الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: من حلف لا يأكل اللحم، وأكل القلب
.
اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: يحنث، وهو قول أبي حنيفة ومالك، وقول عند الشافعية (1)، واختاره الصيدلاني (2).
قال الحنفية: فيمن حلف ألا يأكل اللحم فأكل الكرش والكبد والطحال والقلب والرئة حنث قالوا: هذا القول بناء على عرف أهل الكوفة؛ فإن هذه الأشياء في عرفهم كانت تباع مع اللحم وتستعمل استعمال اللحم، فأما في عرفنا لا يحنث في يمينه؛ لأن هذه الأشياء لا تسمى لحمًا، ولا تباع مع اللحم، ولا تستعمل استعمال اللحم (3).
القول الثاني: لا يحنث، وهو الأصح عند الشافعية وقول الحنابلة (4).
تعليل القول الأول:
1.
قالوا: يحنث بأكله؛ لأن القلب لحم حقيقة، فإن نموه من الدم ويستعمل استعمال اللحم، ويتخذ منه ما يتخذ من اللحم، فأشبه لحم الفخذ (5).
2.
أنه يؤكل على صفة اللحم مطبوخًا ومشويًا منفردًا عنه وممتزجًا به، فكان على حكمه (6).
(1) انظر: العناية شرح الهداية (7/ 29)، حاشية ابن عابدين (4/ 79)، المدونة (3/ 156)، تحفة المحتاج (10/ 36) مغني المحتاج (4/ 336).
(2)
قال العمراني: "وإن حلف: لا يأكل اللحم، فأكل القلب أو الأكارع .. فقد قال المسعودي في "الإبانة"، والصيدلاني: يحنث". البيان (10/ 537)
(3)
انظر: المحيط البرهاني (5/ 20)، البحر الرائق (4/ 348)، رد المحتار (14/ 215)، حاشية ابن عابدين (4/ 79).
(4)
انظر: منهاج الطالبين (ص: 329)، تحفة المحتاج (10/ 36)، المغني (9/ 605)، الإنصاف (11/ 68).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (7/ 29)، مغني المحتاج (4/ 336)، المغني (9/ 605).
(6)
انظر: الحاوي في فقه الشافعي (15/ 426).
3.
لأن القلب لحمٌ في العرف (1).
ونوقشت هذه التعليلات:
بأن هذا التعليل بناء على عرف أهل الكوفة؛ فإن هذه الأشياء في عرفهم كانت تباع مع اللحم وتستعمل استعمال اللحم، فأما في عرفنا لا يحنث في يمينه، لأن هذه الأشياء لا تسمى لحمًا، ولا تباع مع اللحم، ولا تستعمل استعمال اللحم (2).
تعليل القول الثاني:
1.
لما خالف القلب اللحم في اسمه وجب أن يخالفه في حكمه، كالرئة والكرش، وبه يبطل ما احتجوا به (3).
2.
قالوا: ولو أمر وكيله بشراء لحم، فاشترى القلب، لم يكن ممتثلًا لأمره، ولا ينفذ الشراء للموكل، فلم يحنث بأكله، كالبقل (4).
الترجيح:
المتأمل لخلاف الفقهاء في الحكم يُدرك أنهم متفقون في مناط الحكم وعلته، ومختلفون في تحقيق المناط في اللحم، ومناط الحكم عند الجميع هو اللغة العرفية، فمن قال: يسمى القلب لحمًا في عرفه قال بالحنث، ومن قال: لا يسمى لحمًا في عُرْفه لم يحنث عنده.
فالراجح -والعلم عند الله- أنه يرجع الحكم إلى عرف كل بلد على حده؛ والدليل على الرجوع إلى العرف عند الإطلاق ما رواه ابن أبي شيبة أن رجلًا قد مات من بني رباح، وأوصى أن يُنحر عنه بدنة، فسئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن البقرة، «هل تجزي؟ » قال:«من أي قوم أنت؟ » قال: قلت: من بني رباح قال: «وأنى لبني رباح البقر؟ إنما البقر
(1) انظر: المحيط البرهاني (5/ 20)، البحر الرائق (4/ 348)، رد المحتار (14/ 215)، حاشية ابن عابدين (4/ 79).
(2)
انظر: البحر الرائق (4/ 348)، حاشية ابن عابدين (4/ 79). المغني لابن قدامة (9/ 606).
(3)
انظر: الحاوي في فقه الشافعي (15/ 426).
(4)
انظر: المغني لابن قدامة (9/ 606).
للأزد وعبد قيس» (1).
مع أن البدن يطلق على البعير والبقر، كما ورد عن عطاء وسعيد بن المسيب - رحمهما الله - (2).
* * *
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 327)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 7).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 327)، وانظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 108).
وقال مجاهد رحمه الله: «لا تكون البدن إلا من الإبل» مصنف ابن أبي شيبة (3/ 327).