الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - باب في الذَّبِيحَةِ بِالمَرْوَةِ
2821 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبو الأحوَصِ، حدثنا سَعِيدُ بْن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبايَةَ ابْنِ رِفاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: أَتَيْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّا نَلْقَى العَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنا مُدىً أَفنَذْبَحُ بِالمَروَة وَشِقَّةِ العَصا؟ فَقالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرِنْ أَوْ أَعْجلْ ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا ما لَمْ يَكُنْ سِنّا أَوْ ظُفْرًا، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمّا الظُّفْرُ فَمُدى الحَبَشَةِ" وَتَقَدَّمَ بِهِ سَرَعان مِنَ النّاسِ فَتَعَجَّلُوا، فَأَصابُوا مِنَ الغَنائِمِ وَرَسُولُ اللهِ في آخِرِ النّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورًا، فَمَرَّ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالقُدُورِ فَأَمَرَ بِها فَأُكفِئَتْ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ فَعَدَلَ بَعِيرًا بعَشْرِ شِياهٍ وَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ القَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَماهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللهَ، فَقالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ لهذِه البَهائِمِ أَوابِدَ كأَوابِدِ الوَحْشِ، فَما فَعَلَ مِنْها هذا فافْعَلُوا بِهِ مِثْلَ هذا"(1).
2822 -
حدثنا مُسَدَّد، أَنَّ عَبْدَ الواحِدِ بْنَ زِيادٍ وَحَمّادًا حَدَّثاهمْ -المَعْنَى واحِدٌ - عَنْ عاصم، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوانَ أَوْ صَفْوانَ بْنِ مُحَمَّدٍ قال: اصَّدْتُ أَرْنَبَيْنِ فَذَبَحْتُهُما بِمَرْوة، فَسَألتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُما، فَأَمَرَني بِأكْلِهِما (2).
2823 -
حدثنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا يَعْقُوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني حارِثَةَ أَنَّهُ كانَ يَرْعَى لِقْحَةً بِشِعْبٍ مِنْ شِعابِ أُحُدٍ، فَأَخَذَها المَوْتُ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَنْحَرُها بِهِ، فَأَخَذَ وَتَدًا فَوَجَأَ بِهِ في لَبَّتِها حَتَّى أُهْريق دمُها، ثمَّ
(1) رواه البخاري (2488، 2507، 3075، 5498، 5506، 5509، 5543)، ومسلم (1968).
(2)
رواه النسائي 7/ 197، 225، وابن ماجه (3244)، وأحمد 3/ 471.
وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 371، والألباني في "صحيح أبي داود"(2513)، وفي "الإرواء"(2496).
جاءَ إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَه بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ بِأكلِها (1).
2824 -
حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَربٍ، عَنْ مُريِّ بْنِ قَطَريّ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ، قال: قُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَحَدُنا أَصابَ صَيْدًا وَلَيْسَ مَعَه سِكِّين أَيَذْبَحُ بِالَمروَة وَشِقَّةِ العَصا؟ فَقالَ: "أَمْرِرِ الدَّمَ بِما شِئْتَ واذكر اسم اللهِ عز وجل "(2).
* * *
باب في الذبيحة بالمروة
المروة ستأتي.
[2821]
(حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (حدثنا سعيد بن مسروق) الثوري، الكوفي (عن عباية) بفتح العين (ابن رفاعة) بن رافع بن خديج (عن أبيه، عن جده رافع بن خَدِيج (3) بن رافع، بن (4) عدي، استصغر يوم بدر، وشهد أحدًا، وأصابه يومئذٍ سهم (قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنا نلقى العدو غدًا وليس معنا) فيه ما يشعر باستشعارهم النصر والظفر، وأخذ الغنيمة التي يذبحون منها، إما بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك، أو بما أوقع الله
(1) رواه أحمد 5/ 430، والبيهقي 9/ 250، 281.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2514).
(2)
رواه النسائي 7/ 225، وابن ماجه (3177)، وأحمد 4/ 256، 258. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 251، والألباني في "صحيح أبي داود" (2515).
(3)
خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة. "تهذيب الأسماء واللغات" ص 261.
