الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا الاضطجاع، مع القدرة على ما فوقه، وظاهره: صحيحًا أو مريضًا، وهو كذلك، وفي الجلاب: جوازه للمريض خاصة، وهو ظاهر المدونة عند اللخمي.
وإن أولًا، أي: لا يضطجع في أثناء التنفل (1)، وإن دخل على ذلك أولًا، فهو مخرج من قوله:(لمتنفل جلوس. . إلى آخره)، ونبه به على الفرق بينه وبين ما قبله، فإن ذلك يجوز للمتنفل أن يتم جالسًا، ولو نواها قائمًا على أحد القولين، إلا أن يلتزم الإتمام قائمًا، ولنا مع الشارحين مناقشة، انظرها في الكبير.
* * *
فصل في بيان حكم قضاء الفوائت
وجب على كل مكلف قضاء صلوات فائتة مطلقًا، سواء فائتة سهوًا
(1) قال الأجهوري: " (قوله): لا اضطجاع وإن أو لا، أي: إنه لا يجوز صلاة النافلة مضطجعًا، أي: لمن يقدر على الجلوس كما ذكره الشيخ و (الشر) وفي إطلاق (المص) نظر ونص الشيخ إذا كان قادرًا على القعود وإلا جاز وهو واضح التوضيح. انتهى.
واعلم أن مفاد ما في الجلاب والمدونة إن المريض الذي لا يقدر إلا على الاضطجاع له أن يتنفل مضطجعًا أو في النوادر أنه يتركه في هذه الحالة، ولا يأتي به مضطجعًا فالكل يمنعون النفل مضطجعًا لمن يقدر على الجلوس ويختلفون فيمن لا يقدر عليه إلا مضطجعًا.
وفي الجلاب والمدونة ما يفيد أنه يأتي به مضطجعًا، وفي النوادر ما يفيد منع الاتيان به كذلك وإذا تمهد هذا ففي كلام (تت) هنا نظر.
قال في الجلاب ما نصه: ولا يتنقل المضطجع على جنبه ولا على ظهره إلا من علة.
قال (تت) في شرحه ما نصه فيتنفل وظاهره دخل على ذلك أو عرض له في أثنانا فلته اللخمي وظاهر المدونة يريد قولها: ولا يصلي مضطجعًا إلا المريض، وفي النوادر: المنع وإن كان مريضًا، وأجازه الأبهري الصحيح. انتهى. ومن خطه نقلت".
باتفاق، أو عمدًا على المعروف، وأنكر ما نسب لمالك من عدم قضاء المتعمد (1)، وسواء كانت يسيرة أو كثيرة، في ليل أو نهار، وقت جواز أو كراهة أو منع.
(1) قد حقق القول في هذه المسألة الإمام ابن القيم وهو من الحنابلة في كتابه (الصلاة وحكم تركها) بتحقيق بسام الجابي، فقال ص 93، وما بعدها: "فصل في هل يصح قضاء الفائتة عمدًا أم لا: وأما الصورة الثانية: وهي ما إذا ترك الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها فهي مسألة عظيمة تنازع فيها الناس هل ينفعه القضاء ويقبل منه أم لا ينفعه ولا سبيل له إلى استدراكها أبدًا.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك: يجب عليه قضاؤها ولا يذهب القضاء عنه إثم التفويت بل هو مستحق للعقوبة إلى أن يعفو اللَّه عنه.
وقالت طائفة من السلف والخلف من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يجوز له التأخير فهذا لا سبيل له إلى استدراكها ولا يقدر على قضائها أبدًا ولا يقبل منه.
ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل وقد تعذر عليه استدراك ما مضى.
هل هذا محل الخلاف ونحن نذكر حجج الفريقين.
قال الموجبون للقضاء لما أمر النبي النائم والناسي بالقضاء وهما معذوران غير مفرطين فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى وأحرى؛ فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي.
قالوا وقد صلى العصر بعد المغرب يوم الخندق هو وأصحابه راجع البخاري رقم 596 مسلم رقم 631 ومعلوم قطعًا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع.
قالوا: وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور.
قالوا: وإنما أنام اللَّه سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة، وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد.
قالوا وقد أمر النبي من أفطر بالجماع في رمضان ان يقضي يومًا مكانه، أبو داود رقم 2393، ابن ماجة رقم 1671.
قالوا: ولا قياس يقتضي وجوب القضاء؛ فإن الأمر متوجه على المكلف بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقط بفعل العبادة في وقتها؛ فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطًا لفعل العبادة عنه.
قال الآخرون: أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان: نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كل وقت، ونوع مطلق غير مؤقت بوقت محدود وهو نوعان:
أحدهما: ما وقته بقدر فعله: كالصيام.
الثاني: ما وقته أوسع من فعله: كالصلاة، وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورًا بها؛ فإنه إنما أمر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها.
قالوا في أمر اللَّه به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعًا وإِن أمكن حسا بل لا يمكن حسا أيضًا فإن إيتانه بعد الوقت أمر غير المشروع.
قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها ولا الوقوف بعرفة بعد وقته.
قالوا ولا مشروع إلا ما شرعه اللَّه ورسوله وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة والصيام والحج إلا في أوقات مختصة به فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة ولم يشرع اللَّه سبحانه فعل الجمعة يوم السبت ولا الوقوف بعرفة في اليوم العاشر ولا الحج في غير أشهره.
وأما الصلوات الخمس فقد ثبت بالنص والإجماع أن المعذور بالنوم والنسيان وغلبة العقل يصليها إذا زال عذره، وكذلك صوم رمضان شرع اللَّه سبحانه قضاءه بعذر المرض والسفر والحيض، وكذلك شرع رسوله الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للمعذور بسفر أو مرض أو شغل يبيح الجمع فهذه يجوز تأخيرها عن وقتها المختص إلى وقت الأخرى للمعذور ولا يجوز لغيره بالاتفاق بل هو من الكبائر العظام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولكن يجب عليه فعلها وإن أخرها إلى وقت الثانية في هذه الصورة لأنها تفعل في هذا الوقت في الجملة.
وقد أمر النبي بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقيل له إلا نقاتلهم قال: "لا ما صلوا" مسلم (رقم) وهم كانوا يؤخرون الظهر خاصة إلى وقت العصر فأمر بالصلاة خلفهم وتكون نافلة للمصلي وأمره أن يصلي الصلاة في وقتها ونهى عن قتالهم.
قالوا وأما من أخر صلاة النهار فصلاها بالليل أو صلاة الليل فصلاها بالنهار فهذا الذي فعله غير الذي أمر به وغير ما شرعه اللَّه ورسوله فلا يكون صحيحًا ولا مقبولًا.
قالوا وقد قال رسول اللَّه: "من ترك صلاة العصر حبط عمله" البخاري (رقم 553).
