الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: الحكم فيما لو زنى ذمي بمسلمة أو أصابها بنكاح، أو دلّ أهل الحرب على عورة للمسلمين، أو فَتَنَ مسلمًا عن دينه لم يجرِ شرطٌ بانتقاض العهد بها
.
الأمور الثلاثة المذكورة في المسألة إما أن يشترط عاقد الذمة بنقض العهد بفعلها أو لم يشترط، والمسألة المراد بحثها فيما لو لم يجر شرط بانتقاض العهد بها.
ولا بد من تقسيم هذه المسألة إلى ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: لو زنى ذمي بمسلمة أو أصابها بنكاح
.
للعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: لم ينتقض عهده، ويقام عليه الحد، وهو مذهب الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية، ورواية عن أحمد (1)، واختيار الصيدلاني (2).
واستثنى المالكية حالتين: إكراه وغصب الحرة المسلمة، أو أن يغرَّها بإخباره إياها أنه مسلم فيتزوجها ويطؤها، فحينئذ ينتقض العهد (3).
القول الثاني: ينتقض العهد، وهو وجه عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة (4).
تعليل القول الأول:
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 113)، فتح القدير (6/ 62)، حاشية ابن عابدين (4/ 169)، مختصر خليل (ص: 92)، الشرح الكبير للدردير (2/ 204)، منهاج الطالبين (ص: 314)، روضة الطالبين (10/ 329)، الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 184)، الإنصاف (4/ 253).
(2)
في نهاية المطلب (18/ 39): "أن يزني الذمي بمسلمة، أو يصيبها باسم النكاح، أو يؤوي عينًا لأهل الحرب، أو يكتب إليهم بأسرار المسلمين، ويطلعَهم على عوراتهم، أو يفتنَ مسلمًا عن دينه،
…
قال الصيدلاني، وغيره من محققي الأصحاب: إن لم يجر شرطٌ، لم ينتقض العهد بهذه الأشياء، وإن جرى شرطٌ، ففي انتقاض العهد وجهان".
(3)
انظر: مختصر خليل (ص: 92)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (3/ 260)، بلغة السالك (2/ 316).
(4)
انظر: روضة الطالبين (10/ 329)، مغني المحتاج (6/ 84)، الإنصاف (4/ 253)، شرح منتهى الإرادات (1/ 670) الإقناع (2/ 55).
1.
لو فعل المسلم شيئًا من هذا ليس بناقضٍ لإيمانه، فإذا فعله الذمي لا يكون ناقضًا لأمانه وعهده (1).
2.
إذا بقيت الذمة مع كفر الذمي، فمن باب أولى بقاء الذمة مع معصية هي دون الكفر في القبح والحرمة (2).
3.
إن لم يشترط عليهم، لم ينتقض عهدهم به؛ لأن العقد لا يقتضيها، ولا ضرر على المسلمين فيها (3).
أدلة القول الثاني:
1.
عن عوف بن مالك الأشجعي: أن رجلًا يهوديًا أو نصرانيًا نخس بامرأة مسلمة، ثم حثا عليها التراب، يريد عليها على نفسها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر:«إن لهؤلاء عهدًا ما وفوا لكم بعهدهم، فإذا لم يوفوا لكم بعهدكم فلا عهد لهم» . قال: فصلبه عمر. وفي رواية «فنخس (4) الحمار ليصرعها» (5).
2.
أن أبا عبيدة بن الجراح وأبا هريرة رضي الله عنهما قتلا كتابيين أرادا امرأة على نفسها مسلمة (6).
3.
وقالوا: لأنه حين دخل إلينا بأمان فقد التزم بأن لا يفعل شيئًا من ذلك، فإذا فعله كان ناقضًا للعهد بمباشرته، مما يخالف موجب عقده، ولو لم يجعله ناقض العهد بهذا رجع إلى الاستخفاف بالمسلمين (7).
(1) انظر: شرح السير الكبير (ص: 305).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 113)، اللباب في شرح الكتاب (4/ 148).
(3)
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 184).
(4)
نخسه: أي ضربه وأذاه بعود ونحوه، وحركه وغرزه فيه، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/ 276).
(5)
رواه أبو يوسف في الخراج (ص: 195)، ورواه عبد الرزاق في المصنف (6/ 114)، وأحمد في أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (ص: 267)، وأبو عبيد في الأموال (ص: 236)، وابن زنجويه في الأموال (1/ 434)، والبيهقي في سننه (9/ 209).
(6)
رواه عبد الرزاق في المصنف (6/ 116).
(7)
انظر: شرح السير الكبير (ص: 305).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- القول الثاني لمنافاته لمقتضى العقد، ولوروده عن الصحابة رضي الله عنهم، وقضاؤهم حجة، ولا يُعلم مخالف لهم، والله أعلم.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وعمر وسائر الصحابة قد جعلوا الذمي الذي تجلل المسلمة بعد أن نخس بها الدابة محاربًا بمجرد ذلك حتى حكموا فيه بالقتل والصلب، فعلم أنه لا يشترط في المحاربة المقاتلة، بل كل ما نقض العهد عندهم من الأقوال والأفعال المضرة فهو محارب داخل في آية الحرابة"(1).
* * *
(1) الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 379).