الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: كسر عظم العقيقة
.
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم كسر عظام العقيقة:
القول الأول: جواز كسر عظمها، وهو قول الحنفية والمشهور عند المالكية (1).
القول الثاني: يستحب أن تُفْصَل أعضاؤها، ولا تكسر عظامها، وهو قول الشافعية والحنابلة (2)، واختاره الصيدلاني (3).
القول الثالث: يستحب كسرها، وهو قولٌ للمالكية (4).
تعليل القول الأول:
1.
لم يصح في المنع من كسر عظامها شيء (5).
2.
قالوا: قد جرت العادة بكسر عظام اللحم وفي ذلك مصلحة أكله، وتمام الانتفاع به، ولا مصلحة تمنع من ذلك (6).
3.
ولأن ذبحها أعظم من كسر عظمها (7).
أدلة القول الثاني:
1.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين رضي الله عنهما:
(1) انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 336)، مختصر خليل (ص: 81)، الفواكه الدواني (1/ 393).
(2)
انظر: المهذب (1/ 439)، مغني المحتاج (6/ 140)، المغني لابن قدامة (9/ 463)، مطالب أولي النهى (2/ 491)، كشاف القناع (3/ 30).
(3)
في نهاية المطلب (18/ 206): "وأطلق الصيدلاني في مجموعه أنَّ الشاة تعضَّى، وتطبخ، .... ".
تعضَّى: تقول: عضَّيت الذبيحةَ بالتشديد إذا جعلتها أعضاءً. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 416).
(4)
انظر: الفواكه الدواني (1/ 393)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (3/ 82).
(5)
انظر: المحلى (7/ 528)، تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 79).
(6)
تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 79).
(7)
الحاوي الكبير (15/ 130).
«أن تبعثوا إلى القابلة منها بِرِجْلٍ، وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظمًا» (1).
2.
قول عائشة رضي الله عنها: «تقطع جُدُولًا ولا يُكسر لها عظم» (2).
(1) رواه أبو داود في المراسيل (ص: 278)، وعنه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 508)، قال ابن حزم في المحلى (7/ 529):"مرسل"، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (11/ 173).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 116)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 692)، والحاكم في المستدرك (4/ 266)، وتمامه: عن أم كُرْز، وأبي كُرْز، قالا: نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزورًا، فقالت عائشة رضي الله عنها:«لا بل السنة أفضل عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة، تقطع جدولًا، ولا يكسر لها عظم، فيأكل ويطعم ويتصدق، وليكن ذاك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين» ، وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وضعفه ابن حزم في المحلى (6/ 240)، وقال الألباني في إرواء الغليل (4/ 396): "ظاهر الإسناد الصحة، ولكن له عندي علتان:
الأولى: الانقطاع بين عطاء وأم كرز.
والأخرى: الشذوذ والإدراج، فقد ثبت الحديث عن عائشة من طريقين، وليس فيهما قوله: "تقطع جُدُولًا
…
".
فالظاهر أن هذا مدرج من قول عطاء، ويؤيده أن عامر الأحول رواه عن عطاء عن أم كرز قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة". قال: وكان عطاء يقول: تقطع جدولًا
…
" دون قوله "ولكن ذاك يوم السابع
…
". أخرجه البيهقي (9/ 302). فقد بين عامر أن هذا القول ليس مرفوعًا في الحديث وإنما هو من كلام عطاء موقوفًا عليه، فدل أنه مدرج في الحديث، والله أعلم". انتهى كلام العلامة الألباني رحمه الله
وقال الدارقطني في العلل (15/ 405): "قال يحيى بن سعيد: أخاف أن يكون عطاء بلغه هذا عن يوسف بن ماهك.
حدثنا ابن مخلد، قال: حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا أبو سلمة التبوذكي، قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن الحجاج، أن عطاء حدثه، عن يوسف بن ماهك أنه قيل لعائشة لو قد ولدت عائشة إن شاء الله لعققنا عن ولدها جزورًا فقالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة".
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 116) بسنده قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة، قالت:«يطبخ جُدُولًا، ولا يكسر منها عظم» . وهذه الرواية لم يتعرض لها العلامة الألباني رحمه الله.