وقال: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" البخاري (رقم 552) مسلم (رقم 626).
فلو كان يمكنه استدراكها بالليل لم يحبط عمله ولم يكن موتورًا من أعماله بمنزلة الموتر من أهله وماله.
قالوا وقد صح عنه أنه قال: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أدرك العصر" البخاري (رقم 556) مسلم (رقم 608) فكذا من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولو كان فعلها بعد المغرب وطلوع الشمس صحيحًا مطلقًا لكان مدركًا سواء أدرك ركعة أو أقل من ركعة أو لم يدرك منها شيئًا فإنه لم يرد أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم إذ لا خلاف بين الأمة أنه لا يحل له تأخيره إلى أن يضيق وقتها عن كمال فعلها وإنما أراد بالإدراك صحة والأجزاء وعندكم تصح وتجزيء ولو أدرك منها قدر تكبيرة أو لم يدرك منها شيئًا فلا معنى للحديث عندكم البتة قالوا واللَّه سبحانه قد جعل لكل صلاة وقتا محدود الأول والآخر ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ولا بعد خروج وقتها والمفعول قبل الوقت وبعده أمر غير المشروع فلو كان الوقت ليس شرطًا في صحتها لكان لا فرق في الصحة بين فعلها قبل الوقت وبعده؛ لأن كِلا الصلاتين صلاها في غير وقتها فكيف قبلت من هذا المفرط بالتفويت ولم تقبل من المفرط بالتعجيل.
قالوا: والصلاة في الوقت واجبة على كل حال حتى أنه يترك جميع الواجبات والشروط لأجل الوقت فإذا عجز عن الوضوء والاستقبال أو طهارة الثوب والبدن وستر العورة أو قراءة الفاتحة أو القيام في الوقت وأمكنه أن يصلي بعد الوقت بهذه الأمور فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرعها اللَّه وأوجبها ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع كمال هذه الشروط والواجبات فعلم أن الوقت مقدم عند اللَّه ورسوله على جميع الواجبات؛ فإذا لم يكن إلا أحد الامرين وجب أن يصلي في الوقت بدون هذه الشروط والواجبات ولو كان له سبيل إلى استدراك الصلاة بعد خروج وقتها لكانت صلاته بعد الوقت مع كمال الشروط والواجبات خيرًا من صلاته في الوقت بدونها وأحب إلى اللَّه، وهذا باطل بالنص والإجماع.
قالوا: وأيضًا فقد توعد اللَّه سبحانه من فوت الصلاة عن وقتها بوعيد التارك لها قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [الماعون: 4، 5] وقد فسر أصحاب رسول اللَّه السهو عنها بأنه تأخيرها عن وقتها كما ثبت ذلك عن سعد بن أبي وقاص وفيه حديث مرفوع سنن البيهقي 2/ 214 وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59] وقد فسر الصحابة والتابعون إضاعتها بتفويت وقتها راجع صفحة 32.
والتحقيق أن إضاعتها تتناول تركها وترك وقتها وترك واجباتها وأركانها وأيضًا إن مؤخرها عن وقتها عمدًا متعد لحدود اللَّه كمقدمها عن وقتها فما بالها تقبل مع تعدي هذا الحد ولا تقبل مع تعدي الحد الآخر.
قالوا وأيضًا فنقول لمن قال: إنه يستدركها بالقضاء، أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي أمر اللَّه بها أم هي غيرها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال: هي بعينها قيل له: فالعامد بتركها حينئذ ليس عاصيًا لأنه قد فعل ما أمر اللَّه به بعينه فلا يلحقه الإثم والملامة وهذا باطل قطعًا وإن قال: ليست هي التي أمر اللَّه بها قيل له: فهذا من أعظم حججنا عليك إذ أقررت أن هذه غير مأمور بها.
ثم نقول أيضًا ما تقولون في من تعمد تفويتها حتى خرج وقتها ثم صلاها أطاعة صلاته تلك أم معصية فإن قالوا: صلاته طاعة وهو مطيع بها، خالفوا الإجماع والقرآن والسنن الثابتة، وإن قالوا: هي معصية، قيل: فكيف يتقرب إلى اللَّه بالمعصية وكيف تنوب المعصية عن الطاعة فإن قلتم هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها وهو أنه إذا تقرب بالفعل الذي هو طاعة لا بالتفويت الذي هو معصية قيل لكم الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي أمر به فأين اللَّه ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها حتى يكون مطيعا له بذلك، فلو ثبت ذلك لكان فاصلًا للنزاع في المسألة.
قالوا: وأيضًا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه كما أن الليل لا يقبل الصيام، وغير أشهر الحج لا يقبل الحج، وغير وقت الجمعة لا تقبل الجمعة فأي فرق بين من قال: أنا أفطر النهار وأصوم الليل أو قال: أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد وأصوم مكانه شهرًا في الربيع، أو قال: أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم أو قال أنا أصلي الجمعة بعد العشاء الآخرة أو أصلي العيدين في وسط الشهر وبين من قال انا أؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار فهل يمكن أحدًا قط أن يفرق بين ذلك.
قالوا: وقد جعل اللَّه سبحانه للعبادات أمكنة وأزمنة وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله اللَّه مكانًا ميقاتًا لها كعرفة ومزدلفة ومنى ومواضع الجمار والمبيت والصفا والمروة ولا تنوب صفة من صفاتها التي اوجبها اللَّه عليها عن صفة فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها اللَّه فيه عنه
قالوا: وقد دل النص والإجماع على أن من أخر الصلاة عن وقتها عمدًا أنها قد فاتته كما قال النبي: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" البخاري (رقم 552) مسلم (رقم 626) وما فات فلا سبيل إلى إدراكه ألبتة ولو امكن أن يدرك لما سمي فائتا وهذا مما لا شك فيه لغة وعرفا وكذلك هو في الشرع وقد قال النبي: "لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة" الموطأ (1/ 390) مجمع الزوائد (3/ 255) أفلا تراه جعله فائتا بفوات وقته لما لم يمكن أن يدرك في يوم بعد ذلك اليوم وهذا بخلاف المنسية والتي نام عنها فإنها لا تسمى فائتة ولهذا لم تدخل في قوله: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" البخاري (رقم 552) مسلم (رقم 626).
قالوا والأمة مجمعة على أن من ترك الصلاة عمدًا حتى يخرج وقتها فقد فاتته ولو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قبلت منه وصحت بعد الوقت لكان تسميتها فائتة لغوا وباطلا وكيف يفوت ما يدرك.
قالوا: وكما أنه لا سبيل إلى استدراك الوقت الفائت أبدًا فلا سبيل إلى استدراك فرضه ووصفه.
