الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: حكم قبول البيِّنة حسبة إذا شهد شاهدان أن المرأة ولدت الولد على فراش زوجها لستة أشهر فصاعدًا، والزوج يقول: أتت به لأقل من ستة أشهر
.
أجمع أهل العلم على أن المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها زوجها أن الولد غير لاحق به (1).
وقد «رُفع إلى عمر رضي الله عنه امرأة وَلَدت لستة أشهر فسأل عنها أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال علي: ألا ترى أنه يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (2)، وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (3) فكان الحمل هاهنا ستة أشهر فتركها، ثم قال: بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر» وفي رواية: «فالحمل ستة أشهر، والفصل أربعة وعشرون شهرًا» (4).
(1) انظر: مراتب الإجماع (ص: 57)، الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 73)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 142)
(2)
سورة الأحقاف: 15.
(3)
سورة لقمان: 14. أي: وفطامه في انقضاء عامين. انظر: تفسير الطبري (18/ 551).
(4)
رواه عبد الرزاق في مصنفه (7/ 349 - 350)، وفي موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 19): قال: حدثنا مالك، أنه بلغه، أن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر، فأمر بها أن ترجم، فقال له علي بن أبي طالب: ليس ذلك عليها، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ، وقال:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ، وقال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، قال: والرضاعة أربعة وعشرون شهرًا والحمل ستة أشهر فأمر بها عثمان أن ترد، فوجدت قد رجمت.
ورواه عن مالك البيهقي في السنن الكبرى (7/ 727)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"ورواه ابن وهب بسند صحيح عن عثمان، وأن المناظر له ابن عباس، وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق الأعمش أخبرني صاحب لابن عباس قال: تزوجت امرأة فولدت لستة أشهر من يوم تزوجت، فأتى بها عثمان فأراد أن يرجمها فقال ابن عباس لعثمان: إنها إن تخاصمكم بكتاب الله تخصمكم" التلخيص الحبير (3/ 472).
والواقع والطب يؤيدان ذلك (1).
والمسألة: في حكم قبول البيِّنة حسبة إذا شهد شاهدان أن المرأة ولدت الولد على فراش زوجها لستة أشهر فصاعدًا، والزوج يقول: أتت به لأقل من ستة أشهر.
اختلف العلماء في المسألة على القولين:
القول الأول: تقبل البينة حسبة، وهو ظاهر قول الحنفية والمالكية، وبعض الشافعية (2) واختاره الصيدلاني (3).
القول الثاني: لا تسمع الشهادة حسبة فيه إلا بعد الدعوى، وهو وجه عند الشافعية
(1) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7250).
(فائدتان):
1.
…
إن ادعت المرأة ولادةَ ولدٍ تام فمدة إمكانه ستة أشهر ولحظتان من وقت النكاح؛ لحظة للوطء ولحظة للولادة. انظر: منهاج الطالبين (ص: 241)، مغني المحتاج (5/ 7)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 5).
2.
…
مما يغفل عنه في الشهادة بالنكاح بيان التاريخ، وقد صرح ابن العماد في توقيف الحكام فقال ما نصه:"يجب على شهود النكاح ضبط التاريخ بالساعات واللحظات، ولا يكفي الضبط بيوم العقد؛ فلا يكفي أن النكاح عقد يوم الجمعة مثلًا؛ بل لا بد أن يزيدوا على ذلك بعد الشمس مثلًا بلحظة أو لحظتين أو قبل العصر أو المغرب كذلك؛ لأن النكاح يتعلق به لحاق الولد لستة أشهر ولحظتين من حين العقد فعليهم ضبط التاريخ بذلك لحق النسب والله أعلم". اهـ. وفي عصرنا تضبط بالساعة والدقائق. انظر: الغرر البهية (5/ 237)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (10/ 248)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 5).
(2)
انظر: كنز الدقائق (ص: 309)، تبيين الحقائق (3/ 44)، لسان الحكام (ص: 332)، القوانين الفقهية (ص: 252)، الذخيرة للقرافي (4/ 296)، الجامع لمسائل المدونة (10/ 938)، الوسيط في المذهب (7/ 360)، روضة الطالبين (11/ 266)، كفاية النبيه (19/ 235).
(3)
في نهاية المطلب (19/ 86): "وإذا شهد شاهدان أن المرأة ولدت الولد على فراش زوجها لستة أشهر فصاعدًا، والزوج يقول: أتت به لأقل من ستة أشهر، قال الصيدلاني: تقبل البينة -وإن لم تدّع المرأة شيئًا - حسبةً"، وانظر: المطلب العالي-تحقيق عبد الله الأحمد (ص: 422).
وظاهر قول الحنابلة (1).
تعليل القول الأول:
1.
قالوا: لأنه مولودٌ في فراشه، فيلحقه في النسب (2).
2.
لأن الظاهر يشهد لها؛ فإنها تلد ظاهرًا من نكاح لا من سفاح (3).
فإن نوقش:
بأن الظاهر يشهد له أيضًا؛ لأن الحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات، والنكاح حادث؟ (4).
أجيب بأنه:
إذا تعارض ظاهران في ثبوت نسب قُدِّم المثبت له لوجوب الاحتياط فيه، حتى إنه يثبت بالإيماء مع القدرة على النطق بخلاف سائر التصرفات، مع أن ظاهرها متأيد بظاهره؛
(1) انظر: الوسيط في المذهب (7/ 360)، روضة الطالبين (11/ 266)، كفاية النبيه (19/ 235)، المغني (12/ 99)، الفروع (6/ 454)، الإنصاف للمرداوي (11/ 246).
(2)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 44). ومرادهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» متفق عليه. وفي رواية للبخاري: «الولد لصاحب الفراش» .
ودلالة الحديث من وجوه ثلاثة:
أحدها: أن النبي عليه الصلاة والسلام أخرج الكلام مخرج القسمة، فجعل الولد لصاحب الفراش والحجر للزاني فاقتضى أن لا يكون الولد لمن لا فراش له، كما لا يكون الحجر لمن لا زنا منه إذ القسمة تنفي الشركة.
والثاني: أنه عليه الصلاة والسلام جعل الولد لصاحب الفراش ونفاه عن الزاني بقوله عليه الصلاة والسلام وللعاهر الحجر؛ لأن مثل هذا الكلام يستعمل في النفي.
والثالث: أنه جعل كل جنس الولد لصاحب الفراش، فلو ثبت نسب ولد لمن ليس بصاحب الفراش لم يكن كل جنس الولد لصاحب الفراش، وهذا خلاف النص.
انظر: المبسوط (17/ 154)، بدائع الصنائع (6/ 242)، الحاوي الكبير (8/ 162).
(3)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 44)، البحر الرائق (4/ 176).
(4)
انظر: نفس المراجع.
وهو عدم مباشرته النكاح الفاسد إن كان الولد من زوج أو حبل من الزنا على الخلاف (1).
تعليل القول الثاني:
ولعله يعلل لهم بتعليلات القول الأول في المسألة الماضية؛ منها:
1.
لأن الشهادة فيه حق لآدمي، فلا تستوفي الحق إلا بعد مطالبته وإذنه (2).
2.
ولأن الشهادة حجة على الدعوى، ودليل لها، فلا يجوز تقدمها عليها (3).
3.
ولأنه حق آدمي له إسقاطه حتى بعد قبوله (4).
الترجيح:
لعل الأقوى-والله أعلم- القول الأول؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن الطفل لا يمكن أن يدّعي لنفسه، وإذا وافقت المرأة الشهود فقولها هو المتعين؛ لأن الأصل أن الولد لصاحب الفراش، وإن احتمل أنه لغيره فلا يلحق به؛ ولا يُنقل من هذا الأصل إلا بأمر متيقن.
وقد ورد أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد: أن يقبض ابن وليدة زمعة، وقال عتبة: إنه ابني، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح، أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة، فأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه عبد بن زمعة، فقال سعد بن أبي وقاص: هذا ابن أخي عهد إليَّ أنه ابنه، قال عبد بن زمعة: يا رسول الله، هذا أخي هذا ابن زمعة ولد على فراشه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة، فإذا أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة» من أجل أنه ولد على فراشه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجبي
(1) انظر: تبيين الحقائق (3/ 44)، البحر الرائق (4/ 176).
(2)
انظر: المغني (12/ 99).
(3)
نفس المرجع.
(4)
انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (7/ 306).
منه يا سودة» لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص، قال ابن شهاب: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وقال ابن شهاب: وكان أبو هريرة يصيح بذلك» (1).
* * *
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، رقم (4303).