الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
.
2319 -
حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو - يَعْني ابن سَعِيدِ بْنِ العاصِ - عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذا وَهَكَذا وَهَكَذا". وَخَنَسَ سُليْمانُ أُصْبَعَهُ في الثّالِثَةِ، يَعْني: تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَثَلاثِينَ (1).
2320 -
حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكيُّ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَليْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ ثَلاثِينَ". قَالَ: فَكانَ ابن عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ فَإِنْ رُئيَ فَذاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحابٌ وَلا قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَإِنْ حالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صائِمًا. قَالَ: فَكَانَ ابن عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النّاسِ وَلا يَأْخُذُ بهذا الحِسابِ (2).
2321 -
حَدَّثَنا حُميْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ حَدَّثَني أيُّوبُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلى أَهْلِ البَصْرَةِ بَلَغَنا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ حَدِيثِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم زادَ وَإِنَّ أَحْسَنَ ما يُقَدَّرُ لَهُ إِذا رَأيْنا هِلالَ شَعْبانَ لِكَذا وَكَذا فالصَّوْمُ إِنْ شاءَ اللهُ لِكَذا وَكَذا إِلَّا أَنْ تَرَوُا الهِلالَ قَبْلَ ذَلِكَ (3).
2322 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، عَنِ ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ بْنِ أَبي ضِرارٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: لمَا صُمْنا مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمّا صُمْنا مَعَهُ ثَلاثِينَ (4).
(1) رواه البخاري (1913)، ومسلم (1080).
(2)
رواه البخاري (1906)، ومسلم (1080).
(3)
انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2010).
(4)
رواه الترمذي (689)، وأحمد 1/ 441.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2011).
2323 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُريْعٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصانِ رَمَضانُ وَذُو الحِجَّةِ"(1).
* * *
باب الشهر يكون تسعًا وعشرين
[2319]
(حدثنا سليمان بن حرب) بن بَجِيل الأزدي قاضي مكة، (حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو يعني ابن سعيد بن العاص) بن أبي أحيحة الأموي، قال النسائي (2): ثقة.
(عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أمة) أي العرب، وقيل: أراد نفسه (أمية) بلفظ النسب إلى الأم، فقيل: أراد أمة العرب؛ لأنها لا تكتب، أو منسوب إلى الأمهات، أي: أنهم على أصل ولادة أمهم، وقيل: منسوبون إلى مكة أم القرى.
(لا نكتب ولا نحسب) تفسير لكونهم كذلك، وقيل: العرب أميون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} ، ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة.
والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وسرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلا القدر اليسير، أي: لم يعرف مواقيت صومنا ولا عبادتنا بالحساب ولا الكتابة، وإنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة يستوي في
(1) رواه البخاري (1912)، ومسلم (1089).
(2)
"تسمية مشيخة النسائي"(86).
معرفة ذلك الحساب وغيرهم.
(الشهر) بالرفع مبتدأ خبره ما بعده، أي: يكون تارةً (هكذا) وتارةً (هكذا) وصفق بيديه مرتين بكل أصابعه العشر، وأشار بأصابع يديه العشر مرتين (وخنس) أي: قبض كما في رواية الصحيح، ومنه قوله تعالى:{الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} ، أي: إذا ذكر الله خنس أي انقبض ورجع، وفي رواية للبخاري (1): وحبس بالحاء الموحدة ثم الباء الموحدة أي: منع (سليمان بن حرب أصبعه في) المرة (الثالثة) وفي رواية مسلم (2): ونقص في الصفقة الثالثة فقبض الإبهام الثالثة إبهام اليمنى أو اليسرى، وفي رواية شعبة (3): طبق بين كفيه مرتين، وطبق الثالثة فقبض الإبهام (يعني) يكون الشهر (تسعًا وعشرين) ويكون (ثلاثين) وفي هذا الحديث جواز الاعتماد على الإشارة المفهمة في هذا وغيره والحكم بها.