(4)
في (ر): عن. وهو خطأ.
في قلوبهم من نصرة المسلمين على أعدائهم (مدىً) بضم الميم وفتح الدال المهملة، مقصورة منون، جمع مدية، ونظيره في الصحيح: قُربة وقُرب، والمدية الشفرة، وقد تكسر ميمها وقد تفتح أيضًا، قيل: سميت بذلك؛ لأنها تقطع مدة حياة الحيوان، وزاد في رواية الصحيحين:"أفنذبح بالقصب؟ "(1)(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرن) قال القرطبي: اختلف الرواة في تقييده على أربعة أوجه، وقيد في أبي داود بإسكان الراء، فقيل: هو بمعنى أدم الحز ولا تفتر، من رنوت إذا أدمت النظر إلى الشيء، قال: ويلزم على هذا أن يكون مضموم النون يعني: والهمزة أوله؛ لأنه أمر من رنا يرنو ولم يحقق ضبطه كذلك.
قال الخطابي: هذا حرف طال ما استثبت فيه الرواة، وسألت عنه أهل العلم باللغة فلم أجد عند أحد منهم شيئًا يقطع بصحته، وطلبت له مخرجًا فرأيته يتجه بأن يكون مأخوذًا من قولهم: أران (2) القوم فهم مرينون، إذا هلكت مواشيهم، فيكون المعنى: أهلكها ذبحًا، وأزهق نفسها بكل ما أنهر الدم غير السن والظفر، وقيده بعض رواة البخاري: أرن (3) بكسر الراء وسكون النون، مثل: أقم، الثاني قيده الأصيلي: أرني (4) بكسر النون بعدها ياء المتكلم، الثالث: قيده بعض رواة مسلم كذلك إلا أنه سكن الراء، الرابع: بكسر الراء وسكون
(1) البخاري (2488، 3075، 5498)، ومسلم (1968/ 22).
(2)
في النسخ: أراني، انظر:"غريب الحديث" للخطابي 1/ 385 - 386، و"المفهم" 5/ 370 - 371.
(3)
من (ل).
(4)
من (ر): الواو.
النون كما تقدم.
قال بعض علمائنا: بمعنى أنشط وأسرع وأعجل، كأنه يشير إلى أنه شك من الراوي، ثم قال: وهذِه غفلة؛ إذ لو كان بمعنى النشاط لزم أن يكون مفتوح الراء؛ لأن ماضيه: أرن بكسر النون يأرن بالفتح فهو أرن، أي: نشط، وقياس الأمر من هذا أن تجتلب له همزة وصل مكسورة، وأما تقييد الأصيلي فمعناه: أرني سيلان الدم.
قال: وعلى هذا يبعد أن تكون أو للشك، بل للجمع بمعنى الواو، أي: أرن وأعجل (أو أعجل) كأنه طلب منه الاستعجال، وأن يريه دم ما ذبح، وسكون الراء (1) في رواية مسلم هو تخفيف المكسورة، لغة معروفة، قرأ بها ابن كثير في:{أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (2).
(ما أنهر الدم) أي: أسأله وصبه بكثرة، وهو مشبه بجري الماء في النهر، يقال: نهر الدم وأنهرته أنا. قال عياض: وذكره الخشني: أنهز بالزاي بمعنى دفع، والنهز الدفع، وهو غريب، وما في ما أنهر موصولة مبتدأ (3) (وذكر اسم الله عليه) وجوابه:(فكلوا) والفاء فيه مثلها في: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53](4)، ويجوز أن تكون (ما) شرطية فالفاء حينئذٍ في جواب الشرط، ولابد في هذِه الجملة من ضمير يعود على ما، والتقدير: فكلوا من مذبوحه.
(1) من (ل).
(2)
الأعراف: 143.
(3)
"إكمال المعلم " 6/ 212.
(4)
النحل: 53.
واعلم أنهم لما سألوه: أفنذبح؟ بالقصب، وفي رواية في الصحيح: أفنذبح بالليط (1) وهو قشور القصب، وفي الرواية الآتية: بالمروة.
