الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: حكم مِلك صاحب الأرض الصيد فيما لو سقى الرجل أرضًا له، أو وقع الماء على أرضه من غير قصده، فتخطى فيها صيدٌ وتوحَّل، وصار مقدورًا عليه
.
إذا سقى الرجل أرضًا له، أو وقع الماء على أرضه من غير قصده، فتخطى فيها صيدٌ وتوحَّل، وصار مقدورًا عليه، فهل يملك صاحب الأرض الصيد؟
هذه المسألة فيما إذا لم يكن يقصد بسقي الأرض توحُّل الصيود فهل مالك الأرض يملك الصَّيد؟ فإذا كان يقصد، فهو كنصب الشبكة إذا قُصد بها الصيد.
أما إذا اصطاد صيدًا فوجد عليه علامة ملك كقلادة في عنقه أو قرط في أذنه أو وجد الطائر مقصوص الجناح لم يملكه؛ لأن الذي صاده أولًا مَلَكَه، ويكون لقطة فيعرِّفه واجده (1).
ومسألتنا في صيد ليس عليه علامة ملك، ولا يُعرف أن أحدًا مَلَكه.
ولا بد من الإحاطة بصورتين في إثبات الملك:
إحداهما: أن يتفق ثبوت الصَّيد بما يُقصد بمثله إثباته، ولكن يحصل ذلك السبب من غير قصد إليه، كإغلاق الباب من غير شعور بكون الصَّيد في الدار، ومن ذلك انسلال الشبكة من مالكها من حيث لا يشعر وثبوتُها في مَدْرجة الصيود بدون قصد، وقد ذكر الفقهاء أن الصيد لو ثبت بما لا يقصد بمثله إثباته، فهل يقضى بالملك فيه؟ فيه خلاف.
والصورة الثانية: أن السبب إذا كان لا يقصد بمثله إثبات الصيود، وسبب ذلك أنه يبعد ثبوت الصّيود به، كما لو سقى الرجل أرضًا له، أو وقع الماء على أرضه، فتخطى فيها صيدٌ وتوحَّل، وصار مقدورًا عليه.
فلو قصد به الإثبات، فثبت، فقد جرى خلاف الفقهاء في هذه الصورة أيضًا، وسبب جريان الخلاف أن القصد فيه لا يصح؛ فإذا ضعف القصد، جرى الخلاف، ومسألتنا في الصورة الثانية فيما إذا لم يقصد صاحب الأرض الصيد (2).
اختلف العلماء في المسألة على قولين:
(1) انظر: كشاف القناع (6/ 226).
(2)
انظر الكلام على الصورتين: نهاية المطلب (18/ 152 - 153).
القول الأول: أن صاحب الأرض لا يصير مالكًا بذلك، وهو قول الحنفية، والأصح عند الشافعية، ومذهب الحنابلة (1)، واختاره الصيدلاني (2).
قال الحنفية: من أخذ صيدًا من دار رجل أو أرضه فهو له (3).
وقال الشافعية: إذا قلنا: لا يملكه صاحب الدار، فهو أولى بتملكه، وليس لغيره أن يدخل ملكه ويأخذه. فإن فعل، فهل يملكه؟ وجهان كمن تحجر مواتًا وأحياه غيره، هل يملكه؟ وهذه الصورة أولى بثبوت الملك؛ لأن التحجر للإحياء، ولا يقصد ببناء الدار تملك الصيد الواقع فيها (4).
القول الثاني: يملكها مالك الأرض، وهو ظاهر قول المالكية ووجه عند الشافعية (5).
أدلة القول الأول:
1.
قوله صلى الله عليه وسلم: «الصَّيْد لمن أَخذه» (6).
(1) انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 250 - 251)، حاشية ابن عابدين (6/ 463)، منهاج الطالبين (ص: 319)، روضة الطالبين (3/ 255)، الشرح الكبير على المقنع (27/ 410)، شرح منتهى الإرادات (3/ 433).