قالوا: وهذا معنى قوله في الحديث الذي رواه أحمد المسند (2/ 386) وغيره أبو داود (رقم 2396) الترمذي (رقم 723) ابن ماجة (رقم 1672)"من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر" فأين هذا من قولكم: يقضيه عنه صيام يوم من أي شهر أراد.
قالوا: وقد أمر اللَّه سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاة الخوف فيقصروا من أركانها ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة ويستدبروها فيها القبلة ويسلمون قبل الإمام، بل يصلون رجالًا وركبانًا حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء أتوا بها على دوابهم إلى غير القبلة في وقتها ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحت لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها وهذا يدلُّ على أنَّها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع العذر الذي أصابهم في سبيله وجهاد أعدائه فكيف تقبل من صحيح مقيم لا عذر له البتة وهو يسمع داعي اللَّه جهرة فيدعها حتى يخرج وقتها ثم يصليها في غير الوقت وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض بل أمره أن يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عجز عن ذلك ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها لجاز تأخيرها إلى زمن الصحة.
فأخبرونا، أي: كتاب أو سنة أو اثر عن صاحب نطق بأن من أخر الصلاة وفوتها عن وقتها الذي أمر اللَّه بإيقاعها فيه عمدًا يقبلها اللَّه منه بعد خروج وقتها وتصح منه وتبرأ ذمته منها ويثاب عليها ثواب من أدى فريضته هذا واللَّه ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة ونحن نوجد لكم عن أصحاب رسول اللَّه مثل ما قلناه وخلاف قولكم.
فصل في قول أبي بكر الصديق الذي لم يعلم أن أحدًا من الصحابة أنكره عليه.
قال عبد اللَّه بن المبارك في الزهد رقم 914 أخبرنا إسماعيل ابن أبي خالد عن زيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب إني موصيك بوصية إن حفظتها إن للَّه حقًا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف وإن اللَّه عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم خفت إلا أكون منهم وذكر أهل النار وأعمالهم فإذا ذكرتهم قلت أخشى أن أكون منهم وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبًا راهبًا فلا يتمنى على اللَّه غير الحق =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولا يلقى بيده إلى التهلكة فإن حفظت قولي: فلا يكونن غائب أحب اليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت ولن تعجزه.
وقال هناد بن السري الزهد (1/ 496) حدثنا عبده عن إسماعيل ابن أبي خالد عن زبيد اليامي قال لما حضرت أبا بكر الوفاة فذكره قالوا فهذا أبو بكر قال إن اللَّه لا يقبل عمل النهار بالليل ولا عمل الليل بالنهار ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحًا وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة ويقبل صلاة العصر نصف النهار.
قالوا فهذا قول أبي بكر وعمر وابنه عبد اللَّه وسعد ابن أبي وقاص وسلمان الفارسي وعبد اللَّه بن مسعود والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد اللَّه وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم وغيرهم
قال شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبد اللَّه بن خراش قال: رأى ابن عمر رجلًا يقرأ في صحيفة قال له: يا هذا القارئ إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها فصل ثم أقرأ ما بدا لك.
قالوا: ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه.
أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ في الموجب للخروج عنها.
الثاني: إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل؛ فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها، وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من أجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية كقوله:"لا إيمان لمن لا أمانة له" مسند أحمد "ولا صلاة لمن لا وضوء له"، مسند أحمد 2/ 418 أبو داود (رقم 151) ابن ماجة (رقم 399)"ولا عمل لمن لا نية له"، ابن أبي الدنيا الإخلاص والنية (رقم 59)"ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل"، أبو داود (رقم 2454) النسائي (رقم 2331) الترمذي (رقم 730) ابن ماجة (رقم 1700)"ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب"، البخاري (رقم 756) مسلم (رقم 394) ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هو أحب إلى اللَّه منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة.
الثالث إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به أقرب إلى نفيه من كماله المستحب.
وقال محمد بن المثنى: حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ذكر لنا أن عبد اللَّه بن مسعود كان يقول: إن للصلاة وقتا كوقت الحج المصنف لعبد الرزاق (رقم 3747) فصلوا الصلاة لميقاتها المحلى (2/ 372) فهذا عبد اللَّه قد صرح بأن وقت الصلاة كوقت الحج فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته فما بال الصلاة تجزيء في غير وقتها.
وقال عبد الرزاق المصنف (رقم 2234)(1/ 587) عن معمر عن بديل العقيلي قال: بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء وقالت: حفظتني حفظك اللَّه وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فيضرب بها وجهه.
فصل في حجج الذين يقولون بقضاء الصلاة المتروكة عمدًا:
قال الذين يعتدون بها بعد الوقت ويبرئون بها الذمة واللفظ لأبي عمر ابن عبد البر فإنه انتصر لهذه المسألة أتم انتصار ونحن نذكر كلامه بعينه قال في الاستذكار في باب: النوم عن الصلاة: قرأت على عبد الوارث أن قاسما حدثهم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا ابن الاصبهاني حدثنا عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه في سفر فعرسوا من آخر الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فأمر بلالًا فأذن ثم صلى ركعتين قال ابن عباس فما يسرني بها الدنيا وما فيها يعني الرخصة مسند أحمد (1/ 259) ومجمع الزوائد (1/ 321).
قال أبو عمر ذلك عندي واللَّه أعلم لأنه كان سببًا إلى أن أعلم أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد اللَّه عن عباده في الصلاة وإن كانت مؤقته أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدًا متى ذكرها ناسيًا كان لها أو نائما عنه أو متعمدًا لتركها.
إلا ترى أن حديث مالك في هذا الباب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أن رسول اللَّه قال: "من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها" الموطأ (1/ 13) والنسيان في لسان العرب يكون للترك عمدًا أو يكون ضد الذكر قال اللَّه تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أي تركوا طاعة اللَّه والإيمان بما جاء به رسول اللَّه فتركهم اللَّه من رحمته وهذا لا خلاف فيه ولا يجهله من له أقل علم بتأويل القرآن.
فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في غير هذا الحديث: "من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" الموطأ (1/ 13) قيل: خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط التأثيم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول اللَّه أن سقوط الإثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكرًا له وسوَّى اللَّه سبحانه وتعالى في حكمها على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام المؤقت في شهر رمضان بل كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا، ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدًا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرًا وبطرًا ثم تاب منه بعد ذلك أن عليه قضاءه وكذلك من ترك الصلاة عامدًا فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الإثم كالجاني على الأموال المتلف لها عامدًا وناسيًا سواء إلا في الإثم وكان الحكم في هذا النوع بخلاف رمي الجمار في الحج الذي لا يقضى في غير وقته لعامد ولا ناس لوجوب الدم فيما ينوب عنها وبخلاف الضحايا أيضًا لأن الضحايا ليست بواجبة فرضًا والصلاة والصيام كلاهما فرض واجب ودين ثابت يؤدي أبدًا، ان خرج الوقت المؤجل لهما قال رسول اللَّه:"دين اللَّه أحق أن يقضى" البخاري (رقم 1903) مسلم (رقم 1148) وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها الآثم في فعله ذلك وإن أبي لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالإتيان بها؛ لأن التوبة من عصيانه في عمد تركها هي أداؤها وإقامتها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها.
