الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: لو قهر الإمام طائفةً من المسلمين، وأخرجهم إلى الجهاد، هل يستحقون أجر المثل
؟
لو أكره الإمام جماعة من المسلمين على الجهاد والغزو هل يستحقون أجرة المثل؟
للعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: لا يستحقون أجرة المثل، وهو المذهب عند الشافعية (1)، واختاره الصيدلاني (2).
القول الثاني: إن تعين عليهم الجهاد فلا أجرة لهم، وإن لم يتعين عليهم فعلى الإمام أجرتهم من حين أخرجهم إلى حضور الوقعة، ولا يجب لما بعده أجرة الرجوع (3)، وهو وجه عند الشافعية (4).
ولعل القول الأول بإطلاق أحكم على قاعدة المذهب الشافعي؛ لأن الجهاد يتعين بحضور الوقعة؛ فلا أجرة على المعتمد عندهم بدون إكراه، ومع الإكراه فهو استنفار الإمام فيتعين.
ولم أجد نصًا لهذه المسألة عند غير الشافعية، وأصول المذاهب الأربعة تقتضي أنهم
(1) انظر: الوسيط (7/ 18)، روضة الطالبين (10/ 241)، مغني المحتاج (6/ 28)، حاشية الجمل على شرح المنهج (5/ 193). وقال النووي بعد تقريره هذا القول:" هكذا أطلقوه" ثم ذكر قول البغوي - رحمهما الله -.
(2)
انظر: نهاية المطلب (17/ 431)، قال في الوسيط (7/ 18):"قال الصيدلاني: لو أخرجهم إلى الجهاد قهرًا لم يستحقوا أجرة المثل".
(3)
انظر: التهذيب (7/ 457)، روضة الطالبين (10/ 241)، مغني المحتاج (6/ 28)، النجم الوهاج (9/ 321)، مغني المحتاج (6/ 28)، تحفة المحتاج (9/ 239).
(4)
والقول الثاني هو قول الإمام البغوي من الشافعية وقال الرافعي: "وهو حسن فليحمل إطلاقهم عليه"، وقرره في تحفة المحتاج ونهاية المحتاج. انظر: التهذيب (7/ 457)، روضة الطالبين (10/ 241)، مغني المحتاج (6/ 28)، والنووي نسب هذا الوجه إلى البغوي، وكأنه صادر منه ابتداء، والبغوي قد نص عليه في التهذيب. انظر: النجم الوهاج (9/ 321)، مغني المحتاج (6/ 28)، تحفة المحتاج (9/ 239).
لا يستحقون أجرة المثل؛ كما في المسألة السابقة، ولأنه تعين عليهم الجهاد من جهتين: من جهة حضورهم ميدان المعركة، ومن جهة استنفار الإمام لهم قال صلى الله عليه وسلم:«وإذا استنفرتم فانفروا» (1)، فلا يعطون إلا من الغنائم أو الرَّزق أو النَّفَل أو من العطايا أو من الزكاة أو الجعائل أو غيرها.
وهذا هو الراجح -والله أعلم-
وأما كونهم خرجوا كارهين، فالكره هنا علة غير مؤثرة في الحكم؛ لأن الجهادَ والقتالَ كرهُه طَبعي وجبلي:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (2)، لا سيما مع قوة العدو:{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (3)، قال القرطبي:" {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} كراهة للقاء القوم"(4)، فلا يبعد أن يخرج ثلة منهم مكرهين، فيعامَلون كغيرهم، ولا يستحقون سهمًا أكثر من غيرهم؛ بل إن من خرج في سبيل الله ممتثلًا لأمره خيرٌ ممن أُكره على الغزو، فمن خرج طائعًا أولى بالزيادة والعطاء ممن خرج مكرهًا متثاقلًا متبرمًا، فقد ذم الله تعالى التثاقل عند نداء الجهاد {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (5)، والله أعلم.
* * *
(1) رواه البخاري في صحيح، كتاب الجهاد والسير، باب وجوب النفير، رقم (2825)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد، رقم (1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
سورة البقرة: 216.
(3)
سورة الأنفال: 5، 6.
(4)
تفسير القرطبي (7/ 369)
(5)
سورة التوبة: 38، 39.