الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
159 - باب في السَّرِيَّةِ تَرُدُّ علَى أَهْل العَسْكَرِ
2751 -
حدثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا ابن أَبي عَديٍّ، عَنِ ابن إِسْحاقَ - هُوَ محَمَّد - بِبَعْضِ هذا ح، وَحَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ ميْسَرَةَ، حَدَّثَني هُشيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ جَمِيعَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُونَ تتكافَأُ دِماؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْناهُمْ ويُجِيرُ عَليْهِمْ أَقْصاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِواهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهمْ عَلَى قاعِدِهِمْ لا يُقْتَلُ مُؤمِن بِكافِرٍ وَلا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ" .. وَلَمْ يَذْكُرِ ابن إِسْحاقَ القَوَدَ والتَّكافُؤ (1).
2752 -
حدثنا هارُون بْن عَبْدِ اللهِ، حدثنا هاشِمُ بْن القاسِمِ، حدثنا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَني إِياسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَغارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُييْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَ راعِيَها وَخَرَجَ يَطْرُدُها هُوَ وَأناسٌ مَعَهُ في خيْل فَجَعَلْتُ وَجْهي قِبَلَ الَمدِينَةِ ثُمَّ ناديْتُ ثَلاثَ مَرّاتِ يا صَباحاهُ. ثُمَّ اتَّبَعْتُ القَوْمَ فَجَعَلْتُ أَرْمي وَأَعْقِرُهُمْ فَإِذا رَجَعَ إِلى فارِس جَلَسْتُ في أَصْلِ شَجَرَةِ حَتَّى ما خَلَقَ اللْهُ شيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا جَعَلْتُهُ وَراءَ ظَهْري وَحَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ رُمْحَا وَثَلاثِينَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْها ثُمَّ أَتاهُمْ عُييْنَةُ مَدَدًا فَقال: لِيَقُمْ إِليْهِ نَفَرٌ مِنْكمْ. فَقامَ إِلى أَرْبَعَة مِنْهُمْ فَصَعِدُوا الَجبَلَ فَلَمّا أَسْمَعْتُهُمْ قُلْتُ: أَتَعْرِفُوني؟ قالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنا ابن الأَكْوَعِ، والَّذي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا يَطْلُبُني رَجُلٌ مِنْكُمْ فيدْرِكُني وَلا أَطْلُبُهُ فيفُوتُني. فَما بَرِحْتُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلى فَوارِسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلونَ الشَّجَرَ، أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَديُّ فيلْحَق بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُييْنَةَ ويَعْطِفُ عَليْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فاخْتَلَفا طَعْنَتيْنِ فَعَقَرَ الأخرَمُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ فَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ
(1) رواه ابن ماجه (2659) ، (2685)، وأحمد 2/ 180.
وصححه الألباني في "الإرواء"(2208).
الأخرَمِ فيلْحَقُ أَبُو قَتادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنٍ فاخْتَلَفا طَعْنَتيْنِ فَعَقَرَ بِأَبي قَتادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتادَةَ فَتَحَوَّلَ أَبُو قَتادَةَ عَلَى فَرَسِ الأخْرَمِ ثُمَّ جِئْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ عَلَى الماءِ الذي جَلّيْتُهُمْ عَنْهُ ذُو قَرَدِ فَإِذا نَبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم في خمسِمِائَةٍ فَأَعْطاني سَهْمَ الفارِسِ والرَّاجِلِ (1).
* * *
باب في السرية [تردُّ على أهل العسكر](2)
[2751]
(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل -بفتح الجيم- بن طريف ابن عبد الله الثقفي البلخي البغلاني، مولى الحجاج بن يوسف، قال:(حدثنا) محمد (بن أبي عدي) واسمه إبراهيم مولى بني سليم البصري (عن) محمد (بن إسحاق) صاحب "المغازي "(ببعض هذا) الحديث المتقدم (3) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: يرد المسلمون قويهم على ضعيفهم. قال رجاء (4): فسمعت سليمان بن موسى يقول له (5): حدثني مكحول، عن حبيب بن مسلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نفل في البدأة الربع، وحين قفل الثلث. فقال: أحدثك عن (6) أبي عن جديِّ، وتحدثني عن مكحول؟ هكذا رواية ابن ماجه (7) وذكر له في
(1) رواه مسلم (1807).
(2)
ليست في النسخ، وأثبتت من المطبوع من "السنن".
(3)
كذا" والصواب: الآتي؛ إذ إنه سيذكره ولم يسبق قبل.
(4)
أي الراوي عن عمرو بن شعيب، وهو رجاء بن أبي سلمة.
(5)
أي: يقول لعمرو بن شعيب بعدما سمع منه حديثه.
(6)
زيادة من (ل).
(7)
"سنن ابن ماجه"(2853).
"الأطراف" عدة طرق.
(وحدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) أبو سعيد البصري قال: (حدثنا هشيم) بن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي الحافظ ببغداد، قال يحيى ابن القطان: أحفظ من رأيت سفيان، ثم شعبة، ثم هشيم (1).
(عن يحيى بن سعيد جميعًا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده (شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فيحتمل أن يريد جده الأدنى الحقيقي وهو محمد، فيكون حديثه مرسلًا؛ فإن محمدًا تابعي، ويحتمل أن يريد جده الأعلى المجازي، وهو عبد الله فيكون متصلًا، ولهذا اختلف العلماء في الاحتجاج به، فالأكثرون على الاحتجاج به حملًا على جده الأعلى.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون (2) تتكافأ) بهمز آخره (دماؤهم) أي: تتساوى في الديات والقصاص، ومنه قوله تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} أي: مساويًا له ولا مماثلًا، والمراد أن القاتل إذا كان مساويًا للمقتول في الإسلام وجب القصاص على القاتل، وفهم منه أن اختلافهما في كل شيء غير الإيمان لا يؤثر إجماعًا، فيقتل الكبير بالصغير، والشريف بالوضيع، والصحيح بالمريض، والطويل السمين بالقصير النحيف؛ فان اختلفا في الإسلام فلا قصاص، خلافًا لأبي حنيفة (3)، كما سيأتي في آخر الحديث: "لا
(1)"المجروحين" 1/ 49.
(2)
ساقطة من (ر).
(3)
"الأصل" 4/ 488.
يقتل مؤمن (1) بكافر".
واحتج الشافعي في "الأم"(2) بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (3) فخص المؤمن بالذكر، وأراد: إذا كان القتل بين المؤمنين، وأيضا إذ قال:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ؛ لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ، ومفهوم قوله:"المسلمون تتكافأ دماؤهم". يمنع من حمل الكافر في آخر الحديث على الحربي.
وأيضا فقد استدل له من القياس، بأنه لا يقتل بالمستأمن بلا خلاف، مع أنه في تحريم القتل كالذمي، فإذا لم يقتل بأحد الكافرين لا يقتل بالآخر (يسعى بذمتهم) قيل: يأخذ بالضمان منهم (أدناهم) أي: عبيدهم، ومن ذلك سميت أهل الذمة؛ لدخولهم في ضمان المسلمين كما قال أبو عبيد: لأنهم أدنى من الأحرار.
وقد استدل النخعي وداود بهذا الحديث على أن القصاص يجب على قاتل عبده؛ لعموم قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (4)، وبهذين (5) استدل الحنفية على [أنَّ](6) القصاص يجب في النفس ولا يجب في الأطراف إذا كان المقتول عبد غيره، ولا
(1) في الأصلين: مؤمنًا، والجادة ما أثبتناه.
(2)
"الأم" 6/ 56.
(3)
البقرة: 178.
(4)
المائدة: 45.
(5)
في (ر): وبهذا.
(6)
زيادة يقتضيها السياق.
يجب فيما إذا قتل عبد نفسه (1).
وأجاب الماوردي عن الآية بأنها تضمنت نفسًا وأطرافًا، فلما خرج العبد من حكم الأطراف، خرج من حكم النفوس (2). وهذا يحسن أن يجاب به الحنفية.
وأجيب عن الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام جعل العبد أدناهم، ومن كان أدنى لم يجز أن يؤخذ بالأعلى.
فإن قيل في جواب الحنفية بالفرق بين النفس والطرف: أن الطرف يعتبر فيه المماثلة؛ إذ لا تؤخذ السليمة بالشلاء المريضة، ولا تؤخذ الأيدي بيد واحدة، والمماثلة غير معتبرة في النفوس، إذ (3) يقتل الصحيح بالمريض، والجماعة بالواحد، فلذلك فرق بين النفس والأطراف.
قلنا: جوابه أنهما عندنا سواء؛ لأنا نقطع الجماعة بالواحد، ونقتل الصحيح بالمريض، وإنما لم تقطع غير الشلاء بالشلاء؛ لأنها عندنا كالميتة، ونحن لا نقتل الحي بالميت.
وقال أبو عبيد (4): المراد بالذمة في الحديث الأمان ها هنا، والمراد: أن الرجل إذا أعطى العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يخفروه كما أجاز عمر رضي الله عنه أمان عبد على
(1) انظر: "تبيين الحقائق وحاشية الشلبي" 6/ 172.
(2)
"الحاوي" في فقه الشافعي 18/ 12.
(3)
بعدها في (ر): لا. خطأ.
(4)
"غريب الحديث" 4/ 55.
جميع العسكر (1)، وسمي المعاهد ذميًّا لأنه أعطي الأمان على ذمته (2).
(ويجير) بالراء (3). أي: يؤمن المؤمن من الكفار (عليهم) أي: على المسلمين وإن كان (أقصاهم) أي: أبعدهم، وليس لأحد من المؤمنين إخافته. قال الله تعالى:{وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} (4) أي: يُؤَمِّن من أخافه غيره (5) ولا يؤمن غيره (6) إذا أخافه.
قال البغوي وغيره: حد القرب الذي يرد عليه ما يتصور فيه الإمداد عند الحاجة. وقال القفال: حد القرب بالاجتماع في دار القرب والأقصى ما فوق ذلك (7). (وهم يد) أي: جماعة مجتمعون (على من سواهم) من الكفار، ويتعاونون على أعدائهم من أهل الملل، لا يخذل بعضهم بعضًا، وقيل: اليد القوة أي: هم قوة على من سواهم؛ قال الله تعالى: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} (8) أي: أولي القوة والبصائر، وهو بمعنى القول الأول؛ فإنهم إذا اجتمعوا على الأعداء وتآلفت قلوبهم على قتالهم، صارتْ لهم قوة وقدرة على من سواهم (يرد مُشِدُّهم) بضم الميم وكسر الشين المعجمة وتشديد الدال. أي: من له دواب
(1) في (ر): المسلمين.
(2)
في النسخ: دمه. والمثبت من "غريب الحديث".
(3)
في الأصلين: بالزاي.
(4)
المؤمنون: 88.
(5)
في النسخ: عليه. والمثبت من "شرح السنة" 11/ 90.
(6)
ساقطة من (ر).
(7)
انظر: "الوسيط" 4/ 545.
(8)
سورة ص: 45.
شديدة قوية.
(على مُضْعِفهم) أي: من دوابه ضعيفة، ورواية ابن ماجه المتقدمة: لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد المسلمون قويهم على ضعيفهم (1). مما يكتسبه من الغنيمة، وقال عمر رضي الله عنه: المضعف أمير على أصحابه (2). قال في "النهاية": يريد في الحديث أن القوي من الغزاة يساهم الضعيف فيما يكتسبه من الغنيمة (3). يقال (4): أضعف الرجل فهو مضعف إذا ضعفت دابته، ومن حديث عمر: المضعف أمير أصحابه. يعني: أنهم يسيرون بسيره في السفر.
(ومتسريهم) المتسري (5) الذي يخرج في السرية بإذن الإمام، يروى في بعض النسخ: متسرعهم (6) بالعين، بل أكثر النسخ، والمراد به من يستحق العشر من الغنيمة، يرد ما أخذه على القاعد، وخرج بالمعشر من لا يستحق العشر كالعبد والمرأة والصبيان، والمعنى أن الإمام إذا ميز الجيش بنفسه (7) وهو خارج إلى أرض العدو، فإذا غنموا شيئًا كان بينهم وبين بقية الجيش عامة؛ لأنهم أولهم، فإن كان خروج السرية من
(1)"سنن ابن ماجه"(2853).
(2)
ذكره ابن قتيبة في "غريب الحديث" 1/ 429.
(3)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 451.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 88.
(5)
في النسخ: ومتسيرهم والمتيسر. كذا. والصواب ما أثبتناه كما في مطبوع "السنن" وما يقتضيه المعنى.
(6)
كذا: وشرحه لها يخالف هجاءها هنا، فكأنه أراد: معشرهم.
(7)
بعدها في (ل) بياض بمقدار كلمة.
البلد، فإنهم لا يردون على الجيش شيئًا. قاله المنذري.
(على قاعدهم) أي: على القاعدين الذين كانوا عونًا له على الخروج في السرية وهو في العسكر الذين ظهرت منهم العسكر مما حصل له من الغنائم، وعليه بوب المصنف: باب (1) في السرية ترد على أهل العسكر.
وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب (2): قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السرية ترد على العسكر، والعسكر يرد على السرية"(3).
(لا يقتل مؤمن بكافر) سواء كان له عهد وذمة أو لا. وخالف أبو حنيفة في الذمي فقال: المسلم يقتل بالذمي دون المعاهد. ومعنى الخبر عنده: لا يقتل مؤمن بكافر حربي (ولا ذو عهدة في عهده) بكافر حربي، إذ هو يقتل بالمعاهد، وقال الشافعي: الكافر يعم الذمي وغيره، فما الفرق؟
واعترض أبو داود على ذلك فقال: ليس هذا الجواب بقوي (4)، إذ عموم حديث لا يمنع من تخصيص آخر، ولكن الأقوى أن يقال: أمرنا بقتال أهل الحرب، فلا يظن أحذ (5) أنه يجب علينا فيهم القود فيحتاج إلى تقييد.
قال ابن الرفعة: وما ذكره من الجواب صحيح دون الاعتراض.
(1) في (ر): كانا. والمثبت المناسب للسياق.
(2)
بعدها في (ل): بياض بمقدار كلمة، انظر:"شرح الزركشي" 6/ 516.
(3)
بعدها في (ل): بياض بمقدار كلمتين.
(4)
في (ر): يقوى.
(5)
في الأصلين: أحدًا، والجادة ما أثبتناه.
فإن (1) الشافعي: لم يذكره إلا لأجل الاستنطاق بالعلة المقتضية للتعميم الموجود في محل النزاع، ومفهوم قوله في ابتداء الحديث:"المسلمون تتكافأ دماؤهم" يمنع من حمل باقي عجزه على الحربي.
(ولا ذو عهدٍ في عهده) هذا كلام تام بنفسه، وقوله (2): ولا ذو عهدة أي: لا يقتل معاهد ما دام في عهده، وعلى قول أصحاب أبي حنيفة، فيه تقديم وتأخير تقديره: لا يقتل مؤمن ولا ذو عهدة [في عهده](3) بكافر، وعلى الأول يدل قوله (4) في أول الحديث:"المسلمون تتكافأ دماؤهم".
ويستدل له من القياس بأنه لا يقتل بالمستأمن بلا خلاف مع أنه في تحريم القتل كالذمي، فإذا لم يقتل في عهده بأحد الكافرين لا يقتل بالآخر (ولم يذكر) محمد (بن إسحاق القَوَد) بفتح القاف والواو هو القصاص (والتكافؤ) بهمزة آخره وهو المساواة في القصاص والديات، ومنه المكافأة في النكاح.
[2752]
(حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان أبو موسى البغدادي البزار، قال (حدثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر الحافظ قيصر ثقة، يفتخر به أهل بغداد، قال (حدثنا عكرمة قال: حدثني إياس) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة تحت (ابن سلمة) الأكوع (عن أبيه) سلمة بن الأكوع، ويقال: سلمة بن عمرو بن الأكوع [واسم الأكوع](5) سنان
(1) في (ر): قال:
(2)
زيادة من (ل).
(3)
زيادة من (ل).
(4)
بعدها في (ر): تعالى.
(5)
ساقطة من (ر).
ابن عبد الله بن قُشير بضم القاف وتخفيف الشين المعجمة مصغر.
(قال: أغار عبد الرحمن بن عُيينة) بضم العين مصغر بن حصن (على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) التي بالغابة، وكانت عشرين لقحة (فقتل راعيها) قال ابن سعد (1): قتلوا ابن أبي ذر (وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل) أي: على خيل. كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} أي؛ على جذوع. وذكر ابن سعد (2) أن الخيل كانت أربعين فارسًا.
(فجعلت وجهي قِبَل المدينة) بكسر القاف. أي: مقابلها (ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه) قال القرطبي (3): هاؤه ساكنة، وهو يشبه المنادى المندوب، وليس به. ومعناه هنا: الإعلام بهذا الأمر المهم الذي قد دهمهم في الصباح.
قال النووي (4): فيه جواز مثل هذا للإنذار بالعدو ونحوه (ثم أتبعت) بفتح الهمزة وسكون المثناة (القوم) على وجهي حتى أدركتهم، وقد أخذوا بذي قَرد بفتح القاف وهم يستقون الماء والزاد، هو ماء على نحو يوم من (5) المدينة مما يلي بلاد غطفان (فجعلت أرمي) القوم بنبلي، وكنت راميًا (وأعقرهم) قال النووي (6): أي: أعقر خيلهم. وفيه
(1)"الطبقات الكبرى" 2/ 80.
(2)
"الطبقات الكبرى" 2/ 80.
(3)
"المفهم" 3/ 673.
(4)
"شرح مسلم" 12/ 173.
(5)
ساقطة من (ر).
(6)
"شرح مسلم" 12/ 179.
جواز عقر خيل العدو في القتال (1) قال المنذري: عقر فلان بفلان إذا قتل دابته من تحته وجعله راجلًا.
(فإذا رجع إلى فارس) أي: منهم (جلست) مستترًا منه (في أصل شجرة) يحتمل أن يستتر بالجلوس خلفها.
(حتى ما خلق الله شيئًا) أي: بعيرًا، كما في رواية البيهقي (2) (من ظَهْر) أي: من ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يركب عليها هو وأصحابه (النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفته)(3) بتشديد اللام، قال الجوهري (4): تقول: خلفت فلانًا ورائي فتخلف عني. أي: تأخر. انتهى، قال: وخليا القوم بيني وبين الظهر واتبَعْتُهُم أرميهم (وراء ظهري وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحًا وثلاثين بُردة) بضم الباء الموحدة وإسكان الراء، قال الجوهري (5): كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب.
(يستخِفّون منها) أي: من حملها. رواية مسلم في "صحيحه"(6): ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (7) حتى أتوا متضايقًا من ثنية و (ثم أتاهم عيينة) بن حصين
(1) بعدها في (ل) بياض، وفي (ر): عقرتهم.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى" 9/ 88.
(3)
ورد بعدها في الأصل: نسخة: جعلته.
(4)
"الصحاح في اللغة" 4/ 44.
(5)
"الصحاح في اللغة" 2/ 9.
(6)
"صحيح مسلم"(1708).
(7)
زيادة من (ل).
الفزاري (مددًا) أي: زيادة لهم في القوة على عدوهم، فجلسوا يتضحون. أي: يتغدون وجلست على رأس قرن بفتح القاف وإسكان الراء وهو الجبل الصغير، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى قالوا: لقينا من هذا البرح، والله ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا (1).
(فقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليه منهم أربعة) نفر (قال: فصعِدوا) بكسر العين، رواية مسلم: فصعد إلى أربعة منهم (الجبل فلما أسمعتهم) رواية مسلم: فلما أمكنوني من الكلام (قلت: أتعرفونني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا) سلمة (ابن الأكوع) فيه تسمية الرجل نفسه للعدو ليعرفوه إذا كان مشهورًا عندهم بالنجدة والشجاعة.
(والذي كرَّم) بتشديد الراء (وجه محمد صلى الله عليه وسلم) على وجوه بني آدم (لا يطلبني رجل منكم فيدركني) برفع المضارعين؛ إذ لا طلب فيهما.
(ولا أطلبه فيفوتني) رواية مسلم: إلا أدركته. فيه مدح الإنسان نفسه عند العدو، ووصفه (2) بالشجاعة ليرهب خصمه ويوقع الرعب في قلوبهم كقول علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
…
أكيلهم بالسيف كيل السندرة (3)
(1) كما عند مسلم (1807).
(2)
في (ل)، (ر): وصفه. والمثبت هو الصواب.
(3)
هو عند مسلم أيضًا. وقول علي: (أنا الذي سمتني أمي حيدرة)؛ حيدره: من أسماء الأسد، وله أسماء كثيرة. وكان علي سماه أبوه عليًّا، وسمته أمه أسدًا باسم أبيها، فغلب عليه ما سماه به أبوه. انظر:"المفهم" 3/ 682 - 683، و"إكمال المعلم" 6/ 197.
زاد مسلم: أنا أظن، قال: فرجعوا (فما بَرِحت) بكسر الراء. أي: من مكاني.
(حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون) بالخاء المعجمة (الشجر) قال النووي (1): أي: يدخلون من خلالها. أي: بينها، ومنه {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} (2)، ومنه:"أرى الفتن خلال بيوتكم"(3).
(أولهم الأخرم) بالخاء المعجمة والراء، قال ابن الأثير (4): اسمه محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي ابن نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة (الأسدي) بفتح السين، من أسد بني خزيمة. زاد مسلم: وعلى أثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى أثره المقداد بن الأسود، قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولوا مدبرين، قلت: يا أخرم آحذرهم لا يقتطعونك حتى تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال يا (5) سلمة: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل (6) بيني وبين الشهادة. قال: فخليته (فيلحق) بالياء قبل اللام (بعبد الرحمن بن عيينة) بن حصن، قال ابن إسحاق: إنما هو حبيب ابن عيينة، ولم تعرف العرب عبد الرحمن، ولا تسمي به، فانظره. ورواية مسلم موافقة لأبي داود، والعمل على قولهما أولى من ابن
(1)"شرح مسلم" 12/ 179.
(2)
النور: 43.
(3)
رواه البخاري (1878)، ومسلم (2885) من حديث أسامة.
(4)
جامع الأصول في أحاديث الرسول 12/ 196.
(5)
ساقطة من (ر).
(6)
في (ل)، (ر): تحول. والصواب ما أثبتناه.
إسحاق (1).
(ويعطف عليه عبد الرحمن) بن عيينة (فاختلفا طعنتين) رواية مسلم: فالتقى هو وعبد الرحمن (فعقر) بفتح العين (الأخرم عبد الرحمن) أي: جرحه (وطعنه عبد الرحمن فقتله) فمات شهيدًا. فيه جواز المبارزة بغير إذن الإمام، وهو حجة على من كرهها مطلقًا وهو الحسن، وعلى من اشترط في جوازها إذن الإمام (2).
(وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم) المقتول (فيلحق) بالياء بعد الفاء، ورواية مسلم: ولحق. بحذف الياء (أبو قتادة) فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعبد الرحمن) بن عيينة [(فاختلفا طعنتين) بينهما (فعقر بأبي قتادة) طعنه (وقتله أبو قتادة) قال ابن إسحاق (3): ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة](4) بن حصن، وغشاه بُرْدَهُ ثم لحق بالناس، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين.
قال ابن هشام (5): فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة، فاسترجع الناس، وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس بأبي قتادة، ولكنه قتيل لأبي قتادة"، ووضع عليه برده؛ ليعرفوا أنه صاحبه.
(فتحول أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري (على فرس الأخرم)
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض 6/ 194، و"فتح الباري" لابن حجر 7/ 462.
(2)
انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 683.
(3)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 284.
(4)
ساقطة من (ر).
(5)
"سيرة ابن هشام" 2/ 284.
فوالذي كرم وجه محمد لتبعتهم على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئًا، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا [إليّ](1) أعدو وراءهم فحليتهم عنه، فما ذاقوا منه قطرة (2).
(ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حَلّيتهم) بفتح الحاء المهملة واللام المشددة بلا همز (عنه) أي: طردتهم عنه، وقد فسره مسلم في الحديث بقوله: يعني: أجليتهم عنه بالجيم.
قال القاضي: وروايتنا فيه هنا بغير همز، وأصله الهمز فسهله (3).
والرواية المشهورة التي وقع: جليتهم. بالجيم والياء آخر الحروف. قال المنذري: جلا عن الوطن يجلو جلاءً، وأجلى يجلي إجلاء إذا خرج مفارقًا، والرواية الأخرى: حلأتهم بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام مهموز. أي: طردتهم، وأصله الهمز فسهله هنا، والذي وقع جليتهم بالجيم والياء آخر الحروف فيه نظر. يقال له (4)(ذو قَرَد) بفتح القاف، المشهور فتح القاف والراء، وقد قيل فيه بضمها: ماء على نحو يوم من المدينة، كما تقدم، والقَرَد في اللغة هو: الصوف الرديء. قاله السهيلي (5).
(1) ليست في (ل) ، (ر) والسياق يقتضيها.
(2)
وهذا من رواية مسلم.
(3)
"إكمال المعلم" 6/ 199.
(4)
زيادة من (ل).
(5)
"الروض الأنف" 4/ 3.
(فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسمائة، فأعطاني) قال الخطابي (1): يشبه أن يكون أعطاه من الغنيمة (سهم الراجل) حسب؛ لأن سلمة كان راجلًا في ذلك اليوم (و) أعطاه سهم (الفارس) زيادة له نفلًا لما كان من حسن بلائه.
قال ابن المنذر (2): قد صح أن سلمة كان أجيرًا لطلحة حين أدرك عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل.
وهذا المعنى لأحمد بن حنبل، ومسلم في حديث طويل (3).
قال (4): ويحمل هذا على أجير يقصد مع الخدمة الجهاد (5).
وحديث يعلي بن منبه المتقدم يحمل على من لا يقصد الجهاد أصلًا.
وروى البيهقي (6) خبرًا مسندًا عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: كنت خادمًا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله. وذكر قصة إغارة ابن عيينة الفزاري على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة،
(1) معالم السنن" للخطابي 2/ 315.
(2)
ينظر: "الأوسط" 6/ 174 - 175.
(3)
"المسند" 4/ 48، ومسلم (1807).
(4)
هكذا في الأصل، وفي "المغني" 13/ 166: قال القاضي.
(5)
انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 166.
(6)
"معرفة السنن والآثار"(13064).
وخير رجالنا سلمة"، قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم: سهم الفارس، وسهم الراجل. وذكر البيهقي تلو ذلك سندًا متصلًا، وقال: إنه رواية مسلم (1).
وللشافعي في الأجير على سياسة الدواب ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يستحق؛ لأنه لم يخرج لقصد النصرة، ويشهد له رواية يعلي بن أمية المتقدمة (2).
والثاني: يستحق إن قاتل، وإن لم يقاتل فلا، ويشهد له هذا الحديث.
والثالث: أنه يخير بين إسقاط الأجرة وطلبها، فإن أعرض عن الأجر استحق السهم وإلا فلا (3).
ولقائل أن يقول: ليس في الحديث المتقدم أن سلمة كان مستأجرًا، وعلى تقدير ذلك فليس في الخبر ما يدل على أنه عليه السلام قضى له بالسهم مع الأجرة، وذلك هو المدعى.
(1)"صحيح مسلم"(1807).
(2)
في (ل)، (ر): المتقدم. والصواب ما أثبتناه.
(3)
"الأم" 5/ 321.