الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - باب وَقْتِ فِطْرِ الصّائِمِ
.
2351 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا هِشامٌ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشامٍ - المَعْنَى - قَالَ هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إِذا جاءَ اللّيْلُ مِنْ ها هُنا وَذَهَبَ النَّهارُ مِنْ ها هُنا". زادَ مُسَدَّدٌ: "وَغابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ"(1).
2352 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، حَدَّثَنا سُليْمانُ الشّيْبانيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبي أَوْفَى يَقُولُ: سِرْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهوَ صائِمٌ فَلَمّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: "يا بِلالُ، انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَمْسيْتَ. قَالَ: "انْزِلْ فاجْدَح لَنا". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَليْكَ نَهارًا. قَالَ:"انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا". فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: "إِذا رَأيْتُمُ اللّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ ها هُنا فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ". وَأَشارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ (2).
* * *
باب وقت فطر الصائم
[2351]
(حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع) بن الجراح (عن هشام) بن عروة أحد الأعلام، قال أبو حاتم: ثقة (3).
(وحدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن داود) الخريبي بضم المعجمة وفتح الراء وبعد الياء باء مفتوحة (4) نسبة إلى خريبة البصرة المشهورة،
(1) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100).
(2)
رواه البخاري (1941)، ومسلم (1101).
(3)
"الجرح والتعديل" 9/ 64.
(4)
هكذا في الأصل، والصواب: مكسورة.
قال أبو حاتم: ثقة إمام (1)(عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، [قال ابن سعد: ] (2) كان فقيهًا عالمًا ثبتًا (3).
(عن عاصم بن عمر) بن الخطاب العدوي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يسمع منه (4) شيئًا. قال أبو حازم: كان بينه وبين رجل من قريش أرضًا، فقال القرشي لعاصم: إن كنت صادقًا فادخلها. فقال عاصم: أو قد بلغ بك الغضب إلى هذا، هي لك. فقال القرشي: سبقتني، بل هي لك، فتركاها لم يأخذها أحد منهما ولا أولادهما بعدهما (5).
(عن أبيه) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء الليل من ها هنا) وفي رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام: قال لي (6).
وقوله: "إذا أقبل الليل من ها هنا"، أي: من جهة المشرق كما في رواية البخاري (7) والمراد به وجود الظلمة حسًّا.
وذكر في هذا الحديث ثلاثة أشياء متلازمة:
أحدها: إذا جاء الليل.
والثاني (وذهب النهار من ها هنا) أي: من المغرب، أي: ذهب ضوؤه.
(1)"الجرح والتعديل" 5/ 47.
(2)
من (ل).
(3)
"الطبقات الكبرى" 7/ 178.
(4)
من (ل).
(5)
"تهذيب الكمال" 13/ 523.
(6)
"صحيح ابن خزيمة"(2058).
(7)
"صحيح البخاري"(1853).
والثالث (زاد مسدد) في روايته (وغابت الشمس) فإذا حصل الواحد من هذِه الثلاثة حصل سائرها، وإنما جمعها في الذكر - والله أعلم - لأن الناظر قد لا يرى عين غروب الشمس بحائل ويرى ظلمة الليل في المشرق فيحصل له إذ ذاك الفطر ومجموعها إنما يحصل بغروب الشمس، (فقد أفطر الصائم) أي: دخل الصائم في وقت فطره كما تقول العرب: أظهر. دخل في وقت الظهر، و: أنجد. إذا دخل في أرض نجد، و: أتهم. إذا دخل في أرض تهامة، وعلى هذا لا يكون في الحديث تعرض للوصال لا بنفي ولا إثبات، ويحتمل أن يكون معناه: فقد صار مفطرًا في الحكم، ومعناه: أن زمان الليل يستحيل فيه الصوم الشرعي.
ورد ابن خزيمة هذا الاحتمال وأومأ إلى ترجيح الأول فقال: قوله: "قد أفطر الصائم" لفظه لفظ خبر ومعناه الأمر، أي: فليفطر الصائم، ولو كان المراد فقد صار مفطرًا لكان فطر جميع الصوام واحد، ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى (1). انتهى.
وعلى هذين التأويلين يخرج خلاف العلماء: هل يصح إمساك بعد الغروب؟
فمنهم من قال: لا يصح وهو كيوم الفطر، ومَنعَ الوصال، وقال: لا يصح. ومنهم من جوَّز إمساك ذلك الوقت، ورأى أن له أجر الصائم محتجًّا بأحاديث الوصال (2).