وقد شذ بعض أهل الظاهر، أي: ابن حزم وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين، فقال: ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول اللَّه: "من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" الموطأ (1/ 13) قال والمتعمد غير الناسي والنائم المحلى (2/ 235).
قال: وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد لا يجزيه عندنا.
فخالف في المسألتين جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة من علماء المسلمين، وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم، فخالف هذا الظاهري طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار، ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول.
ومن الدليل على أن الصلاة تصلى وتقضى بعد خروج وقتها كالصيام سواء وإن كان إجماع الأمة الذين أمر من شذ عنهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قول النبي: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" البخاري (رقم 556) مسلم (رقم 608) ولم يستثن متعمدًا من ناس.
ونقلت الكافة عنه: "أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صلاة العصر بعد الغروب" البخاري (رقم 556)، وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع، ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد أو نسي أو فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار.
ودليل آخر وهو أن رسول اللَّه لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون من الحرب ولم يكن يومئذ نائمًا ولا ناسيًا ولا كانت بين المسلمين والكافرين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى الظهر والعصر بالليل.
ودليل آخر أيضًا وهو أن رسول اللَّه قال بالمدينة لأصحابه يوم انصرافه من الخندق: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" البخاري (رقم 946) ومسلم (رقم 1770) فخرجوا مبادرين وصلى بعضهم العصر دون بني قريظة خوفًا من خروج وقتها المعهود ولم يصلها بعضهم إلا في بني قريظة بعد غروب الشمس لقوله: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" فلم يعنف رسول اللَّه أحدًا من الطائفتين وكلهم غير ناس ولا نائم وقد أخر بعضهم الصلاة حتى خرج وقتها ثم صلاها وقد علم رسول اللَّه ذلك فلم يقل لهم إن الصلاة لم تصل في وقتها ولا تقضى بعد خروج وقتها.
ودليل آخر وهو قوله: "سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصوات عن ميقاتها" قالوا: انفصليها معهم قال: "نعم"، حدثنا عبد الوراث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا إسحاق بن الحسن العربي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي قال أتى إلي عن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند النبي فقال: "إنه سيجيء بعدي أمراء تشغلهم أشياء حتى لا يصلوا الصلاة لميقاتها" قالوا: نصليها معهم يا رسول اللَّه قال: "نعم" مسند أحمد (3/ 314).
قال أبو عمر أبو مثنى الحمصي هو الأملوكي ثقة.
وفي هذا الحديث أن رسول اللَّه أباح الصلاة بعد خروج ميقاتها ولم يقل: إن الصلاة لا تصلى إلا في وقتها.
والأحاديث في تأخير الأمراء الصلاة حتى يخرج وقتها كثيرة جدًّا وقد كان الأمراء من بني أمية وأكثرهم يصلون الجمعة عند الغروب وقد قال: "إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى"، وقد اعلمهم أن وقت الظهر في الحضر ما لم يدخل وقت العصر وروي ذلك عنه من وجوه صحاح قد ذكرت بعضها في صدر الكتاب يعني: الاستذكار في المواقيت.
وحدثنا عبد اللَّه بن محمد بن راشد حدثنا حمزة بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= شعيب النسوي، حدثنا سويد بن نضر حدثنا عبد اللَّه -يعني: ابن المبارك- عن سليمان بن مغيرة عن ثابت بن عبد اللَّه بن رباح عن أبي قتادة أن رسول اللَّه قال: "ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى" مسلم (رقم 681) الترمذي (رقم 117) أبو داود (رقم 437).
فقد سمى رسول اللَّه من فعل هذا مفرطا، والمفرط ليس بمعذور وليس كالنائم والناسي عند الجميع من جهة العذر، وقد أجاز رسول اللَّه صلاته على ما كان عليه من تفريطه.
وقد روي في حديث أبي قتادة هذا أن رسول اللَّه قال: "وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها" مسلم (رقم 681).
وهذا أبعد وأوضح في أداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر، وحديث أبي قتادة هذا صحيح الإسناد إلا أن هذا المعنى قد عارضه حديث عمران بن الحصين في نوم رسول اللَّه في صلاة الصبح بسفره وفيه: قالوا: يا رسول اللَّه إلا نصليها لميقاتها من الغد؟ قال: "لا إن اللَّه لا ينهاكم عن الربا ثم يقبله منكم" مسند أحمد (4/ 441).
وروي من حديث أبي هريرة عن النبي مثله، وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد.
وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي وهو مذكور في الصحابة قال: قدم وفد ثقيف على رسول اللَّه فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر.
وأقل ما في هذا أنه أخرها عن وقتها الذي كان يصليها فيه لشغل اشتغل به.
وعبد الرحمن بن علقمة من ثقات التابعين وكبارهم.
وقد أجمع العلماء على أن من ترك الصلاة عامدًا حتى يخرج وقتها عاص للَّه، وذكر بعضهم أنها كبيرة من الكبائر، وأجمعوا على أن على العاصي أن يتوب من ذنبه بالندم عليه واعتقاد ترك العود، إليه قال اللَّه تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] ومن لزمه حق اللَّه أو لعباده لزمه الخروج منه وقد شبه رسول اللَّه حق اللَّه عز وجل بحقوق الآدميين وقال: "دين اللَّه أحق أن يقضى" البخاري (رقم 1953) مسلم (رقم 1148).
والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله بجهله وحبه لشذوذه، وأصل أصحابه فيما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله، أو سنة ثابتة لا ينازع في قبولها والصلوات المكتوبات واجبات بإجماع، ثم جاء من الاختلاف شذوذ خارج عن أقوال علماء الأمصار فاتبعه دون سنة رويت في ذلك وأسقط به الفريضة المجمع على وجوبها ونقض أصله ونسي نفسه.
ثم ذكر أن مذهب داود وأصحابه وجوب قضاء الصلاة إذا فوتها عمدًا ثم قال: فهذا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قول داود وهو وجه أهل الظاهر.
