الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: حكم استئجار السلطان من أراد استئجاره من المسلمين في الجهاد، وإعطاءهم الأجرة من سهم المصالح
.
الجهاد: هو قتال الكفار؛ لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (1).
والأصل في حكم الجهاد في سبيل الله أنه فرض كفاية، كما نقل الإجماع على ذلك غير واحدٍ من أهل العلم (2)، وقد يتعين في حالاتٍ ذَكرَها الفقهاء (3).
فإذا كان الجهاد فرض عين، فإنه لا يجوز الاستئجار عليه باتفاق أهل العلم، حكمه في ذلك حكم فروض الأعيان التي لا يجوز الاستئجار عليها؛ كصلاة الإنسان لنفسه،
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، رقم (2810)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، رقم (1904).
(2)
انظر: تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز)(1/ 289)، بداية المجتهد (2/ 143)، تفسير القرطبي (3/ 38)، المغني (9/ 196)، تبيين الحقائق (3/ 241)، الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 334).
(3)
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجهاد يكون فرض عين في الحالات التالية:
1.
…
إذا حضر الصف وكان في ميدان المعركة.
2.
…
إذا هجم أو حاصر العدو بلده.
3.
…
إذا استنفره الإمام.
4.
…
إذا احتيج إليه بعينه.
انظر: الاختيار لتعليل المختار (4/ 117)، القوانين الفقهية (ص: 97)، روضة الطالبين (10/ 214)، كشاف القناع (3/ 37).
وصيامه لنفسه، وحجه لنفسه (1).
واختلفوا فيما إذا كان الجهاد فرض كفاية إلى قولين:
القول الأول: لا يجوز الاستئجار وأخذ الأجرة على الجهاد مطلقًا؛ سواء كان المستأجر هو السلطان أو غيره من الرعية، وسواء كان الأجير ممن يلزمه الجهاد في الأصل كالحر المسلم، أو كان ممن لا يلزمه الجهاد في الأصل كالعبد والمرأة، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والأصح عند الحنابلة (2).
القول الثاني: يجوز الاستئجار على الجهاد إذا كان فرض كفاية؛ سواء كان المستأجر هو السلطان أو غيره، وسواء كان الأجير ممن يلزمه الجهاد في الأصل كالحر المسلم، أو كان ممن لا يلزمه الجهاد في الأصل كالعبد والمرأة، وهو وجه عند الشافعية ورواية عن أحمد (3)، وخصه الصيدلاني (4) وابن عبد البر (5) بالإمام خاصة.
(1) انظر: المبسوط للسرخسي (10/ 19)، بدائع الصنائع (4/ 191)، المدونة (1/ 527)، حاشية الدسوقي (2/ 182)، روضة الطالبين (10/ 240)، تحفة المحتاج (6/ 155)، المغني (9/ 303)، الإنصاف (4/ 179).
(2)
انظر: شرح السير الكبير (ص: 862)، بدائع الصنائع (4/ 191)، المدونة (1/ 527)، حاشية الدسوقي (2/ 182)، روضة الطالبين (10/ 240)، تحفة المحتاج (6/ 155)، الإنصاف (4/ 179)، كشاف القناع (3/ 90).
(3)
انظر: التهذيب (7/ 457)، روضة الطالبين (10/ 240)، المغني (9/ 303)، الإنصاف (4/ 179).
(4)
في روضة الطالبين (10/ 240): "وعن الصيدلاني: أنه يجوز للإمام أن يستأجره، ويعطيه أجرة من سهم المصالح"، وانظر: المطلب العالي ص 427 - تحقيق محمود ناصر سنيد.
(5)
في الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 465): "والجهاد فرض، ومن فعله فإنما أدى فرضه، وإذا جاءت الضرورة جازت المعاونة، لا على وجه الاستئجار، ولا على أخذ بدل من الغزو، فمن أخذ جُعلًا رده وأسهم له، ويجوز أخذ الجعل من السلطان؛ لأنه شيء من حق الغازي يأخذه، ولا بأس أن يستأجر الغازي يغزو معه، ولا حرج على من آجر نفسه منه".
أدلة القول الأول:
1.
لأن الجهاد عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والصلاة (1).
2.
أنه إذا لم يكن الجهاد متعينًا عليه فإنه متى حضر صف القتال تعين عليه، ولا يجوز أخذ الأجرة على فرض العين، كالاستئجار للصلاة (2).
3.
ولأنه إذا تعين عليه الفرض، لم يجز أن يفعله عن غيره، كمن عليه حجة الإسلام، لا يجوز أن يحج عن غيره (3).