وأجابهم بجواب جامع لهذِه الثلاثة وغيرها، فكل ما أسال الدم يصح الذبح به، أو كان محدد الأسفل (ما لم يكن سنّا) فيه حذف تقديره: ما لم يكن المذبوح به سنًّا (أو ظفرًا) وقول ابن القطان (2): ما لم يكن سنًّا أو ظفرًا مدرج من كلام رافع (3) مردود، وقد بين خطأه في ذلك تلميذه ابن المواق في كتاب "بغية النقاد".
(وسأحدثكم عن ذلك) عن علة ذلك (أما السن فعظم) قال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط": في ذلك أدلة واضحة على أنه كان مقررا كون الذكاة لا تحصل بالعظم. قال: ولم أجد بعد البحث أحدًا ذكر ذلك (4) وكأنه عندهم تعبدي. وكذا نقل عنه ابن عبد السلام أنه قال: للشرع علل [تعبدنا بها](5) كما أن له أحكامًا تعبدنا بها، أي: وهذا من ذلك، وفي "مشكل الصحيحين" لابن الجوزي: إن ترك الذبح بالعظم كان معهودًا عند العرب فأشار عليه السلام بذلك (6). وعلل
(1) أخرجه مسلم (1968).
(2)
في الأصلين: العطار. والمثبت الصواب، انظر:"بيان الوهم والإيهام" 2/ 290 - 291، "فتح الباري" 9/ 672.
(3)
"بغية النقاد النقلة" 2/ 258 - 259.
(4)
هكذا في الأصول، وأما ما جزم به ابن القطان أنه مدرج هو قوله بعده: وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم .. . انظر المرجعين السابقين.
(5)
انظر: "الفتح" 9/ 629
(6)
"كشف المشكل من حديث الصحيحين" 2/ 184.
النووي وغيره بأنه ينجس بالدم وهي طعام الجن؛ ولهذا نهى عن الاستنجاء بها (1).
(وأما الظفر) الألف واللام فيه للجنس ولذلك وصفها بالجمع، وهذا نظير قول العرب: أهلك الناس الدرهم البيض (فمدىً) جمع مدية (الحبشة) تقدير هذا التعليل أن الحبشة كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم. قاله ابن الصلاح، ثم النووي، وقيل: نهى عن السن والظفر؛ لأنه تعذيب وخنق على صورة الذبح، والحبشة والحبش جنس من السودان.
(وتقدم به سرعان) بفتح السين والراء (من الناس) أي: أخفاؤهم والمستعجلون منهم، وضبطه بعضهم بسكون الراء، وضبطه الأصيلي بضم السين وسكون الراء، جمع سريع كقفيز وقفزان، والصواب الذي قاله الجمهور الأول فتعجلوا، فأصابوا من الغنائم) إبلًا وغنمًا (ورسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الناس، فنصبوا) أي: رفعوا (قدورًا) للطبخ، وفيه حذف كلام تقديره: فذبحوا ونهبوا لحمًا وضعوه في القدور ونصبوا تلك القدور (فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدور، فأمر بها (2) فأكفئت) فيه حذف أيضًا تقديره: فأمر بالقدور أن تكفأ فأكفئت، أي: قلبت وأريق ما فيها.
واختلف في سبب الأمر بذلك، فالصحيح أنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام وأعجل الذين لا يجوز لهم الأكل من طعام الغنيمة والتبسط فيها، وإنما يباح لهم ذلك في دار الحرب.
وقيل: إن ذلك عقوبة؛ لاستعجالهم في السير وتركهم النبي صلى الله عليه وسلم في
(1)"شرح مسلم" للنووي 13/ 125.
(2)
جاءت في النسخ بعد قوله: فأكفئت. ولعل الصواب ما أثبتناه.
أخريات القوم معرضًا لمن يقصده من عدو ونحوه، قاله ابن أبي صفرة. وهو بعيد جدًّا.
وقيل: لأنهم قد انتهبوا ذلك، ولم يأخذوه باعتدال وعلى قدر الحاجة، قاله القاضي (1)، ولهذا جاء في رواية: فأمر بإكفاء القدور، وقال:"لا تحل النهبة"(2).
