الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 - باب كَفّارَة مَنْ أَتى أهْلَهُ في رَمضانَ
2390 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ -قالَ مُسَدَّدٌ- حَدَّثَنا الزُّهْريُّ، عَنْ حُميْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ: هَلَكْتُ. فَقالَ: "ما شَأْنُكَ". قالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتي في رَمَضانَ. قالَ: "فَهَلْ تَجِدُ ما تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ ". قالَ لا. قالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْريْنِ مُتَتابِعيْنِ". قالَ لا. قالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قالَ: لا. قالَ: "اجْلِسْ". فَأُتي النَّبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما بيْنَ لابَتيْها أَهْلُ بيْتٍ أَفْقَرَ مِنّا فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدَتْ ثَناياهُ قالَ: "فَأَطْعِمْهُ إِيّاهُمْ". وقالَ مُسَدَّدٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنْيابُهُ (1).
2391 -
حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، بهذا الحَدِيثِ، بِمَعْناة. زادَ الزُّهْريُّ: وَإِنَّما كانَ هذا رُخْصَةً لَهُ خاصَّةً فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ اليَوْمَ لَمْ يَكنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ.
قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ والأَوْزاعيُّ وَمَنْصُورُ بْن المُعْتَمِرِ وَعِراكُ بْنُ مالِكٍ عَلَى مَعْنَى ابن عُييْنَةَ. زادَ الأَوْزاعِيُ: "واسْتَغْفِرِ اللهَ"(2).
2392 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ في رَمَضانَ فَأَمَرَهُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْريْنِ مُتَتابِعيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قالَ: لا أَجِدُ. فَقالَ لَهُ
(1) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111).
(2)
رواه مسلم (1111) دون كلام الزهري، ورواه بقول الزهري عبد الرزاق 4/ 194 - 195 (7457).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2069).
ورد الحافظ في "فتح الباري" 4/ 171 على قول الزهري قائلا: ورُدَّ بأن الأصل عدم الخصوصية.
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْلِسْ". فَأُتي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقالَ: "خُذْ هذا فَتَصَدَّقْ بِهِ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنّي. فَضَحِكَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيابُهُ وقالَ لَهُ: "كُلْهُ".
قالَ أبُو داوُدَ: رَواهُ ابن جُريجٍ عَنِ الزُّهْريِّ عَلَى لَفْظِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ وقالَ: فِيهِ: "أَوْ تُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ تَصُومَ شَهْريْنِ أَوْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا"(1).
2393 -
حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبي فُديْكٍ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبي صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ في رَمَضانَ بهذا الحَدِيثِ. قالَ: فَأُتي بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا وقالَ: فِيهِ: "كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا واسْتَغْفِرِ اللهَ"(2).
2394 -
حَدَّثَنَا سُليْمان بْن داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحارِثِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القاسِم، حَدَّثَهُ أَن مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبيْرِ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ عائِشَةَ زَوْجَ النَّبي صلى الله عليه وسلم تَقُولُ أَتَى رَجُلٌ إِلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ في رَمَضانَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ احْتَرَقْتُ. فَسَأَلهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما شَأْنُهُ؟ قالَ: أَصَبْتُ أَهْلي.
قالَ: "تَصَدَّقْ". قالَ: والله ما لي شَيء وَلا أَقْدِرُ عَليْهِ. قالَ: "اجْلِسْ". فَجَلَسَ، فَبيْنَما هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمارًا عَليْهِ طَعامٌ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أيْنَ المُحْتَرِقُ آنِفًا؟ ".
فَقامَ الرَّجُلُ فَقالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقْ بهذا". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَعَلَى غيْرِنا فَواللَّهِ إِنّا لَجِياعٌ ما لَنا شَيء. قالَ: "كُلُوهُ"(3).
(1) رواه مسلم (1111). وانظر سابقيه وما بعده.
(2)
رواه ابن خزيمة (1954)، والدارقطني 2/ 190، والبيهقي 4/ 226 - 227.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2073).
(3)
رواه البخاري (1935)، ومسلم (1112).
2395 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عائِشَةَ بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَأُتي بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صاعًا (1).
باب كفارة من أتى أهله في رمضان
[2390]
(حدثنا مسدد، ومحمد بن عيسى - المعنى - قالا: حدثنا سفيان، قال مسدد: قال) سفيان (حدثنا الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري القرشي وعبد الرحمن والده أحد العشرة (عن أبي هريرة قال: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) جزم الحافظ عبد الغني وابن بشكوال (2) بأنه: سلمان (3) أو سلمة بن صخر البياضي، واستندا إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سليمان بن يسار، عن سلمة ابن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان، وأنه وطئها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"حرر رقبة" قلت: ما أملك غيرها، وضرب صفحة رقبته .. الحديث (4).
قال ابن عبد البر: أظن هذا وهمًا؛ لأن المحفوظ أنه ظاهر من
(1) السابق.
(2)
"غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 212 - 214.
(3)
كذا بالأصل، وفي "التمهيد" و"الفتح": سليمان.
(4)
"مسند ابن أبي شيبة"(627) بنحوه، ورواه أحمد 5/ 436، والترمذي (3299)، وابن ماجه (2062)، وابن خزيمة (2378) من طرق عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر به.
امرأته ووقع عليها ليلًا، لا أن [ذلك] كان منه في النهار، انتهى (1). ويحتمل أن يكون قوله في الرواية المذكور: وقع على امرأته في رمضان، أي: ليلًا بعد أن ظاهر منها، ووقع على امرأته أيضًا نهارًا في تلك الليلة أو في ليلة غيرها.
(فقال) زاد عبد الجبار بن عمر، عن الزهري: جاء رجل وهو ينتف شعره، ويدق صدره، ويقول (2) .. ولحجاج بن أرطاة: يدعو ويله (3). وفي مرسل ابن المسيب عند الدارقطني: ويحثي على رأسه التراب (4).
واستدل بهذا على جواز هذا الفعل ممن وقعت له معصية، ويفرق في ذلك بين معصية الدين والدنيا، فيجوز في معصية الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم (هلكت) بفتح اللام في رواية ابن أبي حفصة: ما أرى أني إلا قد هلكت (5).
وقد استدل به على أنه كان عامدًا؛ لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فيه، فعبر عنه بلفظ الماضي.
(1) كذا نقل المصنف تبعًا لشيخه ابن حجر في "الفتح" 4/ 164 - مع خلل في نقله عن شيخه، سببه محاولته الاختصار - ولا أدري كيف وقع ذلك للحافظ ابن حجر في فهم كلام ابن عبد البر، فالذي في "التمهيد" 21/ 12: أظن هذا وهما لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ثم وقع عليها لا أنه كان ذلك منه في رمضان.
(2)
ما وقفت عليه من رواية عبد الجبار بن عمر، عن يحيى بن سعيد الأنصاري وعطاء الخراساني لا عن الزهري. في "مسند الشاميين" للطبراني (2403).
(3)
"العلل" للدارقطني 10/ 238.
(4)
السابق 10/ 244.
(5)
"مسند أحمد" 2/ 516.
وفيه دليل على مذهبنا ومذهب العلماء كافة في وجوب الكفارة على من جامع عامدًا في شهر رمضان.
وعلى تقدير ما تقدم فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو الصحيح من مذهبنا وجمهور العلماء، وهو المشهور من مذهب مالك، وعن أحمد، وبعض المالكية منهم عبد الملك، وابن حبيب: يفطر وتجب الكفارة، وتمسكوا بترك استفسار (1) النبي صلى الله عليه وسلم السائل وإطلاق الفتيا مع هذا الاحتمال (2) وهذا كما قال الشافعي في الأصول ترك الاستفصال مع الاحتمال (3) ينزل منزلة العموم في المقال (4).
قال القرطبي: وهذا ضعيف؛ لأنه يمكن أن يقال أنه ترك استفصاله؛ لأنه قد تبين حاله وهو أنه كان عامدًا كما يدل عليه ظاهر قوله: هلكت (5). واعتذروا عن هذا بأنه يجوز أن يخبر عن هلكته لما يعتقده في الجماع مع النسيان من إفساد الصوم؛ ولأن الصوم عبادة تحرم الوطء فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج. (فقال: ما شأنك؟ ) استفهام عن حاله، وفي رواية الأوزاعي:"ويحك ما صنعت؟ "(6) وترجم عليه البخاري في
(1) في (ر) استفصال.
(2)
انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 169، و"فتح الباري" لابن حجر 4/ 164.
(3)
تكررت في (ر).
(4)
انظر: "الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السبكي 2/ 137 ثم قال بعد ذكره هذِه القاعدة عن الشافعي: وهذا وإن لم أجده مسطورًا في نصوصه فقد نقله عنه لسان مذهبه.
(5)
"المفهم" للقرطبي 3/ 169.
(6)
"سنن البيهقي الكبرى" 5/ 186.
الأدب: ما جاء في قول الرجل: ويلك (1).
فيه سؤال من رآه منزعجًا عن حاله ليدله على ما فيه نفعه. (قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق) بضم أوله (رقبة) بالنصب. قال القرطبي: نصب على البدل من (ما) الموصوفة وهي مفعولة بـ (تجد) وإطلاق الرقبة يقتضي جواز الرقبة الكافرة، وهو مذهب أبي حنيفة (2). والجمهور على اشتراط الإيمان بدليل تقييدها به من كفارة القتل، وهي مسألة حمل المطلق على المقيد، وهي مسألة مشهورة عند الأصوليين، وبدليل أن مقصود الشارع بالعتق تخليص الرقاب من الرق ليتفرغوا إلى عبادة الله تعالى ونصر المسلمين، وهذا مفقود في الكافر، ويدل على هذا حديث السوداء:"أعتقها فإنها مؤمنة"(3).
(قال: لا) تقدم في حديث سلمة صخر: قال: ما أملك غيرها وضرب صفحة رقبته (قال: فهل تستطيع) أي: تقوى وتقدر (أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) أي متواليين، وهو حجة للجمهور في اشتراط التتابع في الكفارة على ابن أبي ليلى إذ لم يشترط (4).
وفي رواية الدارقطني قال: إني لا أدع الطعام ساعة فما أطيق ذلك (5). لكن في إسناده مقال: وفي رواية ابن إسحاق: فهل لقيت ما
(1)"صحيح البخاري"(6159).
(2)
"الأصل" 3/ 198.
(3)
"المفهم" للقرطبي 3/ 170، والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه"(537).
(4)
انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 170، و"شرح النووي على مسلم" 7/ 228.
(5)
" العلل" للدارقطني 10/ 244.
لقيت إلا من الصيام (1).
قال ابن دقيق العيد: لا إشكال في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام، لكن رواية ابن إسحاق هذِه اقتضت أن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فيه. هنا للشافعية نظر في أنه هل يكون ذلك عذرًا أي: شدة الشبق حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا (2).
والصحيح عندهم اعتبار ذلك، ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى له عنها فإنه يشرع له الانتقال إلى الصوم مع وجودها؛ لكونها في حكم غير الواجد (3). (قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا) وفي حديث ابن عمر: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي (4).
قال ابن دقيق العيد: أضاف الإطعام إلى ستين فلا يكون ذلك موجودًا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلًا، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال (5).
والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينًا واحدًا في ستين يومًا كفى (6).
والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام، وهو وضع
(1)"مسند البزار"(8073).
(2)
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " ص 400.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 166.
(4)
رواه أبو يعلى في "مسنده"(5725).
(5)
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ص 400.
(6)
"النتف" 1/ 160، "المبسوط" 7/ 17.
المطعوم في الفم، بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة بخلاف زكاة الفرض فإن فيها النص على الإيتاء، وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء (1).
(قال: اجلس) يدل على أنه كان قائمًا في كلامه المتقدم، فيؤخذ منه الإذن في مخاطبة العالم وسؤاله حال القيام، فلما انقضى كلامه أمره بالجلوس فجلس الرجل.
قال بعضهم: يحتمل أن يكون سبب أمره بالجلوس لانتظار ما يوحى إليه في حقه، ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به، ويحتمل أنه أسقط عنه الكفارة بالعجز وهذا الثالث ليس بقوي لأنها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد إعطائه إياه المكتل (2)(3).
(فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم) بضم أوله على البناء للمفعول، والآتي المذكور لم يسم لكن وقع في رواية معمر: فجاء رجل من الأنصار (4). وفي رواية ابن إسحاق: فجاء رجل بصدقة يحملها (بعَرَق) بفتح العين المهملة والراء بعدها قاف، وفي رواية أبي الحسن القابسي بإسكان الراء. قال عياض: والصواب الفتح (5). قال ابن التين: أنكر بعضهم الإسكان؛
(1)"فتح الباري" لابن حجر 4/ 166.
(2)
في (ر): الكيل.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 168.
(4)
"صحيح البخاري"(2600).
(5)
"إكمال المعلم" 4/ 56.
لأن الذي بالإسكان هو العظم عليه اللحم (1). (فيه تمر) قال البخاري: والعرق؛ الزَّبيل (2). بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف. قال ابن دُريد: سمي لحمل الزبل فيه (3)(4).
(فقال: تصدق به) وزاد ابن إسحاق: فتصدق به عن نفسك، (فقال: يا رسول الله) والله (ما بين لابَتيها) تثنية لابة، والضمير للمدينة أي: لابتي المدينة؛ فإن المدينة (5) بين حرتين، يقال: لابة ولوبة بفتح اللام ونوبة بالنون، ومنه قيل للأسود لوبي ونوبي باللام والنون وجمعها لابات ما لم تكثر وهي غير مهموزة (6). (أهل) بالرفع على أنه اسم ما النافية (بيت أفقر) بالنصب خبر ما، ويجوز الرفع على لغة تميم بالنصب صفة أهل بيت (منا) رواية البخاري وغيره: أفقر من أهل بيتي (7).
(قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) تعجبًا من حاله وسرعة قسمه، وقيل: تعجب من تباين حال الرجل حيث جاء خائفًا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة (حتى بدت ثناياه) يدل على أن المراد بالضحك التبسم؛ فإن في صفة (8)
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 168.
(2)
"صحيح البخاري" 3/ 33.
(3)
"جمهرة اللغة" 1/ 334 (زبل).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 169، و"إكمال المعلم" 4/ 56.
(5)
سقط من (ر).
(6)
انظر: "المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي 2/ 250، "لسان العرب" 1/ 745 مادة: لوب، "الصحاح" للجوهري 1/ 241 - 242.
(7)
"صحيح البخاري"(1936).
(8)
في (ر): وصفه.
النبي صلى الله عليه وسلم أن ضحكه كان تبسمًا على غالب أحواله، ورواية البخاري: حتى بدت أنيابه (1). وفي رواية ابن إسحاق: حتى بدت نواجذه (2). وظاهرها بين الروايتين على أن المراد بالضحك ما فوق التبسم؛ فإن الثنايا تبين بالتبسم.
قيل: كان لا يضحك إلا بأمر يتعلق بالآخرة؛ فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم.
(وقال: فأطعمه) بفتح الهمزة (إياهم) وفي رواية لابن خزيمة في حديث عائشة: "عد به عليك وعلى أهلك"(3).
تخيل قوم من هذا الكلام سقوط الكفارة عن هذا الرجل، فقالوا: هو خاص به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعي المرجوح.
قال السبكي: ولا نعلم أن أحدًا قال بأنه يجوز صرفه لنفسه.
قال القرطبي: وليس في الحديث ما (4) يدل على سقوطها، بل نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بيَّن له ما يترتب على جنايته من الكفارة لزم الحكم وتقرر في الذمة، ثم لما تبين من حاله هذا أنه عاجز عن الكفارة سقط عنه (5) القيام بما لا يقدر عليه في تلك الحال، ويبقى
(1)"صحيح البخاري"(1936، 5368، 6164).
(2)
رواها البزار (8073).
(3)
"صحيح ابن خزيمة"(1947).
(4)
في (ر): فيما.
(5)
في (ر): عند، والمثبت من (ل).
الحكم في الذمة على ما رتب أولًا، وإلا وبقيت في ذمته إلى ذمته إلى أن يستطيع شيئًا من خصالها. هذا مذهب الجمهور وأئمة الفتوى، وذهب الأوزاعي، وأحمد إلى أن حكم من لم يجد الكفارة من سائر الناس سقوطها (1).
(وقال مسدد في موضع آخر) في رواية أخرى (حتى بدت أنيابه) كما في رواية البخاري المتقدمة، ورواية مسلم (2). والأنياب جمع ناب، وهي الأسنان الملاصقة للثنايا وهي أربع من كل ناحية ثنتان.
[2391]
(حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري بهذا الحديث بمعناه. زاد) فيه (قال الزهري: وإنما كان هذا) أي سقوط الكفارة عن الأعرابي (رخصة) بالنصب خبر كان، أي خاص به لا يتعداه (فلو أن رجلًا) غيره (فعل ذلك) هذا (اليوم) بالنصب على الظرفية (لم يكن له بد من التكفير) لأن هذا الأعرابي أخبر النبي بإعساره قبل أن يدفع إليه العرق ولم يسقطها عنه، ولأنها كفارة واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات.
(قال أبو داود) رحمه الله: و (رواه الليث بن [سعد و] (3) الأوزاعي، ومنصور بن المعتمر) أبو عتاب السُلمي بضم السين من أئمة الكوفة (وعراك بن مالك) الغفاري المدني (عن الزهري، على معنى حديث سفيان بن عيينة) المتقدم.
(1)"المفهم" 3/ 172.
(2)
مسلم (1111).
(3)
سقط من (ل).
قال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحدًا أكثر صلاة منه (1). مات في خلافة يزيد بن عبد الملك (2).
قال ابن قدامة: وهو رواية ثابتة (3) عن أحمد، وهو قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور، وهو أحد قولي الشافعي كما تقدم (4). وإليه نحا إمام الحرمين، ورد بأن الأصل عدم الخصوصية.
وقال بعضهم: هو منسوخ، ولم يبين قائله ناسخه، وقيل: المراد بقوله: "أطعمه إياهم" الذين أمر بصرفها إليهم ممن لا يلزمه نفقتهم من أقاربه وغيرهم، وهو قول بعض الشافعية، وضعف بالرواية السابقة:"أطعمه عيالك". لكن قد يدخل الذين لا يلزمه نفقتهم في العيال، وقيل: لما كان عاجزًا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الذي حمل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه.
وقال الشيخ تقي الدين: أقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة [بل على جهة التصدق](5) التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة، فإنه كان من أهل الصدقة لما ظهر له من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك (6).
(1) أي: من عراك. والأثر رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"(1879)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2931).
(2)
"الطبقات الكبرى" 5/ 196.
(3)
كذا في الأصل، وعند ابن قدامة (ثانية).
(4)
"المغني" 4/ 385.
(5)
سقط من (ر).
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 171 - 172.
(زاد فيه الأوزاعي: واستغفر الله تعالى) وتاب إليه وعزم أن لا يعود، ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال شوال، لكن الفرق أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة (1).
[2392]
(حدثنا القعنبي، عن ابن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد ابن عبد الرحمن) بن عوف المذكور (عن أبي هريرة أن رجلًا أفطر في) شهر (رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، أو يصوم، أو يطعم ستين مسكينًا) استدل به مالك وأصحابه على أن الكفارة على المجامع واجبة على التخيير، إلا أنه يستحب عندهم الإطعام لشدة الحاجة إليه، وخصوصًا بالحجاز؛ لأن الوارد فيه أو (2) التي للتخيير موضوعة كما في كفارة اليمين، ورده بعضهم بأن أو ليست للتخيير، بل للتفسير والتقدير فيه أنه أمر رجلًا أن يعتق رقبة أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن (3) عجز عنهما.
وذكر الطحاوي أن سبب إتيان (4) بعض الرواة بالتخيير أن ابن شهاب الزهري راوي الحديث قال في آخر حديثه: فصارت الكفارة إلى عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا (5). وكذلك رواه الدارقطني في "العلل" من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 171.
(2)
في الأصل: أن. والمثبت للصواب كما في "شرح مسلم" 7/ 227.
(3)
سقط من (ر).
(4)
في (ر) إثبات.
(5)
"شرح معاني الآثار" 2/ 61.
قال في آخره: فصارت سنة عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينًا (1). انتهى.
فالزهري حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة، إما للاختصار أو لغير ذلك.
فإن قيل: فهذا الحديث هو الحديث الأول والقضية واحدة فترد إليها؟
قال القرطبي: لا نسلم، بل هما قضيتان مختلفتان؛ لأن مساقهما مختلف. قال: وهذا هو الظاهر (2). وسلك الجمهور في الحديثين مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، ورجح الترتيب أيضًا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من (3) صورة الواقعة.
(فقال: لا أجد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس) لينتظر وجهًا يتخلص به مما حصل فيه (فأتي) بكسر التاء المثناة فوق (4)(رسول الله بعرق) بفتح الراء لا غير، سمي بذلك لأنه جمع عرقة وهي الصغيرة من الخوص يصنع منها المكيل (فيه تمر) ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم: فجاءه عرقان (5). والمشهور في غيرها: عرق، ورجحه البيهقي وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة، وَرُدَّ لاتحاد مخرج الحديث،
(1)"العلل" للدارقطني 10/ 240.
(2)
"المفهم" 3/ 174.
(3)
سقط من (ر).
(4)
في الأصول: تحت. والمثبت المناسب للسياق.
(5)
"صحيح مسلم"(1112).
والأصل عدم التعدد.
قال ابن حجر: والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه قال عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال: عرقان. أراد ابتداء الحال، ومن قال: عرق. ما آل عليه.
(قال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله ما أحد) بفتح الحاء المهملة وتنوين الدال مع الرفع اسم ما النافية، ويحتمل كسر الجيم مع فتح الدال (1)(أحوج) إليه (مني. فضحك رسول الله حتى بدت أنيابه) تقدم، (وقال: كُلْه) لما أمره (2) بحاجته صرف إليه ليأكله صدقة.
(قال أبو داود: رواه ابن جريج، عن الزهري كما قال مالك) وفي بعض النسخ: كما لفظ مالك. بجر الظاء من لفظ؛ لأنه مجرور بالكاف وما مقحمة، أي: كلفظ مالك عن الزهري.
(وقال فيه: أو تعتق رقبة، أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكينًا) كما تقدم.
[2393]
(حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي) بكسر التاء المثناة فوق وتشديد النون المكسورة وبعد الياء سين مهملة، صدوق (حدثنا) محمد ابن إسماعيل (بن أبي فديك، حدثنا هشام بن سعد) مولى بني مخزوم، قال الحاكم: روى له مسلم في الشواهد (3).
(1) كذا! ولا وجه له بل الصواب الضم.
(2)
كذا. ولعلها: أخبره.
(3)
"تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم"(1885) ذكره فيمن روى له مسلم وحده.
(عن ابن شهاب، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف. (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وقد (أفطر في رمضان) وحدث (بهذا الحديث) المتقدم.
و(قال) فيه (فأتي بعرق فيه تمر قدر) بالرفع صفة للتمر (خمسة عشر صاعًا) هذا مقدار ما في العرق من التمر، ولم يذكر في شيء من طرق الصحيحين، والمراد به: ما يقع به الكفارة، وهو دليل على ما قاله الجمهور أن مقدار ما يدفع لكل مسكين من الستين مد؛ لأن الصاع أربعة أمداد، وأربعة في خمسة عشر بستين، وفيه حجة للجمهور على أبي حنيفة والثوري؛ إذ قالا: لا يجزئ أقل من مدين لكل مسكين وهو نصف صاع (1).
ويؤيدها ما رواه الدارقطني: يطعم ستين مسكينًا لكل مسكين مد (2). وفيه رد على أشهب في قوله: لو (3) غداهم وعشاهم (4) كفى لصدق الإطعام، ولقول عطاء: إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعًا، أو بالجماع (5) أطعم خمسة عشر (6).
(وقال فيه: كله أنت وأهلُ بيتك وصم يومًا) مكانه، فيه دليل على وجوب [القضاء على من أفسد صومًا بالجماع عامدًا كما لو أفسده
(1) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 171.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 208.
(3)
في (ر) أو.
(4)
كذا. وفي "الفتح" ومنه ينقل المصنف: أو.
(5)
في (ر) بالجملة.
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 169.
بالأكل حتى لو لم يصح هذا الحديث لحمل على أنه ترك للعلم به بخلاف السكوت عن وجوب] (1) الكفارة عن المرأة.
وقال بهذا جمهور العلماء، ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يجب مع الكفارة قضاء؛ لأن الخلل الحاصل انجبر بالكفارة.
ووجه ثالث: إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء وإلا فلا لاختلاف الجنس.
والوجهان الأولان: قال البندنيجي: إن الشافعي أومأ إليهما في "الأم".
قال الروياني: هذا الوجه الثالث غلط، إنما هو للأوزاعي.
قال الإمام: ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها الكفارة ولا يتحمله الزوج؛ لأن الكفارة إذا كانت صومًا لم تتحمل فما ظنك بالقضاء؟ ! (2).
واعلم أنه كما يجب القضاء يجب إمساك بقية النهار الذي جامع فيه. (واستغفر الله) أي: لما وقع منه كما تقدم.
[2394]
(حدثنا سليمان بن داود) أبو الربيع (المَهْري) بفتح الميم (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) أحد الأعلام.
(أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أحد الأعلام.
(أن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق الفقيه.
(1) زيادة من (ل).
(2)
"نهاية المطلب" 4/ 37 - 38، وانظر:"الشرح الكبير" 6/ 451، و"المجموع شرح المهذب" 6/ 331، و"روضة الطالبين" 2/ 379.
