الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: لو أخذ بعض الغانمين شيئًا من الطعام، وباعه غانمًا آخر، فهل البيع يتعلق به حكم
؟
هذه المسألة في بيع الغنيمة قبل القسمة.
اتفقت المذاهب في الجملة بالقطع بفساد البيع؛ فإنه تعاطٍ وتبادل، كإبدال الضِّيفان لقمة بلقمة؛ فيسلم ضيفٌ لقمة إلى صاحبه، ويأخذ لقمة، ولا مؤاخذة، وعلى حسب هذا قيل: إذا تبايع الغانمان بما أخذاه صاعًا بصاعين، فلا بأس بذاك، ولم يكن ذلك ربا، وهو تبادل وليس بتبايع (1)، وهو ما قطع به الصيدلاني (2).
قال السرخسي: "إلا أن قيام حاجة صاحبه كان يمنعه من الأخذ منه بغير رضاه، فيسترضي كل واحد منهما صاحبه بهذه المبايعة، ثم يتناول بأصل الإباحة، بمنزلة الأضياف على المائدة إذا تناول اثنان طعامًا بين يدي كل واحد منهما لم يكن ذلك بيعًا، ولكن كل واحد منهما كان ممنوعًا من أن يمدَّ يده إلى ما بين يدي غيره بغير رضاه، فبعد وجود التراضي بهذا السبب يتناول كل واحد منهما على ملك المضيف باعتبار الإباحة منه.
وإن كان كل واحد منهما محتاجًا إلى ما أعطى صاحبه، وصاحبه محتاج إلى ذلك أيضًا، فأراد أحدهما نقض ما صنع فليس له ذلك؛ لأنه اعترض على يده يد محقة؛ فإن صاحبه أخذه بطيبة نفسه، فقيام حاجته يمنعه من الأخذ منه، كما لو كان هو الذي بدر إليه في الابتداء.
وإن كان البائع محتاجًا إلى ما أعطى، وكان المشتري غنيًا عنه، فللبائع أن يأخذ ما
(1) شرح السير الكبير (ص: 1225 - 1227)، الفتاوى الهندية (2/ 210)، حاشية ابن عابدين (4/ 141)، المدونة (1/ 523 - 524)، النوادر والزيادات (3/ 205)، الجامع لمسائل المدونة (6/ 199)، شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (3/ 205)، نهاية المطلب (17/ 440)، روضة الطالبين (10/ 265)، أسنى المطالب (4/ 198)، المغني (9/ 279)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6/ 515)، كشاف القناع (3/ 74).
(2)
في نهاية المطلب (17/ 440): "والصيدلاني لما ذكر في القرض ما ذكره، وعزاه إلى النص، قطع في البيع بأنه ليس بيعًا على الحقيقة، وشبه صورة البيع بما ذكرناه من التعاطي الجاري بين الضِّيفان".
أعطى ويرد ما أخذ؛ لأن صاحبه لو كان هو الذي بدر إليه في الابتداء، وهو غني عنه، كان له أن يأخذه منه لحاجته إليه، فكذلك إذا كان هو الذي سلمه إليه، إلا أن هناك يأخذه منه من غير أن يعطيه شيئًا، وهاهنا يرد عليه ما أخذه منه بمقابلته؛ لأنه لو لم يرد ذلك عليه كان غرورًا منه، والغرور حرام، حتى لو كان وهبه له كان له أن يأخذه لحاجته إليه إذا كان الموهوب له غنيًا عنه، من غير أن يعطيه شيئًا بمقابلته.
وإن كان حين قصد الاسترداد من صاحبه أعطاه صاحبه محتاجًا إليه لم يكن له أن يأخذه منه؛ لأنه هو الذي سلطه على الدفع إلى غيره، فكأنه دفعه بنفسه إلى هذا المحتاج، ثم أراد أن يأخذه منه، وقيام حاجة من في يده في مثل هذا يمنعه من الأخذ منه.
ولو تبايعا، وهما غنيان أو محتاجان أو أحدهما غني والآخر محتاج، فلم يتقابضا حتى بدا لأحدهما ترك ذلك فله أن يتركه؛ لأن هذه المبايعة ما كانت معتبرة شرعًا فإنها لم تصادف محلها، فكان الحال بعدها كالحال قبلها، ما لم يتقابضا، فإن هذا الحكم يبتني على اليد، وبمجرد المبايعة قبل القبض لا تتحول اليد من أحدهما إلى الآخر" (1).
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تُقسَم (2).
(1) شرح السير الكبير (ص: 1225 - 1227).
(2)
جاء عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه مرفوعًا: "ولا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنمًا حتى يقسم".
رواه أحمد في المسند (4/ 108)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب فِى وَطْءِ السَّبَايَا، رقم (2160)، والطبراني في المعجم الكبير (5/ 27)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 738).
قال الألباني في إرواء الغليل (5/ 141): "وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات وصححه ابن حبان والبزار كما ذكر الحافظ في بلوغ المرام".
وورد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص" رواه أحمد في المسند (17/ 470)، والترمذي في سننه كتاب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في كراهية بيع المغانم حتى تقسم رقم (1563)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام وضروعها حديث (2196)، وعبد الرزاق في مصنفه (5/ 240) وابن أبي شيبة مصنف (6/ 503)، والدارقطني في سننه (3/ 402)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 338).
وقال الترمذي: "غريب". يعنى ضعيف، وقد بينّ وجهه ابن حزم في المحلى فقال (8/ 390):"جهضم، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن زيد العبدى مجهولون، وشهر متروك". وأعله ابن أبى حاتم في العلل (3/ 587).
وقال البيهقى: "وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوى، فهي داخلة في بيع الغرر الذى نهى عنه في الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " السنن الكبرى (5/ 338).
وقال الحافظ فى بلوغ المرام (ص: 314): "إسناده ضعيف"، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (5/ 132).
قال الحافظ ابن عبد البر في الكافي: "ولا يجوز له بيعه، فإن باعه فلا بد من وضع ثمنه في المغنم، ولا يحل أخذ ثمنه وهو غلول"(1).
* * *
(1) الكافي (1/ 472). والغلول: لغة: الخيانة. وشرعًا: السرقة من الغنيمة، وقيل: ما أخذ من الغنيمة أو الفيء على وجه الكتمان مما لم يبح الانتفاع به مما يجب قسمته بين العسكر.
انظر: المبسوط للسرخسي (10/ 5)، أحكام المجاهد بالنفس (2/ 451).