قال النووي: واعلم أن المأمور به في إراقة القدر إنما هو إتلاف لنفس المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يلقوه، بل يجمع على أنه جمع ورد إلى الغنيمة، ولا تظن أنه عليه السلام أمر بإتلافه؛ لأنه مال الغانمين وقد نهى عن إضاعة المال، وهذا بخلاف إلقاء لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فإنه أتلف ما فيهما من لحم ومرق لأنها صارت نجسة، ولهذا قال عليه السلام:"إنها رجس" أو "نجس" وأما هذِه اللحوم فكانت ظاهرة منتفعًا بها بلا شك، وسيأتي له تتمة (3).
(وقسم بينهم) الغنائم (فعدل) كضرب إذا جعلته مثله قائمًا مقامه، قال الله تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (4)، لكن الرواية هنا (5): عدل بضم العين وكسر الدال (بعيرًا بعشر شياه) لفظ البخاري: فعدل
(1)"إكمال المعلم" 6/ 421.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(22759)، والطبراني في "الكبير" 2/ 83 (1374).
(3)
"شرح مسلم" للنووي 13/ 127.
(4)
الأنعام: 1.
(5)
من (ل).
عشرة من الغنم ببعير (1). ومعنى التعديل في هذِه القسمة أن ذلك كان باعتبار القيمة، فكانت الإبل نفيسة بحيث تكون قيمة كل بعير منها عشرة من الغنم، وقد علم من ذلك أنه لا تعادل بينه وبين قاعدة الشرع في الأضاحي في إقامة البعير مقام سبع شياه؛ لأن هذا هو الغالب في قيمة الشاة والإبل المعتدلة (وند) بفتح النون وتشديد الدال أي: هرب. قال الجوهري: ند البعير يند ندًّا نفر وذهب على وجهه شاردًا (2)، ومنه قراءة الضحاك وأبي العالية (يوم التنادّ) بالمد وتشديد الدال، وهي قراءة ابن زياد عن حمزة (بعير من إبل القوم، فأعياهم) إمساكه، أي: أتعبهم (ولم يكن معهم خيل) ظاهره لو تيسر لحوقه بفرس فمقدور عليه. (فرماه رجل) منهم (بسهم، فحبسه الله) أي: بذلك السهم حين جعله سببًا لحبسه، فالله تعالى فاعل الأسباب وخالق المسببات.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذِه البهائم أوابد) بفتح الهمزة والواو وكسر الباء الموحدة، قال ابن دقيق العيد: جمع آبدة، وهي تأبدت أي نفرت وتوحشت (3) من الإنس، ومعنى الحديث: إن في البهائم ما فيه نفار كنفار الوحش، ويقال: جاء فلان ما بآبدة، أي: بكلمة غريبة أو خصلة منفرة للنفوس، ويجوز أن تكون فاعلة بمعنى مفعولة (كأوابد الوحش) وفي بعض الروايات:"كأوابد الخيل"، وهو صحيح؛ فإن
(1)"صحيح البخاري"(2488).
(2)
"الصحاح" 2/ 105.
(3)
"إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (480).
النفرة تكون في الخيل كنفرة الوحوش.
(فما فعل منها هذا) أي إذا ند منها واحد (فافعلوا به مثل هذا) وفيه دليل لإباحة عقر الحيوان حين يند ويعجز عن ذبحه ونحره، وأنه يكفي في الناد والمتردي في البئر ونحوه جرح يفضي إلى الزهوق فهو كالصيد (1)؛ لما روى ابن عدي من حديث إسماعيل، عن عياش، عن حرام بن عثمان، عن أبي عتيق، عن جابر رضي الله عنه: كل إنسية توحشت فذكاتها ذكاة الوحشية (2). ومشهور مذهب مالك أنه لا يؤكل إلا بذكاة، وحمل أصحابه حديث الباب على أن الناد ذكي بعد حبسه بالسهم (3).
