الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة: حكم من سبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما هو قذفٌ صريح، ولم يتب
.
هذه المسألة في حكم المسلم إذا سبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما هو قذفٌ صريح، ولم يتب (1).
"السب: الشتم الوجيع"(2).
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "السب هو: الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه"(3).
وقال: "وإذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عُرف الناس، فما كان في العرف سبًّا للنبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء، وما لا فلا"(4).
وقال: "فيجب أن يرجع في الأذى والشتم إلى العرف، فما عدَّه أهل العرف سبًّا أو انتقاصًا أو عيبًا أو طعنًا ونحو ذلك فهو من السب"(5).
أنواع السبّ وصُوَره:
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "التكلم في تمثيل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صفته، ذلك مما يثقل على القلب واللسان، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين، لكن الاحتياج
(1) في نهاية المطلب (18/ 46): "ولو سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو قذفٌ صريح، كفر باتفاق الأصحاب.
قال الشيخ أبو بكر الصيدلاني: إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، استوجب القتل، والقتلُ للردّة لا للسبّ، فإن تاب زال القتل الذي هو موجَب الردّة، وجُلد ثمانين، هذه طُرق الأصحاب في ذلك". وانظر المسألة: نواقض الإيمان القولية والعملية (ص: 163 - 177).
(2)
المفردات في غريب القرآن (ص: 391).
(3)
الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 561)، وانظر: فتح الباري لابن حجر (6/ 291).
(4)
الصارم المسلول (ص: 541).
(5)
الصارم المسلول (ص: 531).
إلى الكلام في حكم ذلك، نحن نفرض الكلام في أنواع السب مطلقًا من غير تعيين، والفقيه يأخذ حظه من ذلك فنقول: السب نوعان: دعاء وخبر،
أما الدعاء: فمثل أن يقول القائل لغيره: لعنه الله، أو قبحه الله، أو أخزاه الله، أو لا رحمه الله، أو لا رضي الله عنه، أو قطع الله دابره، فهذا وأمثاله سبٌّ للأنبياء ولغيرهم، وكذلك لو قال عن نبي: لا صلَّى الله عليه، أو لا سلم، أو لا رفع الله ذكره، أو محا الله اسمه، ونحو ذلك من الدعاء عليه بما فيه ضرر عليه في الدنيا أو في الدين أو في الآخرة
…
النوع الثاني: الخبر فكل ما عدَّه الناس شتمًا أو سبًا أو تنقصًا فإنه يجب به القتل، كالتسمية باسم الحمار، أو الكلب، أو وَصْفه بالمسكنة والخزي والمهانة، أو الإخبار بأنه في العذاب، وأن عليه آثام الخلائق، ونحو ذلك، وكذلك إظهار التكذيب على وجه الطعن في المكذَّب؛ مثل وصفه بأنه ساحر خادع محتال، وأنه يضر من اتبعه، وأن ما جاء به كله زور وباطل، ونحو ذلك. فإنْ نَظَم ذلك شعرًا كان أبلغ في الشتم؛ فإن الشعر يُحفظ ويُروى، وهو الهجاء، وربما يؤثر في نفوس كثيرة، مع العلم ببطلانه أكثر من تأثير البراهين، فإنْ غُنِّي به بين ملأ من الناس فهو الذي قد تفاقم أمره " (1).
حكم ساب الرسول صلى الله عليه وسلم:
ساب الرسول صلى الله عليه وسلم كافر مرتد ارتكب ناقضًا من نواقض الإيمان، سواء استحل ذلك أو لم يستحله.
قال الإمام الصيدلاني رحمه الله: "إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، استوجب القتل، والقتلُ للردّة لا للسبّ"(2).
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله "إنْ سبَّ اللهَ أو سبَّ رسوله كَفَرَ ظاهرًا وباطنًا، وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلًا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل"(3).
(1) الصارم المسلول (ص: 538 - 541).
(2)
نهاية المطلب (18/ 46).
