الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - باب في تَدْوِينِ العَطاءِ
2960 -
حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا إِبْراهِيمُ -يَعْني: ابن سَعْدٍ- حدثنا ابن شِهابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ الأَنْصاريِّ أَنَّ جَيْشًا مِنَ الأَنْصارِ كانُوا بِأَرْضِ فارِسَ مَعَ أَمِيرِهِمْ، وَكانَ عُمَرُ يُعْقِبُ الجُيُوشَ في كُلِّ عامٍ فَشُغِلَ عَنْهُمْ عُمَرُ، فَلَمّا مَرَّ الأَجَلُ قَفَلَ أَهْلُ ذَلِكَ الثَّغْرِ، فاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَتَواعَدَهُمْ -وَهُمْ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالُوا يا عُمَرُ إِنَّكَ غَفَلْتَ عَنّا وَتَرَكْتَ فِينا الذي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِعْقابِ بَعْضِ الغَزِيَّةِ بَعْضًا (1).
2961 -
حدثنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ، حدثنا محَمَّد بْنُ عائِذٍ، حدثنا الوَلِيدُ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَني فِيما حَدَّثَهُ ابن لِعَديِّ بْنِ عَديٍّ الكِنْديِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ كَتَبَ إِنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ مَواضِعِ الفَيء فَهُوَ ما حَكَمَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه فَرَآهُ المُؤْمِنُونَ عَدْلاً مُوافِقًا لِقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"جَعَلَ اللهُ الحَقَّ عَلَى لِسانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ". فَرَضَ الأَعْطِيَةَ وَعَقَدَ لأهلِ الأَدْيانِ ذِمَّةً بِما فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الجِزْيَةِ لَمْ يَضْرِبْ فِيها بِخُمُسٍ وَلا مَغْنَمٍ (2).
2962 -
حدثنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حدثنا زهَيْرٌ، حدثنا مُحَمَّد بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ مَكْحُولِ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ وَضَعَ الحَقَّ عَلَى لِسانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ "(3).
* * *
(1) رواه ابن الجارود في "المنتقى"(1095)، والبيهقي 9/ 29.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2622).
(2)
رواه البيهقي 6/ 259 وأعله بالانقطاع.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(516).
(3)
رواه ابن ماجه (108).
باب في تدوين العطاء
[2960]
(حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري العوفي المدني (ثنا) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري) السلمي المدني، أخرج له مسلم (أن جيشًا من الأنصار كانوا بأرض فارس) وهي مملكة تشتمل على عدة من المدن ودار مملكتها شيراز، سميت فارس بذلك؛ لأنه سكنها فارس بن عابور بن يافث بن نوح عليه السلام، ذكره علي بن كيسان (1).
(مع أميرهم، وكان عمر رضي الله عنه يعقب) بضم أوله ويجوز إسكان العين مع تخفيف القاف وفتح العين مع تشديد القاف، والتعقيب والإعقاب كما قال في "النهاية": هو أن يكون الغزو بينهم نوبًا، فإذا خرجت طائفة ثم عادت لم تكلف أن تعود ثانيةً، بل تبعث طائفة أخرى غيرها يقيمون مكانهم وينصرف أولئك إلى أهاليهم؛ لئلا يطول عليهم وعلى أهلهم الغربة فيتضرروا بذلك (2).
قال الهروي: يقال: عقب الغزاة وأعقبوا إذا وجه مكانهم غيرهم ليردوا إلى أهلهم قريبًا، ومنه الحديث: فإن كل غازية غزت يعقب بعضهم بعضًا (3)(الجيوش في كل عام) مرة (فشغل) بضم الشين وكسر الغين (عنهم عمر) فلم يبعث لهم من ينوب عنهم إلى أن يعودوا إلى أهليهم.
(1) انظر: "معجم البلدان" 4/ 226.
(2)
"النهاية" 3/ 526.
(3)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 243، "الفائق" للزمخشري 2/ 26.
