الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: إذا رمى صيدًا، أو أرسل كلبه المعلَّم، ولم يبلغ سلاحه أو معلمه ما يبلغ الذبح من الصيد، ويمكن ذبحه، فهل يلزمه أن يعدوَ، أم يكفيه أن يمشي، حتى تحل
؟
إذا رُمي الصيد، أو أرسل الرجل كلبه المعلَّم فالصيد له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يُدْرَكَ الصائد الصيد، وليس فيه حياة مستقرة (1)
بعد الإصابة، كأن يجده ميتًا فهذا يحل.
الحالة الثانية: أن لا يبقى فيه حياة مستقرة، بأن كان قد قطع حلقومه ومريه، أو أجافه، أو خرق أمعاءه، فيستحب أن يمر السكين على حلقه؛ ليريحه. فإن لم يفعل، وتركه حتى مات، فهو حلال.
الحالة الثالثة: أن يبقى فيه حياة مستقرة فوق حركة المذبوح، فله حالان:
أحدهما: أن يتعذر ذبحه بغير تقصير من صائده حتى يموت، فهو حلال أيضًا للعذر.
(1) في حاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 296)"والمراد بالحياة المستقرة: ما يوجد معها الحركة الاختيارية بقرائن وأمارات".
وفي بدائع الصنائع (5/ 50): "وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا يكتفى بقيام أصل الحياة؛ بل تعتبر حياة مقدورة، كالشاة المريضة، والوقيذة، والنطيحة، وجريحة السبع إذا لم يبق فيها إلا حياة قليلة، عرف ذلك بالصياح، أو بتحريك الذنب، أو طرف العين، أو التنفس، وأما خروج الدم فلا يدل على الحياة إلا إذا كان يخرج كما يخرج من الحي المطلق، فإذا ذبحها وفيها قليل حياة على الوجه الذي ذكرنا تؤكل عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
وعن أبي يوسف روايتان في ظاهر الرواية عنه: أنه إن كان يعلم أنها لا تعيش مع ذلك، فذبحها لا تؤكل، وإن كان يعلم أنها تعيش مع ذلك فذبحها تؤكل، وفي رواية قال: إن كان لها من الحياة مقدار ما تعيش به أكثر من نصف يوم فذبحها تؤكل وإلا فلا، وقال محمد رحمه الله: إن كان لم يبق من حياتها إلا قدر حياة المذبوح بعد الذبح، أو أقل فذبحها لا تؤكل، وإن كان أكثر من ذلك تؤكل، وذكر الطحاوي قول محمد مفسرًا؛ فقال: إن على قول محمد إن لم يبق معها إلا الاضطراب للموت فذبحها فإنها لا تحل، وإن كانت تعيش مدة كاليوم أو كنصفه حلت".
والثاني: أن لا يتعذر ذبحه، فتركه حتى مات، أو تعذر بتقصيره، فلا يحلّ (1).
والمسألة المراد بحثها:
فيما إذا رمى الصائد صيدًا، أو أرسل كلبه المعلَّم وأمكن ذبحه، فهل يلزمه أن يعدوَ ويسرع في سيره، أم يكفيه أن يمشي، حتى تحل؟
للفقهاء فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: لو مشى الصائد على هيئته، ولم يأته عدوًا فأدركه ميتًا، حلَّ، وإن كان لو أسرع لأدركه حيًا، وهو الصحيح عند الشافعية، وقطع به الصيدلاني (2).
القول الثاني: يشترط العدو إلى الصيد عند إصابته، لكن لا يكلف المبالغة بحيث يفضي إلى ضرر ظاهر، وهو وجه عند الشافعية (3).
القول الثالث: أن يُسرع في المشي قليلًا، وهو قول الإمام الجويني من الشافعية (4).
لم أجد نصّا لهذه المسألة عند غير الشافعية.
تعليل القول الأول:
القياس على السعي يوم الجمعة؛ فإنه يكتفى بالمشي فيه (5).
(1) انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (6/ 468 - 469)، الشرح الكبير للدردير (2/ 105)، ) روضة الطالبين (2/ 509)، كشاف القناع (6/ 216).
(2)
قال الإمام النووي رحمه الله في روضة الطالبين (3/ 242): "فالصحيح الذي قطع به الصيدلاني، وصاحب «التهذيب» وغيرهما: أنه لو كان يمشي على هيئته، فأدركه ميتًا، حلَّ، وإن كان لو أسرع لأدركه حيًا"، وانظر: نهاية المطلب (18/ 117)، العزيز شرح الوجيز (12/ 13)، تحفة المحتاج (9/ 320)، نهاية المحتاج (8/ 115).
(3)
انظر: نهاية المطلب (18/ 117)، العزيز شرح الوجيز (12/ 13)، روضة الطالبين (3/ 242).
(4)
نفس المراجع.
(5)
انظر: نهاية المطلب (18/ 117)، العزيز شرح الوجيز (12/ 13)، روضة الطالبين (3/ 242).
تعليل القول الثاني:
قالوا: لأن الإسراع في السير والعدو هو المعتاد في هذه الحالة، والماشي على هيئته خارج عن عادة الطالب (1).
تعليل القول الثالث:
نفس تعليل القول الثاني.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- القول الأول؛ لأن الحيوان الميت إما أن يكون قد مات حتف أنفه، أو مذكى، أو مصيدًا، أو مقتولًا بطريقة أخرى، والذي في مسألتنا كان صيدًا والأصل الحلّ؛ لأنه آخر حكم للحيوان كونه مصيدًا وقد أهريق دمه بسبب الصيد.
وقول الإمام الجويني له حظٌ من النظر لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)، وكما قال: طبيعة الصيد الإسراع.
ولكن يُعكِّر عليه عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل» (3)، وكونه تأخر دقائق يسيرة عن الصيد أولى حِلًّا ممن يغيب يومًا أو يومين، لا سيّما في مسألة خفيّة كمسألتنا.
وأما قياس القول الأول بالسعي إلى الجمعة، فهذا قياس مع الفارق؛ فإن السعي هنا
(1) نفس المراجع.
(2)
سورة التغابن: 16.
(3)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، رقم (5167).
يتعين فيه عدم الإسراع لورود النص في النهي عن الإسراع لإدراك جماعة المسجد، قال صلى الله عليه وسلم:«إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» (1). وطبيعة الصيد الإسراع كما تقدّم.
* * *
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب باب المشي إلى الجمعة (908)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيا، رقم (602).