[2822]
(حدثنا مسدد، أن عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (وحمادًا) بن زيد (حدثاهم، المعنى واحد، عن عاصم) بن سليمان الأحول (عن) عامر بن شراحيل (الشعبي، عن محمد بن صفوان) الأنصاري (أو صفوان بن محمد) وقيل: عبد الله بن صفوان، له في "مسند أحمد" أيضًا، وقيل: هو محمد بن صيفي، والأول أصح (4) (قال: اضَدت) بصاد مشددة وسكون الدال، هكذا الرواية، وأصله: اصطدت كما في رواية النسائي (5)، فقلبت الطاء صادًا وأدغمت، مثل اصبر بتشديد الصاد وأصله اصطبر، وأصل الطاء مبدلة
(1)"شرح مسلم" للنووي 13/ 126.
(2)
أخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/ 447. وراجع "البدر المنير" 9/ 249، "تلخيص الحبير" 4/ 135.
(3)
انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 418.
(4)
انظر: "الاستيعاب" 2/ 724.
(5)
النسائي (4411).
من تاء افتعل (1)(أرنبين) ولابن ماجه: أرنبتين (2) بزيادة تاء التأنيث، والأرنب: حيوان قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة، ويكون عاما [ذكرا وعاما أنثى] (3) كما في الضبع (فذبحتهما) لفظ النسائي: عن محمد بن صفوان أنه أصاب أرنبين ولم يجد حديدة فذكاهما (بمروة)(4) وهي حجر أبيض براق، وقيل: هي التي يقدح منها النار، ومروة السعي التي ذكر مع الصفا هي أحد رأسيه اللذين ينتهي السعي إليهما، سميت بذلك، والمراد في الحديث جنس الأحجار لا المروة نفسها، قاله في "النهاية"(5). (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فأمرني بأكلهما) أي: رخص لي في أكل اللحم منهما.
ولفظ ابن ماجه في رواية زيد بن ثابت: أن ذئبًا نيب لي (6) شاة فذبحوها بمروة، فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكلها (7).
وفيه دليل على جواز الذبح بكل حجر محدد أنهر الدم، وفي معناه كل محدد من خشب أو قصب أو زجاج (8).
(1)"النهاية" لابن الأثير 3/ 138.
(2)
أخرجه ابن ماجه (3175)، وليس في النسخة التي بين يدي لفظة: أرنبتين. ولم أقف عليها في الشروح.
(3)
من (ل).
(4)
"سنن النسائي"(4411).
(5)
"النهاية" 4/ 684.
(6)
كذا في الأصل، وفي "السنن": نيب في.
(7)
ابن ماجه (3176).
(8)
انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 123.
وفيه دليل على جواز أكل الأرنب؛ لأنها حيوان مستطاب ليس بذي ناب، فأشبه الظبي (1)، قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافًا إلا شيئًا روي عن عمرو بن العاص (2).
[2823]
(حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن القاري من القارة.
(عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة، ابن الخزرج وهم بطن من الأنصار (أنه كان يرعى لقحة) بكسر اللام والفتح لغة، وهي الناقة ذات اللبن لقرب عهدها بالنتاج، والجمع لِقَح كسدرة وسدر، ولقح كقصعة وقصع، وناقة لقوح إذا كانت غزيرة اللبن، وسئل ابن عباس عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما غلامًا والأخرى جارية فهل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا؛ لأن اللقاح واحد (بشعب) بكسر الشين وهو الطريق، وقيل: الطريق في الجبل (من شعاب أحد) بضم الهمزة والحاء جبل بالمدينة معروف.
(فأخذها) سبب (الموت) من مرض ونحوه، فالتمس سنًّا ينحرها به (فلم يجد شيئًا ينحرها به) مما له حد (فأخذ وتدًا) بكسر التاء في لغة الحجاز الفصحى وفتح التاء لغة (فوجأ به) أي: ضرب به وطعن (في لبتها) بفتح اللام وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، فيه دليل
(1) في الأصلين: الضبي، وفي "المغني" 11/ 6: الظبي، وفي "الشرح الكبير": 11/ 83 الضب.
(2)
"المغني" 11/ 66.
على أن السنة في الإبل النحر وهو قطع اللبة التي أسفل العنق، فلو خالف وذبح الإبل في قطع الحلق الذي على العنق جاز، والمعتبر في الموضعين قطع الحلقوم والمريء. وفيه دليل على أنه يجوز الذبح بالخشب الذي له حد يقطع به كما ذكر.
