الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: لو سرق عبد من مال ولد سيده أو والده، هل تقطع يده
؟
أجمع أهل العلم على أن لا قطع على العبد إذا سرق من مال مولاه (1).
واختلفوا فيما لو سرق عبد من مال ولد سيده أو والده إلى قولين:
القول الأول: لا تقطع يده، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة (2).
والقاعدة عندهم: كل من لا يقطع الإنسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله، كآبائه وأولاده وغيرهم.
وبعبارة أخرى: من لا يقطع الإنسان بسرقته من مال لا يقطع عبده بسرقته من ذلك المال.
فقد أجرى جمهور الفقهاء العبد مجرى مولاه في الحكم، فالعبد في هذا ملحقٌ بمولاه فلا يُقطع في سرقةٍ لا يقطع فيها سيده لو كان مكانه (3)، وعليه فلا يقطع عبد بسرقة مال أحدٍ من عمودي (4) نسب سيده.
القول الثاني: تقطع يد العبد بسرقته من مال ولد سيده أو والده، وهو قول المالكية، ووجه عند الشافعية (5)، واختيار الصيدلاني (6).
أدلة القول الأول:
(1) الإشراف (7/ 222).
(2)
انظر: حاشية ابن عابدين (4/ 97)، روضة الطالبين (10/ 120)، تحفة المحتاج (9/ 130)، المغني (9/ 134)، كشاف القناع (6/ 141).
(3)
انظر: المراجع السابقة، وفي الاستذكار (7/ 564):"ما لم يقطع فيه بالسيد لم يقطع فيه غلامه".
(4)
عمودا النسب: هم الأصول والفروع.
(5)
انظر: الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 1080)، البيان والتحصيل (5/ 18)، الشرح الكبير للدردير (4/ 345)، شرح مختصر خليل للخرشي (8/ 96)، نهاية المطلب (17/ 288 - 289)، روضة الطالبين (10/ 120).
(6)
في نهاية المطلب (17/ 288 - 289): "قال الصيدلاني: الصحيحُ أن يقطع العبد" وقال "وفي قطع العبد -إذا كنا لا نقطع السيد- وجهان: أحدهما - وهو اختيار الصيدلاني أنا نقطعه، كالأخ. والثاني - لا نقطعه؛ لأن يده يد السيد، فكأن السيد أخذه".
1.
أن عبد الله بن عمرو الحضرمي (1) جاء إلى عمر رضي الله عنه بغلام له فقال له: إن غلامي هذا سرق فاقطع يده، فقال عمر: ما سرق؟ قال: مرآة امرأتي، قيمتها ستون درهمًا، قال:«أرسله فلا قطْع عليه، خادمكم أخذ متاعكم، ولكنه لو سرق من غيركم قطع» (2).
وجه الدلالة:
أن عمر رضي الله عنه لم يقطع يد العبد الذي سرق زوجة سيده، فكذلك ولده ووالده (3).
قال ابن عبد البر: "هذا لا يقوله عمر من رأيه، وهو يتلو الآية في السارق والسارقة إلا بتوقيف
…
، وثبت عن ابن مسعود أنه قال في عبد سرق من مال سيده:«مالك سرق بعضه بعضًا» .
ولا أعلم لعمر وابن مسعود مخالفًا من الصحابة ولا من التابعين بعدهم إلى ما ذكرنا من اتفاق العلماء أئمة الفتوى بالأمصار على ذلك" (4).
2.
سأل معقل بن مقرن ابن مسعود، فقال: عبد لي سرق من عبدي؟ قال: «اقطعه» ، ثم قال:«لا، مالك أخذ مالك» ، وفي رواية "مالك سرق بعضه بعضًا، لا قطع
(1) عبد الله بن عمرو الحضرمي: حليف بني أُمَيَّة. قال الواقدي: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر بن الخطاب. فحديثه مرسل وهو معدود في التابعين. الاستيعاب (3/ 956)، الاستيعاب (3/ 956)، جامع التحصيل (ص: 215).
