الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية عشرة: المكاتبة المشتركة بين اثنين، إذا وطئها أحدهما، وقد كان موسرًا، ثم أحبلها، وانفصل الولد حيًا، فما حكم ولد المكاتبة وقيمته
؟
يصح مكاتبة الأمة، كما تصح مكاتبة العبد، بلا خلاف بين أهل العلم (1).
وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة، يدخلون معها في الكتابة، ويعتقون بعتقها (2).
ووطء المكاتبة محرم عند أكثر الفقهاء (3).
وإذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها، ثم وطئها أحدهما أُدِّب فوق أدب الواطئ؛ لمكاتبته الخالصة له؛ لأن الوطء هاهنا حرم من وجهين: الشركة والكتابة، فهو آكد، وإثمه أعظم وأدبه أكثر، وعليه مهر مثلها (4).
والمكاتبة إما أن تكون ملكًا لسيد واحد، أو مشتركة بين اثنين فأكثر، فإذا كانت مشتركة بين اثنين وقد وطئها أحدهما، فإما أن يحصل من هذا الوطء إحبالًا أو لا يحصل، فإن أحبلها، وانفصل الولد حيًا، فإما أن يكون الواطئ موسرًا أو يكون معسرًا، فإن كان موسرًا فما حكم ولد المكاتبة وقيمته (5)؟
اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:
القول الأول: الولد حر، ولا يضمن الواطئ من قيمة الولد شيئًا، وهو قول الحنفية،
(1) انظر: المغني (10/ 431).
(2)
انظر: النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 854)، المبسوط للسرخسي (8/ 28)، البيان والتحصيل (15/ 256)، الذخيرة (11/ 275)، الأم (8/ 62)، أسنى المطالب (4/ 499)، الإنصاف (7/ 464)، كشاف القناع (4/ 549)، المغني (10/ 431).
(3)
واختلف الحنابلة في جواز شرط السيد وطء مكاتبته، ويحرم وطؤها بدون شرط عند الجميع. انظر: الهداية (2/ 333)، فتح القدير (5/ 172)، التاج والإكليل (8/ 459)، مواهب الجليل (6/ 320)، الحاوي الكبير (18/ 218)، روضة الطالبين (12/ 290)، المغني (4/ 74)، الفروع (8/ 153).
(4)
انظر: المغني (10/ 403).
(5)
انظر: نهاية المطلب (19/ 429 - 433).
والمالكية (1).
القول الثاني: الولد حر، وعلى الواطئ للشريك نصف قيمة الولد، سواء أدت إليهما النجوم أو عجزت، وهو قول المالكية الشافعية والحنابلة.
وعند الشافعية: ولم يسرِ الاستيلاد (2) إلى نصيب شريكه إلا عند عجزها.
وعند الحنابلة: صارت أم ولد الواطئ ولو لم تعجز، فتبقى على كتابتها (3).
القول الثالث: "والولد حر ثابت النسب، وينظر في قيمة الولد، فإن جاءت به قبل أن عجزت، فنصف قيمة الولد واجب عليه، وإن جاءت به بعد أن عجزت وأدى القيمة، فلا يلزمه من قيمة الولد شيء". وهو قول الصيدلاني بالنص (4).
وقال الإمام الجويني بعد نقله لكلام الصيدلاني:
الملاحظ أن الفقهاء يكاد يجمعون على أن الولد حر ثابت النسب؛ منسوب إلى الواطئ.
وقد عللوا ذلك وقالوا:
لأنه لما ثبت النسب في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي؛ لأنه لا يتجّزأ ضرورة؛ إذ الولد الواحد لا ينعلق من ماءين (5).
وأما التعليل في مسألة قيمة ولد المكاتبة:
(1) انظر: مختصر القدوري (ص: 178)، العناية (9/ 182)، حاشية ابن عابدين (3/ 695)، التهذيب في اختصار المدونة (4/ 468)، الذخيرة (11/ 359)، (12/ 63)، الجامع لمسائل المدونة (22/ 405).
(2)
يعني: لا يسري كونها أم ولد إلى نصيب الشريك.
(3)
انظر: النوادر والزيادات (13/ 158 - 159)، مختصر المزني (8/ 436)، أسنى المطالب (4/ 501)، الإنصاف (7/ 502)، شرح منتهى الإرادات (2/ 605).
(4)
أي ما بين علامة التنصيص، نهاية المطلب (19/ 432).
(5)
انظر: الهداية (2/ 315)، المغني لابن قدامة (10/ 405).
تعليل القول الأول:
قالوا: لا يضمن ولا يغرم قيمة الولد؛ لأن النسب يثبت مستندًا إلى وقت العلوق، فلم ينعلق شيء منه على ملك الشريك (1).
تعليل القول الثاني:
1.
لأنه كان من سبيله أن يكون عبدًا، فقد أتلف رقّه بفعله، فكان عليه نصف قيمته (2).
2.
ولا يلزمه قيمته؛ لأنها وضعته في ملكه (3).
تعليل القول الثالث الذي قاله الإمام الصيدلاني:
لم أقف عليه، ولكن ناقش الإمام الجويني قول الصيدلاني بقوله:
"وهذا لفظ الصيدلاني في كتابه. وهو خطأ صريح، ومن أحاط بما ذكرناه، لم يخفَ عليه أن ما سواه غلط، ومعنى ما ذكره أن الولد حر لا محالة، وهذا سديد، ثم قال: "فإن جاءت به قبل أن عجزت"، أراد إن ولدته، فنصف قيمة الولد واجب على المستولد. وأين هذا من التفصيل المطلوب في قيمة الولد: وأنها للمكاتبة، أو للمولى، وما وجه الاقتصار على نصف القيمة؟
ثم قال: "إن جاءت به بعد العجز وأداء القيمة عند السريان، فلا يلزمه من قيمة الولد شيء". أراد بذلك أنها إذا عجزت في باقيها ورقت، وربما فرض عجزها في النصف الذي يثبت الاستيلاد فيه ابتداء، فإذا أتت بالولد وهي مستولدة، وقد زالت الكتابة بالتعجيز، فقد تحقق الولاد في ملكه، والاعتبار بحالة الولادة؛ ولهذا قلنا لو انفصل الولد ميتًا، لم يجب الضمان، فإذا وقعت الولادة في حالة خلوصها له، فلا ضمان أصلًا.
هذا ما فهمتُه من كلامه، وانقدح لي من توجيهه، وهو ليس بشيء؛ فإنا ذكرنا في قيمة الولد عند جريان الاستيلاد من أحد الشريكين في الجارية المشتركة قولين: أحدهما -
(1) انظر: الهداية (2/ 315)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 339).
(2)
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 339).
(3)
انظر: المغني لابن قدامة (10/ 404).
أنه يجب مقدار حصة الشريك من القيمة، وهذا مبني على تقدم العلوق على انتقال الملك، ثم الولادة تقع بعد هذا الحكم، وبعد الانتقال بأشهر، وكذلك الأب إذا استولد جارية الابن، وأوجبنا عليه قيمة الولد على قولٍ، فهو جارٍ على القياس الذي ذكرناه في الجارية المشتركة، وإن كانت الولادة تقع بعد انتقال الملك.
وذاك الذي خيّلنا به من تشبيه انفصال الولد في ملكه بانفصاله ميتًا ليس بشيء؛ فإن الحرية إذا تحققنا تقدمها، ثم علمنا حياة الولد -والحر وإن انفصل في حالة كون الأم مملوكة- فلا حق في الحر لمالك الأم" (1).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- القول الثاني أن الواطئ يضمن نصف قيمة الولد؛ لأن وطء المكاتبة المشتركة غير مأذون فيه، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون (2)، ولأنه لو كان الولد نتج من وطء أجنبي كان ملكًا للشريكين على قدر حصصهما، فكذلك هنا، إلا أنه اختلفت حرية الولد؛ لأنه منسوب إلى مَنْ له سيادة على أمه، وهو حر.
* * *
(1) نهاية المطلب (19/ 433).
(2)
انظر: المغني لابن قدامة (5/ 165)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/ 88، 100).