الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: حكم العتق فيما إذا قبض السيد النجم الأخير للمكاتبة، وتلف ما قبضه، ثم اطلع على ما كان به من نقص
.
إذا رضي به فالعتق نافذ، وهو قول المذاهب الأربعة (1)، وقاله الصيدلاني (2).
ووجهه: أن الأرش (3) كالعوض في الرد، والرد يكفي في سقوطه الرضا، فكذا الأرش (4).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "فإن كان قد رضي بذلك وأمسكها استقر العتق، فإن قيل: كيف يستقر العتق ولم يعطه جميع ما وقع عليه العقد؟ فإن ما يقابل العيب لم يقبضه فأشبه ما لو كاتبه على عشرة فأعطاه تسعة؟
قلنا: إمساكه المعيب راضيًا به رضى منه بإسقاط حقه، فجرى مجرى إبرائه من بقية كتابته" (5).
وإذا لم يرضَ به وأراد الرجوع إلى الأرش فللفقهاء في ذلك قولان:
القول الأول: أن عتقه يمضي، وللسيّد الرجوع عَلَى المكاتب بمثل ذلك من الأرش إن قدر، وإلا كان عليه دينًا ولم يبطل عتقه، وهو مذهب المالكية والحنابلة (6).
(1) انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 126)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (5/ 7)، الجامع لمسائل المدونة (8/ 893)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (8/ 279)، روضة الطالبين (12/ 246 - 247)، النجم الوهاج (10/ 553)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 342)، الإقناع (3/ 145).
(2)
"القابض لو تلف ما قبضه، ثم اطلع على ما كان به من نقص، فإن رضي به، فقد قال الصيدلاني: ينفذ العتق" نهاية المطلب (19/ 396).
(3)
الأرش: هو قسط ما بين قيمة الصحة والعيب، انظر: الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص: 329).
(4)
انظر: العزيز شرح الوجيز (13/ 497)، روضة الطالبين (12/ 246 - 247).
(5)
المغني لابن قدامة (10/ 418 - 419).
(6)
انظر: الجامع لمسائل المدونة (8/ 893)، التاج والإكليل (8/ 488)، مواهب الجليل (6/ 350)، المغني لابن قدامة (10/ 419)، الإقناع (3/ 145).
القول الثاني: إن لم يرض به وأراد الرجوع إلى الأرش، تبين أن العتق لم يحصل، فإذا أدى الأرش حصل العتق حينئذ، وهو مذهب الشافعية (1)، واختيار الصيدلاني (2).
تعليل القول الأول:
1.
لأن الكتابة إنما تكون بغير معين، والأعواض غير المعينة إذا اطلع فيها على عيب قضي بمثلها (3).
2.
للسيد أرشه؛ لأن إطلاق عقد الكتابة يقتضي سلامة العوض فيها، وقد تعذر رد المكاتب رقيقًا، فوجب أرش العيب؛ جبرًا لما اقتضاه إطلاق العقد (4).
3.
لا يبطل العتق وله الأرش؛ لأن العتق إتلاف واستهلاك، فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كعقد الخلع، ولأنه ليس المقصود منه المال فأشبه الخلع (5).
تعليل القول الثاني:
1.
إنْ طلب الأرش فأدى إليه، استقر العتق. وإن لم يؤد إليه بطل العتق؛ لأن ذمته لم تتم براءتها من المال (6).
2.
وإن طلب السيد حقه تقرر الأرش، ولم يسقط إلا بالإسقاط، لأنه حقه (7).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو التوسط بين القولين بأن يقال: للسيد طلب الأرش، فإن
(1) انظر: روضة الطالبين (12/ 246 - 247)، النجم الوهاج (10/ 553)، الكافي (2/ 342)، الإقناع (3/ 145).
(2)
"القابض لو تلف ما قبضه، ثم اطلع على ما كان به من نقص، فإن رضي به، فقد قال الصيدلاني: ينفذ العتق، فإن لم يرض به وأراد الرجوع إلى الأرش، فنتبين أن العتق لم ينفذ" نهاية المطلب (19/ 396).
(3)
انظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (8/ 420)، شفاء الغليل في حل مقفل خليل (2/ 1148).
(4)
انظر: كشاف القناع (4/ 544).
(5)
انظر: المغني لابن قدامة (10/ 419)، كشاف القناع (4/ 544).
(6)
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 342).
(7)
انظر: روضة الطالبين (12/ 246 - 247)، النجم الوهاج (10/ 553).
أدى الأرش حصل العتق، وإن لم يؤد الأرش عتق بقدر ما أدَّى؛ لعموم قول علي رضي الله عنه في المكاتب:«يعتق بقدر ما أدى» (1).
وترجيح هذا الأثر على ما ورد: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (2)؛
لأن الأثر الأخير فيمن عجز عن الوفاء ببقية نجوم الكتابة، أما المسألة التي نحن بصددها في رجل استكمل النجم الأخير، وبه أُعتق، ثم ظهر للسيد عيب في نجم من النجوم، فالأصل أنه حرٌ، ولكن لما كان عتقه مشروطًا ومعلقًا بالسداد، وقد أعتق ظنًا ألَّا عيب ترجح التوسط بين العتق والوفاء بالشرط، والله أعلم.
* * *
(1) رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 410).
(2)
رواه مالك في "الموطأ" موقوفًا على ابن عمر، كتاب المكاتب: باب القضاء في المكاتب رقم (1). ورواه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 410)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 545) عن زيد بن ثابت موقوفًا، وإسناده صحيح كما في التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل (ص: 329). وبنحوه مرفوعًا رواه أبو داود، كتاب العتق: باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، رقم (3926)، والنسائي في "الكبرى"، كتاب العتق: باب ذكر الاختلاف على علي في المكاتب يؤدي بعض ما عليه، رقم (5025)، وابن ماجه، كتاب العتق: باب المكاتب، رقم (2519) وغيرهم، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (6/ 119).