الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: مَنْ سافر وأخذ إحدى زوجاته بالقرعة ثم بلغ البلد الذي يقصده، فلو نوى الإقامة أربعة أيام، فهل عليه قضاء الليالي لزوجاته الباقيات
؟
القرعة: اسم مصدر بمعنى الاقتراع وهو الاختيار بإلقاء السهام ونحو ذلك (1).
والأصل في مشروعية القرعة لمن أراد السفر بأحد زوجاته أن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه" متفق عليه (2).
ولتحرير المسألة نقول:
إذا سافر الزوج المتعدد إما أن يأخذ جميع نسائه أو يختار بعض زوجاته، وإذا اختار إحدى زوجاته إما أن تكون بالقرعة أو بدون قرعة، فإن أخذها بالقرعة إما أن ينوي الإقامة أربعة أيام أو أقل.
فإن لم ينو الإقامة لا يجب عليه أن يقضي للباقيات مدة سفره، وإن طالت، ولا مدة مكثه في بلد، إذا لم يزد على مقام المسافرين؛ لأن المسافرة وإن حظيت بصحبة الزوج، فقد تعبت بمشقة السفر، والتسوية بينها وبين مَنْ هي في راحة الإقامة والسكون عدول عن الإنصاف (3).
فلا يقضي للباقيات؛ لأنه خرج بهن بحق لا بميل ولا بحيف (4).
(1) انظر: المعجم الوسيط (2/ 728).
(2)
رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها- باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها، إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز، رقم (2593)، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، رقم (2770).
(3)
انظر: شرح السنة للبغوي (9/ 154).
(4)
انظر: المحلى بالآثار (9/ 217).
والمراد من المسألة فيما إذا زاد مكثه في موضع على مدة المسافرين بأن نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر (وهي أقل مدة الإقامة عند الشافعية)(1)، فهل عليه قضاء الليالي لزوجاته الباقيات؟
اختلف العلماء في المسألة على قولين:
القول الأول: ليس عليه قضاء الليالي الباقيات التي أقامها بعد السفر، وأن القَسْم يفوت بفوات زمنه سواء فات لعذر أم لا، وهو قول الحنفية والمالكية، واختيار ابن تيمية (2).
القول الثاني: عليه قضاء الليالي التي أقامها بعد السفر لزوجاته الباقيات، وهو
مذهب الشافعية (3) والحنابلة (4)، واختيار
(1) انظر: الأم (1/ 215)، منهاج الطالبين (ص: 44).
قال الشيرازي في المهذب (1/ 195): "وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيمًا، وانقطعت عنه رخص السفر؛ لأن بالثلاثة لا يصير مقيمًا؛ لأن المهاجرين حرم عليهم الإقامة بمكة ثم رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيموا ثلاثة أيام فقال: "يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا".
وأجلى عمر رضي الله عنه اليهود من الحجاز ثم أذن لمن قدم منهم تاجرًا أن يقيم ثلاثًا.
وأما اليوم الذي يدخل فيه ويخرج فلا يحتسب به؛ لأنه مسافر فيه فإقامته في بعضه لا تمنعه من كونه مسافرًا؛ لأنه ما من مسافر إلا ويقيم بعض اليوم، ولأن مشقة السفر لا تزول إلا بإقامة يوم".
(2)
انظر: المبسوط (5/ 219)، بدائع الصنائع (2/ 333)، الشرح الكبير للدردير (2/ 340)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (2/ 506)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 483).
(3)
قال الإمام الغزالي رحمه الله: "شرط عدم القضاء، أن يكون سفرًا طويلًا مرخصًا"، وأعقبه الإمام النووي رحمه الله بقوله:"وهذا يقتضي وجوب القضاء في سفر المعصية". روضة الطالبين (7/ 364).
(4)
انظر: نهاية المطلب (13/ 264)، منهاج الطالبين (ص: 225)، مغني المحتاج (4/ 424)،
شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/ 343)، الفروع (8/ 403)، شرح منتهى الإرادات (3/ 50).
الصيدلاني (1).
أدلة القول الأول:
1.
أنَّ القسمة تكون بعد الطلب من كل واحدة منهما، فما مضى قبل الطلب ليس من القسمة في شيء (2).
يناقش:
بأن هذا تعليل في متنازعٍ فيه، والحقوق يطالب بها مستحقيها سواء كان ثبوت الحق قبل الطلب أو بعده.
2.
أنَّ مدة السفر ضائعة بدليل أن له أن يسافر وحده دونهن (3).
يناقش:
بأنَّ مسألتنا ليست في السفر، وإنما فيمن نوى الإقامة؛ فإنه في إقامته خرج عن حكم المسافرين، ومن سافر لوحده دون زوجاته كلهن لا يقال: إنه لم يعدل؛ بل سوى بينهن بالبقاء.
أدلة القول الثاني (4):
1.
يقضي للباقيات قياسًا على قضاء الواجبات.
2.
لأنه حق آدمي، وله قدرة على إيفائه.
3.
لأن القرعة إنما تسقط القضاء في قسم السفر.
الترجيح:
(1) في نهاية المطلب (13/ 264): "أن الرجل إذا بلغ المقصد، فلو نوى مقام أربعة أيام، فعليه قضاؤها للمخلَّفات إذا رجع؛ فإنه في إقامته خرج عن حكم المسافرين، وهذا مما أجمع عليه أئمة المذهب، القاضي، والصيدلاني وغيرهما".
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 219).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (2/ 333).
(4)
انظر: فتح القدير لابن الهمام (3/ 435)، المهذب (2/ 485).
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني؛ لقوة تعليلهم، وإمكان مناقشة القول الأول.
وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة (1)، والزوج أباح له الشرع أن يحمل معه أحد زوجاته برضاهن أو القرعة فهي رخصة، والرخصة تقدر بقدرها؛ فلا يزاد عليها، وعلة الرخصة هي السفر، والحكم يدور مع علته وجودًا أو عدمًا؛ إذا علق الشارع حكمًا بسبب أو علة زال ذلك الحكم (2)؛ فلما انتقل من حكم السفر وصار مقيمًا وجب عليه العدل والتسوية.
وهو كمن تعدّد بأكثر من زوجة في أكثر من بلد.
* * *
(1) انظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ص: 515)، وانظر تفصيل القاعدة: المنثور (2/ 63).
(2)
انظر: إعلام الموقعين (4/ 80).