قال القرطبي (4): فيه أن من نذر أن يصوم شهرًا غير معين فله أن يصوم تسعًا وعشرين؛ لأن ذلك يقال عليه: شهر. كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذلك ركعتان؛ لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم. وكذلك من نذر صومًا فصام يومًا أجزأه.
قال: وهو خلاف ما قال مالك؛ فإنه قال: لا يجزيه إذا صامه بالأيام
(1) كما في رواية أبي ذر، والكشميهني (1908).
(2)
مسلم (1080).
(3)
في (ل): ابن أبي شعبة، وهو خطأ ولعلها: أن شعبة طبق. لأنه هو الذي فعل ذلك.
(4)
"المفهم" 3/ 139.
إلا ثلاثون يومًا، فإن صامه بالهلال فعلى ما يكون ذلك الشهر من رؤية هلاله (1)، انتهى.
وعند الشافعي كذلك، فإن أصحابنا قالوا: إن نذر صوم شهر غير معين وفرق أو ابتدأ في أثناء الشهر الهلال صام ثلاثين يومًا، وإن ابتدأ في أوله وخرج ناقصًا كفاه (2). قال ابن بطال (3): وفي الحديث رفع (4) لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول عليه رؤية الأهلة.
[2320]
(حدثنا سليمان بن داود العتكي) بفتح المهملة والمثناة الأزدي، (حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر تسع وعشرون) فيه دلالة لما تقدم أن من نذر أن يصوم شهرًا غير معين كفاه أن يصوم تسعًا وعشرين يومًا إلى هنا، أي: الذي نحن فيه أو جنس الشهر، أو الأغلب فيه لقول ابن مسعود، وفي أواخر الباب صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين إلى هنا.
(ولا تصوموا حتى تروه) ظاهره إيجاب الصوم حين توجد الرؤية ليلًا كان أو نهارًا، لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل، وبعض العلماء فرق بين ما بعد الزوال وقبله، ومذهب الشافعي أن رؤية الهلال بالنهار هو الليلة المستقبلة سواء كان قبل الزوال أو بعده (5).
(1)"المدونة" 1/ 284.
(2)
انظر: "المجموع" للنووي 6/ 284.
(3)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 32.
(4)
هكذا في الأصل، وعند ابن بطال: ناسخ لرعاة.
(5)
"الأم" 3/ 235، وانظر:"المجموع" للنووي 6/ 270، و"أسنى المطالب في شرح الروض الطالب" لزكريا الأنصاري 1/ 411.
وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوا الصيام لرؤيته مطلقًا (1).
فظاهر الحديث النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذِه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به، لكن قوله بعده:"فإن غم" عليكم أوقع للمخالف شبهة (ولا تفطروا حتى تروه) إجماعهم على وجوب الصوم على الأعمى، وإنما المراد رؤيته في الجملة إذا ثبتت لشروطها في تلك البلدة وغيرها كما سيأتي.
(فإن غم) بضم المعجمة وتشديد الميم، أي: حال بينكم وبينه غيم، يقال: غممت الشيء إذا غطيته. ونقل ابن العربي (2): عمي بالعين من العمى، قال: وهو بمعناه؛ لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات، أو ذهاب البصيرة من المعقولات (عليكم فاقدروا) بهمزة وصل وضم الدال وكسرها (له) أي: لمنزلته بمعنى حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في رواية أخرى (3)، وهذا عند الشافعي (4) والجمهور.
قال أهل اللغة: قدرت الشيء أقدره وأقدره بضم الدال وكسرها مع
(1) انظر: "الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية" 1/ 361، و"فقه الصادق" 11/ 241.
(2)
"عارضة الأحوذي" 3/ 205.
(3)
بل هنا في هذا الحديث في بعض النسخ، ويبدو أنها ليست في نسخة المصنف، وظاهر باقي الحديث أنها ليست صحيحة الثبوت. ورواه البخاري (1907) بلفظ: فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين.
(4)
"الأم" 3/ 233.
التخفيف وقدرته بالتشديد وأقدرته كله بمعنى واحد وهو من التقدير (1).
وقال أحمد: معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، وأوجب الصيام إذا حضر الغيم ليلة ثلاثين من شعبان (2).
وقال ابن شريح (3)، وابن قتيبة: قدروه بحساب المنازل، ويكون اختلاف الحواس في الحديث لاختلاف أفهام الناس فمن لا يحسن منازل القمر وهم الأكثرون أمروا بإكمال العدة ثلاثين، ومن يحسن إذا استبان له كمال الشهر دخل فيما بعده بالعلم الذي حصل له وورد بالحديث المتقدم:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"(4).
(قال: فكان ابن عمر إذا كان) في شهر (شعبان تسعًا وعشرين نظر له) والمشهور: نظر إليه، والنظر تأمل الشيء بالعين، وفي رواية أحمد: إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر (5)(فإن رئي) بضم الراء وكسر الهمزة الهلال، أو شهد أحد برؤيته (فذاك) أي: حكم به وصام وأمر بصيامه (وإن لم ير) بضم الياء وفتح الراء (ولم يحل) بضم الحاء
(1) انظر: "لسان العرب" 5/ 74 مادة (قدر)، و"القاموس المحيط" ص 591، و"إسفار الفصيح" للهروي النحوي مادة قوله وقدرت الشيء.
(2)
"مسائل أحمد" رواية عبد الله ص 194 (م 724). وذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" 7/ 189. وانظر كتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 349.
(3)
هكذا في الأصل بشين معجمة وحاء مهملة، وذكره كذلك ابن الأثير في "النهاية" 4/ 23، ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" 7/ 189 سريج بسين مهملة وجيم معجمة، وسيأتي قريبا في الشرح بنفس الضبط الأخير.
(4)
ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" 7/ 189.
(5)
"المسند" 2/ 5.
وتخفيف اللام (دون منظره سحاب أو قترة)(1) أي: ظلمة، قال الله تعالى:{تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} (2).
قال المبرد: القترة ما يصيب الإنسان من الغبار المغبي على الألوان، والمفسرون يقولون: سواد (3).
(أصبح مفطرًا، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة) سواد كالدخان مرتفع إلى السماء جمعه قتر بفتح القاف وإسكان التاء (أصبح صائمًا) احتج به أحمد في أشهر الروايات الثلاث عنه على إن حال دون نظر الراء غيم أو قتر وجب الصيام، وقد أجزأ إذا كان من شهر وإن لم يحل سحاب ولا قتر لم يجب الصيام (4).
قال الحنابلة: فقد فسر ابن عمر ما رواه من قوله: "فاقدروا له" بفعله، وهو راويه وأعلم بمعناه، فيجب الرجوع إلى تفسيره كما رجع إليه في تفسير التفرق في خيار المتبايعين، ولأن الصوم يحتاط له (5).
(قال) نافع (وكان ابن عمر يفطر مع الناس) إذا أمرهم الإمام بالإفطار (ولا يأخذ بهذا الحساب) فيه وفيما تقدم في الحديث قبله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، رد على من قال: إن الحاسب إذا عرف منازل القمر
(1) بعدها في الأصل: نسخة: ولا قترة.
(2)
عبس: 41.
(3)
"تفسير الفخر الرازي" 31/ 62.
(4)
"مسائل الإمام أحمد" رواية عبد الله ص 194 (م 724)، ورواية ابنه صالح المسألة (1654)، وانظر كتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 348 - 351.
(5)
انظر: "المغني" لابن قدامة 4/ 332، و"كشاف القناع" 2/ 302.
وعلم به وجود القمر وكمال الشهر ومنع من رؤيته حائل جاز له أن يصوم بالعلم الذي حصل له. وهو وجه، قاله ابن سريج (1)، وابن قتيبة. وفي "البيان" في كتاب الصلاة عن صاحب "الفروع": إن كان يعلم الوقت بالحساب فهل يقبل قوله في دخول الوقت ودخول رمضان وجهان: المذهب أنه يعمل عليه بنفسه، وأما غيره فلا يعمل عليه (2).
والجمهور على أنه لا يعمل بقول الحساب؛ لأن حساب النجوم لا مدخل له في الشرع وكذا رواه أبو داود (3) عن ابن عباس مرفوعًا: "ما اقتبس رجل علمًا من النجوم إلا اقتبس شعبة من السحر".
[2321]
(حدثنا حميد بن مسعدة) بن المبارك (الشامي (4) حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت) وثقه ابن معين (5).
(حدثني أيوب قال: كتب ابن عبد العزيز إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه العمل بالمكاتبة (فذكر نحو حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: المتقدم عنه (زاد فيه: وأن) بفتح الهمزة على حذف حرف الجر (أحسن ما يقدر) بضم المثناة تحت وفتح الدال المخففة، ويجوز تشديدها أي: يقدر (له) الهلال بتمام العدة ثلاثين يومًا، وأراد به قوله صلى الله عليه وسلم:"فاقدروا له"(أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا) يجوز أن
(1)"المجموع" 6/ 279 - 280.
(2)
"البيان" للعمراني 2/ 36.
(3)
سيأتي (3905) في كتاب الطب: باب في النجوم.
(4)
هكذا بالأصل، والصواب السامي بالمهملة. انظر:"تقريب التهذيب" ت (1559).
(5)
"تاريخ ابن معين" برواية الدارمي ت (62).
يكون اللام بمعنى بعد كقولهم: كتبته لثلاث خلون، ومنه قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (1)(فإنا نصوم إن شاء الله لكذا وكذا) أي بعد ذهاب ثلاثين يومًا من وقت الرؤية (إلا أن تروا الهلال قبل ذلك) القدر فيعمل بالرؤية، وهذا موافق لمذهب الشافعي، والجمهور أن معنى (فاقدروا له) كمال العدة ثلاثين يومًا كما تقدم، وفي معنى هذا ما قاله أصحابنا: إنا إذا صمنا رمضان بقول عدل ولم نر هلال شوال بعد ثلاثين يومًا أفطرنا على الأصح وإن كانت السماء مصحية؛ لأن رمضان كمل ثلاثين كما كمل شعبان ثلاثين كما ذكر ابن عبد العزيز (2).
[2322]
(حدثنا أحمد بن منيع) بن عبد الرحمن البغوي (عن) يحيى بن زكريا (ابن أبي زائدة، عن عيسى بن دينار، عن أبيه) دينار مولى عمرو بن الحارث (عن) مولاه (عمرو بن الحارث) المصطلقي (ابن أبي ضرار) بكسر الضاد المعجمة.
(عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما) بتخفيف الميم أي: للذي (صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر) بالرفع خبر ما الموصولة (مما) ظرف زمان (صمنا معه ثلاثين) يومًا، وهكذا رواه ابن ماجه (3) من حديث أبي هريرة: صمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين.
وكذا رواه الدارقطني بسندٍ صحيح عن عائشة (4). وبهذه الأحاديث
(1) الإسراء: 78.
(2)
انظر: "المجموع" 6/ 296، "شرح منهج الطلاب" 2/ 308.
(3)
"سنن ابن ماجه"(1658).
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 198.
ونحوها يرد على بعض الشيعة الذين أسقطوا حكم الأهلة في رمضان، واعتمدوا العدد لقوله صلى الله عليه وسلم:"شهرا عيد لا ينقصان"(1)، وسيأتي معناه.
[2323]
(حدثنا مسدد، أن يزيد بن زريع) بالتصغير وهو الحافظ الذي قال فيه أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة (2). (حدثهم) قال: (حدثنا خالد الحذاء) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة، (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع، (عن أبيه) نفيع بن الحارث الثقفي.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شهرا عيد) وأخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" من طريق ابن خليفة، عن مسدد بلفظ:"لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة"(3). ولفظ البخاري (4): "شهران لا ينقصان: شهرا عيد رمضان وذو الحجة".