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 103): "وروى الأثرم عن أحمد ما يدل على أنه كان يدلس، فقال في قصة طويلة: ورواية عطاء عن عائشة: لا يحتج بها؛ إلا أن يقول: سمعت"، وانظر: علل الدارقطني (15/ 405). وقد روى الشيخان في صحيحيهما رواية عطاء عن عائشة بالعنعنة بدون التصريح بالسماع! !
ومما يدل على عدم سماع عطاء من عائشة هذا الحديث أن الراوية عن عائشة (أم كرز) لم يسمع منها عطاء.
قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: "لم يسمع عطاء من أم كرز شَيْئًا". كما في تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (ص: 228). ورواية عطاء عن أم كرز عن عائشة رواها إسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 692)، والحاكم في المستدرك (4/ 266).
قولها "جُدُولًا": الجُدُول جمع جِدْل، وهو العضو (1).
قال الإمام البيهقي: "ورُوي في ذلك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه من قوله"(2).
3.
وقالوا: لأنها أول ذبيحة ذبحت عن المولود، فاستحب فيها ذلك تفاؤلًا بالسلامة وطيب العيش (3).
4.
وذكروا في ذلك وجوهًا في الحكمة منها (4):
أحدها: إظهار شرف هذا الإطعام وخطره إذا كان يقدم للآكلين ويهدى إلى الجيران ويطعم للمساكين، فاستحب أن يكون قطعًا كل قطعة تامة في نفسها؛ لم يكسر من عظامها شيء، ولا نقص العضو منها شيئًا، ولا ريب أن هذا أجلّ موقعًا وأدخل في باب الجود من القطع الصغار.
المعنى الثاني: أن الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعًا حسنًا
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 248).
(2)
السنن الكبرى للبيهقي (9/ 302).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (15/ 129)، المغني (9/ 463)، تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 80).
(4)
انظر: تحفة المودود (ص: 79 - 80).
عند المهدى إليه، ودلت على شرف نفس المهدي وكبر همته، وكان في ذلك تفاؤلًا بكبر نفس المولود وعلو همته وشرف نفسه.
تعليل القول الثالث:
1.
مخالفة لفعل أهل الجاهلية، وإنما كانوا يقطعونها من المفاصل مخافة إصابة الولد، فنسخه الإسلام (1).
2.
ولأنه طيرة (2) وقد نهي عنها (3).
الترجيح:
الراجح- والله أعلم- القول بجواز كسر عظمها، والأولى عدم كسرها، لاحتمال ثبوت ذلك موقوفًا عن عائشة رضي الله عنها في نفس الأمر وإن كان قد وَصلتنا الرواية عن عائشة بسند فيه مقال.
والقول بأن عدم كسرها نوع من التطير غير ظاهر؛ لأن عدم كسرها تفاؤلًا وليس تشاؤمًا، والفرق بينهما أن التطير باعث على العمل، وأما الفأل حاثّ ومنشِّط على العمل (4)، وبهذا يُعلم أنّ القول بأنَّ عدم كسر عظم العقيقة موافق لما عليه الجاهلية أمرٌ لا يُسعفه الثبوت، ولا المعنى.
(1) انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 103)، الفواكه الدواني (1/ 393)، بداية المجتهد (3/ 16).
(2)
الطيرة: التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو زمان، أو مكان. انظر: فتح الباري (16/ 285)، القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 103).
(3)
الحاوي الكبير (15/ 130) فتح الباري (16/ 285).
(4)
قال صاحب فتح المجيد (ص: 310 - 311، 315 - 316): "وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة» بيّن صلى الله عليه وسلم أن الفأل يعجبه، فدل على أنه ليس من الطيرة المنهي عنها. وفي الحديث «إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك». هذا حد الطيرة المنهي عنها: أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده، ويمنعه من المضي فيه كذلك. وأما الفأل الذي كان يحبه النبي صلى الله عليه وسلم فيه نوع بشارة، فيسر به العبد، ولا يعتمد عليه بخلاف ما يمضيه أو يرده، فإن للقلب عليه نوع اعتماد. فافهم الفرق، والله أعلم".
والمحفوظ عن الإمام مالك رحمه الله الجواز؛ قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "وقال مالك وابن شهاب (1): لا بأس بكسر عظامها"(2).
* * *
(1) هو الإمام الزهري رحمه الله.
(2)
التمهيد (4/ 321).