذوذها.
(1) قال ابن الجزري في النشر (1/ 13، وما بعدها): "وقال الإمام أبو محمد مكي في مصنفه الذي ألحقه بكتابه (الكشف) له: فإن سأل سائل فقال: في الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به؟ وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به؟ وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟
فالجواب: أن جميع ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام:
قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال، وهن: أن ينقل عن الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغًا، ويكون موافقًا لخط المصحف.
فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع على مغيبه وصحته وصدقه؛ لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف، وكفر من جحده.
قال: والقسم الثاني: ما صح نقله عن الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف، فهذا يقبل، ولا يقرأ به لعلتين:
إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.
والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه، فلا يقطع على مغيبه وصحته وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به، ولا يكفر من جحده، ولبئس ما صنع إذا جحده.
قال: والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف.
قال: ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصارًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت: ومثال القسم الأول مالك و (ملك) و (يخدعون) ويخادعون (وأوصى) ووصى و (يطوع) وتطوع ونحو ذلك من القراءات المشهورة.
ومثال القسم الثاني قراءة عبد اللَّه بن مسعود وأبي الدرداء: {والذكر والأنثى} في: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} وقراءة ابن عباس {وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافرًا} ، ونحو ذلك مما ثبت بروايات الثقات.
واختلف العلماء في جواز القراءة بذلك في الصلاة، فأجازها بعضهم؛ لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة، وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد.
وأكثر العلماء على عدم الجواز؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت بالنقل فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني، أو أنها لم تنقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن، أو أنها لم تكن من الأحرف السبعة، كل هذه مآخذ للمانعين.
وتوسط بعضهم، فقال: إن قرأ بها في القراءة الواجبة وهي الفاتحة عند القدرة على غيرها لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أبي الواجب من القراءة لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل لجواز أن يكون ذلك من الحروف التي أنزل عليها القرآن، وهذا يبتني على أصل، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة، فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟
فالذي عليه الجمهور أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما وجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيًا وهذا هو الصحيح عندنا، وإليه أشار مكي بقوله: ولبئس ما صنع إذا جحده. وذهب بعض أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه حتى قطع بعضهم بخطأ من لم يثبت البسملة من القرآن في غير سورة النمل، وعكس بعضهم فقطع بخطأ من أثبتها؛ لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه، والصواب أن كلا من القولين حق، وأنها آية من القرآن في بعض القراءات وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست آية في قراءة من لم يفصل بها، واللَّه أعلم.
وكان بعض أئمتنا يقول: وعلى قول من حرم القراءة بالشاذ يكون عالم من الصحابة وأتباعهم قد ارتكبوا محرمًا بقراءتهم بالشاذ، فيسقط الاحتجاج بخبر من يرتكب المحرم دائمًا وهم نقلة الشريعة الإسلامية، فيسقط ما نقلوه فيفسد على قول هؤلاء نظام الإسلام والعياذ باللَّه.
قال: ويلزم أيضًا أن الذين قرءوا بالشواذ لم يصلوا قط؛ لأن تلك القراءة محرمة والواجب لا يتأدى بفعل المحرم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكان مجتهد العصر أبو الفتح محمد بن علي بن دقيق العيد يستشكل الكلام في هذه المسألة ويقول: الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيعلم ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بشاذ منها وإن لم يعين.
قال: فتلك القراءة تواترت وإن لم تتعين بالشخص، فكيف يسمى شاذًا والشاذ لا يكون متواترا؟
قلت: وقد تقدم آنفا ما يوضح هذه الإشكالات من مآخذ من منع القراءة بالشاذ، وقضية ابن شنبوذ في منعه من القراءة به معروفة وقصته في ذلك مشهورة ذكرناها في كتاب الطبقات، وأما إطلاق من لا يعلم على ما لم يكن عن السبعة القراء، أو ما لم يكن في هذه الكتب المشهورة كالشاطبية والتيسير أنه شاذ، فإنه اصطلاح ممن لا يعرف حقيقة ما يقول كما سنبينه فيما بعد أن شاء اللَّه تعالى.
