الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب في هَدايا العُمّالِ
2946 -
حدثنا ابن السَّرْحِ وابْنُ أَبِي خَلَفٍ - لَفْظُهُ - قالا: حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِديِّ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقال لَهُ: ابن اللُّتْبِيَّةِ -قالَ ابن السَّرْحِ: ابن الأُتْبِيَّةِ- عَلَى الصَّدَقَةِ فَجاءَ فَقال: هذا لَكُمْ وهذا أُهْديَ لي. فَقامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الِمنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وقالَ: "ما بالُ العامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجيءُ فَيَقُولُ: فذا لَكُمْ وفذا أُهْديَ لي. أَلَاّ جَلَسَ في بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدى لَهُ أَمْ لا؟ لا يَأْتي أَحَد مِنْكُمْ بِشَيء مِنْ ذَلِكَ إِلَاّ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ إِنْ كانَ بَعِيرًا فَلَهُ رُغاءٌ أَوْ بَقَرَةً فَلَها خُوارٌ أَوْ شاةً تَيْعَرُ" .. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ"(1).
* * *
باب في هدايا العمال
[2946]
(حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) القطيعي، شيخ مسلم (لفظه قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعد بن المنذر، وقيل: اسمه المنذر (الساعدي (الأنصاري المدني رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد) يعني: من أزد شنوءة، ورواية لمسلم (2):(من الأسد) بسكون السين بدل الزاي (يقال له) عبد الله (ابن اللتبية) بضم اللام وسكون التاء، هذا هو الصواب نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة (3).
(1) رواه البخاري (1505، 2597)، ومسلم (1832).
(2)
(1832).
(3)
"شرح مسلم" للنووي 12/ 219.
(قال) أحمد ([ابن السرح] (1): ابن الأتبية) قال عياض: صوابه: الأتبية. بسكون التاء باثنتين من فوقها يعني: مع ضم الهمزة (2)(على الصدقة) وفي رواية لمسلم: على صدقات بني سليم.
(فجاء) ولمسلم: فلما جاء حاسبه (فقال: هذا لكم وهذا) الشيء (أهدي لي)، كذا الرواية، ورواية الصحيح (3): أهدي إليَّ وهو الأصل، ولمسلم (4): وهذِه هدية (فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر) فيه القيام في الخطبة والوعظ (فحمد الله تعالى وأثنى عليه) بما هو أهله، فيه افتتاح الخطبة وكل أمر مهم بحمد الله تعالى والثناء عليه، وفي البخاري: إن هذِه الخطبة كانت عشية بعد الصلاة.
(وقال: ما بال العامل) أي: ما حاله، والبال من الألفاظ المشتركة
(1) سقط من (ع).
(2)
هذا الكلام منقول عن القاضي عياض بواسطة القرطبي في "المفهم" 12/ 84، والذي في "المشارق" للقاضي عياض خلاف هذا وهذا نصه: اللتبية بضم اللام بغير همزة وبفتح التاء وكذا جاء في البخاري في آخر الزكاة في باب من لم يقبل الهدية لابن السكن وصوابه كذلك إلا أنه مسكن التاء وبنو لتب: بطن من العرب قاله ابن دريد وعلى هذا الوجه الصواب ضبطه الأصيلي مرة في باب محاسبة العمال وابن السكن وفي باب الهبة. انظر: "المشارق" 1/ 70 وأصرح من هذا قول القاضي عياض: وكذلك الليثي غير مسمى وفي الصرف في كتاب مسلم منسوبون إلى بني ليث ويشتبه بنسبه اللتبي ممن ينتسب إلى لتب بضم اللام وسكون التاء باثنتين فوقها وآخرها باء منهم فيها ابن اللتبيه ويقال: الأتبية وهو وهم ذكرناه في الهمزة. انظر: "المشارق" 1/ 370. وكذا هو في "إكمال المعلم" 1/ 103 اللتبية وتوهيم الأتبية. وعليه فالذي يبدو أن هذا النقل عن القاضي عياض فيه وهم والله أعلم.
(3)
"صحيح مسلم"(1832).
(4)
(1832).
تفسر في كل موضع بما يليق به (نبعثه) ولمسلم: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله" فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي) ولمسلم: " هذا مالكم، وهذِه هدية ". وفيه دليل على كثرة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وحسن ملاطفته أصحابه، وذلك أنه كان لا يواجه أحدًا بمكروه بل إن وقع منه ما لا يليق قام خطيبًا فحمد الله ثم قال:"ما بال أقوام يفعلون كذا".
في هذا الحديث دلالة واضحة على أن هدايا العمال والقضاة والأمراء وكل من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامة لا يجوز وهو حرام قبوله وأكله سحت ورشوة، بل لا يدخل في ملكه ويجب رده على صاحبه ويجب عليه عند موته أن يوصي به (1) لصاحبه (2).
(ألاّ) بالتشديد (جلس في بيت) يحتمل أن يكون همزة ألا مبدلة من همزة التقدير هلا جلس (3) في بيت (أمه أو أبيه) ورواية الصحيح (4): "أفلا قعد في بيت أمه وأبيه"(5).
فينظر) بالنصب بأن المقدرة؛ لأنه بعد استفهام، ولفظ مسلم:"حتى يبصر"(أيهدى إليه) شيء (أم لا؟ ! ) فيه بيان السبب في تحريم الهدية وهو الولاية فإن الذي يهدي للأمير إنما يهدي رهبة منه فيداريه، أو رغبة في أن يحتاج إلى حكومة عنده فيراعيه فيها، ويحمله إحسانه
(1) سقط من (ر).
(2)
انظر: "شرح السنة" للبغوي 5/ 498، "شرح مسلم" للنووي 12/ 219.
(3)
في (ر) جلست.
(4)
البخاري (6260)، ومسلم (1832).
(5)
زاد بعدها في (ع)، (ل): بواو الجمع.
إليه بالهدية على الحكم له ويحسن ذلك له وإن كان دينًا؛ لأن حبك للشيء يعمي ويصم عن معايبه فيحرم قبولها ويجب ردها على صاحبها وإن تعذر كانت لبيت المال، زاد البخاري:" والذي نفسي بيده "(لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك) كثير أو قليل؛ لأنه في موضع النهي (إلا جاء به يوم القيامة) زاد البخاري: "يحمله يوم القيامة".
(إن كان) الذي أخذه (بعيرًا) جاء يحمل يوم القيامة بعيرًا كاملًا لا ينقص منه شيء (فله رغاء) بضم الراء وتخفيف الغين المعجمة مع المد، وهو (1) صفة للبعير. والرغاء صوت ذوات الخف، يقال: رغا البعير إذا صاح عند التحميل. فإن قيل: أين جواب الشرط؟ قيل: محذوف كما تقدم؛ فإن المذكور يدل عليه، والتقدير: إن كان بعيرًا يحمله على رقبته، وكذا في البقرة بعده.
(وإن كانت) الذي أخذها (بقرة) جاء يوم القيامة يحملها على رقبته (لها خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو، وروي: جؤار بضم الجيم بعدها همزة ومعناها: الصوت. وفي حديث موسى: " له خوار " أي: صوت عال.
(أو) كانت (شاة تيعر) بفتح المثناة فوق وسكون المثناة تحت وفتح العين المهملة، ويجوز الكسر يعني: تصيح، واليعار صوت الشاة، وفيه تعظيم قبول هدايا العمال والقضاة والأمراء وتغليظ إثم فاعله، وليس لأحد أن يترخص في هدايا الأمراء بما روي أن معاذًا أباح له
(1) في (ر): له.
النبي صلى الله عليه وسلم الهدية حين وجهه إلى اليمن؛ لأن هذا لم يجيء في الصحيح، ولو صح لكان مخصوصًا بمعاذ لما علم من حاله في زهده وورعه ما يمنعه من الوقوع في محذور (1).
(ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة) ولمسلم: عفرتي بالتثنية بضم العين المهملة وهو أصح من الفتح (إبطيه) قال الأصمعي وآخرون: عفرة الإبط، وتقدم بياض إبطه صلى الله عليه وسلم هي البياض ليس بالناصع، بل فيه شيء كلون الأرض مأخوذ من عفر الأرض بفتح العين والفاء وهو وجهها (2) (ثم قال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت) وللبخاري (3):"ألا هل بلغت". ثلاثًا و (هل) هنا بمعنى قد كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (4)، أو هو استفهام تقريري.
* * *
(1) انظر: "المفهم" 12/ 84، 85.
(2)
انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 516، "الفائق" 3/ 6، "تاج العروس" 1/ 3213.
(3)
(2597).
(4)
الإنسان: 1.