(3)
الصارم المسلول (ص: 512).
وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
أولًا: الكتاب:
ورد في القرآن الكريم نصوص كثيرة تدل على ردة سابِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، منها:
1.
وجه الدلالة:
تُخبر الآية أن إيذاء رسول الله محادة لله ورسوله؛ لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة (2)، فيجب أن يكون داخلًا فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفًا إذا أمكن أن يقال: أنه ليس بمحادّ، ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر؛ لأنه أخبر أن له نار جهنم خالدًا فيها، ولم يقل: هي جزاؤه. وبين الكلامين فرق، بل المحادة: هي المعاداة والمشاقة، وذلك كفر ومحاربة، فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافرًا عدوًا لله ورسوله، محاربًا لله ورسوله؛ لأن المحادَّة اشتقاقها من المباينة؛ بأن يصير كل منهما في حدّ، وقد قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} (3). ولو كان مؤمنًا معصومًا لم يكن أذل، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
(1) سورة التوبة: 61 - 63.
(2)
حادَّ الله، أي: شاقَّه وحاربه وخالفه، وكان في حدٍّ والله ورسوله في حدّ. تفسير ابن كثير (4/ 170).
(3)
سورة المجادلة: 20.
وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (1) والمؤمن لا يكبت (2) كما كُبت مكذبو الرسل قط، ولأنه قد قال تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (3)، فإذا كان من يوادّ المحادّ ليس بمؤمن، فكيف بالمحادّ نفسه؟ " (4).
1.
وجه الدلالة:
الآيات "نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادًا أو هازلًا فقد كفر"(6).
2.
(1) سورة المنافقون: 8.
(2)
الكبت: الإذلال والخزي والصرع قال الخليل: "الكبت هو الصرع على الوجه" وقال النضر بن شميل وابن قتيبة: "هو الغيظ والحزن وهو في الاشتقاق الأكبر من كبده كأن الغيظ والحزن أصاب كبده" كما يقال: أحرق الحزن والعداوة كبده، وقال أهل التفسير:"كبتوا أهلكوا وأخزوا وحزنوا"، فثبت أن المحاد مكبوت مخزي ممتل غيظًا وحزنًا هالك أي: لا يذل ولا يخزى.
انظر: تفسير الطبري (22/ 466)، الصارم المسلول (ص: 22)، تفسير الجلالين (ص: 725).
(3)
سورة المجادلة: 22.
(4)
انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 486 - 487)، الصارم المسلول (ص: 27).
(5)
سورة التوبة: 64 - 66.
(6)
الصارم المسلول (ص: 168).
(7)
سورة الحجرات: 2.
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض؛ لأن هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل، ولا يحبط الأعمال كلها غير الكفر؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لابد من أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقًا إلا الكفر (1)، فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه، وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، ورفع الصوت قد يشتمل على أذى له، أو استخفاف به، وإن لم يقصد الرافع ذلك. فإن الأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى (2).
ثانيًا: من السنة، الأحاديث في ذلك كثيرة منها:
1.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المِغْوَل (3)، فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل (4)، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح، ذُكر ذلك لرسول الله، فجمع الناس، فقال:«أنشد الله رجلًا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام» ، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين،
(1)"وهذا معروف من أصول أهل السنة نعم قد يبطل بعض الأعمال بوجود ما يفسده، كما قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (سورة البقرة: 264)، ولهذا لم يحبط الله الأعمال في كتابه إلا بالكفر" الصارم المسلول (ص: 55).
(2)
انظر: الصارم المسلول (ص: 54 - 56).
(3)
المغول: مثل سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه، وقيل: حديدة دقيقة لها حد ماض، وقيل: هو سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس. انظر: عون المعبود (12/ 11).
(4)
لعله كان ولدًا لها، والظاهر أنه لم يمت. عون المعبود (12/ 11).
وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ألا اشهدوا أن دمها هدر» (1).