(فلما مر الأجل) ولم يحضر إليهم أحد (قفل) أي: رجع (أهل ذلك الثغر) الذي بأرض فارس (فاشتد عليهم) أي: تغيظ عمر (وتواعدهم) بالعقوبة، يقال: وعد في الخير، وأوعد وتوعد في الشر (1)، كما قال الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف العادي ومنجز موعدي (2)
(وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولهم حق الصحبة وحرمة قدرها (فقالوا: يا عمر، إنك غفلت) بفتح الفاء (عنا وتركت فينا) جار ومجرور متعلق بالمحذوف المقدر بعده وهو مفعول تركت، والتقدير: تركت العمل فينا (الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومن حذف المفعول قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} (3) أي: سفههم، ومن:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)} (4).
(من إعقاب) بكسر الهمز مصدر أعقب كما تقدم (بعض الغزية) بفتح الغين المعجمة جمع غازية كما يقال في المذكر الصحيح: حجيج حاج، والغازية تأنيث الغازي وهي هاهنا صفة لجماعة غازية، ويجوز أن تكون الغزية جمع غازٍ فإن الغازي يجمع على غُزَاة وغُزَّي وغَزِيٌّ وغُزَّاءٌ كقُضَاة
(1) انظر: "النهاية" 5/ 449.
(2)
انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس"(105)، "إسفار الفصيح" للهروي باب: فعلت وأفعلت، والبيت من الطويل وهو لأبي عمرو بن العلاء. وانظر:"البصائر والذخائر" 1/ 39.
(3)
البقرة: 13.
(4)
الواقعة: 85.
وسُبَّق وحَجِيج وفُسَّاق (1).
(بعضًا) فيه دلالة على أن الإمام يبعث الجيش لقتال العدو وللإغارة عليهم في بلادهم وأقل مدة ما يفعل في كل سنة، وأنه يبعث إلى الثغور طائفة يقيمون عليها للرباط وعليهم أمير يرجعون إلى قوله.
ويستحب أن لا تغيب الطائفة المبعوثة أكثر من سنة عن أهلها، وإذا مضت السنة تحضر تلك الطائفة ويرسل طائفة أخرى عوضهم.
وقد رتب الملوك المتقدمة في ثغور الشام أمراء لكل ثغر أمير وله أتباع يقيم كل أمير في الثغر شهرًا، فإذا انتهى الشهر يستمر مقيمًا إلى أن يأتي الأمير الذي في الشهر بعده مع أتباعه، فإذا رآهم سلم عليهم ثم رجع إلى أهله، وجعلوا على الأمير أن يركب في الليل هو وجماعته، ويمشون على الساحل بالخيل والسلاح إلى الفجر، وجعلوا لهم رزقًا من بيت المال على ذلك.
وقد لحقنا بعض هذا، ولكن انقطع أثر ذلك وفسد النظام الذي تقدم، فنسأل الله العافية.
[2961]
(حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد (2) السلمي الدمشقي، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: ثقة رضى (3)(حدثنا محمد بن عايذ) بالمثناة تحت قبل الذال القرشي الدمشقي، صاحب كتاب "الفتوح
(1)"النهاية" لابن الأثير 3/ 677.
(2)
في الأصول: زيد والمثبت من كتب التراجم انظر: "تهذيب الكمال" 27/
295، "تهذيب التهذيب" 10/ 55.
(3)
"الجرح والتعديل" 8/ 292.
والمغازي"، عن ابن معين: ثقة، وقال دحيم: صدوق (1)(حدثنا الوليد) بن مسلم (حدثنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق أحد الأعلام (2)(حدثني فيما حدثه ابن لعدي بن عدي) بن عميرة أبو فروة (الكندي) سيد أهل الجزيرة الفقيه الثقة الناسك (3)(أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب: ) إلى عماله (إن من سأل عن مواضع) أي: عن مصارف (الفيء) التي يصرف فيها إلى المستحقين (فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب) رضي الله عنه فإنه أول من دون الدواوين في العرب ورتب الجرائد والدفاتر التي فيها أسماء المستحقين، وقدر استحقاقاتهم للعمال المنتصبين لحساب ذلك والقيام به (4).
ولهذا بوب عليه المصنف: باب تدوين العطاء (فرآه) أي: ورآه (المؤمنون عدلاً) يعني: في القسمة لا يميل به الهوى فيعدل عن الحق، ويحتمل أن يراد به (موافقًا) للكتاب والسنة لا يعدل عنهما ولا يخالفهما، وهذا موافق لقول عبد الله بن مسعود: ما راَه المسلمون حسنًا فهو عبد الله حسن (5).