ومثال القسم الثالث مما نقله غير ثقة كثير مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف، كقراءة ابن السميفع وأبي السمال وغيرهما في {ننُجِّيكَ بِبَدَنِكَ} {ننحيك}: بالحاء المهملة، {تكون لمن خلفك آية} بفتح سكون اللام، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي وغيره، فإنها لا أصل لها، قال أبو العلاء الواسطي: إن الخزاعي وضع كتابًا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة فأخذت خط الدارقطني وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له.
قلت: وقد رويت الكتاب المذكور ومنه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راج ذلك على أكثر المفسرين ونسبها إليه وتكلف توجيهها، وإن أبا حنيفة لبريء منها، ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ويعرفه الأئمة المحققون والحفاظ الضابطون وهو قليل جدًا، بل لا يكاد يوجد، وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع {معائش} بالهمز، وما رواه ابن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر من فتح ياء {أدري أقريب} مع إثبات الهمزة، وهي رواية زيد وأبي حاتم عن يعقوب، وما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمرو (ساحران تظاهرا) بتشديد الظاء، والنظر في ذلك لا يخفي، ويدخل في هذين القسمين ما يذكره بعض المتأخرين من شراح الشاطبية في وقف حمزة على نحو {أسمايهم} و {أوليك} بياء خالصة، ونحو {شركاوهم} و {أحباوه} بواو خالصة، ونحو {بداكم} و {اخاه} بألف خالصة، ونحو (را ى: را، وتراى: ترا، واشمازت: اشمزت، وفاداراتم: فادارتم) بالحذف في ذلك كله مما يسمونه التخفيف الرسمي ولا يجوز في وجه من وجوه العربية، فإنه إما أن يكون منقولًا عن ثقة ولا سبيل إلى ذلك فهو مما لا يقبل، إذ لا وجه له، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وإما أن يكون منقولًا عن غير ثقة فمنعه أحرى ورده أولى، مع أني تتبعت ذلك فلم أجد منصوصًا لحمزة لا بطرق صحيحة ولا ضعيفة، وسيأتي بيان ذلك في بابه إن شاء اللَّه.
وبقي قسم مردود أيضًا وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة، فهذا رده أحق ومنعه أشد ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر، وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقري النحوي، وكان بعد الثلاثمائة.
قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه البيان: وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بدعة ضل بها عن قصد السبيل.
قلت: وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقراء وأجمعوا على منعه، وأوقف للضرب فتاب ورجع وكتب عليه بذلك محضر كما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد، وأشرنا إليه في الطبقات، ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه كما روينا عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول فاقرؤوا كما علمتموه، ولذلك كان الكثير من أئمة القراءة، كنافع وأبي عمرو يقول: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرأت، لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا.
أما إذا كان القياس على إجماع انعقد، أو عن أصل يعتمد فيصير إليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء، فإنه مما يسوغ قبوله ولا ينبغي رده لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمس الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعين على قوة التصحيح، بل قد لا يسمى ما كان كذلك قياسًا على الوجه الاصطلاحي، إذ هو في الحقيقة نسبة جزئي إلى كلي كمثل ما اختير في تخفيف بعض الهمزات لأهل الأداء وفي إثبات البسملة وعدمها لبعض القراء، ونقل {كتابيه أني} وإدغام {ماليه هلك} قياسًا عليه، وكذلك قياس {قال رجلان، وقال رجل} على {قال رب} في الإدغام كما ذكره الداني وغيره، ونحو ذلك مما لا يخالف نصًا ولا يرد إجماعًا ولا أصلًا مع أنه قليل جدًا كما ستراه مبينًا بعد أن شاء اللَّه تعالى، وإلى ذلك أشار مكي بن أبي طالب رحمه الله في آخر كتابه التبصرة حيث قال: فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام: قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود، وقسم قرأت به وأخذته لفظا أو سماعًا وهو غير موجود في الكتب، وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به، إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهو الأقل.