(2)
رواه مالك في الموطأ - رواية أبي مصعب الزهري (2/ 33)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 210)، والدارقطني في السنن (4/ 251)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 489)، قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (4/ 264):"هذا إسناد موقوف صحيح". وصححه الألباني في إرواء الغليل (8/ 75)، وقال:"إسناد صحيح على شرط الشيخين".
(3)
انظر: الأم (7/ 246)، الاستذكار (7/ 558)، المغني (9/ 134).
(4)
الاستذكار (7/ 558)، وانظر: الأم (7/ 246)، المغني (9/ 134).
عليه" (1) قال البيهقي: "وهو قول ابن عباس" (2).
وجه الدلالة:
لما لم تقطع يد عبد سرق من عبد آخر لسيده؛ لأن يد العبد كيد سيده، فلا يقطع كذلك بسرقة والد سيده وولده (3).
3.
لوجود الإذن بالدخول عادة، فاختلّ الحرز (4).
4.
يُدرأ الحد لقيام الشبهة (5).
5.
سرقة العبد لوالد سيده وولده خيانة وليست سرقة؛ لأنها ليست من حرز لاختلاطه بهم، ولأن مال العبد للسيد، فكأنه لم يخرجه من حرزه (6).
6.
ولأن مالهم ينزل منزلة ماله في قطعه، فكذلك في قطع عبده (7).
7.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "وقد قال مالك رحمه الله: من أدخل رجلًا منزله، فعمد إلى تابوت في البيت صغير أو كبير، فدقه، فأخذ ما فيه فلا قطع عليه.
قال: وكذلك إذا عمد إلى خزانة مغلقة، فكسرها وأخذ ما فيها فلا قطع عليه.
ومن أغلق حانوته ورفع مفاتحه إلى أجيرٍ له فخالفه إليه فسرق منه فلا قطع عليه
قال أبو عمر: الغلام السارق من متاع امرأة سيده وهو معهما في دار واحدة أولى بهذا الحكم؛ لأنه كله خيانة لا سرقة، والله أعلم" (8). ومثله سرقة مال ولد السيد ووالده.
(1) رواه عبد الرزاق في مصنفه (10/ 211)، وسعيد بن منصور في التفسير من سننه (4/ 1524)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 340)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 488)، وصححه ابن عبد البر في الاستذكار (7/ 558)، وقال الألباني:"إسناده صحيح". في إرواء الغليل (8/ 76).
(2)
السنن الكبرى للبيهقي (8/ 488).
(3)
انظر: الأم للشافعي (7/ 246)، روضة الطالبين (10/ 120).
(4)
انظر: فتح القدير (5/ 382)، حاشية ابن عابدين (4/ 97).
(5)
انظر: الأم للشافعي (6/ 163)، الاستذكار (7/ 559)، كشاف القناع (6/ 141).
(6)
انظر: الأم للشافعي (6/ 163)، الاستذكار (7/ 559)، الشرح الكبير للشيخ الدردير (4/ 345).
(7)
انظر: المغني (9/ 134)، روضة الطالبين (10/ 120).
(8)
الاستذكار (7/ 5).
دليل القول الثاني:
عموم قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (1) فالآية شاملة لسرقة العبد لوالد سيده وولده (2).
ونوقش:
بأن أثر عمر يَخصُّ عموم الآية، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلافه، فحلَّ محل الإجماع (3).
الترجيح:
الذي يظهر -والله أعلم- رجحان قول الجمهور؛ لقوة استدلالهم وتعليلهم، وعموم الآية مخصوص بأثر عمر رضي الله عنه.
* * *
(1) سورة المائدة: 38.
(2)
انظر: فتح القدير (5/ 383)، مرقاة المفاتيح (6/ 2364).
(3)
انظر: المراجع السابقة، المغني (9/ 134).