نوقش:
بأنَّ هناك فرقًا بين الجهاد والحج، إذ إن الجهاد ليس بفرض عين، وإن الحاجة داعية إليه، وفي المنع من أخذ الجعل (4) عليه تعطيل له، ومنع له مما فيه للمسلمين نفع، وبهم إليه حاجة، فينبغي أن يجوز، بخلاف الحج (5).
4.
أن المجاهد يستحق السهم من الغنيمة، فلا يستحق الأجر مع ذلك (6).
5.
لأن الجهاد حق الله تعالى، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه (7).
أدلة القول الثاني:
1.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للغازي أجره،
(1) انظر: شرح السير الكبير (ص: 862)، شرح المنتهى (1/ 646)، كشاف القناع (3/ 90).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (4/ 191)، روضة الطالبين (10/ 240)، مغني المحتاج (3/ 461)، المغني (9/ 303).
(3)
انظر: المغني (9/ 303).
(4)
كذا قال الإمام ابن قدامة وهو في معرض الكلام على الأجرة وليس الجعل، انظر: المغني (9/ 303).
(5)
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 146)، المغني (9/ 303).
(6)
انظر: شرح السير الكبير (ص: 862).
(7)
انظر: البناية شرح الهداية (7/ 99).
وللجاعل أجره وأجر الغازي" (1).
وجه الدلالة:
أن الحديث دل على جواز الجعل (2)
على الجهاد، فالإجارة كذلك (3).
ونوقش هذا الاستدلال بـ:
أ- أنّ الحديث محمول على من جهز غازيًا تطوعًا لا استئجارًا (4).
ب- أنّ قياس الإجارة على الجعل قياس مع الفارق:
أولًا: لأن الجعالة تعطى للمجاهد تبرعًا لا استئجارًا، وتطوعًا لا اشتراطًا، وإعانة له على القتال لطلب الأجر والثواب من الله عز وجل، فلا يلزم من جواز الجعالة جواز الإجارة (5).
ثانيًا: إن باب الجعالة أوسع من باب الإجارة؛ فتصح الجعالة مع جهالة العمل، والمدة والعامل، بخلاف الإجارة.
قال الإمام الماوردي رحمه الله: "فأما جعالة السلطان إذا بذلها للغزاة، من بيت
المال
(1) رواه أحمد في مسنده (11/ 197)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب الرخصة في أخذ الجعائل، رقم (2523)، والطبراني في المعجم الكبير (13/ 14)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 49)، وقال أحمد شاكر والألباني والارناؤوط: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. مسند أحمد ت شاكر (6/ 187)، السلسلة الصحيحة (5/ 186).
(2)
الجُعل والجَعالة والجِعالة: قال ابن رشد: "الجُعل هو: أن يجعل الرجل للرجل جعلًا على عمل يعمله له إن أكمل العمل، وإن لم يكمله لم يكن له شيء، وذهب عناؤه باطلاً" المقدمات الممهدات (2/ 175).
وقال المرداوي: (قوله في المقنع: "والجعالة: هي أن يقول: من رد عبدي، أو لقطتي، أو بنى لي هذا الحائط. فله كذا". قال في الرعاية: وهي أن يجعل زيد شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا، أو مجهولًا مدة مجهولة. قال الحارثي: وهي في اصطلاح الفقهاء: جعل الشيء من المال لمن يفعل أمر كذا. قال: وهذا أعم مما قال المصنف). الإنصاف (6/ 389).
(3)
انظر: المغني (9/ 303).
(4)
انظر: عون المعبود (7/ 144).
(5)
انظر: معرفة السنن والآثار (13/ 126)، عون المعبود (7/ 144).
فجائز لأمرين:
أحدهما: أنه بذلها للجهاد عن الكافة دونه، ولو بذلها للنيابة عنه لم تصح.
والثاني: أنه بذلها لهم من مال هو مستحق لهم؛ لأنهم إن كانوا من مرتزقة أهل الفيء كان لهم حق في مال الفيء، وإن كانوا من متطوعة الأعراب وأهل الصدقات كان لهم حق في سهم سبيل الله من أموال الصدقات، ولذلك إذا رجعوا عن الحرب لمانع لم يسترجع منهم ما أخذوه لحقهم فيه" (1).
1.
عن جبير بن نفير (2)؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذين يغزون من أمتي، ويأخذون الجعل يتقوون به على عدوهم مثل أم موسى ترضع ولدها، وتأخذ أجرها» (3).
وجه الاستدلال:
أ- في الحديث صحة الاستئجار على الغزو لمن لم يتعين عليه، وللغازي أجرته وثوابه (4).
ب- ويدل هذا الحديث كسابقه على قياس الإجارة في الجهاد على الجعالة في الجواز بجامع أن كلًّا منهما من عقود المعاوضة.
يناقش بـ:
أولًا: يناقش هذا الحديث بما نوقش به الحديث السابق.
(1) الحاوي الكبير (14/ 128).
