الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة: لو حلف عمرو لا يدخل دار زيد، فباعها زيد، واشترى دارًا أخرى، ثم دخلها عمرو
.
هذه المسألة لم أجدها كاملة بأطرافها إلا عند الشافعية، وإن وجدت الحلف على الجملة الأولى فقط في بعض المذاهب.
وبناء على ما سبق من تأصيل المسألة يمكن تخريج المسألة على خلاف العلماء:
القول الأول: يرجع إلى العرف، فلا يحنث بدخوله الدار الأولى، ويحنث بدخول الدار الثانية، وهو قول الحنفية (1).
القول الثاني: نرجع إلى نية الحالف؛ إن قال: أردت الأولى بعينها، لم يحنث بدخول الثانية، وإن قال: أردت أي دار تكون في ملكه، حنث بالثانية دون الأولى، وإن قال: أردت أي دار جرى عليها ملكه، حنث بأيتها دخل، وهو مذهب الشافعية (2) واختيار الصيدلاني (3)، ومقتضى قول المالكية والحنابلة، وإن لم يكن نية ينظر إلى السبب المهيج، كما هو مذهب المالكية والحنابلة، فإن لم يكن يرجع إلى المعنى، فيحنث بدخوله الدار الأولى أو الثانية (4).
(1) انظر: التجريد للقدوري (12/ 6443، 6448)، فتح القدير (5/ 96)، النهر الفائق (3/ 121)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 743)
(2)
انظر: روضة الطالبين (11/ 54)، مغني المحتاج (6/ 200).
وهذه من المسائل التي تدل على أثر النية في الحلف عند الشافعية رحمهم الله.
(3)
في روضة الطالبين (11/ 54): "لا يدخل دار زيد، فباعها زيد، ثم دخلها، لم يحنث، لأنه لم يدخل دار زيد،
…
فلو اشترى زيد بعد ما باعها دارًا أخرى، قال الصيدلاني: إن قال: أردت الأولى بعينها، لم يحنث بدخول الثانية، وإن قال: أردت أي دار تكون في ملكه، حنث بالثانية دون الأولى".
(4)
انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (2/ 139 - 140)، التلقين في الفقة المالكي (1/ 100)، روضة الطالبين (11/ 54)، مغني المحتاج (6/ 200)، الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 199)، الإنصاف (11/ 60).
تعليل القول الأول:
1.
قالوا: إذا باعها فقد زال الملك والسكنى، فلم تبق إضافة الدار إليه (1).
2.
ولهذا قال أصحابنا: القياس على ما لو قال: لأرفعن فلانًا إلى الوالي. فرفعه بعدما عزل، لم يبر؛ فاليمين تعلقت ببقاء ذلك الدار ملكًا لزيد، فإذا زال زالت اليمين (2).
3.
ولأن الإنسان يمنع من دخول مالكها، فإذا عقد على عينها وأضافها إليه، فكل واحد من الأمرين مقصود، فإذا زالت، بطلت اليمين (3).
تعليل القول الثاني:
1.
يُرجع أولًا إلى النية؛ لأنه نوى بكلامه ما يحتمله، ويسوغه في اللغة التعبير به عنه، فينصرف يمينه إليه، وإذا احتمله اللفظ، وجب صرف اليمين إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «وإنما لكل امرئ ما نوى» ، ولأن كلام الشارع يحمل على مراده، إذا ثبت ذلك بالدليل، فكذلك كلام غيره (4).
2.
إذا عدمت النية، نظرنا في سبب اليمين، وما أثارها؛ لدلالته على النية، وقد دللنا على تعلق اليمين بما نواه، والسبب دليل على النية، فيتعلق اليمين به، وقد ثبت أن كلام الشارع إذا كان خاصًا في شيء لسبب عام تعدى إلى ما يوجد فيه السبب، كتنصيصه على تحريم التفاضل في أعيان ستة (5)، أثبت الحكم في كل ما يوجد فيه معناها، كذلك في كلام الآدمي مثله (6).
3.
فإن عدم ما تقدم من النية والسبب والتعيين (7) رجع في اليمين إلى ما تناوله الاسم؛ لأنه مقتضاه ولا صارف عنه، ولأن اللفظ دليل الحكم، فيجب الاعتبار به في
(1) انظر: التجريد للقدوري (12/ 6448).
(2)
انظر: التجريد للقدوري (12/ 6443).
(3)
نفس المرجع.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة (9/ 565 - 566).
(5)
يعني في الربا.
(6)
انظر: المغني (9/ 566 - 567)
(7)
كما في مسألتنا ليس هناك تعيين؛ فلم يقل: دار زيد هذه.
الخصوص والعموم، كما في لفظ الشارع (1).
الترجيح:
الراجح - والله أعلم-:
هو القول الثاني - لأثر النية في المؤاخذة كما سبق.
* * *
(1) انظر: المغني لابن قدامة (7/ 471)، الروض المربع (ص: 382)، مطالب أولي النهى (6/ 390).