الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: حكم قتل السيد المحارب عبدَه، إذا كان العبد في الرفقة
.
المحارب: أي من ذوي الحرابة.
لتحرير المسألة، هناك أربع مسائل متتالية:
1.
حكم قتل الحر بالعبد.
2.
حم قتل السيد بعبده.
3.
حكم قتل الحر المحارب بالعبد.
4.
حكم قتل السيد المحارب بعبده إذا كان العبد مهجومًا عليه.
اختلف الفقهاء في قتل الحر بالعبد؛ فمذهب الجمهور (1): أنه لا يقتل الحر بالعبد، ومذهب الحنفية: يقتل الحر بالعبد (2).
واتفقتِ المذاهب الأربعة على أنه لا يقتل السيد بعبده (3).
وأما إذا قَتل الحرُّ المحاربُ العبدَ، فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يقتل الحر المحارب بالعبد، وهو مذهب المالكية، وقول عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة (4).
قالوا: لعموم النصوص، ولأنه حدٌ لله تعالى، فلم تعتبر فيه المكافأة، كقطع السارق (5).
(1) انظر: بداية المجتهد (4/ 180)، شرح الخرشي (8/ 3)، مغني المحتاج (5/ 241)، المغني (8/ 278).
(2)
انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (6/ 533)، بداية المجتهد (4/ 180)
(3)
انظر: الاختيار لتعليل المختار (5/ 27)، بداية المجتهد (4/ 180)، شرح الخرشي (8/ 3)، مغني المحتاج (5/ 241)، المغني (8/ 278).
(4)
انظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 313)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (8/ 74).
العزيز شرح الوجيز (11/ 262)، مغني المحتاج (5/ 502)، الإنصاف (10/ 294)، كشاف القناع (6/ 150).
(5)
انظر: المغني (9/ 147)، الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 69).
القول الثاني: لا يقتل الحر المحارب بالعبد، وهو قول عند الشافعية، ورواية عن أحمد (1).
قالوا: لأنه حق للآدمي (2)، ولقوله تعالى:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (3) يفيد الحصر، أي: لا يقتل الحر إلا بالحر (4)، ولحديث:«لا يقتل حر بعبد» (5).
وأما الحنفية فلم أجد لهم ذكرًا لهذه المسألة في الحرابة.
ومحل البحث حكم قتل السيد المحارب عبدَه، إذا كان العبد مع الرفقة المهجوم عليها.
للعلماء في المسألة قولان:
القول الأول: يقتل السيد المحارب، وهو وجه عند الشافعية (6).
القول الثاني: لا يقتل، وهو وجه عند الشافعية (7)، وهو اختيار الصيدلاني (8).
(1) وصححه العمراني وابن الرفعة في مذهب الشافعية، انظر: روضة الطالبين (10/ 160)، البيان (12/ 505)، كفاية النبيه (17/ 384)، الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 69)، الإنصاف (10/ 294).
(2)
وصححه العمراني وابن الرفعة في مذهب الشافعية، انظر: البيان (12/ 505)، روضة الطالبين (10/ 160)، كفاية النبيه (17/ 384)، الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 69)، الإنصاف (10/ 294).
(3)
سورة البقرة: 178.
(4)
تفسير الرازي (5/ 224).
(5)
أخرجه الدارقطني (3/ 133)، (158)، والبيهقي (8/ 35)، وقال البيهقي: في هذا الإسناد ضعيف، وقال الألباني: ضعيف جدًا، انظر: إرواء الغليل (7/ 267).
(6)
العزيز شرح الوجيز (11/ 262)، روضة الطالبين (10/ 160).
(7)
نفس المراجع.
(8)
في الوسيط للغزالي (6/ 500): "لو قتل عبد نفسه قال القاضي يخرج على القولين، وقطع الصيدلاني بأنه لا يقتل"، وفي العزيز شرح الوجيز (11/ 262)، وروضة الطالبين (10/ 160):"ولو قتل عبد نفسه، فقال ابن أبي هريرة والقاضي حسين: هو على الخلاف، وقال أبو إسحاق: لا يقتل قطعًا، كما لا يقطع إذا أخذ مال نفسه، واختاره الصيدلاني"، وانظر: نهاية المطلب (17/ 309)، المطلب العالي-تحقيق عواد السهلي (ص: 164).
تعليل القول الأول:
تغليب لحق الله تعالى، أو تمحيضه حقًا لله -تعالى-؛ لأنه لا يصح العفو عن المحارب، ويتعلق استيفاؤه بالإمام (1).
تعليل القول الثاني:
1.
لأن فيه رعاية لحقِّ الآدمي، مع حق الله تعالى، وهو الأظهر عند الشافعية (2).
2.
لأن القتل في الحرابة للفساد لا للقصاص (3).
3.
أنه لو قتل في غير المحاربة لثبت القصاص للآدمي، فيبعد أن يبطل حقه بوقوع القتل في المحاربة (4).
4.
ولأنه إذا اجتمع حق الله -تعالى- وحق الآدمي يغلَّب حق الآدمي، فكيف ينتظم هنا إبطاله بالكلية (5).
5.
إذا أخذ السيد المحارب مال نفسه لا تقطع يده، كذلك هنا لا يقتل بقتل عبده الذي هو من ماله (6).
ولم أجد لهذه المسألة نصًا فيها لغير الشافعية غير ما تقدم من مسائل، فيمكن أن يُخرَّج على أصولهم ويقال: يقتل السيد المحارب عند الجمهور، تخريجًا على قولهم بأن القتل في الحرابة حقٌ لله.
(1) انظر: البيان (12/ 505)، العزيز شرح الوجيز (11/ 262)، روضة الطالبين (10/ 160).
(2)
صححه العمراني وابن الرفعة واستظهره النووي في مذهب الشافعية، انظر: البيان (12/ 505)، روضة الطالبين (10/ 160)، كفاية النبيه (17/ 384).
(3)
انظر: شرح الخرشي (8/ 3)، البيان (12/ 505)، العزيز شرح الوجيز (11/ 262)، روضة الطالبين (10/ 160).
(4)
انظر: العزيز شرح الوجيز (11/ 262)، روضة الطالبين (10/ 160).
(5)
نفس المراجع السابقة.
(6)
نفس المراجع السابقة.
قال ابن رشد: "وأما ما يجب على المحارب فاتفقوا على أنه يجب عليه حق لله وحق للآدميين، واتفقوا على أن حق الله هو القتل والصلب وقطع الأيدي وقطع الأرجل من خلاف، والنفي على ما نص الله تعالى في آية الحرابة"(1).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- لا يُقتل السيد المحارب في قتل عبده:
1.
لأنه لا ولي له من البشر إلا هو، وكيف يُقتل بإتلاف مال نفسه.
2.
ولأن الأصل ألا يقتل السيد بعبده، فيتفرع عنه ألا يُقتل به في الحرابة.
* * *
(1) بداية المجتهد (4/ 239).