قالوا: وإنما نهاهم عن الوصال رحمة لهم، ولا شك أن التأويل
(1)"صحيح ابن خزيمة" 3/ 273.
(2)
انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 158.
الأول أرجح، ولو كان الثاني معتمدًا لكان من حلف أن لا يفطر فصام فدخل الليل حنث بمجرد دخوله ولو لم يتناول شيئًا.
ويمكن الانفصال عن ذلك بأن الأيمان مبنية على العرف، وبذلك أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذِه الواقعة بعينها، فإن العرف على أن المراد: لا يفطر قبل غروب الشمس، ومثل هذا لو قال: إن أفطرت فأنت طالق، فصادف يوم العيد لم تطلق؛ لأنه لا إفطار حتى يتناول ما يفطر به، وقد ارتكب بعضهم هذا الشطط، فقال: يحنث. ويرجح الأول روايةُ شعبة: "فقد حل الإفطار"(1).
وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الثوري (2).
[2352]
(حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي، قال النسائي: ليس به بأس (3). (حدثنا سليمان) بن فيروز (الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) رضي الله عنه (يقول: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البخاري: في سفر (4). (وهو صائم) يشبه أن يكون صيام هذا السفر كان في غزوة الفتح ويؤيده رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان (5). وسفره في رمضان ينحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح، فإن ثبت أن ابن أبي أوفى لم (6)
(1) رواها أحمد 4/ 382. وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 197.
(2)
"مسند أبي عوانة"(2805).
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 454.
(4)
"صحيح البخاري"(1941).
(5)
"صحيح مسلم"(1101).
(6)
من (ل).
يشهد بدرًا تعينت غزوة الفتح.
(فلما غربت الشمس) وفي رواية للبخاري: فلما غابت الشمس (1). وغربت يفيد معنى أزيد من معنى غابت (قال: يا بلال اْنزل) يدل على أنه كان راكبًا (فاجدَح) قيل: أصل الفاء أن تدخل على المعلول؛ لأنها للتعقب، والمعلول يعقب العلة، وقد تدخل على العلة كما في الحديث، فإن الجدح علة للنزول، ومنه قوله تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (2)، والجدح بالجيم والحاء تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له: المجدح بكسر الميم مجنح الرأس، وقال القرطبي: هو خلط اللبن بالماء، والجدح الخلط (3). وزعم الداودي أن معنى أجدح أحلب، وغلطوه في ذلك (4).
(قال: يا رسول الله، لو أمسيت)"لو" إما لليمين كقوله تعالى {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} (5)، أو للشرط وجزاؤها محذوف أي: لكنت متما للصوم. (قال: انزل فاجدح لنا. قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا) أي: إن النهار باقٍ عليك، وإنما قال له ذلك لأنه رأى ضوء الشمس ساطعًا وإن كان حرمها غائبًا فظن أن الشمس لم تغرب، أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس (فقال: أنزل فاجدح لنا، فنزل فجدح) قال
(1) لم أقف على هذا اللفظ في "صحيح البخاري"، وإنما وجدته بنفس لفظ أبي داود. "صحيح البخاري"(1955، 1956، 5297).
(2)
البقرة: 197.
(3)
"المفهم" 3/ 159.
(4)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض 1/ 141، و"فتح البار "(4/ 197).
(5)
الشعراء: 101.
ابن المنير: يؤخذ من هذا الحديث جواز الاستفسار عن الظواهر.
وفي الحديث استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقًا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر.
وفيه تذكير العالم بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث.
وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك، فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثًا، وفي بعضها مرتين، وفي بعضها مرة. وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة (1). فنزل فجدح (فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) الشرب فيه دليل لما قاله القرطبي أن الجدح خلط اللبن بالماء (2). ويرد على من قال: إنه اللت (ثم قال: إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا) أي: بظلامه (فقد أفطر الصائم) وإن لم يأكل (وأشار بأصبعه) يشبه أن تكون المسبحة، وفي بعض نسخ البخاري بالتثنية (قبل المشرق) فإن الظلام يأتي من جهته، والله أعلم.
* * *
(1) انظر: "فتح الباري" 4/ 197 - 198.
(2)
سبق تخريجه.