في الحديث:
بيان أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم مهدر الدم (2).
2.
عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر (3)، فلما نزعه جاء رجل فقال: إنّ ابن خطل (4) متعلق بأستار الكعبة، فقال:«اقتلوه» (5).
وجه الدلالة:
(1) رواه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (4361)، والنسائي في سننه، كتاب تحريم الدم، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (4070)، وقال الألباني:"إسناده صحيح على شرط مسلم" إرواء الغليل (5/ 92).
(2)
معالم السنن (3/ 296).
(3)
المغفر: ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس. انظر: طرح التثريب (5/ 86).
(4)
قال ابن إسحاق وعبد الله بن خطل، رجل من بني تيم بن غالب.
قال ابن كثير: ويقال إن اسمه عبد العزى بن خطل، ويحتمل أنه كان كذلك، ثم لما أسلم سمي عبد الله.
وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا (جامعًا للصدقات، وهي الزكاة)، وبعث معه رجلًا من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه، وكان مسلمًا، فنزل منزلًا، وأمر المولى أن يذبح له تيسًا، فيصنع له طعامًا، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركًا.
وكان له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلهذا أهدر دمه، ودم قينتيه.
انظر: سيرة ابن هشام (2/ 409 - 410)، تاريخ الرسل والملوك للطبري (3/ 59)، دلائل النبوة للبيهقي (5/ 41)، أقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ص: 40)، البداية والنهاية (4/ 341)، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (3/ 438).
(5)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، رقم (4286)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، رقم (1357).
استدل بقصة ابن خطل طائفة من الفقهاء على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين يقتل-وإن أسلم- حدًّا (1).
واعترض عليه:
بأن ابن خطل كان حربيًا، فقُتل لذلك (2).
وأجيب:
بأنه كان مرتدًا بلا خلاف بين أهل العلم بالسير (3)، وحتم قتله بدون استتابة مع كونه مستسلمًا منقادًا، قد ألقى السلم كالأسير، فعلم أن من ارتد وسب يقتل بلا استتابة بخلاف من ارتد فقط.
يؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم آمن عام الفتح جميع المحاربين إلا ذوي جرائم مخصوصة، وكان ابن خطل ممن أهدر دمه دون غيره، فعلم أنه لم يُقتل لمجرد الكفر والحراب (4).
3.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بعث علي رضي الله عنه، وهو باليمن بذهبة في تربتها، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن
(1) الصارم المسلول (ص: 136).
(2)
نفس المرجع.
(3)
انظر: سيرة ابن هشام (2/ 409 - 410)، تاريخ الرسل والملوك للطبري (3/ 59)، دلائل النبوة للبيهقي (5/ 41)، أقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ص: 40)، البداية والنهاية (4/ 341)، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (3/ 438).
وانظر: شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 29)، حاشية العدوي (1/ 116)، الأم للشافعي (6/ 184)، الغرر البهية (1/ 7)، حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 42).
(4)
الصارم المسلول (ص: 136).
حابس الحنظلي (1)،
وعيينة بن بدر الفزاري (2) وعلقمة بن علاثة العامري (3)
ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي (4)، ثم أحد بني نبهان، قال: فغضبت قريش، فقالوا: أتعطي
(1) هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي الدارمي.
قال ابن إسحاق: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم، وقد حسن إسلامه.
قال المبرد: "كان في صدر الإسلام رئيس خندف، وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس": وقال المرزباني: "هو أول من حرم القمار". وكان يحكم في المواسم، وهو آخر الحكام من بني تميم، ويقال: إنه كان ممن دخل من العرب في المجوسية، ثم أسلم، وشهد الفتوح واستشهد باليرموك، وقيل: بل عاش إلى خلافة عثمان فأصيب بالجوزجان.
الاستيعاب (1/ 103)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 252)، فتح الباري لابن حجر (13/ 418).
