المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌78 - باب الاعتكاف - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٠

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌18 - باب فِي الخُلْعِ

- ‌19 - باب فِي المَمْلُوكَةِ تَعْتِقُ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ

- ‌20 - باب مَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا

- ‌21 - باب حتَّى مَتَى يَكُونُ لَها الخِيارُ

- ‌22 - باب فِي المَمْلُوكَيْنِ يُعْتَقانِ مَعًا هَلْ تُخَيَّرُ امْرَأَتُهُ

- ‌23 - باب إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ

- ‌24 - باب إلَى مَتَى تُرَدُّ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَها

- ‌25 - باب فِي مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِساءٌ أَكْثَرُ منْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتانِ

- ‌26 - باب إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الأَبوَيْنِ مَعَ منْ يَكُونُ الوَلَدُ

- ‌27 - باب فِي اللِّعانِ

- ‌28 - باب إِذَا شَكَّ فِي الوَلَدِ

- ‌29 - باب التَّغْلِيظِ فِي الانْتِفاءِ

- ‌30 - باب في ادِّعَاءِ وَلَدِ الزِّنَا

- ‌31 - باب في القَافَةِ

- ‌32 - باب مَنْ قَالَ بِالقُرْعَةِ إِذَا تَنازَعُوا فِي الوَلَدِ

- ‌33 - باب في وُجُوهِ النِّكَاحِ التي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ

- ‌34 - باب الوَلَدِ لِلْفِراشِ

- ‌35 - باب مَنْ أَحقُّ بِالوَلَدِ

- ‌36 - باب في عِدَّةِ المُطَلَّقَةِ

- ‌37 - باب فِي نَسْخِ مَا اسْتُثْنِيَ بِهِ مِنْ عِدَّةِ المُطَلَّقَاتِ

- ‌38 - باب في المُراجَعَةِ

- ‌39 - باب في نَفَقَةِ المَبْتُوتَةِ

- ‌40 - باب مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ

- ‌41 - باب في المَبْتُوتَةِ تَخْرُجُ بِالنَّهارِ

- ‌42 - باب نَسْخِ مَتَاعِ المُتَوَفَّى عَنْهَا بِمَا فُرِضَ لَهَا مِنَ المِيراثِ

- ‌43 - باب إِحْدَادِ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌44 - باب في المُتَوَفَّى عَنْها تَنْتَقِلُ

- ‌45 - باب مَنْ رَأى التَّحَوُّلَ

- ‌46 - باب فِيما تَجْتَنِبُهُ المُعْتدَّةُ في عِدَّتِها

- ‌47 - باب في عِدَّةِ الحامِلِ

- ‌48 - باب في عِدَّةِ أُمِّ الوَلَدِ

- ‌49 - باب المَبْتُوتَةِ لا يَرْجِعُ إِليْها زَوْجُها حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيْرَهُ

- ‌50 - باب في تَعْظِيمِ الزِّنا

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌1 - باب مَبْدَأ فَرْضِ الصِّيامِ

- ‌2 - باب نَسْخِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

- ‌3 - باب مَنْ قَالَ هيَ مُثْبَتَةٌ لِلشّيْخِ والحُبْلَى

- ‌4 - باب الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ

- ‌5 - باب إِذا أَخْطَأَ القَوْمُ الهِلالَ

- ‌6 - باب إِذا أُغْميَ الشَّهْرُ

- ‌7 - باب مَنْ قَالَ: فَإِنْ غُمَّ عَليْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ

- ‌8 - باب في التَّقَدُّمِ

- ‌9 - باب إِذا رُؤيَ الهِلالُ في بَلَدٍ قَبْلَ الآخَرِينَ بِليْلَةٍ

- ‌10 - باب كَراهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ

- ‌11 - باب فِيمَنْ يَصِلُ شَعْبانَ برَمَضانَ

- ‌12 - باب في كَراهِيَةِ ذَلِكَ

- ‌13 - باب شَهادَةِ رَجُليْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلالِ شَوّالٍ

- ‌14 - باب في شَهادَةِ الواحِدِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضانَ

- ‌15 - باب في تَوْكِيدِ السُّحُورِ

- ‌16 - باب منْ سَمَّى السَّحُورَ الغَداءَ

- ‌17 - باب وَقْتِ السُّحُورِ

- ‌18 - باب في الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّداءَ والإِناءُ عَلَى يَدِهِ

- ‌19 - باب وَقْتِ فِطْرِ الصّائِمِ

- ‌20 - باب ما يُسْتَحَبُّ مِنْ تَعْجِيلِ الفِطْرِ

- ‌21 - باب ما يُفْطَرُ عَليْهِ

- ‌22 - باب القَوْلِ عنْد الإِفْطارِ

- ‌23 - باب الفطْر قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ

- ‌24 - باب في الوِصالِ

- ‌25 - باب الغِيبةِ لِلصّائِمِ

- ‌26 - باب السِّواكِ لِلصّائِمِ

- ‌27 - باب الصّائِم يصُبُّ عَليْهِ الماءَ مِنَ العَطَشِ ويُبالِغُ في الاسْتِنْشاقِ

- ‌28 - باب في الصّائمِ يَحْتَجِمُ

- ‌29 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌30 - باب في الصّائِم يَحْتلِمُ نَهارًا في شَهْرِ رَمَضانَ

- ‌31 - باب في الكَحْلِ عِنْدَ النَّوْمِ للصّائِمِ

- ‌32 - باب الصّائِمِ يَسْتَقيءُ عامِدًا

- ‌33 - باب القُبْلةِ للصّائِمِ

- ‌34 - باب الصّائمِ يَبْلَعُ الرِّيقَ

- ‌35 - باب كراهِيَتِه لِلشّابِّ

- ‌36 - باب فِيمَنْ أصْبَحَ جُنُبًا في شَهْرِ رَمَضانَ

- ‌37 - باب كَفّارَة مَنْ أَتى أهْلَهُ في رَمضانَ

- ‌38 - باب التَّغْلِيظِ في مَنْ أفْطَرَ عَمْدًا

- ‌39 - باب مَنْ أَكَلَ ناسِيًا

- ‌40 - باب تَأْخِيرِ قَضاءِ رمَضانَ

- ‌41 - باب فِيمَنْ ماتَ وَعَليه صِيامٌ

- ‌42 - باب الصَّوْمِ في السَّفَرِ

- ‌43 - باب اخْتِيار الفِطْر

- ‌44 - باب فيمَنِ اخْتارَ الصِّيامَ

- ‌45 - باب مَتَى يُفْطِرُ المُسافِرُ إذا خَرَجَ

- ‌46 - باب قَدْرِ مَسِيرَةِ ما يُفْطِرُ فِيهِ

- ‌47 - باب مَنْ يَقُولُ: صُمْتُ رَمَضانَ كُلَّهُ

- ‌48 - باب في صَوْمِ العِيديْنِ

- ‌49 - باب صِيامِ أيّامِ التَّشْرِيقِ

- ‌50 - باب النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ الجُمُعَةِ بِصَوْمٍ

- ‌51 - باب النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ السَّبْتِ بِصَوْمٍ

- ‌52 - باب الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌53 - باب في صَوْمِ الدَّهْرِ تَطَوُّعًا

- ‌54 - باب في صَوْمِ أَشْهُرِ الحُرُمِ

- ‌55 - باب في صَوْمِ المُحَرَّمِ

- ‌56 - باب في صَوْمِ رَجَبَ

- ‌57 - باب في صَوْمِ شَعْبانَ

- ‌58 - باب في صَوْمِ شَوّالٍ

- ‌59 - باب في صَوْمِ سِتَّةِ أيّام من شَوّالٍ

- ‌60 - باب كيف كانَ يَصُومُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

