الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
49 - باب المَبْتُوتَةِ لا يَرْجِعُ إِليْها زَوْجُها حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيْرَهُ
2309 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - يَعْني: ثَلاثًا - فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غيْرَهُ فَدَخَلَ بِها، ثُمَّ طَلَّقَها قَبْلَ أَنْ يُواقِعَها أَتَحِلُّ لِزَوْجِها الأَوَّلِ؟ قَالَتْ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَحِلُّ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسيْلَةَ الآخَرِ ويَذُوقَ عُسيْلَتَها"(1).
* * *
باب المبتوتة - أي: المطلقة ثلاثًا - لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره
[2309]
(ثنا مسدد، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير.
(عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد بن عمرو النخعي (عن الأسود) ابن يزيد النخعي (عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته) وهذا الرجل هو رفاعة بن سموأل القُرَظي، بضم القاف وفتح الراء وكسر الظاء، وهو خال صفية أم المؤمنين، وقيل: هو رفاعة بن رفاعة القرظي، أحد العشرة الذين نزلت فيهم:{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} (2)(3). وامرأته هي تميمة بفتح المثناة فوق وكسر الميم الأولى بنت وهب، قال في "الاستيعاب": لا أعلم لها غير قصتها مع
(1) رواه البخاري (5261)، ومسلم (1433).
(2)
القصص: 51.
(3)
بياض بالأصل، والمثبت من "عمدة القاري"(22/ 6).
رفاعة (1). ونص الطبراني في "الكبير" أنه لا حديث لها، وهذا أصح الأقوال الأربعة كما صرح ابن بشكوال (2) وغيره، وقيل: اسمها تميمة بضم التاء. وقيل: سهيمة. وقيل: عائشة.
وقال ابن طاهر: اسمها: أميمة بنت الحارث (3)(فتزوجت زوجًا غيره) وهو عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا، ويقال: باطيا. وكان عبد الرحمن صحابيًّا، والزُّبيرُ قتل يهوديًّا في غزوة بني قريظة، كذا ذكره ابن عبد البر (4) والمحققون، وقال ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في "معرفة الصحابة": إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية (5)(فدخل بها) عبد الرحمن (ثم طلقها قبل أن يواقعها) وكان زوجها الأول طلقها ثلاثًا كما في "الموطأ"(6)(أتحل لزوجها الأول؟ ) بعد أن طلقها ثلاثًا.
(قال: قال رسول الله: لا تحل) كزوجة (للأول حتى تذوق عسيلة) بضم العين على التصغير، وهو كناية عن الجماع، شبه الشارع لذة الجماع بلذة العسل وحلاوته. وقد روى عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة مرفوعًا:"إن العسيلة هي الجماع"(7). وهذا هو الصحيح.
(1)"الاستيعاب"(3263).
(2)
"غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 622 - 623.
(3)
"إيضاح الإشكال" ص 145. وفيه: أمية.
(4)
"الاستيعاب في معرفة الأصحاب"(1420).
(5)
"معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1857).
(6)
2/ 531.
(7)
رواه أحمد 6/ 62. قال الألباني في "الإرواء" (2083): صحيح المعنى.
وفي المسألة ثلاثة أقوال أخر:
أحدها: أنه أنث في التصغير على إحدى المعنيين، فإن فيه لغتين: التذكير والتأنيث، فمن أنثه قال في تصغيره عسيلة.
والثاني: أنه تصغير عسلة وهي قطرة من العسل.
والثالث: أنه أنث على إرادة النطفة، وضعف بأن إنزال النطفة لا يشترط وإن قال به الحسن البصري.
وقيل: أُنِّثَ على إرادة اللذة لتضمنه ذلك، ولهذا فسر أبو عبيد العسيلة باللذة، حكاه الماوردي (1).
(الآخر) بكسر الخاء يعني: الزوج الآخر (ويذوق هو عسيلتها) وقد استدل به من اشترط انتشار الذكر في الوطء للتحليل، سواءٌ قويُّ الانتشارِ وضعيفُهُ، وكذا لو استعان بإصبعه لقول الشافعي: سواء أدخله بيده أو يدها (2). حكاه ابن عبد البر (3)، وجزم الجرجاني وغيره بأنه لو احتاج إلى إصبع لا يكفي، فإن لم يكن انتشار أصلًا لتعنين أو شلل أو غيرهما لم يصح على الأصح عند الشافعي لعدم ذوق العسيلة (4)، وليس لنا وطء يتوقف تأثيره على الانتشار سوى هذا، وأما غيره من أحكام الوطء فتترتب على مجرد الاستدخال من غير انتشار خلافًا لأبي حامد (5).
(1)"الحاوي الكبير" 10/ 327.
(2)
"الحاوي الكبير" 10/ 328.
(3)
"التمهيد" 13/ 229.
(4)
"روضة الطالبين" 7/ 124 - 125.
(5)
"الحاوي الكبير" 10/ 328.
ويؤخذ من الحديث أنه يشترط في الوطء المحلِّل أن يكون ممن يمكن جماعه ويجد لذة الجماع احترازًا من الطفل؛ لأنه لا يتصور منه ذوق العسيلة على المذهب، ويؤخذ من قوله:"تذوق عسيلته" أنه يشترط في الزوجة أن تكون ممن يمكن جماعها وتجد لذة النكاح، ونص في "الأم" أن وطء الطفلة لا يحلها كما في الطفل (1).
وهذا الحديث نص على أن المطلقة البتة بالطلاق الثلاث لا تحل لزوجها الأول حتى تتزوج زوجًا غيره ويطؤها وطئًا يلتذان به، وقال الحازمي في "الاعتبار": كان ابن المنذر يقول: فيه دلالة على أنه لو واقعها وهي نائمة أو مغمي عليها لا تحس باللذة فإنها لا تحل للزوج الأول؛ لأنها لم تذق عسيلته، وإنما يكون ذواقها أن تحس باللذة (2). وكذا قال مالك في أحد قوليه: لو وطئها نائمة أو مغمًى عليها لم تحل للمطلق (3). حكاه أبو حيان.
وفي هذا الحديث رد على ما نقل عن سعيد بن المسيب (4) وسعيد بن جبير ونفر من الخوارج أنها لا تحتاج إلى وطء الزوج الثاني، واستدلوا بقوله:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (5)، وحملوا النكاح على العقد، وقالوا: إذا عقد الثاني عقد النكاح عليها حلت للأول وإن لم يدخل بها ولم
(1)"الأم" 5/ 358.
(2)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" 1/ 182.
(3)
انظر: "المدونة" 2/ 208، و"شرح مختصر الخليل" 3/ 216.
(4)
رواه سعيد بن منصور في "سننه" 2/ 75 (1989).
(5)
البقرة: 230.
يصبها؛ لأن النكاح يتعلق حكمه بأوله وهو العقد.
قال القرطبي عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير: أظنهما لم يبلغهما حديث العسيلة أو لم يصح عندهما فأخذا بظاهر القرآن (1).
قال ابن العربي: ما مرت بي مسألة في الفقه أعسر منها، وذلك أن في أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أم بأواخرها؟ فإن قلنا أن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا مذهب سعيد بن جبير وابن المسيب، وإن قلنا أن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال؛ لأنه آخر ذوق العسيلة (2). على ما قاله الحسن بن أبي الحسن أنه لا يكفي مجرد الوطء حتى يكون الإنزال.
(1)"المفهم" 4/ 235.
(2)
"أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 268.