(حتى أهريق) بضم الهمزة وسكون الهاء تشبيها بأسطيع بحذف التاء التي قبل الطاء كان الهاء جعلت زائدة عوضًا عن حركة التاء في الأصل (دمها) بالرفع في أهريق جمع بين البدل والمبدل، فإن الهاء في هراق الماء بدل من الهمزة.
(ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك) فيه الذهاب إلى أهل العلم ليسألهم عما حدث له عند اشتباه الحكم عليه، والظاهر أن هذا الذهاب كان قبل أن يأكل [من لحمها ولا أحد من جهته](1).
[2824]
(حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن سماك بن حرب، عن مري) بضم الميم وكسر الراء وتشديد الياء المثناة تحت (بن قطري) بفتح القاف والطاء وكسر الراء الكوفي (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله الطائي ولد حاتم الموصوف بالجود، كان شريفا في قومه خطيبًا، قال لعمر إذ قدم عليه، قال:[ما أظنك تعرفني وإني أول .. . صدقة .. . بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة طيء، فقال: أعرفك؛ آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، وأوفيت إذ غدروا](2).
(1) من (ل).
(2)
هكذا في الأصلين وفيه اختصار وسقط وخلل وهذا نصه كما في "الاستيعاب" 3/ 1058 عن الشعبي، أن عدي بن حاتم قال لعمر بن الخطاب إذ قدم عليه: ما أظنك تعرفني فقال: كيف لا أعرفك وأول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة=
(قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت) معنى أخبرني (إن) بكسر الهمزة وتخفيف النون شرطية (أحدنا) فاعل لفعل محذوف تقديره: إن أصاب أحدنا؛ لأن إن هي أحد حروف الشرط، فهي مختصة بأن يليها الفعل أولى.
(أصاب صيدًا وليس معه سكين) رواية أحمد: أرأيت أحدنا إذا صاد صيدًا وليس معه سكين (أيذبح بالمروة) يعني: الصوان، لفظ ابن ماجه: فلا يجد سكينًا إلا الظرارة (1). يعني: بكسر الظاء المعجمة وتخفيف الراء المكررة جمع ظرر، وهو حجر صلب محدد (2) (وشقة) بكسر المعجمة (العصا) ما شق منها ويكون محدودًا. قال ابن مالك: الشقة بالفتح المرة، وبالكسر القطعة من الشيء، ولفظ النسائي: فأذبحه بالمروة وبالعصا؟ (3).
(فقال: أمرر) بفتح الهمزة وسكون الميم وراءين مهملتين الأولى مشددة.
(الدم بما شئت) قال في "النهاية": جاء في "سنن أبي داود" و"النسائي": "أمرر". براءين مظهرتين، ومعناه: اجعل الدم يمر أي: يذهب، فعلى هذا من رواه مشددًا يكون قد أدغم، وليس بغلط كما قال الخطابي. بل أدغم الإظهار المذكور، ويروى بتخفيف الراء
=طي أعرفك آمنت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا.؟ وانظر: "تاريخ دمشق" 40/ 84.
(1)
"سنن ابن ماجه"(3177).
(2)
راجع "النهاية" لابن الأثير 3/ 347، "الفائق" 2/ 375.
(3)
"سنن النسائي"(4413)
الواحدة المكسورة، أي: استخرجه وأجره بما شئت من مرى [الزرع](1) يمْر به، ويروى: أمر الدم. من مار يمور إذا جرى وأماره: غيره (واذكر اسم الله تعالى) والمراد منه التسمية كما تقدم.
* * *
(1) هكذا في الأصلين، والصواب: الضرع. فهكذا يصح المعنى وهكذا هي في كتب اللغة والغريب ومنها "النهاية" 4/ 684، وفيه [إمْرِ الدَّمَ بما شئتَ] أي اسْتَخْرجْهُ وأجْرِه بما شئتَ. يريد الذّبْحَ. وهو من مَرى الضَّرْعَ يَمرِيهِ. وانظر:"إصلاح غلط المحدثين" للخطابي 1/ 37.