الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: مدة الصلب فيما لو أخذ قاطع الطريق المال على وجهٍ يوجب القطع، والقتل، فإذا صلب قتيلاً، أو قتل مصلوبًا، فكم يترك على الصليب
؟
قطاع الطريق: هم المكلفون الملتزمون من المسلمين وأهل الذمة الذين يعرضون للناس بسلاح -ولو كان سلاحهم عصا أو حجرًا في صحراء أو بنيان أو بحر- فيغصبون مالًا محترمًا مجاهرة (1).
وعقوبة الصلب (2) إحدى العقوبات الأربع التي ذكرها الله في آية الحرابة، قال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (3).
والصَّلْب يطلق في أصل اللغة: على الشيء الشديد والقوي، وفقار الظهر، ويطلق على استخراج الودك والدسم من العظم (4).
والصليب اسم للودك، والاصطلاب استخراج الودك، ومنه قول القائل:
*وبات شيخ العيال يَصْطَلِبُ * (5).
(1) انظر: شرح المنتهى (3/ 381).
(2)
في الحاوي الكبير (13/ 362): "فأما الموضع الذي يقام فيه الحدود عليهم من قتل وصلب فهو الموضع الذي حاربوا فيه وقتلوا إذا شاهدهم فيه من يرتدع بهم من غواة الناس، فإن كانت حرابتهم في مفازة نقلوا إلى أقرب البلاد بها من الأمصار التي يكثر فيها أهل الفساد، ولا يؤخر قتلهم إلا قدر استبراء أحوالهم".
(3)
سورة المائدة: 33.
(4)
انظر: معجم مقاييس اللغة (3/ 301) النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (2/ 330)، المعجم الوسيط (1/ 519).
(5)
هذا عجز بيت للكميت الأسدي، وتمامه:
واحتلّ بَرْك الشتاء منزله
…
وبات شيخ العيال يَصْطَلِبُ
احتلّ: بمعنى حلّ. والبرك: الصدر، واستعاره للشتاء، أي جاء صدر الشتاء، ومعظمه في منزله، يصف شدة الزمان وجدبه، لأن غالب الجدب إنما يكون في زمن الشتاء. ويقال: قد اصطلب الرجل: إذا جمع العظام ليطبخها، فيخرج ودكها ويأتدم بها، انظر: تهذيب اللغة (10/ 131)، لسان العرب (1/ 529).
وتلك الخشبة على هيئتها سميت صليبًا لسيلان الصليب عليها (1).
وكيفية الصلب في الشرع: أن تغرز خشبة في الأرض، ثم يربط عليها خشبة أخرى عرْضًا، فيضع قدميه عليها، ويربط من أعلاها خشبة أخرى ويربط عليها يديه (2).
وبعضهم لم يذكر خشبة معترضة إلا واحدة في الأعلى لليدين (3).
واختلف العلماء في حد الحرابة هل هو للتخيير وهو قول المالكية (4)، أو أن العقوبة تتنوع بتنوع الجريمة، كما هو مذهب الجمهور (5). واختلفوا هل يصلب حيًا أو ميتًا؟ (6).
ومحل البحث فيما لو أخذ قاطع الطريق المال على وجهٍ يستحق به القطع، والقتل، والصلب، فإذا صلب قتيلاً، أو قتل مصلوبًا، فكم يترك على الصليب؟
اختلف العلماء على ستة أقوال:
القول الأول: يصلب ثلاثة أيام من وقت موته، ولا يصلب أكثر من ذلك، وهو مذهب الحنفية في ظاهر الرواية والشافعية في الأصح، وهو وجه عند الحنابلة.
وقيّد الشافعية ذلك بما إذا لم يخف التغير أو الانفجار قبلها وإلا أنُزل وجوبًا (7).
(1) انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 76)، تهذيب اللغة (10/ 131).
(2)
انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 173) حاشية ابن عابدين (رد المحتار)(4/ 115).
(3)
اللباب في شرح الكتاب (3/ 212).
(4)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (4/ 349).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 94)، روضة الطالبين (10/ 156)، كشاف القناع (6/ 150).
(6)
انظر: البيان والتحصيل (2/ 268)، روضة الطالبين (10/ 157)، الإنصاف (10/ 293)، المحلى (12/ 293)، بداية المجتهد (4/ 239).
(7)
انظر: المبسوط (9/ 196)، مختصر القدوري (ص: 203)، الهداية (2/ 376)، الأم (6/ 61)، المهذب (3/ 367)، البيان (12/ 508)، الفروع (10/ 157)، الإنصاف (10/ 293).
وفي العزيز شرح الوجيز (11/ 255): "وحملوا قول الشافعي رضي الله عنه أنه يصلب ثلاثًا، على ما إذا كان الهواء باردًا، أو معتدلًا. وقالوا: إذا خيف التغير عند شدة الحر ينزل قبل تمام الثلاث".
القول الثاني: يصلب قدر ما يشتهر أمره، وهو قول الحنابلة (1).
القول الثالث: يترك على خشبة حتى يتقطع ويتفتت ويسيل صديده (2) وودكه (3) عليه فيسقط، وهو قول أبي يوسف (4) ووجه عند الشافعية (5)، واختيار الصيدلاني (6).
(1) انظر: المغني (8/ 291)، الفروع (10/ 157)، الإنصاف (10/ 293).
(2)
الصديد: الدم المختلط بالقيح. النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 15)، المصباح المنير (1/ 334).
(3)
الودك: هو دسم ودهن اللحم والشحم الذي يستخرج من ذلك.
انظر: النهاية (5/ 169)، المصباح المنير (2/ 653).
(4)
هو الإمام، المجتهد، العلامة، المحدث، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري، الكوفي. وهو أنبل تلامذة الإمام أبي حنيفة، وعن محمد بن الحسن، قال:"مرض أبو يوسف، فعاده أبو حنيفة، فلما خرج، قال: إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها". قال أحمد بن حنبل: "أول ما كتبت الحديث، اختلفت إلى أبي يوسف، وكان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد". وقال ابن معين: "ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ، ولا أصح رواية من أبي يوسف"، أول من لُقب بقاضي القضاة، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة".
سير أعلام النبلاء (8/ 535)
(5)
انظر: الهداية (2/ 376)، تبيين الحقائق (3/ 237)، نهاية المطلب (17/ 305).
(6)
في نهاية المطلب في دراية المذهب (17/ 305): "إذا صلب قتيلًا، أو قتل مصلوبًا، فكم يترك على الصليب؟
في المسألة قولان: أحدهما - أنه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام. والثاني - أنه يترك على الصليب حتى يتهرّأ قال الصيدلاني: ويتفتت ويسيل ودكه عليه.
ثم قال الأصحاب: إن قلنا: لا يترك مصلوبًا أكثر من ثلاثة أيام، فلو نَتُن وكان يتفاحش تغيره قبل الثلاث، فهل يُنزل من الصليب؟ فعلى وجهين. وإذا قلنا: إنه يترك حتى يسيل صديده، فقد صرح الصيدلاني بأنه يترك حتى يتساقط"، وانظر: المطلب العالي-تحقيق عواد السهلي ص: 129.
وقريبًا منه: قول ابن الماجشون (1): لا يُمَكَّن منه أهله ولا غيرهم حتى تفنى الخشبة وتأكله الكلاب (2).
القول الرابع: يُصلب بقدر ما يقع عليه اسم الصلب، ثم ينزل بعد ذلك، ومنهم من قال ينزل تلك الساعة، ومنهم من قال قليلًا (وكلها ألفاظ متقاربة)، وهو قول بعض المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة (3).
القول الخامس: يصلب ثم ينزل إذا خيف تغيره، وهو قول بعض المالكية (4).
القول السادس: يُصلب حيًا ويترك حتى يموت، وييبس كله ويجف، فإذا يبس وجف أنزل، فغسل، وكفن، وصلي عليه، ودفن، وهو قول بعض الظاهرية وابن حزم (5).
تعليل القول الأول (يصلب ثلاثة أيام من وقت موته)(6):
1.
لأنه بعد الثلاث يتغير؛ فلو تُرك كذلك تغير وتأذى بهم المارة (7).
2.
ولأنَّ الغالب أن القليل يحمل على ثلاثة أيام (8).
3.
ليشتهر الحال ويتم النكال (9).
(1) العلامة، الفقيه، مفتي المدينة، أبو مروان عبد الملك ابن الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن الماجشون التيمي مولاهم، المدني، المالكي، تلميذ الإمام مالك. قال ابن عبد البر:"كان فقيهًا، فصيحًا، دارت عليه الفتيا في زمانه، وعلى أبيه قبله، وكان ضريرًا" توفي سنة 213 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 359)
(2)
انظر: التبصرة للخمي (13/ 6141)، : المنتقى شرح الموطأ (7/ 172).
(3)
انظر: التبصرة للخمي (13/ 6142) المنتقى شرح الموطأ (7/ 172)، منهاج الطالبين (ص: 302)، مغني المحتاج (5/ 501)، المغني (9/ 148)، الإنصاف (10/ 293).
(4)
واعتمده الدردير والدسوقي. انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (4/ 349)، بلغة السالك (4/ 494).
(5)
انظر: المحلى بالآثار (12/ 293).
(6)
ليس من عادتي ذكر الدليل أو التعليل مع (القول)، ولكن لكثرة الأقوال قد يلتبس على القارئ.
(7)
انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 196)، بدائع الصنائع (7/ 95).
(8)
انظر: مغني المحتاج (5/ 501).
(9)
انظر: العزيز شرح الوجيز (11/ 254)، أسنى المطالب (4/ 155)، مغني المحتاج (5/ 501).
4.
ولأن للثلاث اعتبارًا في الشرع؛ كما في مهلة المرتد، ومدة خيار الشرط، وليس لما زاد عليها غاية (1).
ونوقش:
بأنه توقيت بغير توقيف، فلا يجوز، مع أنه في الظاهر يفضي إلى تغيره، ونتنه، وأذى المسلمين برائحته ونظره، ويمنع تغسيله وتكفينه ودفنه، فلا يجوز بغير دليل (2).
تعليل القول الثاني (يصلب قدر ما يشتهر أمره):
لأن المقصود من الصلب زجر غير المصلوب ولا يحصل إلا به (3).
تعليل القول الثالث (يترك على خشبة حتى يتقطع ويتفتت):
1.
لأنه أبلغ في اعتبار غيره به وتغليظًا عليه وتنفيرًا عن فعله (4).
ونوقش بـ:
أ- أنه يتغير بعد الثلاث فيتأذى الناس به، والإرداع قد حصل بالثلاث، فما دونه وغايته غير مطلوبة. ويحصل الاعتبار بما ذكرناه والنهاية غير مطلوبة (5).
ب- أنّ هذا فاسد؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال وجوب غسله وتكفينه ودفنه (6).
2.
وأنّ الصليب اسم للودك، والاصطلاب استخراج الودك، ومنه قول القائل:
*وبات شيخ العيال يَصْطَلِبُ *
وتلك الخشبة على هيئتها سميت صليبًا؛ لسيلان الصليب عليها (7).
تعليل القول الرابع (يُصلب بقدر ما يقع عليه اسم الصلب):
(1) انظر: فتح القدير (5/ 427)، أسنى المطالب (4/ 155)، مغني المحتاج (5/ 501)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/ 542).
(2)
انظر: المغني (9/ 148).
(3)
انظر: المغني (9/ 148)، كشاف القناع (6/ 150).
(4)
انظر: الهداية (2/ 376)، تبيين الحقائق (3/ 237)، نهاية المطلب (17/ 305).
(5)
انظر: الهداية (2/ 376)، تبيين الحقائق (3/ 237).
(6)
انظر: الحاوي الكبير (13/ 358)، البيان (12/ 508).
(7)
انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 76)، تهذيب اللغة (10/ 131)، نهاية المطلب (17/ 305).
قالوا: لأن الله تعالى أمر بصلبه، فيصدق بأدنى ما يقع عليه اسم الصلب (1).
تعليل القول الخامس (يصلب ثم ينزل إذا خيف تغيره):
لم أجد لهم تعليلًا أو دليلًا، وقد يعللون: بأن به يحصل الردع والزجر، ولئلا يتأذى الناس من نتنه ورائحته.
تعليل القول السادس (يُصلب حيًا ويترك حتى يموت):
لأن الصلب في كلام العرب يقع على معنيين، أحدهما: من الأيدي، والربط على الخشبة، قال الله تعالى حاكيًا عن فرعون:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (2).
والوجه الآخر: التيبيس، قال الشاعر، يصف فلاة مضلة:
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب (3)
يريد أن جلدها يابس. وقال الآخر:
جَذِيمَةُ نَاهِضٍ فِي رَأْسِ نِيق ترى لعظام ما جَمَعَتْ صَلِيبًا
يريد: ودكًا سائلًا؟ فوجب جمع الأمرين معًا، حتى إذا أنفذنا أمر الله تعالى فيه وجب به ما افترضه الله تعالى للمسلم على المسلم: من الغسل، والتكفين، والصلاة، والدفن، على ما قد ذكرنا قبل هذا (4).
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: "وجدنا الله تعالى قد قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (5)
فصح يقينًا أن الله تعالى لم يوجب قط عليهم حكمين من هذه الأحكام، ولا أباح
(1) انظر: المغني (9/ 148)، الإنصاف (10/ 293).
(2)
سورة طه: 71.
(3)
البيت لعلقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس كما في المفضليات (ص: 390).
(4)
انظر: جمهرة اللغة (1/ 350)، المحلى بالآثار (12/ 296).
(5)
سورة المائدة: 33.
أن يجمع عليهم خزيان من هذه الأخزاء (1) في الدنيا، وإنما أوجب على المحارب أحدها لا كلها، ولا اثنين منها، ولا ثلاثة.
فصح بهذا يقينًا لا شك فيه: أنه إن قتل فقد حرم صلبه، وقطعه، ونفيه.
وأنه إن قطع، فقد حرم قتله، وصلبه، ونفيه.
وأنه إن نفي، فقد حرم قتله، وصلبه وقطعه وأنه إن صلب، فقد حَرُمَ قتله، وقطعه، ونفيه، لا يجوز البتة غير هذا، فحرم بنص القرآن صلبه إن قُتل.
وحرم أيضًا بنص القرآن قتله إن صُلب وحَرُمَ هذا الوجه أيضًا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرنا من «إن أعف الناس قِتلةً أهلُ الإيمان» (2)،
(1) هكذا في المحلى (أخزاء)، ويقلّ في اللغة جمع المصدر؛ ومنه قوله تعالى:{الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10].
(2)
قال المناوي رحمه الله: "أي هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدهم تحريًا عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه؛ إجلالًا لخالقهم وامتثالًا لما صدر عن صدر النبوة من قوله «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة»، بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفوا من مسماه بلقلقة اللسان، وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، ومن لا يَرحم لا يُرحم" فيض القدير (2/ 7).
أي أهل الإيمان هم أعف الناس في القتل، رواه أحمد في مسنده (6/ 274)، وأبو داود في سننه، الجهاد، باب في النَّهىِ عَنِ الْمُثْلَةِ، رقم (2666)، ورواه ابن ماجه، كتاب الديات، باب أعف الناس قتلة أهل الإيمان، رقم (2681)، عبد الرزاق في مصنفه (10/ 22)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 455)، وابن حبان في صحيحه (13/ 335)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 107)، وغيرهم، وضعفه ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (26/ 458).
والألباني في السلسلة الضعيفة (3/ 376)، قال ابن حزم رحمه الله:"هذا وإن لم يصح لفظه، فإن فيه هنيء بن نويرة - وهو مجهول - فمعناه صحيح" المحلى بالآثار (10/ 264).
(3)
رواه مسلم في صحيحه، في الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة رقم (1955).
و «لعن الله من اتخذ شيئًا فيه الروح غَرَضًا (1)» (2)، والنهي عن ذلك. فلما حرم قتله مصلوبًا بيقين؛ لما ذكرنا من وجوب اللعنة على من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا، وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع الأمرين معًا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب إنما هو صلبٌ لا قَتلَ مَعه؟ ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به، ولكان كلامًا عاريًا من الفائدة أصلا، وحاش لله تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا! ولكان أيضًا تكليفًا لما لا يطاق، وهذا باطل. فصح يقينًا أن الواجب أن يخير الإمام صلبه إن صلبه حيًا، ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله؛ لأن الصلب في كلام العرب يقع على معنيين:
…
" (3).
الترجيح:
أَرْجح الأقوال فيما يظهر -والله أعلم- هو القول المشهور عند الحنابلة أنه يصلب قدر ما يشتهر أمره (4)؛ لأن فيه مراعاةً للفظ في النصوص، ومراعاةً للمعنى المقصود من حد الحرابة وهو الردع والزجر.
وأما في عصرنا هذا فالتشهير قد يحدث في دقائق بواسطة الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.
وينبغي مراعاة عدم تغير المصلوب وظهور رائحته ونتنه، وهذا يختلف باختلاف الهواء حرارةً وبرودةً واعتدالًا؛ فإذا خيف التغير ينزل.
وتحديد ثلاثة أيام يفتقر إلى دليل، والقول بأن الصَّلب يَصدُق بأدنى توقيت وإن قلَّ قد لا يراعي المقصدَ من الحدّ، وأما قول الظاهرية يُصلب حيًا ويترك حتى يموت، مرجوح؛ فهو جمع بين القتل المضاعف مع الصلب، وليس مجرد صلب فقط، كما قاله ابن حزم -
(1) قال الإمام النووي رحمه الله: "نهى أن نتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضًا أي هدفًا للرمي فيرمى إليه بالنشاب" شرح النووي على مسلم (1/ 114)
(2)
رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب النهي عن صبر البهائم، رقم (1956، 1957).
(3)
انظر: المحلى بالآثار (12/ 295 - 296).
(4)
وهو اختيار صاحب أضواء البيان (1/ 396).
رحمه الله -. وببحثي القاصر فالذي يظهر-والله أعلم- أن قول الظاهرية قولٌ محدث مخالف لمن سبقه فقد خالف الإجماع الضمني، ولا يجوز إحداث قولٍ جديد لأقوال سابقة، كما هو مذهب عامة الفقهاء (1) إلا إذا كان تفصيلًا لأقوالٍ سابقة ولم يبطلها (2) كما هو مذهب الحنابلة (3).
* * *
(1) لأن في ذلك نسبة الأمة إلى ضياع الحق والغفلة عنه، وهو باطل قطعًا، وفيه أيضًا القول بخلو العصر عن قائم لله بحجته، وأنه لم يبق من أهل ذلك العصر على الحق أحد، وهذا ممتنع.
انظر: الرسالة للشافعي (1/ 472)، المسودة في أصول الفقه (ص: 338)، مجموع فتاوى ابن تيمية (19/ 201)، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (ص: 174).
(2)
كقول صاحب شرح الكوكب المنير (2/ 267): "بعض الصحابة قال: لا يقرأ الجنب حرفًا. وقال بعضهم: يقرأ ما شاء. فقال الإمام أحمد رضي الله عنه: يقرأ بعض آية. (وفي تعليق القاضي في قراءة الجنب): قلنا بهذا موافقة لكل قول. ولم نخرج عنهم. اهـ. ولأنه لم يخرق إجماعًا سابقًا. فإنه قد لا يرفع شيئًا مما أجمعوا عليه. قاله البرماوي".
(3)
انظر: المحصول للرازي (4/ 140)، الفواكه الدواني (2/ 356)، اللمع للشيرازي (ص: 93)، البحر المحيط في أصول الفقه (6/ 517)، غاية الوصول في شرح لب الأصول (ص: 114)، شرح الكوكب المنير (2/ 264).