وما أرى هذا الظاهري إلا وقد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف وخالف جميع فرق الفقهاء وشذ عنهم ولا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشاذ من العلم وقد أوهم في كتابه أن له سلفًا من الصحابة والتابعين تجاهلًا منه فذكر عن ابن مسعود ومسروق وعمر بن عبد العزيز في قوله: {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] أن ذلك عن مواقيتها ولو تركوها لكانوا بتركها كفارًا وهو لا يقول بتكفير تارك الصلاة عمدًا إذا أبي إقامتها ولا بقتله إذا كان مقرًا بها فقد خالفهم فكيف يحتج بهم على أنه معلوم أن من قضى الصلاة، فقد تاب من تضييعها قال تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه: 82] ولا تصح لمضيع الصلاة توبة إلا بأدائها كما لا تصح التوبة من دين الآدمي إلا بأدائه، ومن قضى صلاة فرط فيها فقد تاب وعمل صالحًا واللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وذكر عن سلمان أنه قال: الصلاة مكيال فمن وفاه وفي له، ومن طففه قد علمتم ما قاله اللَّه في المطففين.
وهذا لا حجة فيه لأن الظاهر من معناه أن المطفف قد يكون من لم يكمل صلاته بركوعها وسجودها وحدودها وإن صلاها في وقتها.
وذكر عن ابن عمر أنه قال: لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها.
وكذا نقول: لا صلاة له كاملة الأجزاء كما جاء: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" سنن البيهقي (3/ 111 و 174)"ولا إيمان لمن لا أمانة له" مسند أحمد (3/ 135) ومن قضى الصلاة فقد صلاها وتاب من نسي عمله بتركها وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له في شيء منه حجة لأن ظاهره خلاف ما تأوله.
فصل في حجج المانعين من صحة قضاء الصلاة المتروكة عمدًا.
قال المانعون من صحتها بعد الوقت وقبولها: لقد أرعدتم وأبرقتم ولم تنصفونا في حكاية قولنا على وجهه ولا في نقلنا مذاهب السلف ولا في حججنا؛ فإنا لم نقل قط ولا أحد من أهل الإسلام أنها سقطت من ذمته بخروج وقتها وأنها لم تبق واجبة عليه حتى تجلبوا علينا بما أجلبتم وتشنعوا علينا بما شنعتم بل قولنا وقول من حكينا قوله من الصحابة والتابعين أشد على مؤخر الصلاة ومفوتها من قولكم؛ فإنه قد تحتمت عقوبته وباء بإثم لا سبيل له إلى استدراكه إلا بتوبة يحدثها وعمل يستأنفه.
وقد ذكر من الأدلة ما لا سبيل لكم إلى رده فإن وجدتم السبيل إلى الرد فأهلًا بالعلم أين كان ومع من كان فليس القصد إلا طاعة اللَّه وطاعة رسوله ومعرفة ما جاء به.
ونحن نبين ما في كلامكم من مقبول ومردود.
فأما قولكم: أن سرور ابن عباس بتلك الصلاة التي صلاها بعد طلوع الشمس لأنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كان سببًا إلى أن أعلم رسول اللَّه أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته: بأن مراد اللَّه من عباده في الصلاة وإن كانت مؤقتة أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدًا ناسيًا كان لها أو نائما أو متعمدًا لتركها، فهذا ظن محض منكم أن ابن عباس أراده ومعلوم أن كلامه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ولا هو يشعر به، ولعل ابن عباس إنما سر بها ذلك السرور العظيم لكونه صلاها مع رسول اللَّه وأصحابه وفعل مثل ما فعلوا وحصل له سهمان من الأجر كما حصل للصحابة وخص تلك الصلاة بذلك تنبيهًا للسامع أنها مع كونها ضحى قد فعلت بعد طلوع الشمس فلا يظن أنها ناقصة وأنها لا أجر فيها في يسرني بها الدنيا وما فيها.
وليس ما فهمتموه عن ابن عباس أولى من هذا الفهم، ولعله أراد أن ذلك من رحمة اللَّه بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها فمن اين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على أن من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدًا وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته وإن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن اعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه.
وأما قولكم: إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] إلخ فنعم لعمر اللَّه إن النسيان في القرآن على وجهين نسيان ترك ونسيان سهو، ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدًا باطل لأربعة أوجه:
أحدها: أنه قال: "فليصلها إذا ذكرها" الموطأ (1/ 13)، وهذا صريح في أن النسيان في الحديث نسيان سهو لا نسيان عمد وإلا كان قوله إذا ذكرها كلامًا لا فائدة فيه فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] وقوله: "إذا نسيت فذكروني" البخاري (رقم 1933) مسلم (رقم 1155).
الثاني: أنه قال فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ومعلوم أن من تركها عمدًا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت هذا مما لا خلاف فيه بين الأمة ولا يجوز نسبته إلى رسول اللَّه إذ يبقى معنى الحديث من ترك الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها فكفارة إثمه صلاتها بعد الوقت، وشناعة هذا القول أعظم من شناعتكم علينا القول بأنها لا تنفعه ولا تقبل منه فأين هذا من قولكم.
الثالث: أنه قابل الناسي في الحديث بالنائم وهذه المقابلة تقتضي أنه الساهي كما يقول جملة أهل الشرع النائم والناسي غير مؤاخذين.
الرابع: أن الناسي في كلام الشارع إذا علق به الإحكام لم يكن مراده إلا الساهي، وهذا مطرد في جميع كلامه كقوله:"من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه فإنما أطعمه اللَّه"، مسلم (رقم 572). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فصل في الكلام عن متعمد تأخير الصلاة والناسي:
وأما قولكم: وسوَّى اللَّه سبحانه في حكمهما، أي: حكم العامد والناسي على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام المؤقت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والساهي في الصلاة كما وصفنا، ونص على المريض والمسافر في الصوم واجتمعت الأمة ونقلت الكافة: فيمن لم يصم شهر رمضان عامدًا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرًا وبطرًا ثم تاب منه أن عليه قضاءه إلى آخره فجوابه من وجوه:
أحدها: قولكم إن اللَّه سبحانه وتعالى سوَّى بينهما، أي: بين العامد والناسي، فكلام باطل على إطلاقه في سوى اللَّه سبحانه بين عامد وناس أصلًا، وكلامنا في هذا العامد العاصي الآثم المفرط غاية التفريط فأين سوَّى اللَّه سبحانه بين حكمهما في صلاة أو صيام.
وقولكم فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا، قد تقدم أن النسيان المذكور في الصلاة لا يصح حمله على العمد بوجه، وأن الذي نص عليه في الحديث هو نسيان السهو الذي هو نظير النوم فلا تعرض فيه للعامد.
وأما نصه على المريض والمسافر في الصوم فهما وإن أفطرا عامدين فلا يمكن أخذ حكم تارك الصلاة عمدًا من حمكها وما سوى اللَّه ولا رسوله بين تارك الصلاة عمدًا أو أشرًا حتى يخرج وقتها وبين تارك الصوم لمرض أو سفر حتى يؤخذ حكم أحدهما من الآخر فمؤخر الصوم في المرض والسفر كمؤخر الصلاة لنوم أو نسيان، وهذان هما اللذان سوَّى اللَّه ورسوله بين حكمهما، نص اللَّه على حكم المريض والمسافر في الصوم المعذورين ونص رسول اللَّه على حكم النائم والنادي في الصلاة المعذورين، فقد استوى حكمهما في الصوم والصلاة، ولكن أين استوى حكم العامد المفرط الآثم والمريض والمسافر والنائم والناسي المعذورين يوضحه أن الفطر بالمرض قد يكون واجبًا بحيث يحرم عليه الصوم والفطر في السفر إما واجب عند طائفة من السلف والخلف أو أنه افضل من الصوم عند غيرهم، أو هما سواء أو الصوم أفضل منه لمن لا يشق عليه عند آخرين.