(2)
في نهاية المطلب (18/ 151): "لو سقى الرجل أرضًا له، أو وقع الماء على أرضه من غير قصده، فتخطى فيها صيدٌ وتوحَّل، وصار مقدورًا عليه، فالذي رأيته للأصحاب أن صاحب الأرض لا يصير مالكًا بما جرى له؛ لأن مثل هذا ليس مما يقصد به الاصطياد، والقصودُ مرعيَّة في أمثال هذه التملّكات. وذكر الصَّيدلاني وجهين: أحدهما - ما ذكرناه وهو الذي اختاره وصحَّحه".
(3)
انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 250).
(4)
انظر: روضة الطالبين (3/ 255).
(5)
انظر: المدونة (1/ 539)، الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي (2/ 110)، نهاية المطلب (18/ 151)، روضة الطالبين (3/ 255).
(6)
قال الإمام الزيلعي رحمه الله: "غريب" نصب الراية (4/ 318).
والإمام الزيلعي في تخريجه لأحاديث الهداية إذا قال عن حديث: "غريب" فهو يعني "لا أصل له"، وهو اصطلاح خاص به، قاله الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 44) وغيرها.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "لم أجد له أصلًا وأما ما ذكره ابن حمدون في التذكرة الأدبية له أن إسحاق الموصلي قال دخل الفضل بن الربيع على الرشيد فذكر قصة فيها أن بعض حواريه قالت: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رفعه «الصيد لمن أخذه لا لمن أثاره»، وأن أخرى حدثته عن مالك عن الزهري عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد رفعه «من أحيا أرضًا ميتة فهي له»، فالحديث الأول لا أصل له بهذا الإسناد ولا بغيره، وأما الثاني فقد تقدم من وجه آخر عن سعيد بن زيد وغيره والحكاية موضوعة" الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 256).
وجه الدلالة:
أن الصيد إنما يملك بالأخذ، لا بمجرد وقوعه في أرض المالك (1).
قالوا: لأن مثل هذا مما لا يقصد به الاصطياد، والقصودُ مرعيَّة في أمثال هذه التملّكات (2).
2.
القياس على البِرْكة التي لم يقصد بها الصيد (3).
تعليل القول الثاني:
القياس على ما إذا نصب شبكة أو رمى صيدًا، فأثبته (4).
الترجيح:
القولان متكافئان، والقول بأن مالك الأرض أولى من غيره عند التنازع، مع عدم الملكية أحرى وأقوى -والله أعلم- لأسباب:
أولًا: مالك الأرض أولى من غيره؛ لأن الصيد ثبت في أرضه، وهو يملك الأرض قرارها وسماءها.
ثانيًا: أنّ آخذ الصيد من أرضه معتدٍ على كل حال.
ثالثًا: مالك الأرض لا يملك الصيد؛ إذ يلزم من القول بملكية الصيد ههنا أنه لو
(1) انظر: المحيط البرهاني (6/ 58).
(2)
نهاية المطلب (18/ 151).
(3)
انظر: شرح منتهى الإرادات (3/ 433).
(4)
انظر: نهاية المطلب (18/ 151).
نشب (1) الصيد في أرض رجلٍ برهةً من الزمن ثم غادر الأرض، أو طار لا يملكه أحدٌ بعده.
ونظير هذه المسألة من بعض الوجوه من كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة؛ لأن السمكة من الصيد المباح فمُلِكت بالسبق إليها، كما لو فتحَ حِجْره. زاد بعضهم:"ما لم تكن السفينة معدة للصيد في هذا الحال"، وإن وقعت السمكة في السفينة فلصاحبها؛ لأن السفينة ملك ويده عليها (2)، إلا أن مسألتنا أن يده ليست عليه بصورةٍ ظاهر.
* * *
(1) يقال نشب الصيد: إذا علق بالحبال أو غيره، يقال: نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه. انظر: القاموس المحيط (ص: 138)، لسان العرب (1/ 757).
(2)
انظر: المبدع في شرح المقنع (8/ 53)، كشاف القناع (6/ 226).