(حدثه (1) أن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام (حدثه، أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه، أنه سمع عائشة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم تقول: أتى رجل إلى النبي) وهو (في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله، احترقت) فيه استعمال المجاز، وأنه لا إنكار على من استعمله (فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ما شأنُه) بالرفع.
(فقال: أتيت أهلي) فيه التجوز بتسمية الزوجة أهلًا؛ لأنها تصير كالأهل (قال: تصدق) فيه أن الإطعام أفضل من العتق والصوم لشدة الحاجة إليه خصوصًا بالحجاز، كما هو مذهب مالك القائل بالتخيير.
قال القرطبي: بل هو ظاهر الحديث الاقتصار على الإطعام؛ لأنه لم يذكر في الحديث غيره، وهو أيضًا ظاهر مذهب مالك في "المدونة" فإنه قال: قلت: وكيف الكفارة؟ قال: في قول مالك قال: الطعام لا يعرف غير الطعام لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام (2).
(قال: والله ما لي شيء ولا أقدر عليه) فيه قبول العجز ممن وجبت عليه كفارة أو زكاة فطر أو غيرهما بلا يمين ولا بينة.
(قال: اجلس، فجلس، فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حمارًا عليه طعام) أي: تمر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين المحترق) فيه تسمية الرجل بما وصف به نفسه (آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون، أي: قريبًا، وقيل: في أول وقت كنا فيه، وكل ذلك من الاستئناف (فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا) يلزم منه أن يكون قد ملكه إياه [ليتصدق به عن كفارته،
(1) ليست في (ر).
(2)
"المفهم" 3/ 174، و"المدونة" 1/ 284.
ويكون هذا كقول القائل: أعتقت عبدي عن فلان، فإنه يتضمن سبقية] (1) الملكية إليه (2). ويدخل في ضمنه الإيجاب والقبول تقديرًا، (فقال: يا رسول الله، أعَلى) الهمزة للاستفهام، وعلى حرف جر متعلق بمحذوف تقديره: أيتصدق به على (غيرنا؟ ) ونحن محتاجون إليه.
(فوالله إنا لجياع ما لنا شيء) نأكله، ولا يدخل في يمينه ما يستر عورتهم من الثياب (قال: كُلُوه) أمر بأكله [لأنه] كان مضطرًّا ومحتاجًا إليه في الحال والكفارة على التراخي وما (3) يحتاج إليه [في الحال](4) مقدم على التراخي، وإنما لم يبين له بقاء الكفارة في ذمته؛ لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند جمهور الأصوليين (5). وتقدم تأويلان آخران.
[2395]
(حدثنا محمد بن عوف) الطائي الحافظ الحمصي (حدثنا سعيد بن أبي مريم) الحكم الجمحي.
قال أبو داود: وهو عندي حجة (6). (حدثنا) عبد الرحمن (بن أبي الزناد) بنون بعد الزاي، قال ابن معين: هو أثبت الناس (7).
(1) سقط من (ر).
(2)
"المفهم" للقرطبي 3/ 171.
(3)
في (ر): ولها.
(4)
سقط من (ر).
(5)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 225.
(6)
انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 394.
(7)
ما ورد عن يحيى مقيدًا حيث قال: أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن أَبي الزناد. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 98، وتاريخ بغداد 10/ 228.
(عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام، (عن عباد بن عبد الله) بن الزبير، (عن عائشة) رضي الله عنها (بهذِه القصة) المتقدمة، (وقال) فيها:(فأتي) بضم الهمزة (بعرق) بفتح العين (فيه عشرون صاعًا) لم يسق أبو داود لفظ هذا الحديث، وساقه ابن خزيمة في "صحيحه" قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا في فارع - بعين مهملة - فجاءه رجل من بني بياضة فقال: احترقت وقعت على امرأتي في رمضان (1). وفي حديث عند ابن خزيمة: فأتي بعرق فيه عشرون (2).
قال البيهقي: قوله: "عشرون صاعًا" بلاغٌ بلغ محمد بن جعفر يعني من بعض رواته، وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر الحديث، وقال في آخره: قال محمد بن جعفر: فَحُدِّثْتُ بَعْدُ أنه كان عشرين صاعًا من تمر (3).
والجمع بينهما أن من قال: عشرين صاعًا. أراد أصل ما كان في العرق، ومن قال: خمسة عشر صاعًا. أراد قدر ما تقع به الكفارة. والله أعلم (4).
(1)"صحيح ابن خزيمة"(1947).
(2)
السابق.
(3)
"السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 223.
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 169.