قلت: وقد زل بسبب ذلك قوم وأطلقوا قياس ما لا يروى على ما روي، وما له وجه ضعيف على الوجه القوي، كأخذ بعض الأغبياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين، وقطع بعض القراء بترقيق الراء الساكنة قبل الكسرة والياء، وإجازة بعض من بلغنا عنه ترقيق لام الجلالة تبعًا لترقيق الراء من ذكر اللَّه، إلى غير ذلك مما تجده في موضعه ظاهرًا في التوضيح مبينًا في التصحيح مما سلكنا فيه طريق السلف ولم نعدل فيه إلى تمويه الخلف، ولذلك منع بعض الأئمة تركيب القراءات بعضها ببعض وخطأ القارئ بها في السنة والفرض.
[تتمة فائدة في خلط القارئ القراءات الصحيحة: ]
قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد السخاوي في كتابه جمال القراء: وخلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ.
وقال الحبر العلامة أبو زكريا النووي في كتابه التبيان: وإذا ابتدأ القارئ بقراءة شخص من السبعة فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة ما دام للكلام ارتباط، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة والأولى دوامه على تلك القراءة في ذلك المجلس.
قلت: وهذا معنى ما ذكره أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه. وقال الأستاذ أبو إسحاق الجعبري: والتركيب ممتنع في كلمة وفي كلمتين إن تعلق أحدهما بالآخر وإلا كره.
قلت: وأجازها أكثر الأئمة مطلقًا وجعل خطأ مانعي ذلك محققًا، والصواب عندنا في ذلك التفصيل والعدول بالتوسط إلى سواء السبيل، فنقول: إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم، كمن يقرأ فتلقى آدم من ربه كلمات بالرفع فيهما، أو بالنصب آخذًا رفع آدم من قراءة غير ابن كثير ورفع كلمات من قراءة ابن كثير، ونحو {وكفلها زكريا} بالتشديد مع الرفع، أو عكس ذلك، ونحو {أخذ ميثاقكم} وشبهه مما يركب بما لا تجيزه العربية ولا يصح في اللغة، وأما ما لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرها، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية، فإنه لا يجوز أيضًا من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل، بل على سبيل القراءة والتلاوة، فإنه جائز صحيح مقبول لا منع منه ولا حظر، وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام، إذ كل من عند اللَّه نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفًا عن الأمة، وتهوينا على أهل هذه الملة، فلو أوجبنا عليهم قراءة كل رواية على حدة لشق عليهم تمييز القراءة الواحدة وانعكس المقصود من التخفيف وعاد بالسهولة إلى التكليف، وقد روينا في المعجم =
فتدخل جميع الشواذ؛ لأنها لعدم تواترها غير قرآن (1)؛ فهو مدخل لكلام أجنبي في الصلاة، وهو الظاهر.
= الكبير للطبراني بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: (ليس الخطأ أن يقرأ بعضه في بعض، ولكن أن يلحقوا به ما ليس منه) ".
(1)
للإمام ابن الجزري في النشر (1/ 9 - 11) أيضًا كلام مهم في هذا الموضوع، رأيت ذكره لتقف على ما فيه بنفسك، فتعلم أين ما قاله مما يذكره الناس اليوم، وينسبونه إليه، يقول -رحمه اللَّه تعالى-:"كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي، وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه".
قال أبو شامة رحمه الله في كتابه المرشد الوجيز: "فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هولاء الأئمة السبعة، وبطلق عليها لفظ الصحة، وأن هكذا أنزلت، إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا عمن تنسب إليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم.
قلت: وقولنا في الضابط ولو بوجه نريد به وجهًا من وجوه النحو، سواء كان أفصح أم فصيحًا مجمعًا عليه، أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية، فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم، بل أجمع الأئمة المقتدى بهم من السلف على قبولها كإسكان {بارئكم} و {يأمركم} ونحوه، و {سبأ} و {يا بني} ، {ومكر السيئ} و {ننجي المؤمنين} في الأنبياء، والجمع بين الساكنين في تاءات البزي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وإدغام أبي عمرو {واسطاعوا} لحمزة وإسكان {نعما ويهدي} ، وإشباع الياء في {نرتعي، ويتقي ويصبر} و {أفئيدة من الناس} ، وضم الملائكة اسجدوا، ونصب {كن فيكون} ، وخفض {والأرحام} ، ونصب {ليجزى قوما} ، والفصل بين المضافين في الأنعام، وهمز {سأقيها} ، ووصل {وإن الياس} ، وألف {إن هذان} ، وتخفيف {ولا تتبعان} ، وقراءة {ليكة} في الشعراء و"ص" وغير ذلك.
قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان" بعد ذكر إسكان {بارئكم} و {يأمركم} لأبي عمرو وحكاية إنكار سيبويه له، فقال -أعني الداني-: والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء وهو الذي أختاره وآخذ به، ثم لما ذكر نصوص رواته.
قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؟ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
قلنا: ونعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر {قالوا اتخذ اللَّه ولدا} في البقرة بغير واو، {وبالزبر وبالكتاب المنير} بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي، وكقراءة ابن كثير {جنات تجري من تحتها الأنهار} في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة (من)، فإن ذلك ثابت في المصحف المكي، وكذلك {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ، في سورة الحديد بحذف (هو)، وكذا {سارعوا} بحذف الواو، وكذا {منهما منقلبا} بالتثنية في الكهف، إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم، فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة لمخالفتها الرسم المجمع عليه.
وقولنا بعد ذلك: ولو احتمالًا نعني به ما يوافق الرسم ولو تقديرًا، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقًا وهو الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديرًا وهو الموافقة احتمالًا، فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعًا نحو:{السموات والصلحت واليل والصلوة والزكوة والربوا} ، ونحو (لنظر كيف تعملون)(وجيء) في الموضعين حيث كتب بنون واحدة وبألف بعد الجيم في بعض المصاحف.
وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو {ملك يوم الدين} فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة الحذف تحتمله تخفيفًا كما كتب {ملك الناس} ، وقراءة الألف محتملة تقديرًا كما كتب {مالك الملك} ، فتكون الألف حذفت اختصارًا، وكذلك {النشأة} حيث كتبت بالألف وافقت قراءة المد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تحقيقًا ووافقت قراءة القصر تقديرًا، إذ يحتمل أن تكون الألف سورة الهمزة على غير القياس كما كتب موئلًا.
وقد توافق اختلافات القراءات الرسم تحقيقًا نحو {أنصار اللَّه، ونادته الملائكة، ويغفر لكم ويعملون وهيت لك} ونحو ذلك مما يدل تجرده عن النقط والشكل وحذفه وإثباته على فضل عظيم للصحابة رضي الله عنهم في علم الهجاء خاصة، وفهم ثاقب في تحقيق كل علم، فسبحان من أعطاهم وفضلهم على سائر هذه الأمة.
وللَّه در الإمام الشافعي رضي الله عنه حيث يقول في وصفهم في رسالته التي رواها عنه الزعفراني ما هذا نصه: وقد أثنى اللَّه تبارك وتعالى على أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم- في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم- من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم اللَّه وهنأهم بما أثابهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدوا إلينا سنن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامًا وخاصًا وعزمًا وإرشادًا وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا.
قلت: فانظر كيف كتبوا الصراط والمصيطرون بالصاد المبدلة من السين، وعدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين وإن خالفت الرسم من وجه قد أتت على الأصل فيعتدلان، وتكون قراءة الإشمام محتملة، ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم والأصل، ولذلك كان الخلاف في المشهور في (بسطة) الأعراف دون (بسطة) البقرة، لكون حرف البقرة كتب بالسين وحرف الأعراف بالصاد، على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفًا إذا ثبتت القراءة به ووردت مشهورة مستفاضة، ألا ترى أنهم لم يعدوا إثبات ياءات الزوائد وحذف ياء تسئلني في الكهف، وقراءة {وأكون من الصالحين} والظاء من بضنين ونحو ذلك من مخالفة الرسم المردود، فإن الخلاف في ذلك يغتفر، إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول، وذلك بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتى ولو كانت حرفًا واحدًا من حروف المعاني، فإن حكمه في حكم الكلمة لا يسوغ مخالفة الرسم فيه، وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته.
وقولنا: وصح سندها، فإنا نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة =