الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
62 - باب في صَوْمِ العَشْرِ
2437 -
حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنِ الُحرِّ بْنِ الصّيَّاحِ، عَنْ هُنيْدَةَ بْنِ خالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْواجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذي الِحجةِ وَيوْمَ عاشُوراءَ وَثَلاثَةَ أيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنيْنِ مِنَ الشَّهْرٍ والخَمِيسَ (1).
2438 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيع، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِح وَمُجاهِدٍ وَمُسْلِمِ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أيّامٍ العَمَلُ الصّالِحُ فِيها أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ هذِه الأيّامِ". يَعْني: أيّامَ العَشْرِ. قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَلا الِجهادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قالَ: "وَلا الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ إلَّا رَجُل خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيء"(2).
* * *
باب صوم العشر
أي: عشر ذي الحجة.
[2437]
(حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن الحر بن الصياح) بالمثناة تحت والموحدة وهو النخعي ثقة (عن هنيدة) بالتصغير (ابن خالد) ثقة، روى عنه النسائي أيضًا.
(عن أمرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة) بكسر الحاء، وروي فتحها، سمي ذلك لإيقاعهم الحج فيه، ويجمع على ذوات الحجة، استدل به النووي في "شرح المهذب"
(1) رواه النسائي 4/ 205، وأحمد 5/ 271. وانظر ما سيأتي برقم (2452).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2106).
(2)
رواه البخاري (969).
على استحباب صوم تسع ذي الحجة (1)، وقال: رواه أحمد (2) والنسائي (3).
قال: وأما عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط، وفي رواية: لم يصم العشر. رواهما مسلم في "صحيحه"(4).
وسيأتي الثاني في كلام المصنف، فقال العلماء: هو متأول (5) على أنها لم تره، ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام، والباقي عند باقي أمهات المؤمنين، أو لعله كان يصوم بعضه في بعض الأوقات، وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض من سفر أو مرض أو غيرهما، وبهذا يجمع بين الأحاديث (6). (وبوم عاشوراء) بالمد على الأفصح وهو اليوم العاشر من المحرم، وبه قال جمهور العلماء. وقال ابن عباس: عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ثبت ذلك في "صحيح مسلم"(7) والصحيح ما قاله الجمهور.
قال النووي: وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة (8)، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لئن عشت إلى
(1)"المجموع" 6/ 439.
(2)
"مسند أحمد" 5/ 271، 6/ 288، 423.
(3)
"سنن النسائي"(2417) وانظر: "المجموع" 6/ 387.
(4)
"صحيح مسلم"(1176).
(5)
في (ر): متناول. والمثبت من (ل).
(6)
"المجموع شرح المهذب" 6/ 387 - 388.
(7)
"صحيح مسلم"(1134).
(8)
"المجموع" 6/ 433.
العام المقبل لأصومن التاسع" (1). وهذا صريح في أن الذي كان يصومه ليس هو التاسع (2). لما سيأتي بعد إن شاء الله (وثلاثة أيام من كل شهر) قال النووي: الأيام البيض هي الثلاثة المأمور بصومها من كل شهر وكلام غيره يقتضي أنها غيرها حيث قالوا: يستحب صيام أيام البيض وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال القاضي حسين في تعليقه بعد ذكر الحديث: اختلفوا في الأيام الثلاثة، فمنهم من قال: أراد به الأيام البيض. ومنهم من قال: لا، بل هي أوائل كل عشر. و (أول) بالنصب بدل من ثلاثة (3). كل (اثنين من الشهر والخميس) قال المتولي من أصحابنا: صوم ثلاثة أيام من كل شهر سنة، ومتى يستحب؟ قيل: أيام البيض، وقيل: الاثنين والخميس والاثنين، [فإن كان أوله الخميس أو الأربعاء مثلًا فإن الخميس يليه، فيحتمل أن يبدأ بصيام الخميس وبعده الاثنين](4) الآخر من كل شهر، أي: لهذا الحديث؛ فإنه فسر الأيام البيض بهذا، وهذا (5) إذا كان أول الشهر (6) الاثنين والخميس الآخر، وقد يؤخذ هذا من لفظ الحديث.
[2438]
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن أبي صالح) باذام مولى أم هانئ (ومجاهد ومسلم) بن عمران (البطين) بفتح
(1) رواه مسلم (1134/ 134) من حديث ابن عباس.
(2)
"المجموع شرح المهذب" 6/ 433.
(3)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 52.
(4)
زيادة من (ل).
(5)
في (ر): هو. والمثبت من (ل).
(6)
في (ر): الأشهر. والمثبت من (ل).
الباء (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال رسول الله: ما من أيام العمل الصالح فيها) يدخل فيه الصيام والذكر والقراءة والصدقة وغير ذلك من الأعمال الصالحة، لكن ورد في خصوص صيام أيامه وقيام لياليه وكثرة الذكر فيه أحاديث؛ فمنها ما خرجه الترمذي (1) وابن ماجه (2) من رواية النهاس بن قهم، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها سنة، وكل ليلة منها بقيام ليلة القدر". لكن النهاس بن قهم ضعفوه (3)، وذكر الترمذي عن البخاري أن الحديث مروي عن قتادة، عن سعيد مرسلًا (4). وروى ثوير (5) بن أبي فاختة (6) -وفيه ضعف- عن مجاهد، عن ابن عمر قال: ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر، [فإن العمل فيها يعدل عمل سنة (7). (أحب إلى الله) وأحب هو خبر المبتدأ الذي هو العمل] (8) وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل كما في رواية البخاري (9) (من) متعلق بأحب (هذِه الأيام يعني أيام العشر) أي: عشر
(1)"سنن الترمذي"(758).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1728).
(3)
زيادة من (ل). وانظر: الكلام على النهاس في "تهذيب الكمال" 30/ 28 - 30.
(4)
"سنن الترمذي" 3/ 131.
(5)
في الأصلين: ثور. والمثبت من مصادر التخريج.
(6)
في (ر): خاصة. والمثبت من (ل).
(7)
انظر: "علل الدارقطني" 9/ 17، "فتح الباري" لابن رجب 12/ 376.
(8)
زيادة من (ل).
(9)
"صحيح البخاري"(969).
ذي الحجة، وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه وإن كان مفضولًا أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلًا، ولهذا (قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله) ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال (إلا رجل) قال الزركشي: فيه وجهان:
أحدهما: إن الاستثناء متصل أي: إلا عمل رجل؛ لأنه استثناء من العمل.
وثانيهما: إنه منقطع، أي: لكن رجل يخاطر بنفسه فلم يرجع بشيء (خرج) إلى الجهاد (بنفسه وماله) رواية البخاري: "إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله"(1). ومعنى "يخاطر بنفسه" أي: يكافح العدو بنفسه وجواده وسلاحه ويوقع نفسه في الهلاك تقربًا إلى الله، فهذا أفضل الجهاد والعمل فيه أفضل في هذِه الأيام وفي غيرها من غيره (فلم يرجع من ذلك) أي: مما خرج به (بشيء) وقوله: يرجع يحتمل أن يكون معناه لا يرجع بشيء من ماله ويرجع هو بنفسه، ويحتمل أن يكون معناه لا يرجع هو ولا شيء مما خرج به بأن يرزقه الله الشهادة في سبيل الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: "أن يعقر جوادك، ويهراق دمك". رواه ابن حبان من رواية جابر (2) وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلَّا يَقول: اللهم آتني أفضل ما يؤتى عبادك الصالحين فقال له: "إذن يعقر
(1)"صحيح البخاري"(969).
(2)
"صحيح ابن حبان"(4639).
جوادك وتستشهد" (1).
فهذا الجهاد بخصوصه مفضل على العمل في العشر، وأما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله منها، وكذلك سائر الأعمال.
* * *
(1) رواه البزار في "مسنده"(1113).