واختلفوا في قوله: معنى (لا ينقصان) فمنهم من حمله على ظاهره فقال: لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدًا إلا ثلاثين، وهذا قول مردود معاند للموجود المشاهد، ويكفي لرده قوله:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة"، ولم كان رمضان أبدًا ثلاثين لم
(1) رواه البخاري (1912)، ومسلم (1089)، وسيأتي.
(2)
"الجرح والتعديل" 9/ 264.
(3)
لم أجده في المطبوع من "المستخرج" وهو على مسلم، وما وجدته من طريق أبي مسلم الكشي، عن مسدد بإسناده (2447) بلفظ:"شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة". وقال ابن حجر في "الفتح" 4/ 124: أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" من طريق أبي خليفة وأبي مسلم الكجي جميعا عن مسدد بهذا الإسناد بلفظ "لا ينقص. . ." فذكره.
(4)
البخاري (1912).
يحتج إلى هذا. وقيل: لا ينقصان معًا، بل إن جاء أحدهما تسعًا وعشرين جاء الآخر ثلاثين. وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما.
وروى الحاكم في "تاريخه" بإسناد صحيح: أن إسحاق بن إبراهيم، سئل عن ذلك، فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين فإن كان تسعًا وعشرين ترونه ناقصًا، وليس ذلك بنقصان، وقيل: لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة. ونقل عن أبي بكر ابن فورك (1).
وقال الطحاوي (2): لا ينقصان في الأحكام وإن نقصا في العدد؛ لأن في (3) أحدهما الصيام وفي الآخر الحج وأحكام ذلك كله كاملة غير ناقصة، وجزم بمعناه البيهقي (4).
قال شيخنا ابن حجر (5): وأقرب هذِه الأقوال أن المراد النقص الحسي باعتبار العدد (6) ينجبر بأن كلًّا منهما شهر عند الله عظيم، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من (الشهور) (7) وقال البيهقي في "المعرفة" (8): إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج
(1) انظر: "فتح الباري" 4/ 125 - 126.
(2)
"مشكل الآثار" 1/ 439.
(3)
زيادة من (ل).
(4)
"السنن الكبرى" 4/ 250.
(5)
"فتح الباري" 4/ 125.
(6)
زيادة من (ل).
(7)
في (ر) الشهر، والمثبت من (ل).
(8)
"معرفة السنن والآثار"(6/ 234).
بهما، وبه جزم النووي، وقال: إنه الصواب (1).
وقال الطيبي: المراد رفع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطأ لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما. واستدل به بعضهم لمذهب مالك في اكتفائه لرمضان بنية واحدة، قال: لأنه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة واكتفى له بالنية (2).
وروى (هشيم)(3) الطبراني من طريق هشيم عن خالد الحذاء بسنده: "كل شهر حرام لا ينقص ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة"(4)(رمضان وذو الحجة) وأطلق على رمضان بأنه شهر عيد لقربه من العيد، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:"المغرب وتر النهار". أخرجه الترمذي (5). وصلاة المغرب ليلية، في "الفتح": كونها وتر النهار لقربها منه. وفيه إشارة إلى أن وقت الحج يقع أوله أول يوم من شوال (6).
(1) شرح "صحيح مسلم" 7/ 199.
(2)
قاله القرافي في "الذخيرة" 2/ 499. وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 125، و"عمدة القاري" للعيني 10/ 408.
(3)
هكذا في الأصل، والظاهر زيادتها.
(4)
ليس في ما طبع من "المعجم الكبير"؛ لكن أورده الهيثمي في "المجمع"(4821) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح.
(5)
"السنن"(552) من طريق ابن أبي ليلى، عن عطية ونافع، عن ابن عمر به. وقال الترمذي: حديث حسن.
(6)
انظر: "فتح الباري" 4/ 126.