(2)
هو جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله الحمصي، ثقة جليل، مخضرم من كبار تابعي أهل الشام؛ أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولأبيه صحبة، فكأنه لم يفد إلا في عهد عمر رضي الله عنه، وثقه النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة مات سنة ثمانين، وقيل بعدها.
انظر: تهذيب التهذيب (2/ 64)، تقريب التهذيب (ص: 138).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 228)، وسعيد بن منصور في سننه (2/ 174)، وأبو داود في المراسيل (ص: 247)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 48)، ورواه البخاري في التاريخ الكبير معلقًا عن جبير بن نفير (8/ 38)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (9/ 481) ..
(4)
انظر: المغني (9/ 303)، فيض القدير (5/ 511).
قال الإمام السرخسي في تفسير هذا الحديث: "يعني أن الغزاة يعملون لأنفسهم. قال الله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} (1)، ثم يأخذون الجعل من إخوانهم من المؤمنين؛ ليتقووا به على عدوهم، وذلك لهم حلال. كما أن أم موسى كانت تعمل لنفسها في إرضاع ولدها وتأخذ الأجرة من فرعون تتقوى به على الإرضاع، وكان ذلك حلالًا لها"(2).
ثانيًا: أن الحديث مرسل (3)؛ فهو أحد أنواع الحديث الضعيف، فلا يحتج به (4).
(1) سورة الإسراء: 7.
(2)
شرح السير الكبير (ص: 140).
(3)
ووجه الإرسال أن جبير بن نفير رحمه الله لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في ترجمته.
(4)
المرسل: يطلق عند أئمة الحديث المتقدمين على مطلق الانقطاع والسقط في الإسناد. ومن أمثلة ذلك (مراسيل أبي داود، ومراسيل أبي حاتم).
واستقر عند المتأخرين بأنه: ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الواسطة.
قال الحافظ العراقي في ألفيته (ص: 104):
120 -
مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المشهُوْرِ
…
مُرْسَلٌ أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْرِ
121 -
أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ
…
وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَالِ
جعل الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- شروطًا للراوي، وشروطًا للمروي لصحة الحديث "المرسل": -
أولًا: شروط الراوي:
1) أن يكون ثقةً. 2) أن يكون من كبار التابعين. 3) أن يكون ممن عرف بأنه لا يروي عن الضعفاء والمجاهيل.
وهذه الشروط ليست على سبيل البدل فلا بدّ من توفّرها جميعًا.
ثانيًا: الشروط في المروي:
1) أن يعضد هذ المرسل حديث مسند موصول وإن كان ضعيفًا. 2) أو يعضده مرسل آخر.
وهذان الشرطان على سبيل البدل فإذا وجد واحدٌ منها قُبل وكفى.
انظر: الرسالة للشافعي (ص/462) وما بعدها.
ومذهب الأئمة الأربعة الاحتجاج بالمرسل وإن كانوا لا يصححونه. =
2.
ولأنه أمر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، فصح الاستئجار عليه،
= قال الحافظ العراقي في ألفيته:
122 -
وَاحتَجَّ (مَاِلِكٌ) كَذا (النُّعْمَانُ)
…
وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا
فيحتجون به احتجاجًا ليس على إطلاقه وأنه حجة بذاته؛ ولكن يكون مما يعتضد به، ويكون قرينة ويعتبر به. ما لم يخالف ما هو أقوى منه.
قال ابن هانئ: قلت لأبي عبد الله (يعني أحمد بن حنبل): حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل برجال ثبت، أحب إليك، أو حديث عن الصحابة أو التابعين متصل برجال ثبت؟ قال أبو عبد الله:"عن الصحابة أعجب إلي".
مسائل الإمام أحمد، رواية ابن هانئ (2/ 165)، ومن طريقه: الخطيب في "الكفاية"(ص: 557).
وقال ابن رجب: "ظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف، لكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف، ما لم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه خلافه.
قال الأثرم: كان أبو عبد الله ربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه" شرح علل الترمذي (1/ 553).
قال أبو داود السجستاني: "أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها "، وقال:"إذا لم يكن مسند ضد المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة"رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصْف سننه (ص: 32).
وقد اختلفت النقولات عن الأئمة في حكم الاحتجاج بالمرسل، والتحقيق كما حرره الحافظ الناقد ابن رجب رحمه الله، حيث قال:"اعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وأعلام الفقهاء في هذا الباب، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلًا، وهو ليس بصحيح على طريقهم؛ لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث، فإذا أعضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلًا قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن، وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة" شرح علل الترمذي (1/ 543).
وانظر الاختلاف في حكم الحديث المرسل: شرح علل الترمذي (1/ 529 - 543)، تحرير علوم الحديث (2/ 941 - 947).
كبناء المساجد (1).
ونوقش:
بأن قياس الجهاد على بناء المساجد قياس مع الفارق؛ فلا يصح، وبيان ذلك:
أ- أن الجهاد فرض على المسلمين في الجملة؛ فهو إما فرض كفاية، وإما فرض عين، فإذا كان الجهاد بهذه المثابة فهو من هذا الجانب قربة يختص بفعلها المسلم دون الكافر، وأما جواز فعله من الكافر فمحل خلاف بين العلماء في جواز الاستعانة بالكافر في الحرب مع المسلمين، وإن جاز فللضرورة، وحكم الضرورة حكم خاص يختلف عن الحكم في الحالات العادية (2).
ثم إن فعل الكفار حين الاستعانة بهم ليس بجهاد، فإن الجهاد ينال به الثواب، والكافر ليس من أهل الثواب، والجهاد مما يتقرب به العبد إلى ربه، وهم لا يتقربون بذلك، بخلاف المسلم (3).
ب- أن القياس على بناء المساجد لا يصح؛ لأن البناء لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، ولهذا جاز فعله من الكافر (4).
3.
ولأنه لم يتعين عليه الجهاد، فصح أن يؤجر نفسه عليه كالعبد (5).
ونوقش:
بأن الجهاد يكون في حقه فرض كفاية إذا لم يحضر، أما إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه، ولا يجوز أخذ الأجرة على فرض العين (6).
وهناك فرق بين العبد والمسلم الحر في الجهاد، والقياس بينهما قياس مع الفارق؛ إذ
(1) انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 146)، المغني (9/ 303).
(2)
انظر: الاستعانة بغير المسلمين للطريقي (ص/261)، حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد لشبير (ص: 54).
(3)
انظر: شرح السير الكبير (ص: 865).
(4)
انظر: الكافي (4/ 146)، المغني (9/ 303)، مجموع الفتاوى (30/ 206).
(5)
انظر: الكافي (4/ 146)، المغني (9/ 303).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (4/ 191)، روضة الطالبين (10/ 240)، المغني (9/ 303).
الجهاد لا يجب على العبد مطلقًا بالإجماع (1)، بخلاف الحر فإنه إذا حضر ساحة القتال تعين عليه، كما تقدم.
4.
ولأنه لا يفترض عليه حضور الوقعة (2).
ويناقش:
نعم لا يفترض عليه حضور الوقعة عينًا، فإذا حضرها تعينت عليه كما تقدم (3).
الترجيح:
بعد عرض الأدلة ومناقشتها فالذي يظهر - والعلم عند الله- أن الراجح هو القول الأول قول الجمهور بعدم جواز استئجارِ الإمام الحرَّ المسلم في الجهاد مطلقًا، وذلك لما يلي:
1.
قوة تعليلهم، وإمكان مناقشة أدلة القول الثاني.
2.
وجود مصارف أخرى في الشرع تسدّ حاجة المجاهد، كالزكاة والنَّفَلِ (4) والعطايا وغيرها.
3.
أن فتح باب الأجرة واشتراط عوض معين فيه قد يزاحم الإخلاص؛ فلا يكون للمجاهد نية إلا ليصيب الدنيا، ولا بأس أن يبتغي الإنسان الغنيمة ويأخذها مع نقصان الثواب (5)،
وربما أدى إلى تخلف الجيش من بعض الأفراد بسبب قلة المال مما يهدد أمن
(1) بداية المجتهد (2/ 143)، الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 335).
(2)
انظر: التهذيب (7/ 457).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (4/ 191)، روضة الطالبين (10/ 240)، المغني (9/ 303).
(4)
النَفَل بفتح النون والفاء، هو: زيادة مال على سهم الغنيمة. روضة الطالبين (6/ 368).
(5)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة، تم لهم أجرهم» وفي رواية: «ما من غازية، أو سرية، تغزو فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم» رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم، ومن لم يغنم، رقم (1906).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: "وأما معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلِموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يَسلَم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة؛ كقوله: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها، فهذا الذي ذكرنا هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا، فتعين حمله على ما ذكرنا، وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه بعد حكايته في تفسيره أقوالًا فاسدة" شرح النووي على مسلم (13/ 52).
البلاد، ويعرضها للضياع والجوع والخوف والفساد.
وما انتصر المسلمون في الرعيل الأول، وما فتحوا الفتوحات وأذعن لهم العرب والعجم إلا لأن أفرادها قصدوا بجهادهم الجنة؛ إن فتحت لهم الدنيا حمدوا الله وشكروه، وإن لم تفتح لهم وأصابهم الفقر استمروا وصبروا وصابروا؛ لأنه ستفتح لهم الجنان. نعوذ بالله من الخذلان.
* * *