(2)
عيينة بن بدر نُسب إلى جد أبيه وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ما يروى عن عيينة شيء. وكان رئيس قيس في أول الإسلام، وكنيته: أبو مالك. وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع، وارتدَّ مع طليحة، ثم عاد إلى الإسلام.
الثقات للعجلي (ص: 424)، فتح الباري (13/ 418).
(3)
هو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة الكندي العامري. من المؤلفة قلوبهم، وكان سيدًا في قومه، حليمًا عاقلًا.
وقال أبو عبيدة: "شرب علقمة الخمر، فحدّه عمر، فارتد، ولحق بالروم، فأكرمه ملك الروم، وقال: أنت ابن عم عامر بن الطفيل! فغضب. وقال: لا أراني أعرف إلا بعامر، فرجع وأسلم".
انظر: لاستيعاب (3/ 1088)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 458)، فتح الباري (13/ 418).
(4)
زيد الخيل: هو بن مهلهل بن زيد بن منهب بن عبد بن رضا بضم الراء وتخفيف المعجمة. وقيل له: زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت عنده، وعنايته بها، ويقال: لم يكن في العرب أكثر خيلًا منه، وكان شاعرًا خطيبًا شجاعًا جوادًا، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير (بالراء بدل اللام)، لما كان فيه من الخير، وقد ظهر أثر ذلك؛ فإنه مات على الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: بل توفي في خلافة عمر. قال بن دريد: "كان من الخطاطين يعني من طوله وكان على صدقات بني أسد فلم يرتد مع من ارتد". انظر: فتح الباري لابن حجر (13/ 418)، شرح القسطلاني=إرشاد الساري (6/ 422).
صناديد نجد وتدعنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم» فجاء رجل فقال: اتق الله، يا محمد، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ » قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن من ضئضئ (1) هذا قومًا يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» (2).
وجه الدلالة:
أن كل من لمز النبي صلى الله عليه وسلم في حكمه أو قسمه، فإنه يجب قتله، كما أمر به في حياته، وبعد موته، وأنه إنما عفا عن ذلك اللامز في حياته، كما قد كان يعفو عمن يؤذيه من المنافقين، لما علم أنهم خارجون في الأمة لا محالة، وأن ليس في قتل ذلك الرجل كثير فائدة، بل فيه من المفسدة ما في قتل سائر المنافقين وأشد (3).
وقد يناقش:
بأن عدم قتله يشكل على هذا الاستدلال؛ إذ لو ارتد ما نفعته صلاته.
أجيب:
بأنه إنما مُنع قتله، وإن كان قد استوجب القتل؛ لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه، ولا سيما من صلى (4).
(1) الضئضئ: النسل والعقب. فتح الباري (12/ 162)
(2)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج. رقم (6931)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج، رقم (1064).
(3)
الصارم المسلول (ص: 187 - 188).
(4)
انظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 69)، عمدة القاري (18/ 9).
ثالثًا: الإجماع:
أجمع العلماء رحمهم الله على كفر ساب وشاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
وأجمعوا على وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتب من ذلك (2)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من بدَّل دينه فاقتلوه» (3).
* * *
(1) وقد حكى الإجماع جمهرة من أهل العلم منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية، والقاضي عياض، وابن حزم، وابن تيمية، والسبكي، رحم الله الجميع.
انظر: التمهيد (4/ 225)، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 474)، المحلى بالآثار (2/ 15)، الصارم المسلول (ص: 226)، فتاوى السبكي (2/ 573)، فتح الباري لابن حجر (12/ 281).
(2)
وممن حكى الإجماع في ذلك إسحاق بن راهويه، ومحمد بن سحنون، وأبو بكر الفارسي، والقاضي عياض، وابن حزم، وأبو الحسن بن القطان، وابن تيمية.
انظر: التمهيد (4/ 225)، الشفا للقاضي عياض (2/ 474)، (2/ 215)، المحلى (2/ 15)، الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 270)، الصارم المسلول (ص: 527)، فتح الباري (12/ 281).
(3)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، رقم (3017).