قال العلائي: ولم أجده مرفوعًا في شيء من كتب الحديث ولا بسندٍ ضعيف بعد طول البحث عنه، وإنما هو من قول ابن مسعود موقوفًا عليه،
(1) انظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 214.
(2)
انظر: "الكاشف" 2/ 114 (4409).
(3)
"تقريب التهذيب"(5443)، "الكاشف" للذهبي (3762).
(4)
انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 3/ 282.
(5)
أخرجه أحمد في "مسنده" 6/ 84، وأبو نعيم في "الإمامة والرد على الرافضة"(201)، و"الاعتقاد" للبيهقي 1/ 322، والطبراني في "الكبير" 9/ 112.
ولكن تعضده رواية مسلم (1): " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد "، فإنه دليل على اعتبار ما استحسنه المسلمون وما هم عليه إما من جهة الأمر الشرعي، أو من جهة العادة المستقرة، فإن عموم قوله:" ليس عليه أمرنا " يشمله؛ لأن المراد: عليه أمر الإسلام.
(لقول النبي صلى الله عليه وسلم: جعل الله) ولفظ الترمذي: إن الله جعل (الحق على لسان عمر وقلبه) أي: جعل الله الحق موافقًا لما يقوله عمر بلسانه كما في رواية الترمذي (2) عن ابن عمر: ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال:
وموافقات عمر مشهورة، فكما أن الله تعالى جعل الصواب يجري على لسان عمر، كذلك يلهم الله قلبه الصواب في الظن، فإذا حدثه قلبه بشيء وغلب على ظنه كان صوابًا؛ لأن الله الذي أوقعه في قلبه.
وروى مسلم (3) والترمذي (4): " قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب رضي الله عنه ".
قال ابن وهب: تفسير محدثون: ملهمون (5).
(فرض) عمر رضي الله عنه (الأعطية) بضم الهمزة وكسر الطاء وتشديد الياء يعني: العطية وأصلها أعطوية وزن أفعولة اجتمعت الواو والياء،
(1)(1718).
(2)
(3682).
(3)
(2398).
(4)
(3693)، وهو في البخاري (3469).
(5)
"صحيح مسلم"(2398/ 23).
وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها وانكسرت الطاء لمناسبة الياء، فإن عمر رضي الله عنه فرض لكل المسلمين حقًّا في الفيء؛ لما روى عكرمة عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قرأ عمر بن الخطاب {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (1) الآية، وقرأ الآية التي في سورة الحشر حتى بلغ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} .. {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} .. {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (2) قال: استوعبت هذِه الآية المسلمين عامة، فليس أحدٌ إلا وله فيها حق.
وظاهر هذا الخبر يدل على أن لجميع المسلمين في الفيء حقًّا ثابتا. قال العلماء: ينبغي أن يتخذ الإمام ديوانًا وهو دفتر فيه أسماء أهل الديوان وأعطياتهم (3)(وعقد) عمر رضي الله عنه (لأهل الأديان) ممن له كتاب أو شبهة كتاب (ذمة) أي: عهدًا وأمانًا وحرمة، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم (بما) أي: بسبب ما (فرض عليهم من الجزية) فمن بذل الجزية في آخر كل حول لزم قبولها وحرم قتالهم؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} (4)، فجعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم، فمتى بذلوها لم يجز قتالهم (لم يضرب فيها) أي: في الجزية يعني: لمن يتحرك في أخذها من ضربان عرق الرأس وهو التحرك بقوة (بخمس)
(1) التوبة: 60.
(2)
الحشر: 8 - 10.
(3)
في (ر): أعطائهم.
(4)
التوبة: 29.
أي: لا يصرف من الجزية والفيء خمس (ولا مغنم) جمعه مغانم، وهو ما حصل بقتال.
[2962]
(حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير، حدثنا محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن غضيف) بضم الغين المعجمة وفتح الضاد المعجمة مصغر، ويقال: غطيف (بن الحارث) الحمصي الكندي، وهو آخر صحابي (عن أبي ذر) جندب بن جنادة رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى وضع الحق على لسان عمر) بن الخطاب (يقول به) كما تقدم.
* * *