وعلى كل تقدير فإلحاق تارك الصلاة والصوم عمدًا وعدوانًا به من أفسد الإلحاق وأبطل القياس وهذا مما لا خفاء به عند كل عالم.
وقولكم: إن الأمة اجتمعت والكافة نقلت أن من لم يصم شهر رمضان عامدًا أشرًا أو بطرًا ثم تاب منه فعليه قضاؤه فيقال لكم أوجدونا عشرة من أصحاب رسول اللَّه ممن دونهم صرح بذلك ولن تجدوا إليه سبيلًا، وقد أنكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخلاف؛ فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به، وأما ما قامت الأدلة الشرعية عليه فلا يجوز لأحد أن ينفي حكمه لعدم علمه بمن قال به؛ فإن الدليل يجب اتباع مدلوله وعدم العلم بمن قال به لا يصح أن يكون معارضًا بوجه ما، فهذا طريق جميع الأئمة المقتدى بهم، قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللَّه: من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم ولكن يقول: لا نعلم للناس اختلافًا إذا لم يبلغه.
وقال في رواية المروزي كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا، إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال: إني لا أعلم مخالفًا كان أسلم.
وقال في رواية أبي طالب: هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون، ولكن يقول: ما أعلم فيه اختلافًا فهو أحسن من قوله: أجمع الناس.
وقال في رواية أبي الحارث: لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا.
وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن: لا يكون لأحد أن يقول: أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان، ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة، فقال لي: تضيق هذا جدًّا قلت له: وهو مع ضيقه غير موجود.
وقال في موضع آخر: وقد بين ضعف دعوى الإجماع وطالب من يناظره بمطالبات عجز عنها فقال له المناظر: فهل من إجماع؟ قلت: نعم الحمد للَّه كثيرًا في كل الفرائض التي لا يسع جهلها، وذلك الإجماع هو الذي إذا قلت: أجمع الناس لم تجد أحدًا يقول لك ليس هذا بإجماع، فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها.
وقال بعد كلام طويل حكاه في مناظرته: أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن أحد بعد رسول اللَّه دعوى الإجماع إلا فيما لم يختلف فيه أحد إلى أن كان أهل زمانك هذا، قال له المناظر: فقد ادعاه بعضكم، قلت: أفحمدت ما ادعى منه، قال: لا قلت: فكيف صرت إلى أن تدخل فيما زعمت في أكثر ما عبت الاستدلال من طريق عن الإجماع وهو ترك ادعاء الإجماع؛ فلا تحسن النظر لنفسك إذا قلت: هذا إجماع فتجد حولك من يقول لك: معاذ اللَّه أن يكون هذا إجماعًا.
وقال الشافعي في رسالته: ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعًا، فهذا كلام أئمة أهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى.
فلنرجع إلى المقصود فنقول: من قال من أصحاب رسول اللَّه إن من ترك الصلاة عمدًا لغير عذر حتى خرج وقتها أنها تنفعه بعد الوقت وتقبل وتبرأ ذمته؛ فاللَّه يعلم أنا لم نظفر على صاحب واحد منهم قال ذلك، وقد نقلنا عن الصحابة والتابعين ما تقدم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حكايته.
وقد صرح الحسن بما قلناه، فقال محمد بن نصر المروزي في كتابه في الصلاة (رقم 1078) حدثنا إسحاق حدثنا النضر عن الأشعت عن الحسن قال: إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدًا فإنه لا يقضيها.
قال محمد: وقول الحسن هذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه كان يكفره بترك الصلاة متعمدًا فلذلك لم يرد عليه القضاء لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره.
والثاني: أنه لم يكفره بتركها وأنه ذهب إلى أن اللَّه عز وجل، إنما فرض أن يأتي بالصلاة في وقت معلوم، فإذا تركها حتى ذهب وقتها فقد لزمته المعصية لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه فيه؛ فإذا أتى به بعد ذلك فإنما أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه فيه؛ فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور به عن المأمور به، وهذا قول غير مستنكر في النظر لولا أن العلماء قد أجمعت على خلافه.
قال: ومن ذهب إلى هذا قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها وفي النائم أيضًا لو لم يأت الخبر عن النبي أنه قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا استيقظ" راجع البخاري (رقم 597) مسلم (رقم 684) وذكر أنه نام عن صلاة الغداة فقضاها بعد ذهاب الوقت لما وجب عليه في النظر قضاؤها أيضًا فلما جاء الخبر عن النبي بذلك وجب علي قضاؤها وبطل حظ النظر.
فقد نقل محمد الخلاف صريحًا وظن أن الأمة أجمعت على خلافه وهذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه يرى أن الإجماع ينعقد بعد الخلاف.
والثاني: أنه لايرى خلاف الواحد قادحًا في الإجماع.
وفي المسألتين نزاع معروف.
وأما قوله: إن القياس يقتضي أن لا يقتضي النائم والناسي لولا الخبر فليس كما زعمتم لأن وقت النائم والناسي هو وقت ذكره وانتباهه لا وقت له غير ذلك كما تقدم واللَّه أعلم.
وأما قولكم: إن الكافة نقلت والأمة أجمعت أن من لم يصم شهر رمضان أشرًا وبطرًا أن عليه قضاءه فأين النقل بذلك إذا جاء عن أصحاب رسول اللَّه وقد روى عنه أهل السنن أبو داود (رقم 2396) الترمذي (رقم 723) ابن ماجة (رقم 1672) والإمام أحمد في مسنده 2/ 386 من حديث أبي هريرة: "من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر وإن صامه"، فهذه الرواية المعروفة فأين الرواية عنه أو عن أصحابه:"من أفطر رمضان أو بضعه أجزأ عنه أن يصوم مثله". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما قولكم: إن الصلاة والصيام دين ثابت يؤدي أبدًا وإن خرج الوقت المؤجل لما لقول رسول اللَّه "دين اللَّه أحق أن يقضى" البخاري (رقم 1903) مسلم (رقم 1148).
فنقول: هذا الدليل مبني على مقدمتين.
إحداهما: إن الصلاة والصيام دين ثابت في ذمة من تركهما عمدًا، والمقدمة الثانية أن هذا الدين قابل للأداء فيجب أداؤه.
