الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: من عقد يمينه على مباح، فهل الأولى أن يبرّ بيمينه، أو يحنث ويفعل المباح ويكفر
؟
من المقرر أن من عقد يمينه على مباح لا يجب عليه الوفاء به (1).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأما إذا حلف يمينًا مجردةً ليفعلنَّ كذا فهذا حضٌّ منه لنفسه، وحثٌّ على فعله باليمين، وليس إيجابًا عليها، فإن اليمين لا تُوجب شيئًا ولا تُحرمه، ولكن الحالف عَقدَ اليمين باللَّه ليفعلنَّه، فأباح اللَّه سبحانه له حَلَّ ما عقده بالكفارة، ولهذا سَمَّاها اللَّه تَحِلَّة؛ فإنها تَحلُّ عقد اليمين، وليست رافعة لإثم الحنث كما يتوهَمه بعضُ الفقهاء؛ فإنَّ الحنث قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا، فيؤمر به أمر إيجاب أو استحباب، وإن كان مباحًا، فالشارع لم يُبح سببَ الإثم، وإنما شرعها اللَّه حِلًّا لعقد اليمين، كما شرع اللَّه الاستثناءَ مانعًا من عقدها؛ فظهر الفرق بين ما التزمه للَّه وبين ما التزم باللَّه؛ فالأول ليس فيه إلا الوفاء، والثاني يُخَيرُ فيه بين الوفاء وبين الكفارة حيث يسوغ ذلك"(2).
لكن هل الأولى أن يبرّ بيمينه، أو يحنث ويفعل المباح ويكفر؟
القول الأول: الأولى أن يبرّ بيمينه، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية
(1) انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 127)، البحر الرائق (4/ 317)، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (2/ 347)، القوانين الفقهية (ص: 111)، منهاج الطالبين (ص: 327)، أسنى المطالب (4/ 248)، شرح منتهى الإرادات (3/ 442)، كشاف القناع (6/ 230).
(2)
إعلام الموقعين (3/ 361 - 362).
والحنابلة (1)، واختاره الصيدلاني (2).
القول الثاني: ينبغي أن يحنث، وهو وجه عند الشافعية (3).
القول الثالث: يتخير بين الوفاء والحنث، وهو وجه عند الشافعية (4).
أدلة القول الأول:
1.
ظاهر قوله تعالى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (5).
2.
وقوله تعالى {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (6).
3.
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأتها، وليكفر عن يمينه» (7).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص حَلّ اليمين بما لو كان حَلُّها خيرًا وطاعة، فدل مفهوم الحديث على أن الحَلَّ إذا لم يكن طاعة، فلا ينبغي أن يختاره ويؤثره الحالف (8).
(1) انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 127)، البحر الرائق (4/ 317)، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (2/ 347)، القوانين الفقهية (ص: 111)، منهاج الطالبين (ص: 327)، أسنى المطالب (4/ 248).
(2)
في نهاية المطلب (18/ 303): "ولو عقد يمينه على مباح، فكيف السبيل فيه؟ حاصل ما ذكره الأصحاب ثلاثة أوجه: أحدها - أن الأَوْلى ألا يُقدّم على ذلك المباح، وهو اختيار الصيدلاني"، وانظر: المطلب العالي-تحقيق إبراهيم جار الخير هتو (ص: 354).
(3)
انظر: نهاية المطلب (18/ 303).
(4)
انظر: نهاية المطلب (18/ 303)، العزيز شرح الوجيز (12/ 262).
(5)
سورة المائدة: 89. المبسوط للسرخسي (8/ 127).
(6)
سورة النحل: 91. انظر: العزيز شرح الوجيز (12/ 262)، أسنى المطالب (4/ 248).
(7)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} ، رقم (6623)، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذى هو خير ويكفر عن يمينه، رقم (4360).
(8)
انظر: نهاية المطلب (18/ 303).
4.
ولما في البر باليمين من تعظيم الله تعالى (1).
تعليل القول الثاني:
1.
قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} (2)، ثم استحثه على الحل، فقال تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (3).
2.
ليتبين أنه بيمينه لم يغير حكمَ الله تعالى (4).
3.
ولينتفع المساكين بإخراج الكفارة (5).
تعليل القول الثالث:
القاعدة الكلية بأن الأيمان لا تغير الأحكام (6).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- القول الأول (قول الجمهور)؛ لقوة دليلهم وتعليلهم.
* * *
(1) انظر: نهاية المطلب (18/ 303)، العزيز شرح الوجيز (12/ 262)، أسنى المطالب (4/ 248).
(2)
سورة التحريم: 1.
(3)
سورة التحريم: 2. انظر: نهاية المطلب (18/ 303).
(4)
نفس المرجع.
(5)
انظر: العزيز شرح الوجيز (12/ 262).
(6)
انظر: نهاية المطلب (18/ 303).