الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: عبد يملكه اثنان بالسوية، فأعتق أحدهما نصيبه من العبد، فطالب الشريكُ المعتِقَ بالقيمة، فتعذرت القيمة بإفلاس أو هرب، فهل يثبت العتق
؟
من أعتق حصته من مملوك قد اشترك في ملكه مع آخر، فإن كان المعتِق موسرًا بقيمة نصيب شريكه أو جزء منه، عتق نصيبه، ثم سرى العتق إلى باقيه بالإجماع (1)، وعليه لشريكه قيمة ما أعتق من نصيبه يوم الإعتاق. وإن كان معسرًا بقي نصيب الشريك في الرق، وليس على العبد سعاية، ولا للشريك استسعاء العبد عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: وإن كان
(1) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 117 - 118).
المعتق معسرًا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى (1)
العبد (2).
قال صلى الله عليه وسلم: «من أعتق شِركًا له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قُوِّم عليه العبد قيمة عدل، فأعطى شركاءَه حصصهم، وعَتُق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق» ،
(1) لما رواه مسلم في صحيحه مرفوعًا: «من أعتق شقصًا له في عبد، فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، استسعي العبد غير مشقوق عليه» ، ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث: أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الآخر، فإذا دفعها إليه عتق. هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء. وقال بعضهم: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتِق بقدر مالَه فيه من الرق.
وسبب عدم أخذ الجمهور بالاستسعاء، لكونه معلولًا عندهم، وقالوا: لأن الاستسعاء إعتاق بعوض، فلم يجبر عليه، كالكتابة، ولأن في الاستسعاء إضرارًا بالشريك والعبد؛ أما الشريك فإنا نحيله على سعاية لعله لا يحصل منها شيء أصلًا، وإن حصل فربما يكون يسيرًا متفرقًا، ويفوت عليه ملكه، وأما العبد فإنا نجبره على سعاية لم يردها، وكسب لم يختره، وهذا ضرر في حقهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» .
قال القاضي عياض: في ذكر الاستسعاء هاهنا خلافٌ. قال أبو الحسن الدارقطني: "روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة - وهما أثبت - فلم يذكرا فيه الاستسعاءَ، ووافقهما همامٌ وَفَصَل الاستسعاء من الحديث، فجعله مِن رأي قتادة، وعلى هذا أخرجه البخاري، وهو الصواب، وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول: ما أحسن ما رواه همام وضبطه، ففصل قول قتادة عن الحديث".
قال القاضي: "وقال الأصيلي وابن القصار وغيرهما: من أسقط السِّعاية أولى ممن ذكرها؛ لأنها ليست في الأحاديث الأخرى من رواية ابن عمر. قال أبو عمر ابن عبد البر: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها. قال غيره: وقد اختلف فيه عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، فمرَّةً ذكر فيه السِّعَاية ومَرَّةً لم يذكرها، فدل أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره.
ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث: تكليفه الاكتساب والطلب لقيمة شقص الآخر على قول الأكثرين، وقيل: يخدم سيده بقدر ماله من الرق، فعلى هذا تتفق الأحاديث".
انظر: سنن الدارقطني (5/ 223)، علل الدارقطني (10/ 314 - 318)، الاستذكار (7/ 313)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 97 - 98)، شرح النووي على مسلم (10/ 136)، المغني (10/ 304).
(2)
انظر: مختصر القدوري (ص: 175 - 176)، بداية المبتدي (ص: 92)، التاج والإكليل (8/ 465)، شرح الخرشي على مختصر خليل (8/ 123)، روضة الطالبين (12/ 110)، مغني المحتاج (6/ 452)، الإنصاف (7/ 409)، كشاف القناع (4/ 516).
والمراد بغير المعسر: أن يكون موسرًا بقيمة حصة شريكه، فاضلًا ذلك عن قوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته، ودست ثوب يلبسه، وسكنى يوم. والدست: مجموعة من الثياب، وقال ابن الرفعة: الدست: عبارة عن قميص وعمامة مقنعة ونحوها.
وقيل: الدستة: حزمة ونحوها تجمع اثني عشر فردًا من كل نوع.
انظر: المطلب العالي-تحقيق إبراهيم جار الخير هتو (ص: 380)، مغني المحتاج (6/ 452)، المعجم الوسيط (1/ 283).
وفي رواية: «من أعتق شِركًا له في عبد، عتق ما بقي في ماله، إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد» ، وفي رواية:«إذا كان العبد بين اثنين، فعتق أحدهما نصيبه، وكان له مال؛ فقد عتق كله» ، وفي رواية:«من أعتق شركًا له في عبد، وكان له مال يبلغ قيمة العبد، فهو عتيق» ، متفق عليه بهذه الألفاظ كلها (1).
وللشريك مطالبة المعتِق بالقيمة (2).
إذا أفلس (3)
أو هرب المعتِق فهل يبقى نصيب الشريك رقيقًا، ويبقى الحجر عليه (4)؟
المشهور في المذاهب الأربعة: إذا أعتق نصيبه من العبد، استقر فيه العتق، ولم يسر
(1) رواه والبخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب إذا أعتق عبدًا بين اثنين، رقم (2522)، ومسلم في صحيحه، كتاب العتق، رقم (1501).
(2)
انظر: روضة الطالبين (12/ 124)، مغني المحتاج (6/ 453)، المغني لابن قدامة (10/ 302).
(3)
المفلس: من عليه ديون لا يفي بها ماله، وزاد بعضهم "وحَكَم الحاكم عليه بالحجر في التصرفات، بسؤال الغرماء".
لسان العرب (6/ 165)، روضة الطالبين (4/ 127)، كفاية النبيه (9/ 470)، المطلب العالي _ مخطوط _ نسخة أل (9/ 226/ب)، نسخة ب ل (254/أ)، كفاية الأخيار (ص: 258).
(4)
الحجر: هو المنع من التصرفات المالية، الحاوي الكبير (6/ 339)، أسنى المطالب (2/ 205).
إلى نصيب شريكه، بل يبقى على الرِّق؛ فيعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقًا (1)، وهو اختيار الصيدلاني، وقال:"ويرتفع الحجر عنه "(2).
يعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإلا فقد عتق منه ما عتق» (3).
أي: وإلا فإن كان المعتِق لا مال له يبلغ قيمة بقية العبد فقد تنجَّز عتق الجزء الذي كان يملكه، وبقي الجزء الذي لشريكه على ما كان عليه (4).
ويرتفع عنه الحجر؛ إذ لا وجه لتعطيل ملكه عليه من غير بدل (5).
* * *
(1) انظر: مختصر القدوري (ص: 175 - 176)، بداية المبتدي (ص: 92)، التاج والإكليل (8/ 465)، شرح الخرشي على مختصر خليل (8/ 123)، روضة الطالبين (12/ 110)، مغني المحتاج (6/ 452)، الإنصاف (7/ 409)، كشاف القناع (4/ 516).
(2)
"إذا تعذرت القيمة بإفلاس أو هرب، فقال الشيخ أبو علي والصيدلاني والروياني: يبقى نصيب الشريك رقيقًا، ويرتفع الحجر عنه" روضة الطالبين (12/ 124).
(3)
متفق عليه، تقدم قريبًا (ص: 497).
(4)
انظر: فتح الباري لابن حجر (5/ 156).
(5)
انظر: العزيز شرح الوجيز (13/ 333)، روضة الطالبين (12/ 124).