الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب ما جاءَ في التَّشْدِيد في أَكْل مال اليتِيمِ
2874 -
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدانيُّ، حدثنا ابن وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبي الغَيْثِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ" قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَما هنَّ قالَ: "الشِّرْكُ باللهِ والسّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقّ وَأَكْلُ الرّبا وَأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ والتَّوَلّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ".
قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو الغَيْثِ سالِمٌ مَوْلَى ابن مُطِيعٍ (1).
2875 -
حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الجُوزَجانيّ، حدثنا مُعاذ بْنُ هانِئٍ، حدثنا حَرْبُ بْنُ شَدّادٍ، حدثنا يَحْيَى بْن أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ سِنانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ - وَكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَجلاً سَأَلهُ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ ما الكَبائِرُ فَقالَ: "هُنَّ تِسْعٌ" .. فَذَكَرَ مَعْناهُ زادَ: "وَعُقُوقُ الوالِدَيْنِ المُسْلِمَيْنِ واسْتِحْلالُ البَيْتِ الحَرامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْياءً وَأَمْواتًا"(2).
* * *
باب التَّشْدِيدِ فِى أَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ
[2874]
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدَانِى) بسكون الميم أبو جعفر المصري قال ابن حجر: صدوق (3)(حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ) بن مسلم القرشي (4)(عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلَالٍ) القرشي التيمي (عَنْ ثَوْرِ بْنِ
(1) رواه البخاري (2766)، ومسلم (89).
(2)
رواه النسائي 7/ 89.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(2559).
(3)
"التقريب"(38).
(4)
"التقريب"(3694).
زَيْدٍ) الديلي أخرج له الشيخان (1)(عَنْ أَبِى الغَيْثِ) سالم مولى أبي مطيع (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) أي: المهلكات جمع موبقة، وسميت هذِه الكبائر الآتية موبقات لأنها تهلك صاحبها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب ولا شك في أن الكبائر أكثر من هذِه السبع، ولذلك قال ابن عباس حين سئل عن الكبائر: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع (2) وفي رواية عنه: هي إلى سبعمائة أقرب (3) وعلى هذا فاقتصاره عليه السلام على هذِه السبع في هذا الحديث يحتمل أنها هي التي أعلم بها في ذلك الوقت بالوحي ثم بعد ذلك أعلم بغيرها، ويحتمل أن تكون هذِه السبع هي التي دعت الحاجة إليها] (4) في ذلك الوقت، أو التي سئل عنها في ذلك الوقت (قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله) وهو أعظم الكبائر، ففي "الصحيح" (5): سئل أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"(والسحر) لأن الساحر لابد أن يكفر كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ
(1)"التقريب"(859).
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 10/ 460.
(3)
"تفسير الطبري" 8/ 245 (9207)، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 934، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"1919.
(4)
إلى هنا انتهى السقط الحاصل في الأصلين (ر، ل)، والمثبت من نسخة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(5)
"صحيح البخاري"(4477، 6001، 6811، 7520)، "صحيح مسلم"(86) عن عبد الله بن مسعود.
السِّحْرَ} (1)(وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق) والمراد به قتل العمد بغير حق، وكذا شبه العمد دون الخطأ، وأنه ليس من الكبائر، وجعله الحليمي مراتب وقال: إن قتل أبا أو ذا رحم أو أجنبيًّا محرمًا أو بالحرم أو في الأشهر الحرم، فهي فاحشة فوق الكبيرة (وأكل الربا) لقوله تعالى:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (2).
قال ابن عبد السلام: ولم أقف على المفسدة المقتضية لجعله من الكبائر؛ فإن كونه مطعومًا وكونه قيمة الأشياء لا يقتضي كونه كبيرة (3). قال السهيلي: من تأمل أبواب الربا لاح له سر التحريم من جهة الجشع (4) المانع من حسن المعاشرة والذريعة إلى ترك القرض وما في التوسعة من مكارم الأخلاق، ولذلك قال تعالى:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} غضبًا على أهله، ولهذا قالت عائشة من تعاطى ما يشبه أنه ربا بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) ولم تقل صلاته ولا صيامه؛ لأن السيئات لا تحبط الحسنات ولكن خصمتا الجهاد بالإبطال؛ لأنه حرب لأعداء الله، وأكل الربا قد أذن بحرب الله؛ فهو ضده ولا يجتمع الضدان (6) (وأكل مال اليتيم) لقوله تعالى: {إِنَّ
(1) سورة البقرة (102).
(2)
سورة البقرة آية (279).
(3)
إ قواعد الأحكام" 1/ 164.
(4)
في (ر) و (ل): التخشع، والمثبت من "الروض الأنف" للسهيلي.
(5)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(14812)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 546.
(6)
"الروض الأنف" 2/ 215، وانظر:"حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" 9/ 246، "إعانة الطالبين" للدمياطي 3/ 16.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} (1) الآية، وقيل:[إنه مجرب لسوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى منها](2).
قال ابن عبد السلام: إن وقع أكل مال اليتيم في مال حقير كزبيبة أو تمرة فعده من الكبائر مشكل، فيجوز أن يجعل من الكبائر فِطاما عن هذِه المفاسد كشرب قطرة من الخمر، ويجوز أن نضبط الكثرة منه بنصاب السرقة (3).
(والتولي) من وجوه الكفار (يوم الزحف) وأصل الزحف المشي المتثاقل كالصبي يزحف قبل أن يمشي، ويسمى الجيش بالزحف لأنه يزحف فيه، وإنما يصير التولي كبيرة إذا لم يزد عدد الكفار على مثلي المسلمين {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} (4) وقد يجب التولي إذا علم أنه يقتل من غير نكاية في الكفار؛ لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لمصلحة إعزاز الدين، وفي الثبوت ضد هذا المعنى (5) (وقذف المحصنات) أي: رميهن بالزنا والإحصان هنا العفة عن الفواحش (6)(والغافلات) عما رمين به من الفاحشات؛ إذ عن سليمات الصدور بريئات مما قيل فيهن، ولا خبر عندهن منه.
(1) سورة النساء آية 10.
(2)
قاله ابن دقيق العيد، ونقله عنه المناوي في "فيض القدير" 1/ 199 وجعلها عنه في أكل الربا. ونقلها عنه الهيتمي في "الزواجر" 2/ 161 في أكل مال اليتيم.
(3)
"قواعد الأحكام" 1/ 20، وانظر:"شرح النووي على مسلم" 2/ 87.
(4)
الأنفال: 16.
(5)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة الأنفال (15، 16).
(6)
"فتح الباري" 12/ 181.
قال ابن عبد السلام: من قذف محصنة في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظة فليس ذلك بكبيرة موجبة للحد (1).
وقال الحليمي: قذف الصغيرة التي لا تحتمل الوقاع بحيث يقطع كونه كاذبًا من الصغائر (2). (المؤمنات) بالله تعالى (3).
[2875]
(حدثنا إبراهيم بن يعقوب) بن إسحاق (الجوزجاني) بضم الجيم الأولى وفتح الزاي والجيم المخففتين وبعد الألف نون نسبة إلى مدينة بخراسان مما يلي بلخ (4) يقال لها جوزجان، وبها قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب (5). قال ابن حجر: هو نزيل دمشق حافظ ثقة (6). (حدثنا معاذ بن هانئ) القيسي البصري، أخرج له البخاري (7) في الصلاة (8)(حدثنا حرب بن شداد) اليشكري، أخرج له الشيخان (حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عبد الحميد بن سنان) ذكره ابن حبان في "الثقات"(9).
(1)"قواعد الأحكام" 1/ 21.
(2)
"شعب الإيمان" 1/ 265.
(3)
على حاشية (ك): زيادة في آخره وهي: قال أبو داود: أبو الغيث سالم مولى ابن أبي مطيع.
(4)
في (ر): الثلج وفي مخطوطة الجامعة الإسلامية: البلخ. والمثبت من "الأنساب" 2/ 116، "معجم البلدان" لياقوت الحموي 2/ 182.
(5)
"الأنساب" 2/ 116.
(6)
"التقريب"(273).
(7)
"التقريب"(6741).
(8)
الذي وقفت عليه أن له عند البخاري حديث في اللباس برقم (5908).
(9)
7/ 122.
(عن عبيد بن عمير، عن أبيه) قيل: لم يرو عنه غير ابنه عبيد (1) وهو عمير بن عامر بن مالك بن الخنساء أبو داود الأنصاري المازني النجاري شهد بدرًا وأحدًا، وهو الذي قتل أبا البختري العاص بن هشام وأخذ سيفه (2) (أنه حدثه وكانت له صحبة) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رجلاً سأله) أي: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتقدم له ذكر، لكن لفظة الصحبة دلت عليه (فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ فقال: عن تسع) وفي الرواية السابقة أنها سبع، واختلاف الروايات يعلم منه عدم الحصر فيما ذكروا أن هذين العددين بحسب المقام باعتبار السائل (3) (فذكر معناه) ورواية التسع ذكرها أبو القاسم البغوي وابن عبد البر في "التمهيد" (4) بسنده من طريقه عن طيلسة بن علي قال: أتيت ابن عمر عشية عرفة وهو تحت ظل أراك وهو يصب الماء على رأسه، فسألته عن الكبائر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عن تسع". قلت: وما عن؟ قال: "الإشراك بالله وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم".
وأخرجه البخاري في كتاب "الأدب"(5) عن طيلسة بن علي، عن ابن
(1) وقيل غير ذلك؛ قال ابن منده في "فتح الباب في الكنى والألقاب"(2658): روى عنه: ابنه حمزة بن أبي داود، ورجال من بني مازن.
(2)
"الطبقات" لابن سعد 3/ 518، "الإصابة" 7/ 118، "تعجيل المنفعة"(1270).
(3)
انظر: "فتح الباري" 12/ 182.
(4)
"التمهيد" 5/ 69.
(5)
"الأدب المفرد" 1/ 17.
عمر موقوفًا قال الحافظ المزي (1): طيلسة، وثقه ابن حبان (2) (وزاد عثمان: عقوق الوالدين) العقوق ضد البر من العق وهو الشق والقطع كأنه قطع بره حين آذاه وعصاه، وفي معنى الوالدة عقوق الخالة لما صححه الترمذي (3):"الخالة بمنزلة الأم". وفي معنى الأب العم لما في "الصحيح"(4): "عم الرجل صنو أبيه"(المسلمين) احترازًا من الكافرين، ويدخل فيه الوالدان (5) من باب التعليم فقيل: عقوقهما أشد من عقوق والدي النسب، حكاه السبكي في "الطبقات" (6). (واستحلال البيت الحرام) أي: استحلال فعل الحرام في البيت الحرام بعمد أو الاحتكار فيه من الكبائر (قبلتكم) بالجر، بدل من البيت الحرام؛ لأنه قبلتهم التي يصلون إليها (أحياء) يعني: في حياتكم (وأمواتًا) أي: في مماتكم.
(1)"تهذيب الكمال" 13/ 468.
(2)
"الثقات" 4/ 399، وانظر:"تحفة الطالب" لابن كثير 1/ 206.
(3)
"سنن الترمذي"(1904)، وأخرجه البخاري (2699، 4251).
(4)
"صحيح مسلم"(983).
(5)
في الأصل: الوالدين. والجادة ما أثبتناه.
(6)
"طبقات الشافعية الكبرى" 10/ 315 ولفظه: عن أبي سهل قال لي يوما: عقوق الوالدين يمحوها الاستغفار، وعقوق الأستاذين لا يمحوها شيء. قلت: وهذا من الغلو. ويكفي في الرد عليه أنه مخالف لظواهر القرآن في أن عقوق الوالدين بعد الشرك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نقد قال الله تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. وغيرها من الآيات والأحاديث التي تدل على أن التوبة تجب ما كان قبلها.
وفيه دليل على أن المحتضر الذي حضره الموت ولم يمت يضجع على جنبه للقبلة، وكذا بعد موته، وعلى أن الميت إذا أنزل القبر يوضع في اللحد على جنبه الأيمن للقبلة ولم أجد من استدل به على هذا (1).
(1) انظر: "العزيز شرح الوجيز" 5/ 216، "المجموع" 5/ 299.