- ‌61 - باب في صوْمِ الاْثنيْنِ والخمِيس

- ‌62 - باب في صَوْمِ العَشْرِ

- ‌63 - باب في فطْرِ العشْرِ

- ‌64 - باب في صَوْمِ عَرفةَ بِعَرَفَةَ

- ‌65 - باب في صَوْمِ يَوْمِ عاشُوراءَ

- ‌66 - باب ما رُويَ أَنَّ عاشُوراءَ اليَوْم التّاسِعُ

- ‌67 - باب في فَضْل صَوْمِهِ

- ‌68 - باب في صَوْمِ يَوْم وفِطْرِ يَوْمٍ

- ‌69 - باب في صَوْم الثَّلاثِ مِنْ كلِّ شَهْرٍ

- ‌70 - باب مَنْ قالَ: الاْثنيْنِ والخَمِيسِ

- ‌71 - باب مَنْ قالَ: لا يُبالي مِنْ أيِّ الشّهْرِ

- ‌72 - باب النِّيَّةِ في الصِّيام

- ‌73 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِك

- ‌74 - باب مَنْ رَأى عليْهِ القَضاءَ

- ‌75 - باب المرْأةِ تَصُوم بغيْرِ إِذْنِ زَوْجها

- ‌76 - باب في الصّائِمِ يُدْعَى إلى وَليمَةٍ

- ‌77 - باب ما يَقول الصّائِم إذا دُعيَ إِلى الطّعامِ

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌78 - باب الاعتِكافِ

- ‌79 - باب أيْن يَكون الاعْتِكاف

- ‌80 - باب المُعْتَكِفِ يَدْخل البيْتَ لِحاجَتِه

- ‌81 - باب المُعْتَكفِ يَعُودُ المَرِيضَ

- ‌82 - بَابُ فِي المُسْتَحَاضَةِ تَعْتَكِفُ

الفصل: ‌78 - باب الاعتكاف

[كتاب الاعتكاف]

‌78 - باب الاعتِكافِ

هو في اللغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه.

قال الشافعي: لزوم المرء شيئًا وحبس نفسه عليه برًّا كان أو إثمًا، قال الله تعالى:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (1)، وقال تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (2).

وفي الشرع: اللبث في المسجد، ويسمى أيضًا جوارًا، ومنه قول عائشة في حديث ليلة القدر: وهو مجاور في (3) المسجد (4).

(1) الأنبياء: 52.

(2)

البقرة: 187 وانظر: "البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني (3/ 571)، "المجموع شرح المهذب" للنووي (6/ 474).

(3)

ساقطة من (ر).

(4)

رواه البخاري (296، 2028).

ص: 607

2462 -

حَدَّثَنا قُتيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللّيْثُ، عَنْ عُقيْلٍ، عَنِ الزُّهْريّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْواجُهُ مِنْ بَعْدِهِ (1).

2463 -

حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا ثابِتًا، عَنْ أَبي رافِعٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْب أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضانَ فَلَم يَعْتَكِفْ عامًا، فَلَمّا كانَ العامُ المقْبِلُ اعْتَكف عِشْرِين ليْلَةً (2).

2464 -

حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبو معاوِيَةَ ويَعْلَى بْن عُبيْدٍ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا أَرادَ أَنْ يَعْتَكف صَلَّى الفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَة.

قالَتْ: وإنَّهُ أَرادَ مَرَّة أَنْ يَعْتَكِفَ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ. قالَتْ: فَأَمَرَ بِبِنائِهِ فَضُرِبَ، فَلَمّا رَأيْتُ ذَلِكَ أَمَرْتُ بِبِنائي فَضُرِبَ. قالَتْ: وَأَمَرَ غيْري مِنْ أَزْواجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم ببِنائِهِ فَضُرِبَ فَلَمّا صَلَّى الفَجْرَ نَظَرَ إِلى الأبنِيَةِ فَقالَ: "ما هذِه! الْبِرَّ تُرِدْنَ؟ ". قالَتْ: فَأَمَرَ بِبِنائِهِ فَقُوِّضَ وَأَمَرَ أَزْواجُهُ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَقوِّضَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الاعتِكافَ إِلى العَشْرِ الأُوَلِ، يَعْني: مِنْ شَوّالٍ.

قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن إِسْحاقَ والأوزاعيُّ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيد نَحْوَهُ، وَرَواهُ مالِك، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدِ قالَ: اعْتَكف عِشْرِينَ مِنْ شَوّال (3).

* * *

[2426]

(حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عُقيل) بالتصغير بن خالد،

(1) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).

(2)

رواه ابن ماجه (1770)، وأحمد 5/ 141، والنسائي في "الكبرى"(3344)، وابن خزيمة (2225)، وابن حبان (3663).

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2126).

(3)

رواه البخاري (2033)، ومسلم (1173).

ص: 608

(عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر) جمع آخرة؛ لأن العشر مؤنث، وإنما جمع باعتبار العشرين الذين قبله، وفي رواية في "الصحيح": العشر الآخر (من رمضان).

فيه دليل على تأكيد استحباب اعتكاف العشر الآخر، فمن رغب في إقامة هذِه السنة، فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين؛ لئلا يفوته شيء منه ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، سواء تم الشهر أو نقص، والأفضل أن يمكث فيه ليلة العيد حتى يصلي فيه صلاة العيد، أو يخرج منه إلى المصلى لصلاة العيد ويحيى تلك الليلة، والمقتضي لتأكيد الاعتكاف في العشر الأخير طلب ليلة القدر.

(حتى قبضه الله تعالى) فيه دليل على أن اعتكافه لم ينسخ، بل استمر حكمه إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم (1)، وفي مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ما يدل على تأكده، وزاد ابن ماجه (2) في رواية عن ابن عمر: كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أسطوانة.

(ثم اعتكف أزواجه من بعده) فيه: أن الاعتكاف ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مسنون له ولمن بعده رجلًا كان أو امرأة، وهو حجة على من منع اعتكاف النساء في المسجد؛ فإنهن إنما اعتكفن على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف؛ لأن الراوي عنهن ساق اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم

(1) ساقطة من (ر).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1774).

ص: 609

واعتكافهن بعده مساقًا واحدًا، ولو خالفنه في المسجد لذكره، وكان يقول: غير أن ذلك في بيوتهن.

[2463]

(حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا ثابت) بن أسلم البناني.

(عن أبي رافع) الصائغ بالغين المعجمة، قيل: اسمه نفيع، تابعي (عن أبي بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال ابن المنذر: عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين، تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله تعالى (1). وروى ابن نافع عن مالك: فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأمر، فوقع في نفسي أنه كالوصال، وأراهم تركوه لشدته، ولم يبلغني عن أحدٍ من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر ابن عبد الرحمن (2).

(فلم يعتكف عامًا) لأنه كان فيه مسافرًا (فلما كان العام المقبل) بعده (اعتكف) فيه (عشرين ليلة) أي: متوالية العشر الأخير والأوسط الذي قبله، ويدل عليه تبويب البخاري على هذا الحديث باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، وذكر قبله حديث أبي سعيد (3): اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم[العشر الأوسط من رمضان. وقيل السبب في

(1) حكاه ابن حجر أيضًا في "الفتح" 4/ 285.

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 272.

(3)

"صحيح البخاري"(813).

ص: 610

اعتكاف عشرين أنه صلى الله عليه وسلم، (1) علم بانقضاء أجله، فأراد أن يستكثر من أعمال الخير لأمته.

وقال ابن العربي (2): يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأواخر؛ بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بعده عشرًا من شوال، كما سيأتي.

[2464]

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير (ويعلي بن عبيد) بالتصغير، الطنافسي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عَمْرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثم دخل معتكفه) رواية ابن ماجه (3): صلى الفجر ثم دخل المكان الذي يريد أن يعتكف فيه (4).

أخذ بظاهره في الاعتكاف بعد الفجر الأوزاعي والثوري والليث في أحد قوليه.

ومذهب الشافعي -كما تقدم- وأبو حنيفة ومالك، لا يدخل اعتكافه إلا قبل غروب الشمس، وسبب هذا الاختلاف أن أول ليلة الاعتكاف هل هي داخلة في الأيام أم (5) لا تدخل، وأن اليوم هو المقصود بالاعتكاف والليل تابع؟ قولان، ومن قال بالأول تأول الحديث على أن معناه: أنه كان إذا صلى الصبح في الليلة التي دخل من أولها في

(1) ساقطة من (ر).

(2)

"عارضة الأحوذي" 4/ 6.

(3)

"سنن ابن ماجه"(1771).

(4)

ساقطة من (ر).

(5)

ساقطة من (ر).

ص: 611

اعتكافه دخل فيه اعتكافه التي كان ينزوي فيها نهاره؛ لا أن وقت دخوله قبته كان أول اعتكافه (1).

(وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه) أي: بخبائه كما في الصحيحين (2) والخباء واحد الأخبية من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت (فضُرب) له (فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضُرب) هذا يشعر أنها فعلت ذلك بغير إذن، وفي رواية البخاري (3): فاستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضرب فيه، فسمعت حفصة بها فضربت فيه، كذا في رواية ابن فضيل (4) وفي رواية عمر بن الحارث: لتعتكف معه (5).

وفي رواية للبخاري: فاستأذنت [حفصة عائشة، وفي رواية فسألت حفصة عائشة أن تستأذن](6) لها ففعلت.

(قالت: وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه فضُرب) رواية البخاري: فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر، وفي رواية ابن فضيل: فسمعت بها زينب فضربت فيه أخرى، وفي رواية عمر بن

(1)"المفهم" 3/ 244 - 245.

(2)

"صحيح البخاري"(2033)، "صحيح مسلم"(1172).

(3)

"صحيح البخاري"(2045).

(4)

"صحيح البخاري"(2041).

(5)

"صحيح ابن خزيمة"(2224).

(6)

ساقطة من (ر).

ص: 612

الحارث: فلما رأته زينب ضربت معهن، وكانت امرأة غيورًا (1).

(فلما صلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الفجر نظر إلى الأبنية) في رواية مالك: فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه، إذا أخبية (2).

وفي رواية ابن فضيل: فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب (3). يعني: قبة له وثلاثة للثلاثة، وهذِه الرواية تبين أن المراد بقوله في الحديث ورواية مسلم (4): وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائها فضرب. لا أن فيه تعميم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ويدل على ذلك رواية ابن عيينة عند النسائي، فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية، قال:"لمن هذِه؟ " قالوا: لعائشة وحفصة وزينب (5).

(فقال: ما هذِه) الأخبية (آلْبِرَّ) بهمزة الاستفهام ممدودة (6) وبغير مد مع التسهيل، والبر بالنصب على أنه مفعول "تردن" مقدمًا، وفي رواية ابن فضيل:"حملهن على هذا البر؟ انزعوها"(تُردن) بضم أوله، قال) فأمر ببنائه فقُوِّضَ) بضم القاف وتشديد الواو المكسورة وبعدها ضاد معجمة، أي: نقض وأزيل، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشئ عن الغيرة؛ حرصًا على القرب منه خاصة، فيخرج الاعتكاف عن موضوعه، أو لئلا يضيق المسجد على المصلين، أو

(1) رواه ابن خزيمة 3/ 345 (2224)، وأبو عوانة 2/ 262 (3076)، وابن حبان 8/ 425 (3667).

(2)

"موطأ مالك"(690).

(3)

رواه البخاري (2041).

(4)

"صحيح مسلم"(1172).

(5)

"سنن النسائي الكبرى"(3333).

(6)

في (ر): ممدود.

ص: 613

بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصير كالجالس في بيته، وربما شغلنه عن التخلي للعبادة فيفوت مقصوده، وفي الحديث دليل لصحة اعتكاف النساء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أذن لهن، وإنما (1) منعهن من ذلك لعارض.

(وأمر أزواجه) بالنصب (بأبنيتهن فقُوِّضت) أزيلت، يقال: قوضت الخباء أزلت عمده، وفيه منع الرجل امرأته من الاعتكاف بغير إذنه، وبه قال العلماء كافة.

فلو أذن لها فهل له منعها بعد ذلك؟

فيه خلاف للعلماء، فعند الشافعي وأحمد: له منع زوجته ومملوكه وإخراجهما من اعتكاف التطوع، ومنعهما مالك، وجوز أبو حنيفة إخراج المملوك دون الزوجة (2).

قال القرطبي (3): وتركه الاعتكاف إنما كان ذلك والله أعلم قبل أن يدخل في الاعتكاف، وهو الظاهر من مساق الحديث، فلا يكون فيه حجة لمن يقول أن من دخل في التطوع جاز له أن يخرج منه؛ فإنه إنما كان (4) عزم عليه وأراده؛ لا أنه دخل فيه (ثم أخَّر الاعتكاف) وتركه الاعتكاف في ذلك العشر الذي كان عزم على اعتكافه إنما كان

(1) في (ر) وإن.

(2)

انظر: "المفهم" 3/ 246.

(3)

"المفهم" 3/ 246.

(4)

ساقطة من (ر).

ص: 614

مواساة (1) لأزواجه وتطييبًا لقلوبهن وتحسنًا لعشرتهن.

وفيه: أن من يعزم (2) على فعل طاعة أنه يجوز له تركها، بل يكون الأفضل تركها لمصلحة يترجح فعلها على تلك الطاعة، ولا يقال إن في هذا ترك حق الله لحق الآدميين؛ لأن حسن المعاشرة وطلب تطييب قلوب الآدميين من حق الله تعالى، وتأخيره صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إلى ما بعده، دليل على أن من عزم على طاعة وتركها لعارض يعزم على فعلها فيما بعد ذلك؛ فإن الصدق في العبادة أن يتمم ما عزم على فعله.

(إلى العشر الأُوَل) فيه: أن من عزم على عبادة وتركها يأتي بها في أول زمان يمكنه الفعل فيه (يعني: من شوال) فيه دليل على الاعتكاف لا يختص برمضان، وإن كان الأفضل في رمضان.

وفيه: ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة، وأن من خشي على عمله الرياء جاز له تركه، و [إن كان الأفضل](3) أن يأتي به ويجتهد في الإخلاص.

وفيه: أن الاعتكاف لا يجب بالنية، وأما قضاؤه له على طريق الاستحباب؛ لأنه كان إذا عمل عملًا داوم عليه، ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال، وأن المرأة إذا اعتكفت أو صلت في المسجد استحب لها التستر.

وفيه دليل على ما ذهب إليه الشافعي وغيره أنه لا يشترط لصحة الاعتكاف الصيام، فإن يوم عيد الفطر كان فيه معتكفًا مفطرًا، وهو من

(1) في (ر) مساواة.

(2)

في (ر) عزم.

(3)

ساقطة من (ر).

ص: 615

العشر.

(قال أبو داود: رواه ابن إسحاق والأوزاعي، عن يحيى بن سعيد نحوه ورواه مالك، عن يحيى بن سعيد قال: اعتكف عشرين من شوال. هكذا وقع، والمحفوظ: عشرًا من شوال) فيه: فضيلة الاعتكاف في شوال، وأنه لا يختص برمضان كما تقدم، وفضيلة الاعتكاف المتوالي.

* * *

ص: 616