فأما المقدمة الأولى؛ فلا نزاع فيها ولا نعلم أن أحدًا من أهل العلم قال بسقوطها من ذمته بالتأخير ولعلكم توهمتم علينا أنا نقول بذلك وأخذتم في الشناعة علينا وفي التشغيب ونحن لم نقل ذلك ولا أحد من أهل الإسلام.
وأما المقدمة الثانية؛ ففيها وقع النزاع وأنتم لم تقيموا عليها دليلًا فادعاؤكم لها هو دعوى محل النزاع بعينه جعلتموه مقدمة من مقدمات الدليل وأثبتم الحكم بنفسه؛ فمنازعوكم يقولون: لم يبق للمكلف طريق إلى استدراك هذا الفائت، وإن اللَّه تعالى لا يقبل أداء هذا الحق إلا في وقته وعلى صفته التي شرعه عليها، وقد أقاموا على ذلك من الأدلة ما قد سمعتم، في الدليل على أن هذا الحق قابل للأداء في غير وقته المحدود له شرعًا وأنه يكون عبادة بعد خروج وقته.
وأما قوله: "اقضوا اللَّه فاللَّه أحق بالقضاء" البخاري (رقم) وقوله: "دين اللَّه أحق أن يقضى" البخاري (رقم 1903) مسلم (رقم 1148) فهذا إنما قاله في حق المعذور لا المفرط.
ونحن نقول: في مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضًا فهذا إنما قاله رسول اللَّه في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يودي ذلك عنها" قالت: نعم، قال:"فصومي عن أمك" البخاري (رقم 1903) مسلم (رقم 1148).
وفي رواية أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها اللَّه أن تصوم شهرًا فأنجاها اللَّه سبحانه وتعالى فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول اللَّه فذكرت ذلك فقال: "صومي عنها" رواه أهل السنن أبو داود (رقم 3308) النسائي (رقم 3816).
وكذلك جاء منه الأمر بقضاء هذا الدين في الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر ففي المسند (4/ 5) والسنن النسائي (رقم 3635) من حديث عبد اللَّه بن الزبير قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول اللَّه فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ لا يستطيع ركوب رحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال: "أنت أكبر ولده" قال: نعم، قال:"أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزيء عنه" قال: نعم قال: "فحج عنه". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعن ابن عباس: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: "نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا اللَّه فاللَّه أحق بالوفاء"، متفق على صحته البخاري (رقم 6699) وراجع مسلم (رقم 1334 و 1335).
وعن ابن عباس أيضًا قال: أتى النبي رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه؟ قال: "أرأيت لو أن أباك ترك دينًا عليه فقضيته كان يجزئ عنه" قال: نعم، قال:"فحج عن أبيك" رواه الدارقطني (2/ 260).
ونحن نقول في مثل هذا الدين القابل للأداء: دين اللَّه أحق أن يقضى؛ فالقضاء المذكور في هذه الأحاديث ليس بقضاء عبادة مؤقتة محدودة الطرفين وقد جاهر بمعصيته اللَّه سبحانه وتعالى بتفويتها بطرًا وعدوانًا فهذا الدين مستحقه لا يعتد به ولا يقبله إلا على صفته التي شرعه عليها ولهذا لو قضاه على غير تلك الصفة لم تنفعه.
فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد:
قولكم: وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها أولى.
فجوابه من وجوه:
أحدها: المعارضة بما هو أصح منه أو مثله وهو أن يقال: لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور المطيع للَّه ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه صحته وقبوله منه متعد لحدود اللَّه مضيع لأمره تارك لحقه عمدًا وعدوانًا، فقياس هذا على هذا في صحه العبادة وقبولها منه وبراء الذمة بها من أفسد القياس.
الوجه الثاني: إن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها بل في نفس وقتها الذي وقته اللَّه له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر كما قال: "من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها" رواه البيهقي السنن (2/ 219) والدارقطني (1/ 423) وقد تقدم.
فالوقت وقتان: وقت اختيار ووقت عذر فوقت المعذور بنوم أو سهو هو وقت ذكره واستيقاظه؛ فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدًا وعدوانًا.
الثالث: إن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي وبين المعذور وغيره وهما مما لا خفاء به، فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز.
الرابع: إنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا، بل ألزمنا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظًا عليه وجوزنا قضاءها للمعذور غير المفرط. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما استدلالكم بقول: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" البخاري (رقم 579) مسلم (رقم 608) في أصحه من حديث، وما أراه على مقتضى قولكم؛ فإنكم تقولون: هو مدرك العصر ولو لم يدرك من وقتها شيئًا البتة، بمعنى إنه مدرك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق من مبرئة لذمته، فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق إدراكها بركعة، ومعلوم أن النبي لم يرد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقًا، فإنه أمر أن يوقع جميعها في وقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم بل هو مدرك آثم فلو كانت تصح بعد الغروب لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت أو لا يدرك شيئًا منه شيئًا.
فإن قلتم: إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم أثرًا.
قيل لكم: النبي لم يفرق بين إدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه، ولا ريب أن المفوت لمجموعها في وقت أعظم من المفوت، لأكثرها والمفوت لأكثرها فيه أعظم من المفوت لركعة منها فنحن نسألكم ونقول: ما هذا الإدراك الحاصل بركعة أهذا إدراك يرفع الإثم، فهذا لا يقوله أحد، أو إدراك يقتضي الصحة فلا فرق فيه بين أن يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها.
فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق:
وأما احتجاجكم بتأخير النبي لها يوم الخندق من غير نوم ولا نسيان ثم قضاها، فيقال: ياللَّه العجب لو أتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم وأقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص للَّه آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من أطوع الخلق للَّه وأرضاهم له وأتبعهم لأمره وهو مطيع للَّه في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه، وذلك التأخير منه صلوات اللَّه وسلام عليه إما أن يكون نسيانًا منه أو يكون أخرها عمدًا، وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه بوجه فإنه إن كان نسيانًا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه، وأن الناسي يصليها متى ذكرها وإن كان عامدًا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه، كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء.
وقد اختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة، قالوا: والتأخير يوم الخندق منسوخ، وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه.
الثاني: أنها تؤخر كما أخر النبي يوم الخندق وهذا مذهب أبي حنيفة.
والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة.
والحنفية تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال؛ فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما أمر اللَّه سبحانه بأن يقوموا صفين صفًا يصلون وصفا يحرسون وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك؛ فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع وهذا في القول كما ترى.
وقالت طائفة ثالثة: يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها، وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد لأن الصحابة فعلوا هذا، وهذا في قصة بني قريظة كما سنذكرها بعد هذا إن شاء اللَّه تعالى، وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة اللَّه وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه وباللَّه التوفيق.
فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة.
وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدًا حين قال النبي: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" البخاري (رقم 946) مسلم (رقم 1770) فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا: لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق وأبت طائفة أخرى أن تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء في عنف رسول اللَّه واحدة من الطائفتين؛ فإن الذين أخروها كانوا مطيعين لرسول اللَّه معتقدين وجوب ذلك التأخير وأن وقتها الذي أمروا به حيث أدركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود اللَّه على المطيع له الممتثل لأمره فهذا من أبطل قياس في العالم وأفسده، وباللَّه التوفيق.
وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق، قالوا: لأنهم امتثلوا أمر رسول اللَّه على الحقيقة، والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق.
فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها:
وأما استدراكم بأمر النبي أن تصلي نافلة مع الأمراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت؛ فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار، بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر، وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار.
ونحن نقول: إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية، وإن كان غير معذور وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار بل إلى أن يبقى منها قدر ركعة؛ فإنه يصليها بالنص، وقد جمع النبي بالمدينة من غير خوف ولا مطر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أراد أن لا يحرج أمته مسلم (رقم 705) الموطأ (1/ 144) فهذا التأخير لا يمنع صحة الصلاة.
وأما قولكم: قد أجاز رسول اللَّه صلاة من أخر الظهر إلى وقت العصر مع تفريطه في خروج وقت الظهر.
فجوابه: إن الوقت مشترك بين الصلاتين في الجملة، وقد جمع رسول اللَّه بالمدينة من غير خوف ولا مرض وهذا لا ينازع فيه ولكن هل أجاز رسول اللَّه صلاة الصبح في وقت الضحى من غير نوم لا نسيان؟
وأما قولكم: وقد روي من حديث أبي قتادة: أن رسول اللَّه قال فيمن نام عن صلاة الصبح: "وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها" مسلم (رقم) إن هذا أوضح في أداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وهو حديث صحيح الإسناد، فيا للَّه العجب أين في هذا الحديث ما يدل بوجه من وجوه الدلالة نصها أو ظاهرها أو إيمائها على أن العاصي المتعدي لحدود اللَّه بتفويت الصلاة عن وقتها تصح منه بعد الوقت وتبرأ ذمته منها وهو أهل أن تقبل منه وكأنكم فهمتم من قوله:"فإذا كان الغد فليصلها لميقاتها" أمره بتأخيرها إلى الغد وهذا باطل قطعًا لم يرده رسول اللَّه، والحديث صريح في إبطاله؛ فإنه أمره أن يصليها إذا استيقظ أو ذكرها، ثم روي في تمام الحديث هذه الزيادة وهي قوله:"فإذا كان من الغد فليصلها لميقاتها"، وقد اختلف الناس في صحة هذه الزيادة ومعناها فقال بعض الحفاظ: هذه الزيادة وهم من عبد اللَّه بن رباح الذي روى الحديث عن أبي قتادة أو من أحد الرواة وقد روي عن البخاري أنه قال: لا يتابع في قوله: فليصل إذا ذكرها لوقتها من الغد.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده (4/ 441) عن عمران بن حصين قال: سرت مع رسول اللَّه فلما كان من آخر الليل عرسنا، فلم نستيقظ حتى ألحقتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشًا إلى طهوره، فأمرهم النبي أن يسكنوا ثم ارتحل فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالًا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا، فقالوا: يا رسول اللَّه إلا نعيدها في وقتها من الغد؟ قال: "أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا وبقبله منكم".
قال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي: وفي هذا دليل على ما قال البخاري؛ لأن عمران بن الحصين كان حاضرًا ولم يذكر ما قال عبد اللَّه بن رباح عن أبي قتادة، راجع: المغني (2/ 348) وعندي أنه لا تعارض بين الحديثين ولم يأمر رسول اللَّه بإعادتها من الغد، وإنما الذي أمر به فعل الثانية في وقتها، وأن الوقت لم يسقط بالنوم والنسيان بل عاد إلى ما كان عليه، واللَّه أعلم.
قوله: وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال: قدم وفد ثقيف على رسول اللَّه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر إلى آخره.
وقد تقدم جواب هذا وأمثاله مرارًا وأن هذا التأخير كان طاعة للَّه تعالى وقربة وغايته أنه جمع بين الصلاتين لشغل مهم من أمور المسلمين، فكيف يصح إلحاق تأخير المتعدي لحدود اللَّه به ولقد ضعفت مسألة تنصر بمثل هذا.
قوله وليس ترك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدًا مذكورًا عند الجمهور في الكبائر.
فيقال: يا للَّه العجب وهل تقبل هذا المسألة نزاعًا وهل ذلك إلا من أعظم الكبائر، وقد جعل رسول اللَّه تفويت صلاة العصر محبطًا للعمل، فأي كبيرة تقوى على إحباط العمل سوى تفويت الصلاة.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، ولم يخالفه صحابي واحد في ذلك بل الآثار الثابتة الصحابة كلها توافق ذلك.
هذا، والجامع بين الصلاتين قد صلاهما في وقت إحداهما للعذر فم إذا نقول فيمن صلى الصبح في وقت الضحى عمدًا وعدوانًا والعصر نصف الليل من غير عذر، وقد صرح الصديق أن اللَّه لا يقبل هذه الصلاة ولم يخالف الصديق صحابي واحد.
وقد توعد اللَّه سبحانه بالويل والغي لمن سها عن صلاته وأضاعها، وقد قال الصحابة وهم أعلم الأمة بتفسير الآية إن ذلك تأخيرها عن وقتها كما تقدم حكايته.
ويا للَّه العجب أي كبيرة أكبر من كبيرة تحبط العمل وتجعل الرجل بمنزلة من قد وتر أهله وماله، وإذا لم يكن تأخير صلاة النهار إلى الليل وتأخير صلاة الليل إلى النهار من غير عذر من الكبائر، لم يكن فطر شهر رمضان من غير عذر وصوم شوال بدله من الكبائر، ونحن نقول: بل ذلك أكبر من كل كبيرة بعد الشرك باللَّه ولأن يلقى اللَّه العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به خير له من أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار عدوانًا عمدًا بلا عذر.
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة: أنه دخل مع ابن عباس على عمر حين طعن فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين الصلاة، فقال: أجل أصلي إنه لا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة، سنن الدارقطني 2/ 52 وتعظيم قدر الصلاة (رقم 925).
وقال إسماعيل ابن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر وعمر كانا يعلمان الناس الإسلام تعبد اللَّه ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة التي افترض اللَّه بمواقيتها؛ فإن في تفريطها الهلكة، تعظيم قدر الصلاة (رقم 932).
وقال محمد بن نصر المروزي: وسمعت إسحاق يقول: صح عن رسول اللَّه: "أن تارك الصلاة كافر" وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى =